ثم يتقدم الأستاذ مصطفى عطار بسؤال موجَّه إلى المحتفى به تضمنته الكلمة المقتضبة التي قالها الأستاذ عطار، وهي: |
- إنه ليطيب لي إذا ما التقيت بعلم من أعلام بلادي من أمثال معالي الشيخ عرب أن أسأله لأعلم منهم شيئاً عن تاريخ البلدة التي نشأوا فيها، وخاصة ما يتعلق بالناحية التعليمية، فأنا أحب أن أستمع إلى الشيخ حسين عرب ليحدثنا جميعاً عن حياته التعليمية وعن أساتذته بصفة مختصرة. |
|
يجيب معالي الشيخ حسين عرب قائلاً: |
- الواقع أيها السادة أجيب على سؤال الأستاذ عطار إجابة مختصرة. |
- لقد تلقيت التعليم في المدارس الحكومية على أيدي أساتذة فضلاء أجلاء، كانوا يمنحوننا برَّهم وعطفهم، وكانوا يتطوعون بتدريسنا في بيوتهم بدون مقابل. |
- كان الشيخ بابصيل - رحمة الله عليه - والشيخ محمود قاري وأمثالهم إذا انقضت الحصة ولم ينقض الدرس عرضوا على التلاميذ استعدادهم بالقيام بشرح بقية الدرس في بيوتهم بعد العصر لمن رغب من التلاميذ، وكنا نتشرف بزيارتهم في دورهم على ما هم عليه من ضآلة مورد وضعف إمكانات، وكانوا يستقبلوننا أحسن استقبال ويزودوننا بالعلم والخلق الفاضل والإِكرام المادي بدون مقابل، هؤلاء الأساتذة وأمثالهم يستحقون منا الدعاء لهم في كل صباح ومساء، وأنا لا أخفيكم أنني دبر كل صلاة أدعو لنفسي ولوالدي ولمشايخي ولكل من له حق علي وللمسلمين أجمعين. |
أمّا ما عدا التعليم المدرسي فقد كنت وزملائي نتنقل بين حلقات المشايخ في المسجد الحرام، وكنت شخصياً أقضي أيام العطل الصيفية في مكتبة الحرم المكي الشريف لمطالعة ما فيها من ذخائر وكنوز، وهذا أفادني كثيراً. |
|
ثم يتحدث الأستاذ حسين نجار موجِّهاً حديثه إلى المحتفى به قائلاً: |
- معالي الأستاذ، لقد طُلب مني أن أنقل إلى معاليكم رغبة بعض الحضور في الاستماع إلى شيء من أخريات ما قلت من القصيد من الغزل المبكر. |
معالي المحتفى به يجيب قائلاً: |
- الواقع أنني لم أحضر من الغزل إلاَّ قصيدتين، وقد سبق أن ألقيتهما ولكن عندي قصيدة لم ألقها بعد، ربما فيها نوع من الغزل الرافض! وهي بعنوان: (حي على الصلاة): |
هذي المنارات على المسجد |
تشع بالأضواء كالفرقد |
تهتف بالخير لمن يبتغي |
خيرًا وبالهدي لمن يهتدي |
صوت بلال في تراجيعها |
يروح كالموجات أو يغتدي |
كأنه سحر بلا ساحر |
يخالج القلب على موعد |
أو نغم مستلهم في فم |
ينشده يا روعة المنشد |
تردد الأجواء أصداءه |
تعيده من بعد ما تبتدي |
ويرعوي بالنفس عن جهلها |
فتعتلي للشرف الأمجد |
ويأسر العقل بإرشاده |
أعظم بهذا الآسر المرشد |
* * * |
سمعت هذا الصوت مسترسلاً |
فرحت أستهدي إلى المسجد |
وقفت بين الصف مستسلماً |
لله بين الركع السجد |
خلف إمام فاضل عابد |
ورتل الذكر بصوت ندي |
كبرت إذ كبَّر مستفتحاً |
بها صلاتي وبه أقتدي |
وطفت بالبيت وأركانه |
مبتهلاً للمنعم الموجد |
وقمت بين الباب مستنجداً |
به وبين الحجر الأسود |
دعوت ربي طائعاً خاضعاً |
أسأله التوفيق في المقصد |
كأني عبد من مخاليقه |
لاذ به في سائر الأعبد |
وربما ازدادوا بأعمالهم |
عليَّ في الفضل ولم أزدد |
وازدحم الناس يناجونه |
لا فرق بين العبد والسيد |
الكل في حسبانه واحد |
سبحانه من واحد مفرد |
رب ندعوك ولا نأتلي |
دعوى ومن تنجده يستنجد |
ماذا دهى الإِسلام في داره |
من ضرر مستفحل مُسهد |
المسلمون اليوم قد أصبحوا |
ضـرراً مـا بيـن مظلوم ومستعبد |
تكالب الأعداء من حولهم |
وآذنوهم باللظى الموقد |
وما هم القلة لكنَّهم |
مثل غثاء العارم المزبد |
كبارهم لا يعرفون الصوى |
شأن قطيع تاه في فدفد |
قد أضعفـوا الإِسـلام فاستضعفـوا |
واستبدلوا المصلح بالمفسد |
قلوبهم شتى وأطماعهم |
سراب قاع مقفر أجرد |
في المال، لا يحصره حاصر |
لا يرتجى للمجد والسؤدد |
في القصر، وضاءاً بأنواره |
والمركب الفاره والمقعد |
في الأكل لا يحصى بأنواعه |
والكأس بعد الكأس لم تبعد |
في الكاسيات العاريات الأولى |
يرفلن في الأحمر والأسود |
هاتيك كالطاووس مختالة |
وهذه تخطر كالهدهد |
يذهبن بالأحلام في مجلس |
ويستلبن الدين في مرقد |
ما هن إلاَّ وهمُ مستوهم |
يروي وإلا وهد مستوهد |
* * * |
يا للرجال اليوم ما بالهم |
أكلُّهم في الدرك الأنكد؟ |
لا يستجيبون إلى صيحة |
ولا يثورون إلى مرصد |
هذي مهاوي أمة أوشكت |
أن تتهاوى في الحطام الردي |
يا لفلسطين وأبنائها |
ما بين مقتولين أو شرد |
والمسجد الأقصى وأقداسه |
يئن تحت الغاصب المعتد |
كأن لم يسر له أحمد |
أو أن عيسى فيه لم يولد |
تبكي المنارات بآفاقه |
ضارعة للخالق الأوحد |
أليس كالفاروق من منقذ |
أو كصلاح الدين من منجد؟ |
تعبث إسرائيل في أرضه |
كالهرِّ في نفخة مستأسد |
وتزرع الإِثم وتجني الخنا |
بين ضجيج مبرق مرعد |
الشرق والغرب أرادا لها |
أن تسلب الأرض وأن تعتد |
ونحن بين الشرق ألعوبة |
والغرب، تهوي مــن يـد فـي يد |
نرجوهما العدل ومن يرتجي |
عدلاً من الكافر والملحد؟ |
هذا نداء الحق يجلو الدجى |
ويرشد الغـاوي ويـروي الصـدي |
فلنعتصم بالله ولننتدب |
إلى غد مبتسم مسعد |
يا رب فامنحنا التقى والرضا |
واسلك بنا للمسلك الأرشد |
|
الواقع أنني اختصرت منها الكثير. شكراً. |
|
ويوجه الأستاذ حسين نجار سؤالين للمحتفى به، فيقول: |
- معالي الأستاذ هناك سؤالان نرجو أن نعرف رأيكم فيهما. |
- الأول: الالتزام في الشعر وأنت واحد من رواده ماذا يعني وما هي أبعاده؟ |
- الثاني: ما رأي معاليكم في الشعراء الناشئين، وهل أعطوا حقهم للرفع بمستواهم؟ وشكراً. |
|
يجيب معالي الشيخ حسين عرب على السائل بقوله: |
- الالتزام له مفاهيم متعددة قد يطلق مثلاً عند القصاصين على نوع من القصص، وقد يطلق عند الشعراء على نوع من الشعر غير الشعر الآخر، وقد يرتبط بهدف دون آخر، والبحث في ذلك يطول. |
- أما رأيي في الأدباء الناشئين، فلا أعتقد أنه ذو أهمية بالنسبة إليهم. كل ما أرجوه منهم أن يزدادوا اطلاعاً ويتحفونا بالمزيد من إنتاجهم لكي يستقيم عودهم، ويسلكوا الدرب الذي سلكه من قبلهم، وأن لا يكتفوا بالمطالعات الفجة السطحية، بل يرجعوا إلى أمهات الكتب في الدين واللغة والتفسير والتوحيد والفقه والتصوف وكل روافد الثقافة. |
- أما الأدب، فليس حرفاً فقط، لكنه حرف عالم، أو علم حرف، وعلم الحرف هذا كان الأولون يعنون به، فقد كان الواحد منهم فقيهاً ومتصوفاً وموسيقياً وطبيباً وفلكياً. يجب أن لا نكتفي بالقراءة والمطالعة السطحية، بل على الأديب والشاعر أن يتعمق في العلوم والفنون حتى تكمل ثقافته ويفيد مجتمعه. وشكراً. |
|
كذلك يوجه الأستاذ حسين نجار لمعالي الشيخ حسين عرب السؤال الذي تلقاه من أحد الحضور قائلاً: |
- هذا سؤال آخر وردنا نصه: بمن من الشعراء تأثر معاليكم في حياتكم الشعرية؟ |
يرد معالي الشيخ حسين عرب على السؤال بقوله: |
- الواقع أنني تأثرت بكثير جداً، وأعجبت بكثير، ولكن بوجه خاص من المتقدمين، المتنبي وابن الرومي، فهذان علمان بارزان في عالم الشعر العربي. وأما من المتأخرين فأحمد شوقي، وفؤاد الخطيب شاعر الثورة العربية فهو شاعر عظيم يضاهي أحمد شوقي في المكانة والقوة ومتانة الأسلوب. |
|
ثم يوجه إليه سؤال أخر قائلاً: |
- ماذا يشغل بال معاليكم شعراً هذه الأيام؟ |
يجيب المحتفى به على سؤال السائل قائلاً: |
- يشغل بالي هذه الأيام أشياء كثيرة ليس منها الشعر، فالشعر له أوقات خاصة لا تأتي مع انشغال البال، ولكن انشغال البال يأتي مع الأحداث المنظورة التي يعاني منها العالم العربي والعالم الإِسلامي وأعتقد أن هذا هو ما يشغل بالنا جميعاً. |
|
ثم يختتم الأستاذ حسين نجار الأمسية بالكلمة التالية قائلاً: |
- باسم الحاضرين الذين سعدوا واستأنسوا بما قاله معاليكم من شعر، ومن خلجات نفسية ومن وجدانيات صادقة، نشكر لكم هذا الحضور، ونشكر لكم هذا العطاء، وأمنيتنا جميعاً أن يكلل الله مساعيكم في أن نرى ديوانكم البكر وقد برز إلى حيز الوجود، ونتمنى أن تتلوه دواوين أخرى تترجم ما تتمنونه في خدمة أمتكم ومجتمعكم. |
|
معالي الشيخ حسين عرب يعلق عليه: |
- أكرر شكري للسادة الحاضرين الذين شرفوني بالحضور، وأكرر شكري للسيد المضيف على حفاوته وإكرامه، أما الديوان فقد خرج الآن من يدي إلى اليد التي سوف تقوم بتسليمه إلى المطبعة، وقد جمعت فيه كل ما سبق من شعري وما لحق على أن كثيراً من قصائدي لم أعثر عليها، وإذا وجدتها فسوف أنشرها في وقت لاحق، وهذا متروك للمقادير التي أرجو أن يكون فيها الخير للجميع. وشكراً. |
|
مقدم الأمسية الأستاذ حسين نجار قائلاً: |
- نسأل الله لمعاليكم العمر المديد. |
- وشكراً للحضور وشكراً لكم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
* * * |
|