خلّه يخلب النهي ببيانِه |
ويناجي آماله بلِسانِه |
دعهُ يبكي أحلامه بدموع |
عُصِرتْ من شعوره وجنانِه |
ويغنّي كما يشاء، ويسقي |
ثمرات الأوهام من ألحانه |
يرسل الصوت مظلماً كَمنَتْ.. فيه.. وفي لَفظه هموم جنانه |
كالشعور الجريح، كالأمل الخـ |
ـائب، كالطير ضَلَّ عن أفنانه |
* * * |
دَعه. دعهُ فإنَّه الشاعر الصَّا |
دق في شعره وفي إيمانه |
عرف الناس والحياة وجلاّ |
ها بأنوار فكره وبيانه |
ما رأى غر أوجهٍ كالحات |
وقلوب كاللَّيل في طغيانه |
تبعث الشر من دخائلها السود، |
كصخر ينفضّ عن بركانه |
* * * |
أنا كالعابد الذي هجر الكون |
وأمدى ولج في نسيانه |
أثخنت قلبه الجراح فتياً |
وغرور الشباب في عنفوانه |
كم صروفٍ قاسيتها، كم ظروفٍ |
كنت فيها كالميت في أكفانه |
كالذي يغسل الظلام عن الأرض.. بدمع يسيل من أجفانه |
أو كمن يعلن الكفاح، ولا |
يملك من قوَّةٍ سوى إعلانه |
أحرقت روحي الهموم، وما |
شكواي إلاَّ بقية من دخانه |
* * * |
كيف أنشي قصائدي؟ كيف أشدو؟ |
غرق الطير في شجى ألحانه؟ |
شاقه روضه فعاد إليه |
وارتقى ذاهلاً على أفنانه |
أيغنّي؟ أم يرسل الدمع؟ أم ماذا؟ |
لقد ظلَّ حائراً في مكانه! |
المعاني التي جفتهُ زماناً |
أقبلت ملء قلبه ولسانه |
والمغاني التي جفاها زماناً |
عادها نادماً على هجرانه |
كيف يرضى الجفاء والبعد صبٌّ؟ |
كيف ينبو الهمام عن أوطانه |
كيف لا يستقرّ في غابه الليث |
وفي غابه فخامةُ شانه |
* * * |
ليت بعض الأنام يعرف ما |
أعرف أو يهتدي إلى عرفانه |
قد عرفنا ما كان يخفى علينا |
ودرسنا الكتاب من عنوانه |
وعلمنا بأنك الأمل المرجوّ |
في عدله وفي إحسانه |
وعلمنا بأنك الحاكم الذَّائد |
عن قطره وعن سُكانه |
نظرة منك تهتك المضمر |
المخفّى في خاطر الفتى وجنانه |
ليس من يأخذ الكلام عن |
الناس كمن يَسْتمد من ديّانه |
* * * |
ملك كالملاك، في قلبه الحاني، |
وفي طهره وفي إيمانه |
مَنْهلٌ للقلوب تشفي صداها |
وتعبُّ الحياة من فيضانه |
منحتهُ آمالها وأمانيها |
ففازت بالجمّ من تحنانه |
مشفق بالأنام يحنُو كما يحـ |
ـنو أبٌ مشفق على صبيانه |
تشهد العُربُ أنه (ناصر |
الدين) ومشكاته، وليثُ عوانه |
خلَّدت ذكره الوقائع في التـ |
ـاريخ فهو الوحيد في سلطانه |
كوكب يبهر الزَّمان سناه |
جدَّ حتى سما على أقرانه |
رمْتُ تصويره فطاش شعوري |
ويَراعي لم يمض طوع بنانه |
أين فنيّ؟ وأين سحر بياني |
وقريضي والفَذّ من أوزانه؟ |
غرقت في أنواره كسفين البحـ |
ـر بين الأهوال من طوفانه |
أيها الراكب الخضمّ تَمهَّل |
هل علمت البعيد من شطآنه |
* * * |
قد لجأنا إليك من كل ما نخشى |
ومن لؤم دَهرنا وامتهانِه |
وعرفناك قائداً وزعيماً |
وغماماً نَعَلُّ من هتَّانه |
وإماماً يحمي الحقيقية، والقرآن |
والدين ذائداً عن كيانه |
وكريماً كأنما صاغه الرحمن |
من جوده ومن إحسانه |
دمت للشَّعب حافظاً وأميناً |
نَتفَيّا بوارفات أمانه |