خذِ الناي، واصدحْ بالنشيد المطلسم |
وحرّك صبابات الغرامِ المكتّمِ |
طحا بك شوقٌ في سمائم برحه |
تذوب حنايا كل قلبٍ متيّمٍ |
تبيت تداري السُّهد أو تنشد الكرى |
وتصبح في ليل من الهم مظلمِ |
أحبًّا وقد ولى الشباب؟ وصبوة |
وقد صرتَ مثل الهيكل المتهدمِ |
ولم تدع الأيام منك بقيةً |
لنزوة حُبّ وافتتان تتيّمِ |
فؤادي شهيد الحُبّ؛ لا تطلبوا له |
غريماً سوى ثغر الهوى المتبسّمِ |
صبرتُ على هوج الخطوب ولم أطق |
على الحُبّ صبراً وهو ينساب في دمِي |
سقاني سعيراً في رسيس لهيبه |
فناءٌ لعمري واحتراق لأعظمي |
ومن يُعْط قلباً مثل قلبي يعش به |
يتيم الأماني للتعاسة ينتمِي |
إلام التمادي في الهيام؛ وقد ذوتْ |
حياتك في لفح السقام المسممِ؟ |
فدعه ولُذْ بالروح من عطفِ "أحمدٍ" |
ملاذ المرجّى، بهجة المتألّمِ |
هنا حيث أعلام الشريعةِ تزدهي |
هنا؛ حيث آمال العروبة تحتمِي |
هنا حيثُ قلبُ الشرق ينبض بالعلا |
هنا؛ حيث عرضُ العرب غير مثلّمِ |
هنا حيث تجلو رحمة الله رفقها |
ونعمتها للبائس المتَجَهِّمِ |
مقام "أمير المؤمنين" وليتني |
أطوف به كالمستجير المسلّمِ |
ألا.. لا تلومني إذا صحت جهرةً |
دعوني على أعتابه اليوم أرتمِي |
ففي قدسها رفّت تمائم ميعتي |
وفيها عرفت العيش غير مذممِ |
وكنت بها طيراً يرقرق لحنُهُ |
على كل سمع خمرةَ الروح والدَّمِ |
وبتّ.. ولم أحرص على فضل خيرها |
فأصبحتُ في قفر الشقا والأسى عَمِي |
خرجتُ طريداً مثل "آدم" باكياً |
لساني معقودٌ يتمتم في فمِي |
وروحي تناجي حظها وهو موثقٌ |
بأغلاله رهن الأسى والتندُّمِ |
أمولاي لا تكبتْ دموع تحسري |
بنظرةِ زجرٍ، أو بلمح تجهّمِ |
فقد طهَّرتها حقبةً نارُ توبتي |
وفارتْ على يحموم قلبي المحطّمِ |
فلو رسمتها ريشةُ الفنّ مَثَّلَتْ |
ضراعة روح المستهام المتيَّمِ |
ولو صُبّ منها -وهي تنساب- قطرةٌ |
على النّار لم تقدَحْ ولم تتضرّمِ |
ولو طاف في الآفاق ظلُّ حميمها |
لهبَّتْ بجبّار السموات تحتمِي |
وجدتك بعد اليأس جنة رحمة |
ففئتُ إليها من زفير جهنَّمِ |
وشاهدتُ من بعدٍ أسرةَ طلعةٍ |
إلى سيّد الخلق المكرم تنتمِي |
فدارتْ بي الدنيا، وطارت بي المنى |
وعاقرتُ منها خمرةً لم تحرَّمِ |
وأيقنت أني قد ظفرت ببغيتي |
ونلتُ الذي قد كان محض توهّمِ |
* * * |
أأحرم من حظ الحياة وخيرها |
وحلمك لا يشقى به ذنب مجرمِ؟ |
أأشفق من جور الزمان وبطشِه |
وقد لذت بالركن الوثيق المعظَّمِ |
كفاني وقد شاهدت وجهك نعمةً |
تدافع عني كل هولٍ مدمدمِ |
فخذ بيدي يا "ناصر الدين" واكفني |
شرور زمانٍ سامني كلّ مؤلمِ |
وسجّل بعفوٍ منك صك سعادتي |
وسوف تراني نابذاً كل مأثمِ |
وأقطع باقي العمر وهو ثمالَةٌ |
ببابك أشدو طاهر القلب والفمِ |
فوالله ما أبقى الزّمان بمهجتي |
سوى شخصك الغالي على كل مسلمِ |
ونجلك؛ فهو ذخري وعدّتي |
محبتُه دينٌ يقدسه دمِي |