نورٌ تألَّق في الوجود سناه |
غمر الْمَمَالِك والشعوب ضياهُ |
مسحَتْ به الصَّحرا كرى وأهامها |
ومحا بِه الكون الشقيّ دُجاهُ |
في يوم مطلع فجره ولد الهدى |
وانبثَّ بين العالمين شذاهُ |
يفشي صفات "محمد" خير الورى |
وأجلَّ من تشدو به الأفواهُ |
* * * |
كم موقفٍ واللَّيل داجٍ والورى |
غافٍ تمتَّع بالكرى عيناهُ |
وقف النبي بها وحيداً حائراً |
النجم سامره الذي يرعاهُ |
الغارُ معبده البعيد عن الورى |
والكائنات صلاته ودعاهُ |
والبيد مسبح فكره وخياله |
والقفر روض شعوره ورُباهُ |
والوحيُ منبعه الزَّكيّ: فؤاده |
ينبوعه، ولسانه مجراهُ |
مسترسل النظرات يطلب ملجأً |
يأوي إليه فقد قلى دنياهُ |
حيناً يفكِّر في السماء وربّها |
والكون والملك الذي سوّاهُ |
يرنو إلى هذا الوجود فيرتئي |
ما لا يُسيغُ ويرتضي مرآهُ |
ظلمٌ، وإلحادٌ، وجهلٌ مطبقٌ |
وتناحرٌ، وتخاصم، وسفَاهُ |
* * * |
هو ثورة العصر الجديد تأججت |
لهباً تُدمدم في العقول لظاهُ |
تودي بعصر الموبقات وتبتني |
عهداً يرى فيه الوجود شفاهُ |
كيف الركون إلى الحياة وكونها |
قد أظلمَتْ أصقاعه وسماهُ |
أربابه أصنامُهُ، وحماته |
أجلافه، والموبقات حجاهُ |
والموت شاعره البليغ تروقه |
كلماته، ويهزُّه معناه |
والشرّ حاديه الذكي يسوقه |
أيَّان شاء، ويستجيد حداهُ |
* * * |
يا منقذ الإِنسان من آلامه |
بالخير والحق الذي يهواهُ |
أُرسِلْتَ والكون الفسيح معذبٌ |
هاجَتْ نوائبه وثارَ شقَاهُ |
أفقٌ تضلّ به العقول ومسلكٌ |
تَاهتْ معاركه وطال مداهُ |
كنتَ المحلّق قشعماً في جوّه |
ودليل حائره، وكنت سناهُ |
أوذيتَ لما قمت تدعو صابراً |
لله محتسباً تريد رضاهُ |
ودهتك أوباش الحياة بكلِّ ما |
يشقي ويضني بؤسه وضناهُ |
فصبرتَ لم تعبأ بنفثة مجرم |
وحديث جلفٍ جهلُه مولاهُ |
وثبتّ كالطود الأشمّ وهكذا |
الرجل العظيم ثباتُه سيماهُ |
وصبرتَ في وجه الحوادث باسماً |
والصبر تحمد في الورى عقباهُ |
وخرجتَ مضطراً تودع "مكة" |
وأعزّ ما يبكي الفتى مأواهُ |
هاجرت محتسباً لربّك صابراً |
تطوي الفلا ورماله ولظاهُ |
كنتَ الطريد العبقري! وهكذا |
يلقى العظيم من الأنام جزاهُ |
* * * |
لولا ثبات "محمد" وصمودُهُ |
ما نال ما يبغي ولا واتاهُ |
الشمسُ.. ليس الشمس أنقى صفحاً |
منه، وأين فخارُه وهداهُ؟ |
والبحرُ.. ليس البحرُ أعظم همةً |
منه، وأين شعوره ونداهُ؟ |
قد جاء بالقرآن حقاً معجزاً |
الله هدياً للورى أوحاهُ |
صوتٌ يرنُّ على المدى، وحقيقةٌ |
غرَّاء تخرس عندها الأفواهُ |
سجدتْ له الأقلام خاشعةً كما |
سجدت لخالقها نهىً وجباهُ |
كلماته نورٌ يشعّ: ولفظُه |
زهرٌ يروقك حسنه وشذاهُ |
في كل سطر من سطور بيانه |
روحٌ تهزُّ الكائنات قواهُ |
ما الشعر؟ ما إبداعُه وخيالُه؟ |
ما السحرُ؟ ما تأثيره ورقاهُ؟ |
وحيٌ تُقدِّسه العقول، وتستقي |
من نبعه، وتَعَلُّ من ريَّاهُ |
يحيا به الكونُ الكبير مفكِّراً |
فكأنما هو قلبه وحجاهُ.! |
* * * |
صفحاً رسول الله، إنا معشر |
حادوا عن الحقّ القويم وتاهُوا |
لو قمت راعتْك الحياة وظلمها |
والأرض والعيش الذي تحياهُ |
زنديقها السَّامي بكلِّ فضيلةٍ |
وسفيهها المتعبدُ الأوَّاهُ! |
وجهولها اللبق الذكي، ولصها |
الحامي الأمين، وناسها الأشباهُ! |
* * * |
كنَّا هُداة العالمين شعارنا الحق |
الصراح وهديُه وسناهُ |
واليوم.. لو بعث النبي لراعه |
أنَّا أضعنا دينه وعلاهُ |