شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
72- دُموع الصَّداقة
[في ذكرى الشهيد زيد الموشكي الثالثة]:
ما بالُه لمَّا يفقْ من كَرْبهِ
وإلامَ يبقى غارقاً في نَحْبِهِ؟
قَد مَرَّ عامٌ، ثم صُرمَ بَعْدَه
عامانِ، وهو مقيَّدٌ في خطبهِ
لم تخمدِ الأيامُ جذوة حزنهِ
كلا، وما إن كفكفَتْ من غربهِ
أبداً يقلِّبُ كفهُ، ودموعه
تهمي، ومهجتُه تذوب بجنبهِ
يا بؤس قلبٍ في ضلوعي لم يزلْ
ندمان يُفْجع في أعزَّةِ صحبِهِ
* * *
أسفي على من كان لي فيه الغِنى
عن كل ما يُرجى، وما يُعْنى بهِ
سأظلُّ أبكي ذلك الملكَ الذي
في السِّجْنِ خلَّفني ولاذَ بربِّهِ
يا "زَيْد" ما صاحبتُ بعدك صاحباً
إلاَّ وضقتُ ببعدِه وبقُربهِ
حيناً يجرِّعني السموم بعذلِه
القاسي، وآونةً أغصُّ بعتبِهِ
وإذا رأيتَ من الصَّديق زراية
فاعلم بأنك مزدرىً في قلبِهِ
فاجمع ذيولكَ وانصرفْ مُتسللاً
واندُبْ إذا ما شِئْتَ سالِفَ حبهِ
إنَّ الصداقَةَ نعمةٌ قدسيةٌ
وسعادةٌ، ما إن لها مِن مُشْبِهِ
يُطْفي بها المحزونُ لوعةَ حزنِه
ويُلطِّفُ المكروبُ ثورةَ كربهِ
فإذا دعاك إلى الكريهةِ صاحبٌ
يرجوك عوناً فاستعدّ ولبِّهِ
* * *
إن أنْسَ لا أنسى وقوفَكَ والدجى
أعمى، قد انطفأتْ مشاعِل شهبهِ
حيران تَسْتَقْري السبيل؛ محاذراً
ما انبث من كيدِ العدو ورعبهِ
حتى إذا التبَستْ معالمها ولمْ
يجْدِ الدليل، ولا فطانة ركبهِ
نامت جفونك تحت لحظي آمناً
ووثقْتَ بالحامي الأمين وذبِّهِ
عَصَفَ الزَّمان بنا فلم نذعنْ له،
كلا ولم نخضَعْ لصولةِ خطبِهِ
نقتات بالآمال في بيد الشَّقا
ونَعلُّ من وهم الخيال، وريبهِ
والحُرُّ تَصْهَرُهُ الخطوبُ فينْثنِي
كالتبرِ، صفِّيَ من حثالَةِ تُرْبهِ
* * *
أو أنسَ؛ لا أنسى وقوفك ذاهِلاً
كالطفلِ قد طارت فراشَةُ لبِّهِ
وأنا طريحٌ في الفِراشِ كهَيكَل
بال يَغَصُّ بأكلِهِ وبشربهِ
نكِرَتْهُ زمرَةُ صحبِهِ، وتفرَّقَتْ
عنه وغال اليأسُ حِكمة طِبِّهِ
لم يَبْقَ لي إلاَّ حنانك؛ أستقي
منه الحياةَ، وأشتفي من عذبهِ
أواه كم يبكي، وكم يشكو النوى
طير تخلَّفَ موثقاً عن سِربِهِ!
يرنُو إلى الأفق البعيد بمقلة
شكراء تكشف ما اخْتَفى من حجْبِهِ
قد أثخنْتهُ جراحُه، فجناحه
واه يضيق به الفضاء برُحْبِه
* * *
قالوا جريء قلتُ وصفَ غضنفَرٍ
لا يغتذي إلاَّ فريسَةَ كسْبِهِ
ذاق الحقيقةَ حلْوَها ومريرها
وابتزَّ جد زمانِه من لعبهِ
لن يُنْقِصوا من قدره بجحودهم
مهما غَلَوا في ثلبهِ أو سبِّهِ
نعم الصديق الألمعي مُبَرَّأً
من وصمةِ الطبع اللئيم وعيبهِ
حلو الفكاهةِ بشره في وجهِهِ
وجميل مشهدِهِ كحُرْمَة غُيبهِ
لبق خفيف الروح إن حدثتَهُ
أصغى إليك بسمعه وبقلبهِ
ليس الخيانة من وسائل عيشه
كلا، ولا تَلُب الورى من دأبهِ
وإذا تَصَبَّتْه الحياة بجاهها
وبمالها وجمالها، لم تُصبهِ
ثَبْت العزيمةِ رأيه كفرندِهِ
ماضٍ ومقولُهُ البليغ كعضْبِهِ
يستَقْبِلُ الخطبَ الأصمَّ بهمَّة
جبارةٍ لا تستكين لِصَعْبِهِ
ولرُبَّ مفتون إِذا فاخَرْتَهُ
لم يفتخِرْ إلاَّ بكاذب عجْبهِ
والدهرُ لا يَلْقى الغبِيَّ بسِلْمه
إلاَّ لِيَبْتلي الهُمَامَ بحَرْبِهِ
* * *
ربَّاه فاحفظْ لي بقيَّة خافق
قدْ ذابَ معظمهُ بلوعةِ حبِّهِ
في زمرة أصْفى مودَّته لهم
هم في المجال الضَّنْكِ خيرة صحْبِه
وأخٍ وراء البحر ما اكْتَحَلَتْ به
عيناي إلاَّ من ثنايا كتْبِهِ
حُلُمٌ يطوف بخاطري، وعُلالةٌ
أبكي بها زمناً وثِقْتُ بكذبِهِ
ما زال في بيْد الحياة مُشرَّداً
هيمان في شرقِ الوجود وغربهِ
يا ليْتَ شعري أينَ يُلقى رَحلهُ؟
ومتى؟.. وكيفَ أذوقُ منهل قربهِ؟
ومتى يوافينا الزمان ببشره؟
ومتى يُكفِّر دهرُنا عن ذنبه؟
سجن حجة: 1370هـ/ 1951م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :376  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 96 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.