يَحِقُّ لِشِعْري اليومَ أن يتحكَّمَا |
فتصغي له الدنيا، وتحتفل السَّما |
فقد طال -والأفواه تهرف- صمته |
وما استطاع قبل اليوم أن يتكلما |
وما خانَه وحيُ البيان؛ وإنَّما |
يرى الصمت أحياناً من النطق أحزما |
إذا القول لم يَظفر بسمعٍ يذوقُه |
فنوناً فلا تُعدِد يراعا ولا فما |
وخلِّ رياض الشعر نهباً لبُومه |
تُجمجم صوتاً ناشز اللَّحن أعجما |
فلا تتهادى كالحسان غصونها |
إذا ما شدا شحرورها أو ترنَّما |
ولا تتناغى باللُّحون طيورها |
إذا سحَّ قطرٌ أو شعاعٌ تبسَّما |
ودع أيكها يَظمَى وتظمى غصونها |
وأزهارها.. حتى تموت من الظَّما |
* * * |
وقلبيَ صبَّ الشعر ما زال مغرماً |
به لم يَخُنْ عهداً له أو تظَلَّما |
عُرِفْتُ به طفلاً صغيراً، ويافعاً |
ودمت له الصبَّ الوفيَّ المتيما |
سقاني بكأسٍ لو سقى الدهر مثلها |
لما ضاق مخلوقٌ به أو تبرَّما |
وفاض على الدنيا شآبيب رحمةٍ |
وخير ولم يترك بها متألما |
هو الشِّعر نبراسي إذا الخطب أظلما |
وأُنسي إذا وجه الزَّمان تجَهَّما |
وكم محنةٍ بالشعر أخضدُ شوكها |
وبالشعر أطفي جمرها المتضرِّما |
* * * |
زمانٌ مضَى - إن كان عذر تجنُّبي |
عن القول فيه ظاهراً ليس مبهما |
فقد حان هتك الصمت بالشعر صاخباً |
وبالنَّثر في أفق البيان مدمدما |
سارسله من منبر الحق والهدى |
سهاماً وباقاتٍ، وزهراً، وأنجما |
وأفري به قلب الحقيقةِ مخلصاً |
وأكشف عن سرِّ البطولة ملهما |
وأنضَحُ عن عرش؛ إلى ذروةِ العُلا |
إذا ما نماه ناسبٌ عزَّ وانتمى |
"محمدٌ المنصور" أرسى أصولَهُ و |
(يحيى) الذي أعلى، و(أحمد) تَمَّما |
ثلاثة آسادٍ عنا الدهر خاضعاً |
لها واصطفاها اله للدين والحمى |
توارثتِ النُّور الإِلهي فاهتدى بها |
الخلق، وانشق الدُّجى، وانجلى العمى |
إلى من تُرى تفضي بسرِّ جلالها؟ |
ومن يرث المعنى الفريد المطلسما |
ومن صاحب الحق الذي دون نيله |
ستنحطم الأعناق مطلولة الدِّما |
هو (البدر) من في فعله وصفاتِه |
وأقواله سرّ الكمال تجسَّما |
عرفناه سبَّاقاً إلى كل غاية |
سوى (البدر) عنها ينثني متحطِّما |
وما زال مذ أهدى لنا الله ظلَّه |
يطوِّق أعناق الرِّجال تكرما |
ولم نَرهُ إلاَّ مع الحقِّ والهدى |
ولم يقترف جوراً ولم يأتِ مأْثما |
يسهِّد في كسب المكارم جفنَه |
ولا يجتوي أتعابها متبرَّما |
ويولي جميل الصنع طبعاً فلا ترى |
تكلُّفَ من يولي الجميل تعلَّما |
إذا قاصدٌ وافى إلى باب فضلهِ |
تزوَّد ما يهوى وعاد مكرَّما |
وإن ظالِمٌ جاشَتْ دوافع بغيهِ |
ثناها، وأعدى من شكا أو تظلما |
أحبَّ العُلا في قوله وفعالِه |
فعاش بها صَبَّ الفؤاد متيَّما |
وجاوز جهد النَّاس في كسب مجدها |
ولم يدِّخر وفراً ولا غلَّ مغنما |
تراه إذا وافيتَهُ لملمةٍ |
بشوش المحيَّا مقبلاً متبسِّما |
ويصغي إلى الشكوى ويشفي جراحها |
ويكشف عن آلامها ما تأزَّما |
صدوق الهوى والرأي في كل موقفٍ |
فلا تخش منه باطِناً متجهِّمَا |
* * * |
أمولاي؛ أنت اليوم للشعب موئلٌ |
يدافع عنه كلَّما حادثٌ طما |
فلا يرتجي إلاَّك في الغد منعماً |
ولا يرتضي إلاَّك ملكاً محكَّما |
وحبك كالإِيمانِ في كل مهجةٍ |
تغلغل في الأغماق واستوطن الدِّما |
تبايعك الأرواح قبل أكفِّها |
وتفديك إخلاصاً إذا الشرُّ خيَّما |
بأي لسانٍ معجز القول يغتدي |
بها الشعر وحياً لا كلاماً منظَّما |
أصوِّرُ طوفان الشعور لأمةٍ |
تبايع فيك الألمعيَّ الغشمشما |
أبوك الذي أحيا موات كيانها |
فكيف تجازي فضله المتقدِّما؟ |
أبوك الذي أقصى عداها وصانها |
فيكف تراعي حقَّه المتحكما |
أبوك الذي لما دجى الخطب خاضهُ |
بقلب شجاع كلَّما هَمَّ أقدما |
وصمَّم في إقدامه فانحنَتْ له |
رؤوس الورى والدهر وافاه مسلما |
ولم ينخذلْ والهولُ يزحفُ عاصفاً |
ويجرف ما يلْقَى ويرغو مدمدما |
كذاك ينال المجد كل غضنفرٍ |
إذا همَّ لم يخش الأعادي وصمَّما |
* * * |
إذا لم تكن أنت "الخليفة" بعده |
وفاءً وشكراً، بل قضاءً محتَّما |
فلا نبضَتْ للشعب روحٌ ولا عَلَت |
له رايةٌ حتى يُكبَّ "جهنَّما" |
أعيذ بلادي أن تحيد عن الوفا |
فتجحد من أسدى الجميل وأنعما |
* * * |
فخذه "ولي العهد" عهداً مقدساً |
مدى الدهر لن يبلي ولن يتصرَّما |
(وهنِّئت بالعيد الذي أنت عيده) |
ودمت ملاذاً للشريعة والحمى |