شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ثم تُعطى الكلمة للأستاذ حسين باشا فيقول
- بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى أهله وأصحابه أجمعين... وبعد: فأشكر للصديق الوفي الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجه على ما طوَّق به عنقي من مديح وثناء وإطراء، أعتقد أني لست مستحقاً له، ولكنه دائماً صاحب خلق، وشمائل، وأصالة، وكرم من سجيته وطبعه، وهو كرم ورثه كابراً عن كابر، فلا غرابة إذن، فالشيء من معدنه لا يُستنكر. كما أثني على اقتراح أستاذنا الكبير الكاتب المشهور عبد الفتاح أبي مدين بتكريم صديقنا الأستاذ عبد المقصود، وأنا أويِّد وأكرر الدعوة لتلبية هذا الاقتراح، وأرجو منه ألاَّ يعتذر.
- كما أشكر الأستاذ حسين نجار الأديب الحاذق الذي طوَّع المذياع بسحر كلامه، وعذوبة ألفاظه، ورقة بيانه، كما يسعدني ويشرِّفني أن أتقدم بالشكر للصفوة من السادة الأجلاّء الذي شرَّفوني وأسعدوني بحضورهم، وفي مقدِّمتهم فيصل شلاش نجل رمضان باشا شلاش، وهو من الرجال الذين ساهموا في تحرير سوريا.
- كما أشكر أيضاً لأستاذنا الكبير الدكتور عز الدين إسماعيل الذي أتحفنا بالأمس بمحاضرة في القمة من الإِبداع والجمال، وهي أيضاً فوق قمة الإِبداع والجمال والفن... وبعد: لقد تكلَّم الأستاذ حسين نجار عن حياتي الأولى ولا أحب أن أزيد.
- كما ذكر الأستاذ عبد المقصود شيئاً من هذا القبيل، وشرح ووفى، ولكني أحب أن أضيف إلى أنني عندما درست في مدرسة الفلاح أخذت منها وساماً لا يزال في يدي حتى اليوم. فقد كنّا في بهو المدرسة وإذا بصديقنا، صدّيق دمنهوري، يقبل علينا وهو يحمل مطواة في يده، مشهورة وكنت أرقبه، اقتربت منه فجرحني بها في يدي ولا يزال وشمها فيها حتى اليوم.
- وما ذكره الأَخَوَان عبد المقصود خوجه وحسين نجار عن حياتي الأولى يكفي.. والآن دعوني أبحر معكم في أَبحُر الشعر المختلفة وكيف بدأت الغوص فيها.
- في الحقيقة الذي نمَّى فيَّ حب الشعر وحب الأدب والدي - يرحمه الله -، فقد كان يأخذني إلى الاجتماعات والندوات والجولات التي تُقام غالباً في الأمكنة الجميلة، وكان يطلب منى أمام الحضور أن أخطب، فكنت ألقي بعض القصائد المحفوظة مثلاً من شعر عنترة، وغيره.
- وهذه الميِّزة حبَّبت إليَّ الشعر، كما أني ولا فخر كنت أخطب من غير خوف أو وجل وهذه أيضاً من الأشياء التي كانت ترغبني في الكلام.
- ولم تقتصر هذه المجالس التي كنت أحضرها على إلقاء الخطب، بل كان بعضها مجالس طرب يغنّي فيها حسن جاوه - الله يرحمه - وصالح حلواني، والشريف هاشم وغيرهم من المغنين، فكانوا يلقون بعض الأشعار والأغاني وكنت أحفظ بعضها وأذكر فيما أذكر تخميس البرعي:
فؤادي بالأحبّة ما تهنّى
وقلبي حين زاد الوجد أنَّا
وإني ساهر والليل جنا
سمعت سويجع الأثلات غنّى
على مطلولة العتبات رنّا
أجابته مغردة بنجد، وثنت بالإِجابـة حين ثنّى
وبرق الأبرقين أطار نومي
وأحرمني طروق الطيف وهنا
وذكرني الصبا النجديِّ عيشاً
بذات البان ما أمرى وأهنا
ذكرت أحبَّتي وديار أُنسي
وراجعت الزمان بهم فضنّا
وكاد القلب أن يسلو فلمَّا
تذكَّر أبرق الحنَّان حنّا
- وبعد ذلك بالطبع كنت أحفظ لأبي معشر قوله:
خَفَرَتْ بسيفِ الغُنـج ذِمَّــة مغفـري
 
يعترض الأستاذ الزيدان بقوله:
- هذه القصيدة لابن معتوق.
فيرد الأستاذ حسين سراج قائلاً:
- لابن معتوق أظن لا بل لأبي معشر الفلكي، لقد تذكرت.
ثم يعاود الحديث عن محفوظاته من الشعر المغنّى، فيقول:
- وكنت أحفظ أيضاً: بات ساج الطرف... والشوق يلح... إلى آخره.
- وبالطبع هذه الأشياء خلقت فيَّ نوعاً من الميل للشعر وحفظه. ثم غادرنا هذا البلد الكريم إلى السودان، ومن السودان إلى الأردن، ولقد حفظت بعض أشعار البحّارة، لأنني كنت أذهب لصيد السمك، وأسمع البحّارة وهم يغنّون وينشدون أناشيد خاصة بهم ربما يعرفها الأخ عبد الله بلخير. وعندما بدأت أسطوانات أم كلثوم وعبد الوهاب، بادرنا إلى حفظ تلك الأغاني، وأذكر فيما أذكر أن أشعار تلك الأغاني كنت أحفظها وأنشدها أيضاً.
- وأستاذي كنعان الخطيب خير شاهد على ذلك، فقد مثَّلنا تحت إشرافه وإخراجه مسرحية "مجنون ليلى" في الجامعة الأمريكية ببيروت، وقد طلب إليَّ وأنا أمثِّل دور قيس أن أغنّي القصيدة التي غنّاها عبد الوهاب من شعر شوقي وتلحين عبد الوهاب.
تلفَّتت ظبية الوادي فقلت لها
لا اللحن فاتكِ من ليلى ولا الجيد
- أما أول محاولتي في نظم الشعر فقد كانت في عاليه بلبنان، وكان الفضل لله سبحانه وتعالى ثم للأديب اللبناني الكبير مارون عبّود الذي سمّى ابنه محمداً لحبه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وله قصيدة مشهورة في ابنه محمد يبيِّن فيها لماذا سمّاه محمداً.
- لقد كان يساعدني ويشجِّعني على القراءة وحفظ الأشعار ويعلِّمني العروض بصورة خاصة، لقد كنت أعرض عليه بعض الأبيات فيجد فيها شيئاً من الزحاف فيرشدني إليه ويصلحه.
- وفي الحقيقة أفادني كثيراً، وأذكر أنني في عاليه كتبت الأناشيد الوطنية والأغاني الوجدانية، ونظمت في حفلة التخرُّج قصيدة نشرت في ديوان "وحي الصحراء"، وبعد تخرّجي من الجامعة عدت إلى عمّان مكرهاً رغم أني قد قبلت معيداً بالجامعة.
- وطلب مني بعض الأساتذة هنالك أن أبيِّن المائة صوت التي قام عليها كتاب الأغاني، وتعهَّدوا بمنحي درجة الدكتوراة إذا استطعت إبراز هذه الأصوات والسلّم الموسيقي الخاص بها، وفعلاً حاولت ووصلت إلى مرحلة متقدمة، ولكن ظروفاً لا أستطيع أن أذكرها دعتني إلى العودة فعدت إلى عمّان، وفي عمّان عدت أنظم الشعر والكتابة في الجرائد.
- وفي ذلك الوقت، بدأت أشعر بما يشعر به كل الشباب من مشاعر وجدانية وأحاسيس عاطفية، فنظمت قصيدة بعنوان "إليها"، وهذه القصيدة ولا فخر أحدثت ضجة، لأنها القصيدة الأولى التي غزوت بها ميدان الحب قلت فيها:
يا وادي الغيد حدثهم بمسرانا
على ضفاف الهوى والحب نجوانا
والخرد الغيد ضمخـن الطريـق هــوى
وقد خرجن زرافات ووحدانا
هذي بجيد أختها تحنيه مازحة
وتلك تلهو بشم الورد أحيانا
وتلك تختال تيهاً في ملاءتها
وتلك تهتك وجه البدر إن بانا
وأخريات حجبن الوجه لا ورعاً
وإنما صيد من ألفين ولهانا
صرعى العيون وقتلاها هنا وهنا
يستعذبون الردى شيباً وشبانا
وموكب للعذارى راقص طرباً
على الضحايا فِداً للحب قتلانا
رفقاً بقلبي ظبا عمّان إن به
جرحاً تذوق طعم السقم ألوانا
وإن تذكر أيام الوصال بكى
وأرسل الدمع أشعاراً وألحانا
يا ساكـني السفـح مـن عمّـان إن لنـا
في حيِّكم رشأ نفديه عمّانا
صفوتـه الحـب أخلصـت الـوداد لـه
وبعتَه القلب مصداقاً وبرهانا
ترقرق الدل في أعطافه وَحَلاَ
في خده الورد عطرياً وريانا
إذا تبسَّم بان الدر منتضداً
أو فاه راعك إفصاحاً وتبياناً
ورحت من رقة الألفاظ نضــو هــوى
ونغمة الصوت مفتوناً ونشوانا
يا جيرة السفح هــل مــن راحم لفتى
مضنى يكابد أشواقاً وهجرانا
أنوء من حمل مـا ألقـى ومــن عجـب
قلبي يذوب ومن أهواه ما لانا
بكيت حتى تدامت مقلتي حزناً
فهل درى بالذي يجري وما كانا؟
أبى هوىً كلما حاولت أكتمه
أَبَى وأمعن إصراراً وعصيانا
 
- وتلت هذه القصيدة قصائد أخرى. أما بداية المسرحيات فإن ولعي بالمسرح كان منذ أيام الجامعة، فقد قرأت عن المسرح كتباً كثيرة، وكنت أحضر التمثيليات، ومن حبي للتمثيليات حين كنت في الجامعة طالباً ذا سكن داخلي، أي أسكن داخل المبنى، ولا يحق لي الخروج من السكن إلاَّ بإذنٍ خاص، صادف حضور فرقة رمسيس في وقت ليس معي فيه إذن، فاتفقت مع بعض الإِخوان وتسلَّقنا سور الجامعة، وهربنا وحضرنا الحفل أو التمثيلية، وعدنا في صباح اليوم الثاني فوجدت ورقة من العميد يطلب مني الحضور إلى مكتبه! بعد قراءتي لها أسرعت إلى مكتبه فسألني: أين كنت البارحة؟ لم أحاول الكذب لأنه عرف الحقيقة، فقلت له: إنك تعلم جيداً أنني مولع بالتمثيل وبالموسيقى وبالشعر، وهذه فرقة رمسيس حضرت إلى بيروت أفمن المعقول ألاَّ أحضرها وأنا هنا في بيروت؟
- فضحك وقال لي: لماذا لم تستأذن؟ قلت له: الوقت لم يكن مسعفاً لي حتى أتمكَّن من المجيء إليك وآخذ الإِذن، قال لي: لقد سامحتك للموسيقى والشعر والغناء.
- وبعد البدايات الأولى في كتابة المسرحيات، والقصص، والروايات بحوالي 8 سنوات كتبت مسرحية "جميل وبثينة"، وهذه المسرحية كلَّفتني كثيراً.
- وقد حاولت القيام بتمثيل هذه المسرحية مع نخبة من طلاّب المدرسة التي كنت أعمل بها، لكن الرقابة في وزارة المعارف أصرَّت على حذف كثير من المقاطع من المسرحية مما شوَّهها. فأصرَّ الطلاب على أن تمثَّل كما هي.
- وفعلاً مثَّلناها كما هي غير أن الإِصرار كان نتيجته أن أشعرت الوزارة أولياء أمور 25 طالباً بفصلهم من المدرسة.
- على أثر تلقّي أولياء الطلبة الإِشعارات بالفصل جاءوا إليَّ زرافات ووحدانا، فاتفقت مع صديق لي - يرحمه الله - على أن نذهب إلى ما يسمّونه بأعضاء البرلمان أو المجلس التشريعي نستشفع بهم عند الملك عبد الله وكان وقتها أميراً.
- كما طلبت من بعض زعماء الطلبة أن يقوموا بمظاهرة يخرجون بها من المدرسة ويذهبون حيث الملك موجود ويلتمسون منه العفو، وفعلاً خرجت المظاهرة وشاركهم أعضاء المجلس، وقابلوا الملك، وقبل مقابلته كان وزير المعارف قد عرض عليه ما فعل.
- فقال لهم عند حضورهم: أنتم آتون بشان ابن مولانا، لأنه - يرحمه الله - كان يقول عن والدي: مولانا، وكانوا يقبِّلون أيدينا تكريماً للعلم. ثم قال: حسين سراج أتى أمراً إدّاً، فأجاب الحاضرون: نعم يا سيدنا ثم التفت إلى مدير المعارف وقال: الطلبة إلى المدارس.
- وفعلاً رجعوا وظللت محروماً من الترفيع مدة غير قصيرة. ثم رضي عليَّ وتدرجت في مدراج الرقي الوظائفي، وفي تلك الفترة كنت أطالع كتباً أدبية ودواوين شعرية لفحول من الشعراء مثل عمر بن أبي ربيعة وجرير والفرزدق وشعراء العصر الأموي، والمتنبي، وأبي تمام، ومهيار الديلمي من العصر العباسي.
ثم تحدَّث المحتفى به عن ظهور مسرحيته ولادة على المسرح.
- بعد أن وقع في يدي ديوان ابن زيدون، وقرأت رواية لعلي عبد العظيم، قلت: لماذا لا أدلي بدلوي معه، فقمت بدراسة كل شيء كُتِب عن ولادة وأنا لن أحاول في هذا المجلس أن أدحض بعض ما قيل إني جعلت من ولادة بطلة، أو جعلت منها قديسة أو جعلت منها كفينوس.
- غير أن هؤلاء نسوا، أو تناسوا أن ولادة هي ابنة المستكفي بالله آخر الخلفاء الأمويين بالأندلس. والذي اغتاله ابن جهور أول ملوك حكم الطوائف للأندلس.
- وقد قال ابن زيدون في ولادة من الشعر ما خلَّده، وتحدثت به الأندلس قاصيها ودانيها.
وهنا تدخَّل الأستاذ محمد حسين زيدان قائلاً:
- بل قل إن ولادة خلدت بابن زيدون.
ويستمر المحتفى به في حديثه قائلاً:
- ولا أريد أن أتطرَّق إلى الرسالة الهزلية التي دبجها ابن زيدون على لسان ولادة، وأرسلها إلى منافسه على حبها الوزير ابن عبدوس، بيد أني أحب أن أبيِّن لكم أني تعرضت لما روي أن ولادة صاحبة الصالون الأدبي التاريخي كانت تكتب على أكمام لباسها بيتين من الشعر هما:
أنا والله أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأَتِيهُ تِيها
أمكن عاشقي من صحن خدي
وأعطي قبلتي من يشتهيها
- فهل من المعقول أن يرتاد عليَّة الناس في قرطبة من وزراء وقوّاد وأدباء وشعراء صالوناً صاحبته تتباهى بهذا الفسوق والفجور، ولقد دفعت هذه التهمة عن ولادة في مسرحيتي "غرام ولادة".
- وفي رأيي أن الذين أرَّخوا عن هذه الحقبة أرَّخوها بعد مرور مئتي سنة على سقوط الأندلس في أيدي الاسبان، وكانوا يظنون، بل يعتقدون أن هذا الصالون الحضاري وظهوره بهذا المظهر كان من جملة الأسباب التي أدَّت إلى كارثة الأندلس وسقوطها في يد الاسبان.
- وفي اعتقادي أنه لا يستبعد أن يكون صالون ولادة منتدى يؤمه بعض من يعمل ضد حكم ابن جهور، وأنَّ فيه تحاك بعض المؤامرات، وربما يكون لولادة ضلع في بعضها، وإن لم تظهره بدليل أنها عندما أحبَّت ابن زيدون لم تحبه بمقدار حبه لها، كما أنها تركته في أواخر عمره، وعاشت مع ابن عبدوس، وقد أربت على السبعين من عمرها كما يقول ابن بسام في مؤلفه "الذخيرة".
- لقد كانت تحب ابن زيدون للاستفادة منه، ومن زعامته، ومن مركزه الأدبي، فقد كان يطلق عليه لقب ذي الوزارتين، فقد كانت تستخدمه قنطرة للوصول إلى غايات لم تفصح عنها، ولكن الأحداث تشير إلى ذلك، ومن تلك الأحداث ما قام به ابن جهور عندما عرف علاقة ابن زيدون بها، فقد سجنه، وقصة سجنه هذه قصة معروفة في كتب التاريخ والأدب.
- هذه خلاصة قصة ميلاد مسرحية "غرام ولادة"، وبعد طبعها حاول الروائي الشهير محمود تيمور - يرحمه الله - أن تمثل على مسرح الفرقة القومية. فعلاً تقدَّمت بطلب بذلك إلى المسؤولين عن المسرح، وشكَّلت لجنة مؤلفة من المرحوم زكي طليمات، وفتوح نشاطي، ومحمود تيمور، وأحمد علاّم - يرحمهم الله جميعاً - لدراسة صلاحية الرواية للمسرح، وكان رئيس اللجنة الأستاذ عزيز باشا أباظة - يرحمه الله -.
- أقرَّت اللجنة صلاحية المسرحية، ولكن عزيز باشا اعترض وقال: إنها من نوع الأوبريتات والغنائيات وليس لدى الفرقة القومية من يستطيع أن يؤدي الرواية أو المسرحية على ما يجب أن تؤدى عليه، أو تمثل عليه. وفعلاً نامت ولادة.
ويعلق الأستاذ محمد زيدان بقوله:
- لقد رفع قدرها وأضاعها.
ثم يستمر الأستاذ حسين سراج في الحديث فيقول:
- بعد "ولادة" بدأ الميل لديَّ إلى كتابة القصة. ألَّفت رواية طويلة شفعتها بخمس روايات قصيرة، واشتد بي الحنين إلى العودة إلى وطني السعودية، وجزى الله خيراً صديقي وأخي الحبيب معالي الشيخ عبد الله بلخير الذي كان أحد الذين لهم اليد الطولى في سبب عودتي إلى المملكة.
- وعندما عدت كانت معي رواياتي فاجتمعت بالأستاذ حسن قزاز حين كان يشغل رئاسة تحرير جريدة "البلاد"، وعرضت عليه الروايات فأجاب مشكوراً: الجريدة أمامك، وأخذ مني أول رواية سباعية بعنوان "عندما تنام القرية" كانت أول سباعية تنشر في الجرائد بالمملكة العربية السعودية. والأستاذ حسن قزاز - جزاه الله عني خير الجزاء -.
فيقاطع الأستاذ حسن قزاز قائلاً:
- عندما رأيتني افتكرتني.
فيرد عليه محمد حسين زيدان:
- أنت حين ذكرك بيَّنت نفسك.
ثم يعاود الأستاذ حسين سراج حديثه مع الذكريات فيقول:
- الأستاذ قزاز قرأ بعض أشعاري، وقصصي الصغيرة، كان آخر مسلسل هو "الحب لا يموت"، وكان يتألف من خمس وثلاثين حلقة. وهذه المسرحية المسلسلة، كان من المفروض أن تصل إلى ستين حلقة لكن! الظروف التي يعرفها الأستاذ حسن قزاز قلَّصتها إلى خمس وثلاثين حلقة نُشرت في جريدة "البلاد" الغراء.
- والآن دعونا نرحل مع الشعر، هذه قصيدة بعنوان "بحيرات العيون"، وقبل أن أقرأ عليكم القصيدة أحب أن أقول لكم: إنَّ الإِنسان عندما يتطلَّع في عيني فتاة جميلة يرى بحيرات ليس لها نهاية، هذه البحيرات شاقتني إلى عمل قصيدة بعنوان "بحيرات العيون" أقول فيها:
سهد الشاكي وأضناه السهر
ومضى الليل وأنضته الفكر
من أمانٍ ثاكلات ورؤى
باكيات ومعانٍ وصور
وَلْوَلَ البرح فسحت عبرة
هي ذكرى إن في الذكرى عبر
ولقد تبكي وما يجدي البكا
ولقد تشقى وما يغنى الضجر
أيها الساهم في أفق الهوى
حسبك الشكوى إلى قلب حجر
يا زمان الوصل في دار الصفا
أترى عَوْدٌ لِمَاضٍ قد عبر
يوم كنا والهوى ينظمنا
والأماني في الليالي كالدرر
ترقص الدنيا على أفراحنا
ويغنّي الليل والصبح وتر
فكأن الليل لا صبحَ له
وكأن الصبح في الليل استتر
مطلعان انتظما في نشوة
ضمَّخا بالعطر أنداء السحر
يا لعينيها ويا لي منهما
وبحيرات ترامت دون بر
يسبح النور على زرقتها
في محيا عن سنا الحسن سفر
قد شربنا منهما صفو الهوى
وركبنا فيهما متن الخطر
مركب في مركب حطمته
وعلى الأشلاء واصلت السفر
يا حبيبي شاب دمعي وشكى
حاضري المكلوم للماضي الأغر
من حنين وأنين ونوى
وجوى جرَّعني منه الأمر
فإذا الدنيا ظلام دامس
تتوارى في دياجيه الذكر
وإذا الماضي وما في سره
حلم قد مرَّ في نوم القدر
أيها الباكي على رسم الهوى
عصفت بالرسم ريح فاندثر
يسأل الأستاذ حسن قزاز موجهاً سؤاله إلى الأستاذ الزيدان قائلاً:
- يا أستاذ زيدان، لماذا يختلف إحساس الإِنسان عند سماعه للقصيدة عن إحساسه عندما يقرؤها بنفسه؟
يجيب الأستاذ محمد زيدان قائلاً:
- هذا من عظمة الإِلقاء، بعض الناس قد تقرأ شعرهم بنفسك فتحفظه، فإذا ألقاه يزيده جمالاً. الإِلقاء جمال. لهذا أقترح أن يقوم كنعان الخطيب بعد الأمسية بقراءة القصيدة التي ادعاها 70 شاعراً حتى نتبيَّن عظمة الإِلقاء، كذلك أيضاً الأخ حسن يجيد الإِلقاء.
ويشارك الأستاذ حسين سراج في الحوار، فيقول:
- كنعان الخطيب هو أستاذنا جميعاً.
وهنا يدلي الأستاذ حسن قزاز بدلوه فيقول:
- هل هذا يعني أن الشاعر إذا أُصِيبَ بعيب عدم إجادة الإِلقاء تفقد القصيدة كامل روعتها وجمالها.
يرد على ذلك الأستاذ محمد زيدان قائلاً:
- القصيدة في حد ذاتها لا تفقد روعتها، ولكن الأذن تفقد اللذة بها. فشوقي مثلاً ما كان يلقي شعره لكنَّ له أحباباً يجيدون الإِلقاء كانوا يلقون قصيدته بدلاً عنه فيلتذّ بها السامع.
- وإن خير من ألقى الشعر عندنا هو السيد/ أحمد العربي على الإِطلاق.
فيشير بعض الحضور إلى أنَّ الأستاذ العشماوي من الذين يجيدون إلقاء الشعر، فيرد الأستاذ محمد حسين زيدان بقوله:
- أنا لا أعرفه. وإنما أحمد العربي هو من تلاميذ الأستاذ علي الجارم في دار العلوم، وعنه أخذ الإِلقاء الجيد وصوته كان جيداً.
ثم يعود الأستاذ حسين سراج إلى الحديث عن مذكراته وذكرياته، فيقول:
- بدأت علاقتي بالإِذاعة منذ تولّى الأخ الكريم الأستاذ عبد الله بلخير إدارة شؤونها ومسؤولياتها، وزاد التصاقي بها بعد أن أصبح الأستاذ عباس غزاوي - الله يمسّيه بالخير - مديراً لإِذاعة جدة. وكنت أقدم بعض البرامج القصيرة التي لا تأخذ أكثر من ربع ساعة وكانت عبارة عن قصص اجتماعية.
- ترجمت بتصرُّف من الروايات الأجنبية بحيث لا يستغرق تمثيلها أكثر من نصف ساعة، وكانت أولى تلك المسلسلات القصصية مسلسلة بعنوان "دموع وشموع"، ثم تابعت بعد ذلك كتابة المسلسلات المذاعة، فكتبت المسلسلات التالية: "نور وهداية"، و "العودة إلى المنبع"، ومسلسلة "قيس وليلى"، ثم كتبت مسلسلة "أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" مستوحاة من كتاب الشيخ خالد محمد خالد "رجـال حول النبي صلى الله عليه وسلم"، ثم مسلسلة "مكة عبر التاريخ"، ومسلسلة "فلسطين عبر التاريخ" ثم كتبت مسلسلات عن شخصيات إسلامية لها دور كبير في التاريخ الإِسلامي كابن حميدو الجزائري، الذي كان في الحقيقة رجلاً جزائرياً ظهر عندما كان الاسبان وغير الإِسبان من جماعة البندقية يغزون بأساطيلهم سواحل الجزائر، وتونس، والمغرب للانتقام من المسلمين بعدما سقطت الأندلس في أيديهم، فكانت تلك البلدان تعيش تحت رحمة هذه الأساطيل فجمع ابن حميدو بعض المسلمين الذين فرّوا من سيوف محاكم التفتيش بالأندلس. جمعهم في الجزائر وبدأوا يعملون نواة للوقوف ضد الأساطيل هذه، وفعلاً وقفوا وقفة كبيرة، وهزموا الأسطول الإِسباني في عدة معارك حيث خلَّصوا كثيرًا من المسلمين من ظلم الإِسبان، ومحاكم التفتيش.
- فهذه الشخصية ربما لا يعرف البعض عنها شيئاً لكني حاولت أن أعرِّف الناس به في سبع حلقات.
- كذلك كتبت حلقات عن خير الدين بربروس، وعن عبد الله البطال، وأمثاله من الرجال الذين صنعوا تاريخنا، ولقد استطاع ابن حميدو أن يرغم الأسطول الأمريكي البخاري على دفع الأتاوي، كي يتاح له المرور في البحر الأبيض المتوسط. وبعد ذلك تعاونت مع الأستاذ يحيى كتوعة والسيد سعيد الهندي - الله يرحمه - في إخراج مسلسل يتحدث عن الجزيرة سميناه "أمجاد الجزيرة". وبدأناه بأمجاد الجزيرة من قبل موسم سوق عكاظ، وبدأنا حتى إرهاصات ما قبل النبوة، وحينما جاء دور النبوة أكملت المسلسل بعنوان "ركب النبوة".
- وقد استمرت إذاعة هذا المسلسل ثلاث سنوات، وعرضت منه ثلاثون حلقة بالتلفاز من جدة، وأخيراً وليس آخراً كتبت مسرحية "الشوق إليك" التي أوضحت في مقدمتها الأسباب التي دعتني إلى أن أنطق الشخوص في المسرحية بلغة البيئة التي تعيش فيها تلك الشخوص، وأبتعد عن اللغة التي لجأ إليها من سبقني في كتابة المسرحيات مثل شوقي، وعزيز أباظة، بحيث أن السامع للحوار الذي يدور بين أشخاص المسرحية يستطيع أن يعرف البيئة التي يسكنها هؤلاء المتحدثون هل هم من البادية أو من المدينة كجدة؟ وقد حبَّذت استعمال بحر المقتضب، لأنه يصلح للمسرح.
- وهذا هو السبب في نظمها أو تأليفها وأرجو أن أكون عند حسن ظن القارئ بي.
والسلام عليكم.
حسين نجار
- لا شك بعد أن أتحفنا الشاعر القدير، والأديب الكبير الأستاذ حسين بما سمعناه أن المجال الآن مفتوح لكل معلِّق، أو معقِّب، أو لمن يرغب أن يضيف شيئاً، ولكني أعتقد أن أستاذ الكلمة هو أولى بها أن يطلقها من عقالها، فليتفضل الأستاذ محمد حسين زيدان أستاذ الكلمة ليلقي كلمته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :3429  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 49 من 126
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج