في هذه السَّاعة.. |
والكون هادئ ساكن، |
واللَّيل مخيمٌ خاشعْ، |
ولا يبدّد الصمت الرهيب. |
إلاَّ عواء متقطِّع يأتي من بعيد. |
ووَشْوَشة أمواج البحر. |
ترقص على تمتماتها أشعة القمر. |
التي تسّاقط عليه في بهاء وحنان. |
في هذه الساعة أناجيك. |
ولعلّ القمر والبحر يصغيان. |
لقد سئمتُ من كل شيء.. |
وكل مجهوداتي تذهب سدى.! |
لقد فسدتِ الطباعْ، |
لم يعد الإِنسان هو ذلك الذي عرفتُه.. |
قبل أن تكتسحني "العاصفة".. |
وترمي بي في "قعر نافع"؟ |
ذلك الصَّدوق المخلص. |
تحوَّلَ إلى متذمِّر شكوك.. |
وتلك "الغزالة" المطلَّة من وجه القمر. |
ألَهَا قصَّة؟ ما هي؟ وهل عرفها أحد؟ |
و"الريحاني" حين قال: |
"أنا الشرق عندي فلسفات وديانات، |
من يبيعني بها طيَّارات"؟ |
هل كان موفّقاً؟ |
وهل يوجد عندي طيَّارات، |
من يبيعني بها ديانات"؟ |
وما هي الغاية من كل ذلك؟ |
وذرة الرمل أتحسّ أنها تحتل مكاناً في الكون؟ |
واأسفاه؛ إن هذه الدنيا الرائعة.. |
ليست مائدة خلود.. |
فلماذا لماذا، لماذا كل هذا العناء؟ |
يا ربّ. إنها كلمة كبيرة يندمج فيها الوجود. |
هل الإِنسان وحدَهُ هو الذي يعرفها؟ |
أم هو وحده الذي يستطيع أن يجحدها؟ |
وأنتَ وأنا من نكون؟ |
وكيف؟ ولماذا؟ وإلى أين؟ |
وحين تخلو الأرض من الإِنسان. |
من سيناجي القمر ويفكِّر في غزالته الجميلة؟ |
لقد قرأت أن الإِنسان يفكر في الطلوع إلى القمر.. |
فهل تراهم يستطيعون؟ |
إن الإِنسان إذا فكر في شيء.. |
فإنه يستطيع أن يفعلَه. |
أظنهم سيفعلون. |
وأنهم إلى الكواكب سيطلعون. |
ولكن ماذا سيكون.؟ |
إن مجرَّد التفكير يرعبني.؟ |
خذها يا أخي مناجاة.. |
شاهِدَاها البحرُ والقمرُ. |
أحسَّ أنني أتنفس من ثقبٍ ضيِّق. |
أتكلَّم من تحت الأنقاض. |
لا أنقاض جدار هُدم.. |
بل أنقاض روحي.. |
أنا لم أعرف "أوروبا". |
لكن هذا الذي ينبض في صدري.. |
أحسّ أنه أكبر من قارة "أوروبا".! |
والصِّماخ الذي في رأسي. |
يضجّ ويدور.. وليس حول الشمس.. |
بل حول منبثق الشموس..! |
هل هذا عقل.؟ أم جنون؟ |
لا.. لا.. يا أخي.. |
لا تصدِّقني لعلَّ يراعي يهذي ويُخَرِّف.. |
لعل الحقيقة تلعنه.! |
فالقطعة التي تنبض في صدري.. |
لا تكاد تحسّ بمكانها في حناياها. |
إلاَّ إذا كانت ذرة الرَّمل.. |
تشعر أنها تحتل مكاناً في الوجود. |
وحقيقة صماخ رأسي بكماء.. |
لا تدور إلاَّ حول تابوت فنائها. |
والشرق ليس في حاجة إلى "طيارات".. |
والغرب لا تنقصه "الديانات".. |
والقوم لن يَنْفذُوا من أقطار السَّموات إلاَّ بسلطان! |
ومشلكة الإِنسان أينما كان. ومهما كان.. |
جرعة واحدة من الإِيمان. |
أو رشفة واحدة من كأس الموت.؟ |
لا.. لا.. قد رجعت عن هذا الرأي.. |
الإِنسان فقط في حاجة إلى "دخينةِ" تأمُّل. |
ينفث مع دخانها ما تراكم في صدره من حقد، |
وما تلبَّد في صماخه من خوْفٍ، |
كما أفعل الآن. |
واللَّيلُ والبحرُ والقمرْ. |
ووحدتي شهودي.! |
إنني أتذوَّق بذلك الراحة الكبرى.. |
إذا رفعت صوتك بكلماتي.. |
فستسمع معها حيرتي. وحبِّي! |
وتعلم سر مناجاتي لك بهذا الهذيان. |
وصلِّ -إن شئتَ معي- بفكر خاشع. |
وقل تلك الكلمة الكبيرة "يا رب سبحانَكْ". |
إنها تُغني عن كل فلسفة وعن كل هذيان. |
آه يا أخي، إنَّني جدّ حزين.. |
إنَّني أتصوَّرُ العاصفة الكبرى.! |
وأحزن حين لا أجد حولي من يفكِّر فيها. |
بل حتى ولا يتخيَّلها..! وإنها لمأساة..! |
إنهم سامدونْ.! سامدونَ لا يشعرون. |