نغمات أفراحٍ، ولحن سرورِ |
رقَصَتْ عليها مهجتي وشعوري |
عزفت ولا وترٌ يُجَسُّ ولا فمٌ |
يشدو، وماجت كالصدى المسحورِ |
تسري مع النسمات عطراً فائراً |
يذكي الشذى في روح كل عبيرِ |
وتجوب صمت الليل، صوتاً هائماً |
ينثي سرائر لحنه المهجورِ |
أحسستها نغماً مذاباً في دمي |
وعواطفاً سُكِبَتْ سنا بضميري |
ومنىً تطير مع الخيال كأنها |
أسراب طيرٍ أو عرائس حورِ |
حاولت أمسكها بشعري؛ فارتمت |
في الجوِّ مثل الطائر المذعورِ |
أتبعتها نظري، فغابت وانطوت |
وتغلَّفَتْ بالعالم المغمور |
ظلَّت مع الأفلاك تسبحُ في الفضا |
وتغوصُ في صبح وفي ديجورِ |
تستفهم الأفلاك عن وطن النهى |
والشعر والألحان والتصوير |
حيث الهوى العذري يصدح نايه |
بأرق أنغام الهوى المصهورِ |
حيث الطبيعة غادةٌ فتّانةٌ |
عذراء تحضنها أكفُّ النُّورِ |
ما بين ماءٍ دافقٍ أو غابةٍ |
أو شاهقٍ متوشح بزهورِ |
"إريان" مدرسة البيان وكعبة الـ |
ـعرفان والإحسان منذ عصورِ |
حتى إذا اهتدت السبيل وحَوَّمَتْ |
منها بسفح شواهق وقصورِ |
هطعَتْ لها شم الجبال وأنصتت |
إنصات موسى يوم دك الطورِ |
هبطت تفتشِ عن فؤاد طاهرٍ |
حر أَبيّ ليس بالمأسورِ |
وفؤاد طاهرة الإِزارِ كأنما |
خُلِقَتْ وصيغَتْ من سنا وعطورِ |
وهناك ذابت بهجة وسعادةً |
ومحبَّةً في لذةٍ وسرورِ |
تترشف الأنداء والأنوار من |
زهر الهوى المنظوم والمنثورِ |
وتزفّ باقات الجبور تهانئاً |
زهراء صيغَتْ من مذاب النورِ |
* * * |
يا بلبل الوادي السعيد تحيَّةً |
تنبيك عن حبّي وعن تقديري |
حدثْ عن السِّحر الحلال وفعله |
ما سرَّ ما فيه من التأثيرِ؟ |
من أين يستسقى المتيم لحنه |
من أيِّ ما فيضٍ؟ وأي نميرِ؟ |
مالحبُّ؟ ما سرُّ التجاذب؟ ما مدى |
تأثيره في الجسم والتفكيرِ؟ |
ماذا يكون الكون لو لم ينتعش |
بالحبِّ قلب مجرِّبٍ وغريرِ؟ |
سرُّ الطبيعةِ لا يبوح بكنهه |
إلاَّ يراع الشاعر المفطورِ |
فانعش بفنِّكَ موميات جمالها |
وابعث مفاتن حسنها المطمورِ |
وارسل خيالك في مجالي سحرها |
واسبح به في بحرها المسجورِ |
واغمسْ يراعك في مظاهر فنها |
واشرح جلال جمالها المغمورِ |
ما بين روضٍ ضاحكٍ بزهوره |
فرشته كف ربيعه بحريرِ |
والسحب في لجج الأصيل سفائنٌ |
صفراء تمرح في مياه غديرِ |
* * * |
في البرق، في الرعدِ المزمجِر، في الأسى |
في البشر في الإِشراقِ والديجورِ |
في الحقل ترقص كالملاح غصونه |
في زغرداتِ الناي والشحرورِ |
حكمٌ وأسرارٌ إذا استنطقتها |
ناجتك نجوى العاشق المحرورِ |
حدث فأنت بها خبير شاعرٌ |
جزل البيان موفَّق التعبيرِ |
واهنأ بعرسٍ مثل خلقِك باسمٍ |
سيظل رونقه بلا تكديرِ |
وانعم بصفو سعوده وسروره |
وحبوره، ونعيمه الموفورِ |
واستقبل الدنيا بثغر ضاحك |
وبنظرةٍ تفضي إلى التدبيرِ |
واعلم بأن العصر عصر معارف |
لا عصر تخريفٍ ولا تزويرِ |
لا يخلبنَّك زخرفٌ من باطلٍ |
جسم الأفاعي ناعمٌ كحريرِ |
والحقُّ أقوى ما يصول به الفتى |
إن لم يُصَبْ من عزمه بفتورِ |
فانهض به، واسأل ضميرك دائماً |
لا خير في شخصٍ بغير ضميرِ |
واجعل لنفسك غايةً تسعى لها |
بفؤاد جبّارٍ، وعقل خبيرِ |
واقبل تحيّة معجَبٍ متفائل |
مستبشر؛ بعلاك جدُّ فخورِ |