تزلزل المجد، وانهارتْ قواعدُه |
لمّا هوى "بجمال الدين" لاحدُهُ |
وقطَّبَت قسمات الخير وارتعشَتْ |
قوائم الدين واهتزت معابدُهُ |
وأطبق الهول كالأمواج مفترساً |
مُنَى القلوب، وقد فَحَّتْ أساودُهُ |
وأَيقظ الرعبُ أرواحاً مخدَّرةً |
بالحزن قد فنيتْ مِمَّا تكابدُهُ |
فساقَها نحو وادي الموت ذاهلةً |
مذعورةً قلقاً ممَّا تشاهدُهُ |
هناك أفضت بشكواها لخالقها |
وفنَّدت عالماً طمَّتْ مفاسدُهُ |
الخيرُ في قفره ضحلٌ مرنَّقَة |
أمواهه، والشقا تطغى روافدُهُ |
مشى إلى السجن ناعيهِ ومِقْولُهُ |
مبلبل اللفظ قد طاشَتْ مقاصدهُ |
فَجئتهُ في ظلام الليل أسأله |
عن المصاب فأنكتني فوائدهُ |
ما كان سمعي وحيداً في مصيبتهِ |
لكنَّ قلبي فريد الحزن واحدُهُ |
تجسمت لي حَياةٌ ظلَّ مغترباً |
بها أقاربه فيها أباعدُهُ |
صطكُّ أنفاسه في صدره حمماً |
كأنَّما هي أعداءٌ تطاردُهُ |
حينًا تحيط به كالنار ضاريةً |
وإن وَهَتْ فهي إمهالٌ يُعاودُهُ |
حتَّى قضَى تحت عين الطبِّ مختنقاً |
والطبِّ مضطرب التقدير فاقدُهُ |
* * * |
مهما قَسا الخطب فالقلب الكبير له |
من صبره قوةٌ كبرى تجالدُهُ |
والرُّوح طاقةُ خلدٍ سرُّ جوهرها |
لغز الوجود فلا تُدْرى أوابدهُ |
يفنَى الزَّمان ويطوى في مقابرِهِ |
ونورها أبديُّ اللَّمح خالدُهُ |
في النجم في الصَّخـر في الإِنسـان في... نبضات الزَّهرِ من سِرها فَيض نشاهدُه |
والموتُ جسر انتقال الرُّوح من ملأ |
فان إلى ملأ تبقى محامدُهُ |
والمرءُ من جسمِهِ في قيد رغبتِه |
يعاندُ الروح فيها أو تعاندهُ |
* * * |
يا من على البعد؛ لم أجهل محبَّته |
شعري إذا ما به غنَّاه ناشدهُ |
أبكيك بالشعر محزوناً قد انتحرتْ |
أوزانه وقضَتْ هَمّاً قصائدهُ |
قد لُذْتُ بالدمع أستسقي غمامته |
والقلبُ ترجف في صدري رواعدُهُ |
فلم أجدْ غير نيران مُسَعَّرة |
يا ويح دمعي لقد جَفَّت مواردُهُ |
أن الذي لم يدع لي الدَّهر من أملٍ |
حيٍّ أحنُّ إليه أو أُراودُهُ |
* * * |
كيف السبيل إلى تلك الربوع وفي |
طريقها الموت قَدْ بُثَّتْ مصايدُهُ |
أُريد أسكب شعري في منازلها |
دمعاً أذوِّب فيه ما أكابدُهُ |
أريد أنفض همي في مرابعها |
حيث الشباب نما واهتز مائدُهُ |
هناك أبكي "أباً" كانتْ إرادته |
تصارع الدَّهر إن ثارت شدائدُهُ |
أخلاقُه روضة تزهو نضارتها |
وفكره أفقٌ تزهو فراقدُهُ |
في فتية من بني عمي شعارهم |
في الرَّوع صبرٌ وإيمانٌ يُساندهُ |
* * * |
أوَّاه لم يبق لي ممَّا أَمُتُّ به |
إليهم غير دمعٍ ذاب جامدُهُ |
وتمتمات قريض في مذابحه |
أحرقت عمري وأنّاتي مواقدُهُ |
* * * |
يا من قضى نحبه؛ والدار نائيةٌ |
والشوق في المسْيِ والإِصباح رائدُهُ |
ودَّعت دنياك لم تأسف لفرقتها |
فقد سئمت بها مما تشاهدهُ |
ماذا سوى دمعة في جفن مكتئب |
أو زفرةٍ لبئيس شلَّ ساعدُهُ |
أو أنَّة ذبُلَتْ في صوت ثاكلة |
أو آهة ليتيم مات والدُهُ |
أو بسمة صاغها الشيطان ساخرةً |
أو نظرة من لئيم خاب قاصدُهُ |
غاض الوفا؛ فقلوب الخلق مجدبة |
منه وآثامهم فيها تطاردهُ |
ومات كلُّ جميلٍ من خلائقهم |
والخير-يا ويلتا- شاهت مشاهدهُ |
وأصبح المرء من دنياه في نفق |
الخوف رائده والجبن قائدهُ |
يا رحمة الله زوري "القبرَ" وانتشري |
عليه مزنة رضوان تُعاودهُ |