| أَأُم القرى يا جنة اليوم والغد |
| ويا زينة الماضي التليد المجدد |
| ترابك أندى من فتيت معطر |
| وصخرك أجدى من كريم الزمرد |
| أعز بلاد الله في الأرض موطنا |
| ومولد خير الأنبياء محمد |
| عرفنـا الـهوى مـن قبـل أن يخلق الهوى |
| لديك فوافيناه في خير موعد |
| عشقناك أطفالاً صغاراً وفتية |
| وزدناك أشياخاً عظيم التوجّد |
| رويناك بالدمع السخين محبة |
| تنم عن الوجد المكين المؤكد |
| فلا عز من يجفوك إن عزفت به |
| صنوف الأماني رادها شر مورد |
| ولا ذل من يحبوك إن عصفت به |
| صروف الليالي من قريب ومبعد |
| بلاد الهـدى والجـود والوحـي والنـدى |
| ومهد الكتاب المستطاب الممجد |
| أحاط بك الحجاج من كل عابد |
| تبتل للمعبود أو متعبد |
| تنادوا إلى واديك من كل سبسب |
| وجاءوا إلى ناديك من كل فدفد |
| تهادوا إلى ساح كريم مطهر |
| تنادوا لديه من مسود وسيد |
| لك الله إن الله حاميك ملجأ |
| لكل تقي مستقيم موحد |
| * * * |
| ذكرتك في لبنان والسهل ممرع |
| وفوق الذرى أسراب طير مغرد |
| ولبنان، جنات حسان توردت |
| بسرب الصبايا في جمال مورد |
| تزين رباها كل هيفاء غادة |
| ويجلو رؤاها كل أهيف أغيد |
| ففاضت دموع العين مني صبابة |
| إلى كل مَغْنَى في الحمى متفرد |
| تذكرت فيك الصخـر والرمـل والثـرى |
| ومأوى الصبا الريَّان بالحب والدَّد |
| تذكرت سوق الليـل والشعـب والصفـا |
| ومنعرج الوادي البهيج المنضد |
| ذكرت النَّقا والرقمتين أطلتا |
| عليه على البطحاء كالمتوجد |
| ورقرقت بين الأخشبين مشاعري |
| تفيض بشوق عارم متوقد |
| * * * |
| ذكرتك في باريس والجو ماطر |
| وباريس تجلو كل همَّ مؤبد |
| بلاد كأن الجن، فيها تماوجت |
| وران عليها السحر في كل مربد |
| كأن الفتى فيها الفتاة تشابها |
| رداءاً وأخلاقاً بزي موحد |
| كأن المرائي في رباها تألقت |
| شعاعاً فتاهت في خضم معربد |
| ولكنني لم أدر ما الحسن في الذي |
| رأيت ولم أشهده في أي مشهد |
| * * * |
| وقالوا (فينَّا) جنة الأرض كلها |
| ومنتجع الأفراد والمنتدى الندي |
| تطاول فيها الحسـن مـن كـل جانـب |
| وقام عليها الفن في كل معهد |
| يزيِّنها الدانوب شرقاً ومغرباً |
| وتزدان بالحسن الفريد المورد |
| فطوَّفت فيها عانياً متشوقاً |
| أعالج فيها شقوتي وتسهدي |
| فما كان لحن يستبيني غناؤه |
| بأعذب من لحن الغريض ومعبد |
| وما هي إلا ليلة وصباحها |
| أطل عليها فجرها وكأن قد |
| تذكرت فيها المروتين وأهلها |
| وسكانها من طائفين وسجد |
| فعدت إليها والهوى يستعيدني |
| وقابلت أصحابي وعانقت عوَّدي |
| وقلت لنفسي حين قرَّبها النوى |
| وطاب لها المأوى، مكانك تحمدي |
| وطابت بـك النفـس التي أنـت غرسهـا |
| ومجلى صباها السابق المتجدد |
| * * * |
| ذكرتك والدنيا فنون تنوعت |
| بخير عميم أو بشر مهدد |
| وطفت بأوربَّا جنوباً وشمألاً |
| وشرقاً وغرباً كالغريب المشرد |
| حضارة دنيا لا نصيب لأهلها |
| من الدين والأخلاق غير التبدد |
| تعرَّت عن الحق المجانب للهوى |
| وقامت علــى الإِفك الصريــح الممرد |
| فمالت بهم دنياهمُ نحو قاعها |
| ومالوا بها نحو الحضيض الموهد |
| حضارة أبصار بدون بصائر |
| تريـد طريـق الرشـد مـن غير مرشـد |
| تردَّت فأردتْ واستهامت فأوهمتْ |
| بأوحش أفعال وأفحش مقصد |
| * * * |
| فيا قمة الدنيا ويا ذروة المنى |
| أماناً لقلب المستهام المسهد |
| ويا كعبة الآمال من كل جانب |
| ومستقبل الأجيال من كل مورد |
| أشاد بك الإِسلام طوداً ممنعاً |
| تناهى إليه كل صرح مطوّد |
| وجاءك إبراهيم يحدو بهاجرٍ |
| إلى مهد إسماعيل فيك الممهد |
| أقاما بك البيت الحرام حدوده |
| حرام على باغٍ وطاغٍ ومفسد |
| تأمَّن فيه الوحش والطير والورى |
| فلا صيد فيه أو شراك لمصيد |
| وزمزم فاضت كوثراً يرتوي به |
| من الناس جمع رائح بعد مغتدي |
| * * * |
| تباركت يا رب العباد جعلتها |
| مراداً لعبادٍ مهاداً لسُجَّد |
| وطهرتها بالوحي والوعي والنهى |
| وبالكعبة الغراء أطهر مسجد |
| وأرسلت فيها سيد الخلق داعياً |
| إليك فلم يغلظ ولم يتشدّد |
| دعا الناس في الدنيا لفضل مؤبد |
| وبشَّر في الأخرى بخلد مخلد |
| ولكنهم خابوا وعابوا وأجلدوا |
| عليه فأعياهم بفضل التجلد |
| أمين مع الروح الأمين يرِده |
| بآي من الذكر الحكيم المؤيد |
| يناجي به أصحابه ورفاقه |
| مناجاة مأخوذ به متزود |
| كتاب عظيم من عظيم تنزلت |
| بآياته آيات مجد وسؤدد |
| فكان غذاء الروح يجلو رواءها |
| وكان رواء النفس للظامئ الصدي |
| * * * |
| سلاماً رسول الله من كل مهجة |
| تهيم جلالاً في جداك وتجتدي |
| سلاماً أبا الزهراء كالزهر كالندي |
| كجودك بين العالمين المجوَّد |
| أقمت عمود الدين كالفجر ساطعاً |
| ينير طريق الرشد للمترشِّد |
| وقوَّمت بالقرآن والسيف أمةً |
| هـوت فـي بهيـم مـن دجى الليل أسود |
| وحطمت أصنامـاً مـن النـاس شيـدت |
| من الصخر أوثاناً لها للتعبد |
| طغاةً بغاةً خاسرين تبلدوا |
| من الجهل والخسران شر تبلد |
| وقدت الورى للخير للنور للهدى |
| لسعد كريم في الحياتين مسعد |
| تنوَّرت الأجيال مذ كنت نورها |
| ولا زالت الدنيا بنورك تهتدي |
| سلاماً علـى الصديـق كالـورد ناضـراً |
| على الورد في إقدامه المتوقد |
| سلاماً عليه ناصر الدين في الوغى |
| وقاهر جيش الكفر والردة الردي |
| سلاماً عليه ثاني اثنين إذ هما |
| بغار قَصيٍّ في العراء مجرد |
| أخا المصطفى بل صهره وصديقه |
| وصدّيقه الأسمى بأسمى تجرد |
| تولَّى أمور الناس بعد نبيِّهم |
| فسدَّد حتى كان خير مسدَّد |
| سلاماً على الفاروق أقدم عازماً |
| على الفتح بعــد الفتح فـي كل مرصد |
| دعوه أمير المؤمنين ولم يرد |
| إمارتهم إلا لجهد ومجهد |
| تصدَّى لحرب الـروم والفـرس وانتضـى |
| لهم من سيوف الله كل مهند |
| وقَادهمُ بالعزم والحزم والتقى |
| وبالعطف والحسنى وفرط التَّودد |
| سلاماً لذي النورين أشرق نوره |
| بفيض كريم النفس والوجه واليد |
| جوادٌ أبو الأجواد فاضت يمينه |
| بخير ولم تبخل بتبر وعسجد |
| وأعطى فبزَّ الأكرمين عطاؤه |
| وزاد عطاء الطالب المتزوَّد |
| سلاماً أبـا السبطـين أكـرم مـن جـلا |
| برازاً فلم يحجم ولم يتردد |
| تَصَبَّـى السيوف البيـض حـتى تحطـمت |
| عليها الصفوف السود تحطيــم جلمــد |
| فلا سيف إلاَّ ذو الفقار ولا فتى |
| كمثل علي في الصراع المبدد |
| هو البحر زخاراً بعلم وحكمةٍ |
| وإشعاع إيمان وفرط تزهُّد |
| عظيمٌ كريمٌ كرَّم الله وجهه |
| فما عبد الأصنام في أي معبد |
| أبو الشهداء الصيـد خاضـت وجوههـم |
| حياض المنايا أصيداً بعد أصيد |
| نفوسٌ تسامتْ للسماء كريمة |
| وعافت هوان الأرض في ظل معتد |
| كرامٌ من الآل الكرام تدافعوا |
| إلى الموت من فاد وآخر مفتد |
| سلاماً على آل الرسول وصحبه |
| وأتباعه من ماجد بعد أمجد |
| فراقد لا تحصيهم العين إن بدا |
| لها فرقد هامت به إثر فرقد |
| سلاماً عليهم أول الدهر ناضراً |
| وآخره ضافي المفاخر سرمدي |