(( كلمة فارس الاثنينية سعادة الأستاذ المهدي بنونة ))
بسم الله الرحمن الرحيم, والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
إخواني وسادتي الحضور في هذا الحفل الذي لم أفاجأ في حياتي بشيء مثله, أولاً لأنني كنت أطمح منذ سنين طويلة أن أتشرف بالحضور في إحدى أمسيات الاثنينية, فإذا بي أكرم من هذه الاثنينية ولم أكن قد تمكنت من الحضور في إحدى سهراتها الممتعة.
وأعتذر لسادتي وأخواني الذين سبقوني في الكلمة بأنني لا أستطيع أن أنافسهم في البيان والبلاغة وفي الجواب على التقدير الكبير الذي منحوني إياه، وأنا لا أعتقد أن نفسي تستحق منهم كل ذلك الثناء، فأرجو أن يعذروني, وأن يعذروا مني هذه السنين الطويلة التي منَّ الله بها علي، فأنا قد بلغت السادسة والثمانين من عمري وأحمد الله أنني لا زلت أستطيع أن أتكلم مستعيناً بهذا المكبر للصوت, لأبلغكم شكري وامتناني. ثم إنني أعود بالبدء في كلامي إلى السنة التي ذكرها السيد صاحب الدار - مكرمي ومضيفكم في هذه المناسبة الكريمة مناسبة هذه الاثنينية. فأعود بالذكر إلى سنة 1947م. حيث ذكرنا جميعاً بما كان لي من صلة بجلالة المغفور له, الملك فيصل -رحمه الله- وكان حينئذٍ أميراً ونائباً للملك في الحجاز. ووزيراً للخارجية وممثلاً للمملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة.
أذكر هذا لأنني شهدت أشياء أظنكم لم تطلعوا عليها لأنها لحد الآن لم تكتب إلا في مذكرات خاصة كتبتها, وفيها تفاصيل كثيرة وشرفني بنشرها في مجلته الأستاذ العربي المساري الوزير السابق والصحفي الزميل في مهنتا الشاقة. في ذلك الوقت في خريف 1947م كنت في الأمم المتحدة. وقد أنشأت المكتب الذي يدافع عن قضايا المغرب وتونس والجزائر في الأمم المتحدة. وكنت على صلة بمندوب أمريكا الجنوبية لأنني من بين اللغات التي أتقنها وأجيدها مثل العربية اللغة الإسبانية. ثم إنني كنت على اتصال بأعضاء بالكتلة الشرقية أو الكتلة الشيوعية كما يسمونها. لأنهم كانوا يطمعون أن يأخذ العرب منهم موقفاً في قضية كوريا. كما يريدونهم أن يدعموا المطالب العربية بالنسبة لفلسطين, وعدم تقسيمها, ولكن ذلك لم يفلح, وجاءني في ذلك الدكتور "ليو كروشوكي" من بولونيا داعياً العرب أن يصوتوا معه ضد تقسيم كوريا. وليصوت معهم الشيوعيون ضد تقسم فلسطين وكانت قضية فلسطين الشغل الشاغل لي وللعرب وجميع المسلمين.
وكان أعضاء الكتلة الشيوعية ستة، وكان أعضاء العرب في الأمم المتحدة ستة أيضاً. وهم السعودية, مصر, سوريا, لبنان, العراق, اليمن والتي كانت قد انتمت إلى الأمم المتحدة في تلك السنة.
هنا أرجع إلى ذكر جلالة الملك فيصل رحمه الله وكان أميراً حينئذٍٍٍ. وقف وقفة صلبة جداً بالنسبة للقضية الفلسطينية لم يجاره فيها أحد, كما وقف وقفة صلبة جداً في الدفاع عن قضية المغرب - لم يجاره بها أعضاء الوفود العربية ويكفي أن أذكر أسماءهم لتروا لماذا، فقد كان يمثل العراق نوري السعيد وكان يمثل لبنان كميل شمعون وكان يمثل مصر محمد حسين هيكل ولا علاقة لمحمد حسنين هيكل بمحمد حسين هيكل الذي يملأ الدنيا كلاماً وكتابة كصحفي مصري مطلع على دواخل الأمور. وكان يمثل سوريا فارس الخوري - وزير خارجيته فريد زين الدين. وهو من الشباب السوري الذي درس في باريس مع عدد من زعماء الحركة الوطنية المغربية في ذلك الوقت, وأما المملكة العربية السعودية. فكان يمثلها مندوبها الدائم الشيخ أسعد الفقيه, وكان وزير الخارجية كما قلت لكم الأمير فيصل بن عبد العزيز رحمه الله, وكان يمثل باكستان, محمد ظفر الله خان وزير الخارجية, وفي الأمم المتحدة أحمد بخاري, وبعده أكبر طيب سجي وهؤلاء جميعاً باستثناء الأسماء الأولى التي ذكرتها, لم يوفروا جهداً في مساندة قضية فلسطين وقضية المغرب كذلك, فقضية فلسطين كما قلت كان الأمير فيصل رحمه الله يعقد لها الندوات في أبراج فندق وولد أوف استوريا في نيويورك, حيث كان مكتبه ومركز عمله.
وقضية فلسطين جعلها في مقدمة مشاغله اليومية يوفر لها الوقت في الليل وفي النهار, وبقي على هذا وبقيت المملكة العربية السعودية كذلك تساهم في جميع وسائل الإعلام بجانب المكافحين في سبيل قضية فلسطين, ولكن ذلك لم يمنعه من أن يتولى شأن تنمية المملكة العربية السعودية. بعد أن تولى المُلك في سنة 1964م، ففي ذلك الوقت وجَّه لي دعوة. إذ طلب مني أن أحضر معي بعض الصحفيين. وخاصة الذين يهتمون بالشؤون الاقتصادية سواء من المغرب أو من غير المغرب.
وفعلاً اصطحبت معي بعض الصحفيين الذين كان لي صلة بهم, وفعلاً جئنا إلى الرياض ثم إلى جدة, حيث استقبلنا كذلك جلالته في منزله المتواضع في هذه المدينة بحي العباسية. وكان الغرض من ذلك أن يبين لنا أنه قد وضع للمملكة ميزانية, وهي لأول مرة تعرف بالميزانية بالشكل المعهود في الدول. بذلك يكون قد وضع اللبنة الأولى لتنمية البلاد على طرق حديثة.
لم يكن يجامل أحداً من الدول الأخرى التي كانت تنظر لهذه البلاد كمنتج للبترول فقط، ولكن جعل البترول ومداخل البترول في خدمة هذا البلد الذي ما زالت توليه الحكومات المتعاقبة اهتمامها لرفع مستوى العيش بين سكان هذا البلد العزيز علينا جميعاً, وقد جئت اليوم إلى هذا المجتمع الفريد في نوعه والذي أرجو إخواني أن يُصنعَ له مثيل في المغرب. وإن كان أخونا الأستاذ عباس الجراري قد أراد أن يجعل صلة وصل قوية بينه وبين آل الجراري في الرباط، فإنني أرجو أن أحاول مساعدته في مدن أخرى غير الرباط, كما طلب الأستاذ عبد الله مناع ود. محمود سفر من إقامة صلات بين المنتديات العلمية والأدبية في المغرب وهذا المنتدى الأصيل المتين القوي الذي قلت لكم منذ البداية إنني كنت أتمنى على نفسي أن يسعدني الحظ وأحضر أمسية من أمسياته. وإذا بي أصاب بمفاجأة أن أكون لأول مرة أحضر هنا, أن أكون محل تكريم لا أعتقد نفسي أستاهل هذا التكريم بالمعنى الكبير الذي لا بد لي أن أفكر فيه وأفكر ماذا أعمل لأرضي على الأقل الشيخ عبد المقصود, وإخوانه الذين يحضرون هذه الأمسية أشكركم الشكر الجزيل. وأرجو معذرتي في ترددي في بعض الكلام الذي ألقيته أمامكم ولضعف أدبياتي في هذا المجال والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.