| قف خاشع الطرف إجلالاً وإكباراً |
| واخفِض جبينك إذعانا وإقرارا |
| واغمس يراعك في قلب البيان وصُغْ |
| آياته الغرّ أنغاماً وأشعارا |
| واستلهم الفنّ، أعلى ما يضنّ به |
| من المعاني، وما يطويه أسرارا |
| وحي مفخرة الدنيا وواحدها |
| وأشرف الخلق أقوالاً وآثارا |
| حامي حمى الشعب بأني صرح عزَّته |
| وحارس الشعب ممن عاث أو جارا |
| "وناصر الدين" والهادي لشرعته |
| ومن رمى كبد الطغيان فانهارا |
| ومن لأمَّته أصفى مودَّته |
| فبادلته بها حُبّاً وإكبارا |
| وملَكْتهُ نواصيها.. يصرفها |
| في منهج الحقّ أنَّى شاءَ واختارا |
| مولاي؛ لم تبق للعلياء من أرب |
| ولا تركت لقلب المجد أوطارا |
| ولم تدع غايةً يسمو لها بطلٌ |
| إلاَّ وجاوزتها جاهاً ومقدارا |
| وقد تمرستَ بالأقدار قاطبَةً |
| حَرْباً وسلماً، وإِعساراً، وإيسارا |
| مواقفُ لك في التاريخ حاسمةٌ |
| تشع في صفحات الخلد أنوارا |
| لم تحو بغياً، ولا ظلماً، ولا سَرفاً |
| ولا ضلالاً، ولا غدراً، ولا عارا |
| لكن جهاد زعيم روحه خَلُصَتْ |
| لدعوة الحق إعلاناً وإسرارا |
| يَطْوي ويفترش الغبراء مغتبطاً |
| بها ويقتحم الأشواك والنَّارا |
| والبيد كم خبر تروي زوابعُها |
| عنه، وكم تنشد الكثبان أشعارا |
| وكم له ذكرياتٌ في مفاوزها |
| تحكي صداها نجوم اللَّيل أسمارا |
| إذا دجا الخطب شق الهول صاعقةً |
| وصافح الموت والأرزاء بتّارا |
| ويصفَحُ الهول إن لاقاه مرتجزا |
| (إن كنت ريحاً فقد صادفت إعصارا) |
| ولم يدع أملاً للشر أو وطراً |
| إلاَّ سقاه بكأس الشرّ تكرارا |
| ما زال من رامه كيداً يكبّ به |
| إلى الجحيم، ويلقى الخِزيَ والعارا |
| حظٌّ من الله لا رأيٌ لمجتهد |
| فيه ولكن حباه الله إيثارا |
| لا ذو المحبَّةِ يجلو سرّ عصمته |
| وجاحد الفضل لا يَسْطِيع إنكارا |
| * * * |
| مولاي أنت ملاك في حقائقه الـ |
| ـعليا تساميت همَّات وأوطارا |
| تُطِلّ من ملأ عال على ملأ |
| يموج جهلاً، وتضليلاً، وأوزارا |
| فارحمه مولاي، وانعش قَلْبَ جاهله |
| بالعلم واهدِ به من ضلَّ أو حارا |
| وتلك دعوتك الكبرى صرخت بها |
| فأصبح النَّاس في "الخضراء" أحرارا |
| واكْبت مزاعِمَ من هَانوا بأنفسهم |
| على الصواب، وقلّم ظفر من جارا |
| أنقذت أمتك الكبرى وقد زحفوا |
| إلى الجحيم بها كيداً وإضرارا |
| وقفتَ وقفة ليث أغلب وهبَتْ |
| لأمة العرب أمجاداً وأعمارا |
| علَّمت كل زعيم كيف يثبتُ للـ |
| ـطغيان من كان بالمعروف أمَّارا |
| ثبتّ وحدك في الميدان ممتطياً |
| عزماً لو انهارت الأفلاك ما انهارا |
| وفزت وحدك لم تترك لمجتهد |
| مجالَ عون، ولا استنجدت أنصارا |
| وكانت الأرض قد قامت قيامتها |
| ودمدم الأفق أهوالاً وأخطارا |
| وأسرع "البدر" بالأجناد يحشدها |
| ويبعث الأسدَ من قحطان ثوّارا |
| وصاح في القوم صوتاً ساقهم قُدُماً |
| إليك يقتحمون الشرَّ موّارا |
| و"البدر" ليثُ وغى إذْ أنت والده |
| وكنت أنت الذي رباه مغوارا |
| * * * |
| فدتك نفسي التي أحيَيْتَها كرماً |
| وصنْت عزَّتها بالجود مدرارا |
| تعفو وتصفح لا عجزاً ولا حمقاً |
| لكن حناناً وإكراماً، وإعذارا |
| وكم أحاطتْ بمغرور جرائره |
| فبات في لهوات اليأس محتارا |
| وذاب كل رجاءٍ في خواطره |
| وشاهد الموت ألواناً وأطوارا |
| وذاق كل عناءٍ من مخاوفه |
| وصارع الهول أسقاماً وأفكارا |
| وكاد يُلقي بقايا روحه مِزَقًا |
| يستفُّها اللَّيل أحزاناً وأكدارا |
| كشَّفت عنه ظلام اليأس فانبثقتْ |
| من حوله الأرض آمالاً وأنوارا |
| وراح يقطفُ حتى من مصائبه |
| وذكريات أساها الزَّهر والغارا |
| فاقبلْ تحية قلب لا يخالجه |
| إلاَّ ولاؤك إخلاصاً وإقرارا |