عصف القريضُ بفكرتي وجناني |
وأثار سحر يراعتي ولساني |
فطفقتُ أشدو بالقوافي ذاهلاً |
عمَّا يساورني من الأشجانِ |
وكذلك الغرِّيد يصدح لاهياً |
عن يقظة الأقدار بالألحانِ |
وذهبت في تيه الخيال منقِّباً |
عن غامضات حقائق الإِنسانِ |
أتصفح التاريخ معتبراً بما |
فيه من الحسنات والطغيانِ |
أجلو الروائع من محاسنه، ولا |
أغضي عن الشنآنِ والنقصانِ |
وكأنما هو عابد كشفتْ له |
حجب الحقيقة، وانجلت لعيانِ |
فغدا يصورها بسحر بيانه |
للناس يلفتهم إلى البرهانِ |
مترفقاً بشعورهم متلمساً |
أهواءهم ببديعة الفتَّانِ |
يا للجلال.. إذا تأمل شاعرٌ |
في سره المكنون في الأكوانِ |
وأطل من عليائه مستعرضاً |
لقوافل الأجيال والأزمانِ |
ورأى العروبة في مطارف مجدها |
مزهوَّةً تختال كالنشوانِ |
والناس حول فخارها في روعةٍ |
يمضي الجلال بهم إلى الإِذعانِ |
يتخاوصون بأعينٍ مشدوهةٍ |
ويتمتمون بمنطقٍ حيرانِ |
وبنو العروبة في مسالك مجدهم |
يمشون دون تكاسل وتواني |
مدت يدُ العليا إليهم كفَّها |
فتصافحا أخوين يبتدرانِ |
وتعاهدا في عزةٍ ومناعةٍ |
وتعانقا في لهفةٍ وحنانِ |
قوم أثارهم النبي "محمدٌ" |
وأنارهم بالحقِّ والقرآنِ |
ظهروا على الدنيا غزاة قادة |
بالعدل، والعرفان، والإِيمانِ |
فهوت عروش الظالمين وحُطِّمَتْ |
تيجانهم، ومعاقل الأوثانِ |
* * * |
هذا هو الماضي البعيد لأمة |
من نسل عدنانٍ ومن قحطانِ |
لم يبق منه لنا سوى الذكرى وهل |
نجني من الذكرى سوى الأحزانِ؟ |
* * * |
أبني العروبة؛ والعروبة أمةٌ |
قد وحدتها طاعة الرحمن |
لا فرق بين "يمانها" و"شآمها" |
و"عراقها"، والشُّمّ من "لبنانِ" |
و"لمصر" أخت و"الحجاز" يضمنا |
لغةٌ، ودين، واتحاد أماني |
إنَّا نريد بأن ننال مكانة |
عظمى تسامت فوق كل مكانِ |
وننصُّ رايتنا بأسمى موضع |
يرنو إلى عليائه الثقلانِ |
ونطير أشباحاً إلى أوج العُلا |
أو لا فأرواحاً إلى "رضوانِ" |
فلنسع أرسالاً إل غاياتنا |
متضافرين تضافر البنيانِ |
ولنبْنِ للشرق الكريم حضارة |
للخير، لا للشرِّ والعدوانِ |
فالغرب قد شاء الحضارة نقمةً |
هجمتْ معاولها على العمرانِ |
* * * |
أبناء شمّ "الأرز" عفواً إن كبا |
قلمي، وأحصر بالبيان لساني |
فخواطري جيّاشةٌ قد سابقت |
كلمي، وبذَّت بالشعور بياني |
أنّى لمثلي أن يقوم بواجب |
لكُمُ – وأنتم قادة العرفانِ |
"لبنان" ينبوع النبوغ وروضه |
وكنانة الأبطال والشجعانِ |
كم دافعوا الإفرنج عن أوطانهم |
وترفَّعوا عن ذلةٍ وهوانِ |
بذلوا الدماء عزيزةً وتبرعوا |
للموت بالأرواح والأبدانِ |
حتى استقلّوا ظافرين أعزَّةً |
وودادهم يربو بكل جنانِ |
* * * |
سترون في "اليمن السعيدة" موطناً |
لكم، وروضاً وارف الأفنانِ |
صنعاء "زحلة" في الجمال، وأهلها |
لكم غداة البين كالإِخوانِ |
فتنسَّموا من سحرها، وتفيأوا |
في ظلِّها. في عزَّةٍ وأمانِ |
أنتم ضيوف بني أبيكم "يعرب" |
ومناخهم لكم مناخٌ ثاني |