بسم الله الرحمن الرحيم, والصلاة والسلام على خاتم المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
حضرات الأخوات الفضيلات الأخوة الأفاضل هذه كلمة مختصرة, أعبر فيها عن مشاعر الحب والوداد والتقدير والوفاء لابن تطوان البار الأستاذ المهدي بنونة أقول فيها:
إكليل تطوان, على مفرق صاحبة الجلالة!
- أ -
هل أتاكم, الليلة, حديث عاشقة (صاحبة الجلالة), تناغي بيارقها والمعازف.!؟
هل أتاكم, الليلة, حديث حاضنة (الحياة) و(الحرية) و(الأمة) و(الريف) تناجي أدواحها والمرابع.!؟
هل أتاكم, الليلة, حديث تطوان حمامة المدائن, في قاصية بلاد العرب.!؟
هل أتاكم, الليلة, حديث تطوان إذ تسترجع ذكرياتها وهي ترنو, كما ترنون, إلى فلذة من فلذات كبدها أنجبت ونشأت, ودفعت به رائداً لا يكذب قومه,,
وعى سمعي من عذب حديثها, ورشفت نفسي!
أنصتوا إلي أوجز لكم من حديث ذكرياتها,,
- ب -
تسترجع تطوان, الليلة, ذكرياتها البهية التي كتب أمجادها عشق فلذاتها للحرية والحياة,,
تسترجع تطوان, الليلة, ذكريات فتيتها الذين ضربوا مواعيدهم مع الفجر يهزمون بنوره دياجير الظلام من حولهم وعن أيمانهم وشمائلهم,,
تسترجع تطوان, الليلة, مشهد فتيتها وقد انطلقوا باتجاه المستقبل وفق ما رسم لهم رائد:
كانت له في هوى الإسلام صارخة
الموت في سبلها والعيش سيان
وعزة العرب العرباء مالئة
عروقه ملء أنداء لأغصان
ذلكم هو الحاج عبد السلام بنونة الذي ربى ونشأ -بمعية إخوان له آمنوا بربهم فزادهم هدى: الفقيه محمد داود, والفقيه محمد باغوز, والفقيه التهامي الوزاني- فتية قومه على تعاليم الإسلام البانية في العدل, والحرية, والكرامة, غرسها في صدورهم لتكون لهم مشاعل تضوي طريقهم نحو الفجر الموعود المنشود!
ذلك كان زاد المهدي ولداته,,
خير زاد في رحلة البحث عن الفجر الموعود المنشود!
تسترجع تطوان, الليلة, ذكرى بعيدة يوم ودعت, غير جزعة ولا وجلة, فلذتها المهدي ولداته يضربون في أرض الله شطر رحاب القدس والخليل,,
هنالك,,
في أفق نابلس المتوهج بأحلام الانعتاق والحرية,,
هنالك,,
عكف المهدي ومن معه على زادهم الذي حملوه يقبسون ويستلهمون,,
هنالك,,
في أفق نابلس المضمخ بنفحات الميرمية, والورد الجوري, والزعتر,,
حذق المهدي, على رجالات كالذين ودعهم في تطوان, ما كان تلقّاه عن والده وعنهم من (أبجديات) الحرية و(سبحات) الوطنية,,
هنالك وعى المهدي أن الخيار صعب: نكون أو لا نكون!
هنالك وعى المهدي أن لا سبيل لإنجاز موعد أمته مع الفجر إلا بالزاد الذي حمله والده: الإسلام منهجاً والعربية لساناً.
- ج -
تسترجع تطوان, الليلة, ساعة أنصتت, وهي تكفكف دمعها, إلى فلذتها يهيج كوامن شوقها إليه:
أذوب إليك يا تطوان شوقاً
وأطرب كلما ذكرت رباك
أحن وفي فؤادي من بعادي
لهيب زاد في نفسي هواك
أيصبر من أحب على بعاد
لعمري ما البعاد سوى الهلاك
أناجي في الدجى النسمات علي
ألاقي نسمة لمست شذاك
إنها لواعج نفس تجيش بأمجاد وطن كتبها بنوه بعشق متشح بنمنمات الفجر الوليد!
إنها نوافح قلب يخفق بأصباح وطن سرق منه أعداؤه -حين هجع بنوه- ضياء عيونه!
- د -
تسترجع تطوان, الليلة, ذكرى يوم أغر في حياتها,,
يا طالما رفت له أنهار (كيتان) والخلجان!
يا طالما هفت له عرصات (بو جراح) والجنان!
يا طالما صبت له أحلام (درسة) و(غرغيز)!
يا طالما اشتاقت له سواقي (بوسملال) والجداول!
خرجت تطوان عن وقار ورزانة بهما عرفت,,
رفعت صوتها بزغردات محبرات بنبض الفرحة, مزركشات بخفق البهجة سكبتها في أسماع هذا الأفق وهذا الأفق لتتردد أصداؤها في شم الأطلس والريف!
قد أنجز المهدي ما وعد,,
ها هو ذا يعتلي منبر (الحرية) يهتف بالشباب, أمل الغد المنشود, أن هلموا للعمل في سبيل استنقاذ المغرب, منبت الأحرار, من براثن الأفاقين الأشرار!
ها هو ذا يعتلي منبر (الأمة) يوصل القول منه إلى الشباب, أمل الأمة الموعود, أن لا كينونة لكم إلا بعقيدة الإسلام, وأن لا كينونة لكم إلا بلغة القرآن, وأن لا كينونة لكم إلا بتاريخ أمتكم الذي جدل فصوله التي طابت بقيم العدل والكرامة آباؤكم الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه, فعاشوا أحراراً, وماتوا أبراراً!
عرفت المهدي, أول مرة, ولم أره!
كنت يومئذٍ, على فتاء العمر, آوي إلى مكتبة خالي الفقيه محمد باغوز -وكانت آلت إلى بيتنا- أمضي لحظات ماتعة بين كتبها وملفاتها فكان لي, ذات مرة, أن وقعت على أسماء رجال من أبناء تطوان نذروا أنفسهم لرفع الإصر عن الوطن, وفيهم, بل على رأسهم الحاج عبد السلام بنونة الذي ربى جيلاً من شباب تطوان, بعلمه وسلوكه, كان من أبرزهم المهدي,,
ثم أنصت إلى المهدي مرة تلو مرة, ولم أره!
كان ذلك حين أقرأ مقالاته في القضية الوطنية, وفي معاناة الشعب, تحت نير الاستعمار, من الترديات الاقتصادية والاجتماعية, وفي فضح كيد المستعمرين الذي لم يغن عنه شيء!
ثم,,
رأيت المهدي رأي العين, ولم يرني!
كان يجلس قبالة البحر تحت (شمسية) وارفة الظل يجري قلمه على أوراق على منضدته,,
حدثتني نفسي -وأنا المسكون بحب الكتابة وأهليها- أن أدنو منه, أن أسلم عليه,,
لكن حيائي غالبني,, ولم أجرؤ!
حدثتني نفسي أن ألقي عليه التحية وأشكر له هديته التي يتحفني بها,, لكن حيائي غالبني,, ولم أجرؤ!
أو علمتم ما الهدية؟
إنها هدية (الأمة) يهديها المهدي الأمة, أمته في المغرب وفي المشرق, إذا غرد الفجر,, وتنفس الصباح!
أرأيتم ذات مرة هدية ما إن يتسلمها المرء بيمينه حتى تتأجج طواياه بلهيب الحرية وحب الوطن, وتتأرج خلاياه بعبير الشهادة!
تلك كانت حال هدية المهدي كل صباح!
وتلك كانت حالي, بل وحال فلذات تطوان, بل وحال أبناء الأمة قاطبة, إذ نتلقف, في شوق غامر, هدية المهدي إلينا, حلم (الأمة) وأملها,, كل صباح!
- و -
أنجز المهدي ما وعد,,
إذ خدم, بتفان وإخلاص, صاحبة الجلالة في تطوان منبته, وفي القاهرة مهاجره, وفي جدة حيث منازل أحبابه!
أنال (صاحبة الجلالة) التي أحب مما ترجت وأحبت,,
أنال حاضنة دررها وغررها, تطوان, تطوانه, وتطواني, وتطوانكم, وتطوان العرب قاطبة مما ترجت وأحبت,,
أولا يكون المهدي الذي أفنى زهرة حياته في خدمة (صاحبة الجلالة) قميناً بأن يكلل باسم منبته واسمه مفرقها.!؟
بلى,, وبلى!
وها هي ذي (اثنينية) العلم, والأدب, والثقافة, والصحافة تسجل سبقها للمكرمات وتعلن بملء فيها:
أحبابي مكرمي من:
بلاد العرب أوطاني
من الشام لبغدان
ومن نجد إلى يمن
إلى مصر فتطوان
مكرمي, الليلة, الأستاذ المهدي بنونة: إكليل تطوان,, على مفرق (صاحبة الجلالة)!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: لا بد أنكم مثلي تتطلعون إلى سماع كلمة فارس الاثنينية.