شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
42- بَعد الفراق
[عاد صاحب الديوان من "صَنْعا" إلى تعز في 5 ذي القعدة 1364هـ وألقى أمام الإِمام أحمد هذه القصيدة، قبل ارتقائه العرش]:
ودعتُ تلك الربوع حيرانا
يفيض قلبي أسى وأشجانا
وقَفتُ في ساحها أخاطبها
بالدمع لا أستطيع تبيانا
تحيَّر اللفظ في فمي حزناً
يعثر بين الشفاه حسرانا
أنظرها خاشعاً، وقد ملأت
صدري هموم الفراق نيرانا
يا ويح نفسي؛ أكلما نعمت
بالوصل لاقَتْ نوى وهجرانا!
وودَّعت صفوها وراحتها
وصادفت جفوة وحرمانا
وصادمتها الخطوب قاسيةً
تسومها بالعذاب ألوانا
كم أذرع الأرض ذاهلاً وجلاً
وكم أجوب البلاد هيمانا
ولم أجد موطناً أقيم به
منعَّماً بالحياة جذلانا
كشاردٍ يأسه يطارده
يريه أيَّان سار أحزانا
فليتني ما شهدت شارقةً
وليتني ما عرفت إنسانا
وصاحب من عشيرتي لبقٍ
وقلت له حين حان مسرانا
يا صاح جدّ المسير إن لنا
شاناً وأعظم بمثله شانا
قال: وما شأننا؟ وكيف بنا
إذا رحلنا؟ وأين مأوانا؟
وهل لنا في الوجود من وزرٍ؟
وهل سنلقى هناك سلونا؟
قلت: تمهل.. فقال كيف؟ وهل
يسلو ويرتاح مغرم بانا؟
ومن لنا والنَّوى تعذبنا
والشوق يذكي القلوب نيرانا؟
قلت: لقد روَّعتك أخيلةٌ
تملأ وجه الوجود أشجانا
وأنت من لم يضق به بلدٌ
ولم يسْر في البلاد أسيانا
ولم يودِّع من قبل أيكته
مفارقاً جيرةً وخلانا
* * *
دعنا نسِرْ يا أخي إلى ملكٍ
به ازدهى ديننا ودنيانا
هناك حيث النهى مكرَّمةٌ
هناك حيث القلوب تهوانا
نحيا فلا فاسد ينال بنا
ما يبتغي إذ يقول بُهتانا
فقال: والأهل؟ قلت: حَسْبُهُم
رَبّ يعم الأنام إحسانا
قال: ومن؟ قلت: والمؤمَّل في
الضَّراء، حامي البلاد مولانا
(أحمد) من في فؤاده قبسٌ
يمحو به باطلاً وخسرانا
قال: إذن فالزمان مبتسمٌ
لنا وعين الإِله ترعانا
مولاي لولا سناك يؤنسني
لعشت بين الأنام غضبانا
مولاي لولا نداك يمطرني
قضيتُ دامي الجنان ظمآنا
مولاي لولا هداك يرشدني
قطعت شوط الحياة حيرانا
أنت الذي في ظلال نعمته
تَخذْت لي مرتعاً وبستانا
أمرح لا أرْهب الزَّمان ولا
أخاف ممن يخافُ عدوانا
إن كاد لي كائدٌ بمفسدةٍ
آبَ ذليل الجناب حسرانا
ما دمت في حصنك الحصين فلنْ
أخشى من الحادثات طغيانا
وقدْ عرفت الأنام قاطبة
وكان بعد الفراق ما كانا
لولا حنان منحتنيه لما
صادفت ممن وجدت تحنانا
وربما توهب الحياة لذي
يأسٍ لأحكام دهره دانا
ومن تكن عينه بصيرته
يرى اطِّلاب البقاء خسرانا
والموت عند الحكيم معرفةٌ
يطلبها كي ينام جذلانا
فلا تُبَلْ بالخطوب إن عصفَتْ
وكن غليظ الفؤاد أحيانا
ولا تضق بالحياة إن عبسَتْ
فقد يجر السرور أحزانا
وانظر تر الأرض في مشاكلها
قد طفحت بالشرور أفنانا
وانظر تر الناس في نقائصهم
غرْقى. ولا يطلبون غفرانا
والناس لا يستوون معرفة
كالناس لا يستوون ألوانا
تباينوا منبعاً، وحاشية
وغاية ترتجي، وأديانا
* * *
يا من سمت في الفخار دولته
وعزَّ بين الأنام سلطانا
ونال من ربِّه مؤمَّلهُ
مكارماً جمةً، ورضوانا
وبزَّ أقرانه هدى وندى
وهمةً فذّةً وعرفانا
الشعب لا يرتجي سواك ولا
يرضى مليكاً سواك إنسانا
كم لي من آيةٍ شدوت بها
فمادَ قلب الزَّمان نشوانا
شعرٌ تهزُّ القلوب نغمته
كما تهزُّ النسيم أغصانا
يروق من كان ناقداً لبقاً
وشاعراً بارعاً وفنانا
والشعر فن يزين صاحبه
كما تزين الفصوص تيجانا
* * *
بكيت في شعري الوجود ومن
فيه وصُغْتُ الدموع ألحانا
والشعر يبكي الحياة مذ وجدتْ
والشعر يبكي الوجود مذكانا
بكى "امرؤ القيس" دمنة درست
كما بكى "البحتري" إيوانا
والشيخ "ذو المحبسين" مات أسى
وعاش "كابن الحسين" حيرانا
وهكذا كلما أتى رَجُلٌ
بكى صروف الحياة ألوانا
مشكلة ما تزال غامضةً
كم أجهدت ألسُناً وأذهانا
تضيع فيها العقول خاسئة
إذ لا ترى حجة وبرهانا
وليس كالدين راحة؛ فإذا
ما ضقت صادفت فيه سلوانا
تحيا به ناعماً فإن نضُبَتْ
روحك لاقَت رضا "ورضوانا"
* * *
يا من إذا خاطبته ألسننا
تعثَّرت هيبةً وإذعانا
وأذهلت لا تجيد، قافية
وأخجلت لا تطيق شكرانا
وكيف تقوى وأنت معجزةٌ
تجسَّمتْ للعيون إنسانا؟
فتى تهاب القروم سطوته
وترتجي من نداه إحسانا
فؤاده مزنةٌ مطهَّرةٌ
صيغَتْ لعطف السماء عنوانا
تحزَّبَت حول القلوب؛ فلا
ترى له في الأنام أقرانا
تكاد من حبه تقدسه
مخلصةً لا تضم شنآنا
لا زلت يا ناصر الشريعة
تهدينا بأنوارها وترعانا
تعز: 1364هـ/ 1945م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :530  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 66 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.