كيف السلوُّ وأنتَ عانٍ موثقُ |
وحشاك ملتهب، وقلبك محرقُ |
في مستقرِّ الهمِّ نفسك قد ثوتْ |
وبأسهم الآلام جسمك يُرشقُ |
وكلاكل الأحزان قد جثمت على |
فكرٍ تدفُّ به، وطرف يرمقُ |
ونوازل الأيام أوهَتْ مقولاً |
لكَ، فاغتدى متلجلجاً لا ينطق |
لم يبق منك الدهرُ إلاَّ زفرةً |
أو حسرةً، أو دمعة تترقرقُ |
ورجاء مبتهل يؤمل فرجةً |
ممن إليه في الشدائد نفرقُ |
الكاشف الظلمات وهي كثيفة |
والخائض الغمرات إذ تتدفَّقُ |
والمنقذ الهلكى إذا ما أبلسوا |
وتمزَّقت آمالهم وتمزَّقوا |
والهازم الأبطال في ساح الوغى |
والموت يخطر والمصائب تحدق |
والمنصف المظلوم إن عبثت به |
يدُ ظالم أو نابه ما يرهقُ |
* * * |
يا "ناصر الدين الحنيف" ترفقاً |
فلقد أضرَّ بي البلاء المطبقُ |
إني لأعتنق الخطوب؛ وفي فمي |
من اسمك المحبوب نور مشرقُ |
أشدو به فتهون كل مصيبةٍ |
ويطأطئ الخطب الأصمِّ ويطرقُ |
وتكاد تنحطم القيود مهابةً |
وأكاد حرّاً من قيودي أطلقُ |
علماً بأنك ذلك الملك الذي |
يوسي جراح المدنفين ويشفقُ |
وبأن قلبك للحنان شريعة |
للظامئين، وكوثر لا يرنقُ |
وبأنك الملك الذي حسناته |
كالنور خالدة السنا تتألقُ |
جاوزت في العلياء حدّاً عنده |
تقف القرائح خشعاً لا تنطقُ |
تفني البلاغة في لسان عميدها |
وتطيح مقدرة البيان وتصعقُ |
ولأنت معنىً في النفوس مقدس |
تهفو الأماني حوله وتحلقُ |
ولأنت في حرم القلوب حقيقة |
كالشمس تسطع في الشعور وتونقُ |
ولأنت في الأفكار معنى قائم |
مستحكم، متجدد، لا يَخْلَقُ |
تستشعر الأرواح هيبته كما |
يستشعر المعنى البليغ المفلقُ |
وكأنما هو في القلوب إرادة |
جبّارة وعزيمة لا تُمْحقُ |
* * * |
مولاي: ما لي في البيان وسيلة |
إلاَّ منى قلبٍ بحبك يخفقُ |
وشعور مسجونٍ توزِّعه الأسى |
فشعوره بيد الأسى متفرَّقُ |
وحنين محزون وهت كلماته |
فيكاد يشهق بالكلام ويصعقُ |
ودموع مَفْؤود تقرح جفنه |
فيكاد يُخنَقُ بالدموع ويَشْرقُ |
وهموم موْءُود بقية روحه |
في حلقِه نفس يذوبُ ويخفقُ |
ورجاء مكدود تكاد لحاله |
صمُّ الحجارة رحمةً تتشققُ |
من سجن "نافع" يستغيث "بأحمد" الـ |
ـمنصور من غاياته لا تسبقُ |
* * * |
مولاي: ما لي من شفيع يرتجي |
إلاَّ ابنك الفذُّ الغيور المشفقُ |
ركن البلاد. وملتقى آمالها |
ومنى النفوس و(بدرها) المتألق |
فبه ألوذ ولا أريغ بغيره |
أملاً، ونجلك بالشفاعة أليقُ |
* * * |
مولاي: تلك ضراعة مقروحة |
أفضي إليك بها الفؤاد المرهقُ |
في كل حرفٍ دمعة مهراقةٌ |
وبكل سطرٍ زفرة تتحرقُ |
أودعتها شكواي لا أرجو بها |
إلاَّ رضاك.. وليتني أتوفقُ |
ولئن قضيت ولم أنل ما أبتغي |
فسيطمئنُّ المجرمُ المتملِّقُ |
(ماذا يضرك لو مننت وربما |
منَّ الفتى وهو المغيظ المحنق) |
ولأنت قلب للعروبة نابضٌ |
بل أنت تاج للخلافة يونقُ |
لك في القلوب محبة ومهابةٌ |
بهما تفوز إذا تضايقَ مخنقُ |
وكأن حبك في النفوس عقيدةٌ |
وكأنَّما هو في الضمائر موثقُ |
فاسلم، ودم، واصفح، وسدْ متفضِّلاً |
والدهر عبدٌ، والإِله موفقُ |