هو الموتُ ترياق داءِ الحياةِ |
وبلْسمُ آلامها الموجعاتِ |
وراحةُ من لم يجد راحةً |
بدنيا المآثم والموبقاتِ |
ومأوى شريدٍ تهاوت به |
أكفُّ المآسي ببيدِ الشتاتِ |
هو الموتُ كأسٌ أُذِيبَتْ بِهِ |
شكاوى قلوب المنى الضَّائعاتِ |
إذا ظمئ الرُّوح لم يشفِهِ |
سوى راح لذَّاتها الخالداتِ |
هو الموت غاية كل امرئ |
وإن غشَّهُ الدهر بالمغرياتِ |
وغالطَهُ ظنه واقتفى |
به إثر أوهامه الكاذِباتِ |
وما المرء إلاَّ خيال الفَنا |
تجسَّمَ موعظةً للحياةِ |
يعيش بآماله ذرَّةً |
ويُطْوَى بها رِمَّةً في فلاةِ |
وينفدُ أيامَهُ غافلاً |
عن السرِّ مستغرقاً في السُّباتِ |
* * * |
عزاءً فَتى الصبر؛ ما للأسى |
سبيلٌ إلى خافق ذي ثباتِ |
عزاءً؛ وإن كانَ ما قد جرى |
من الدَّهر يَفري ذُرَا الشامخاتِ |
لقد خطَفَ الموتُ ياقوتَةً |
زَهتْ كنجوم السَّما السَّاطعاتِ |
غذتها السَّماءُ بقدس السَّنا |
فعاشَت مطهَّرةً كالصَّلاةِ |
وطافتْ على الأرض مثل الشـ |
ـعّاع أو كطيور المنى الحائماتِ |
ورَفَّتْ بآفاقِها كالشَّذى |
على زهرات الهوى الزاكياتِ |
ومرَّتْ مرور النَّسيم العليـ |
ـل يشفي أسى المهج الثَّاكلاتِ |
فَما كانَ أقسى فؤاد السِّقامِ |
لم تصْغِ قسوتُهُ للشَّكاتِ |
ولم يرحم الدَّمع يجري دماً |
مشوباً بأدمعها الذّائباتِ |
ولا نفساً خافتاً مثقلاً |
بأوهاق أنَّاتها الموثقاتِ |
ولا مهجاً وقفَتْ حولها |
تُصَلِّي وتدعو عظيم الهِباتِ |
ولكن دهاها –وتبّاً لَه- |
بكُلِّ بلاءٍ على الجسم عاتي |
فظَلَّتْ، وظلَّ بها عالقاً |
يجرِّعها غُصص الموجعاتِ |
إلى أن شفى الله أدواءها |
وأذهب آلامها بالمماتِ |
فَزُفَّتْ عروساً إلى قبرها |
ومنه إلى غُرَفِ القانتاتِ |
* * * |
ولَلموتُ أجمل من عيشة |
تنوء بأعبائها المرهقاتِ |
وما المرء فيه سريع الفنا |
وما قد مضى من زمانٍ كآتي |
فَقِفْ ثابتاً رغم أنف التَّوى |
بعزم الأسود وصَبْرِ الأُباةِ |
ولا تأسَ للخطب مهما قسا |
ولا تَبْكِ للنُّوبِ القاسياتِ |
وهل ينفَعُ الحزن في ردِّ ما |
طواه الفنا في دياجي الفواتِ |
وكن مثلاً كاملاً للتُّقى |
وللصبر، والمجد والمكرماتِ |
* * * |
فيا ربِّ آس بروح الرِّضا |
قلوباً مقرَّحة دامياتِ |
تذوب حشاشاتها بالأسى |
ولا من دَواءٍ؛ ولا من أُساةِ |
ويا رحمة الله جودي على |
ضريحٍ غريب شهيد الرُّفاتِ |
يَضمُّ دُجى ليله دُرَّةً |
سناها يفوق سنا النيراتِ |