بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله الذي أنعمَ علينا بنعمةِ الحمْد, والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده, سيدِنا وحبيبنا وقدوتنا محمد النبي الأمي, وعلى آل بيته الكرام الطاهرين, وصحابته أجمعين..
وفي هذا الإطارِ تشرفُ هذه الأمسية باستضافة المفكِّرِ, والصحافي المتميز, والباحثِ التاريخي, الأستاذ المهدي بنونة, الذي قدِمَ إلينا من المغرب الشقيق, ليحلَّ ضيفاً عزيزاً بيننا في رحاب الاثنينية, لننهل من معين تجاربه الحياتية, العلمية والعملية, الضاربةِ بجذورها في أكثر من منحى ومنهل, فقد نشأ في بيتِ علمٍ وفضلٍ تجذَّر فيه حبُّ الوطن, وأينعتْ فيه روحُ الوطنية التي استلهمها معنىً وجوهراً من والده السيد عبد السلام بنونة -يرحمه الله- الذي عرفته الساحة الوطنية منافحاً أميناً عن بلده ضد الاستعمار, فأهلاً وسهلاً ومرحباً به وبصحبِهِ الكرام, لمدارسة ومناقشة الهمومِ الثقافية, والمتاعبِ الصحفيةِ والأدبيةِ والفكريةِ باستفاضةٍ في محاولةٍ موضوعيةٍ وجادّة, لتحقيقِ الاستفادةِ القصوى من تجاربِ ذلك الجزءِ العزيزِ من منظومتنا العربية, إيماناً منا بأن الكلمةَ الرصينةَ, والأسلوبَ المتوازنَ والمتَّزِنَ يمهِّدانِ الطريقَ أمامَ وحدةٍ ثقافية بين جناحيِ العالمِ العربي: بين الشرقِ المُشرقِ, وبين المغربِ المُغدِق.
كما أرحبُّ أجملَ ترحيبٍ بإخواننا وأخواتنا من ذوي الإعاقات السمعية, الذين كان للاثنينيةِ شرفُ تكريمهم يوم السبتِ الماضي 9/2/1426هـ الموافق 19/3/2005م, مثمناً تواصلهم ومشاركتهم المستمرَّة إن شاء الله في فعالياتِ التكريم, تواصلاً وصلةً, انصهاراً واندماجاً في المجتمع القائم بِحمْدِ الله على التكاتُفِ والتآزُرِ والتعاضُد..
أيها الأحبةُ هنالكَ ثلاثُ نوافذَ مضيئةٍ أحببتُ أن أطلَّ منها, متتبعاً المسيرةَ الواعدةَ والواعيةَ لضيفِنا الكبير: -أولُها- إن الاحتفاءَ به قيمةً وقامةً, ما هو إلا واسطةُ عقْدٍ فريد, نظَمَ حبَّاتِه, وأشرفَ على تنميقِها معالي أخي وصديقي الدكتور عباس عبد الله الجراري إثرَ تكريمِ الاثنينية له بتاريخ 6/2/1422هـ الموافق 30/4/2001م فتمخضتْ عن ذلك اللقاءِ المبارَك, فكرةُ تأطيرِ التوأمةِ والمؤاخاةِ المستدامة -بتوفيقِ الله- بين اثنينتِكُم والنادي الجراري بمباركةٍ أثيرةٍ شرَّفني بها جلالةُ الملِك محمدٍ السادس عاهلِ المملكةِ المغربيةِ برسالتهِ الكريمة في 10/4/1422هـ الموافق 2/7/2001م ما نصه:-
".. وإننا لَنباركُ المشروعَ الذي بادرتُم إليه بتوأمةِ مُنتدى الاثنينية المتفرِّدِ بِنسقِهِ وعطاءاتِه, والنادي الجراري المتميزِ بِعراقتِهِ واهتماماتِه, يقيناً منّا أن تفعيلَ مثلِ هذه المبادرةِ هو خطوةٌ إيجابية, ولبنةٌ أساسيةٌ في مدِّ الجسورِ بين المثقفين في المملكةِ المغربيةِ والمملكةِ العربيةِ السعوديةِ الشقيقَة, مما سيقوِّي التلاحُمَ بين شعبَيْنا, ويعملُ على تحقيقِ الكثيرِ من الآمالِ التي نتطلَّعُ إليها.
لقد تمتَّنَتْ -أيها الأحبةُ- منذُ ذلك الوقتِ وشائجُ التواصُلِ, وازدادتْ رسوخاً وثباتاً, على دربِ الحرفِ وأحبابِه, وعلى قَبَسِ المفردةِ وعشَّاقِهَا, فأحسَسْنا بنبضِ الفكرِ المغربي, وتلمَّسْنا عن كَثَبٍ محيطَهُ الثقافي والمعرفي - من خلالِ تكريمِ الاثنينية للدكتورِ حسن عبد الله جلاب بتاريخ 1/3/1423هـ الموافق 13/5/2002م, ثم معالي الأستاذ الدكتور عبد الهادي بوطالب في 3/1/1425هـ الموافق 23/2/2004م, واليومَ تكتملُ حبَّاتُ العقْدِ بهاءً وحسناً ونضارة, بوجودِ سعادةِ الأستاذِ المهدي بنونة وصحبهِ الكرامِ بيننا في هذا المساءِ الجميل..
ومما أثلجَ صدري في هذا الإطارِ التواصُلي الذي سعت إليه الاثنينيةُ, ونادَتْ بتفعيلِهِ ليكونَ واقعاً ملموساً, وأرضيةً راسِخة, ما بشَّرَتْنا به الأنباءُ عن الزيارةِ الأولى من نوعِها التي يقومُ بها حالياً إلى الرياض, وفْدٌ مكوَّنٌ من أكثرِ من خمسين جامعياً, ومثقفاً, وأديباً وإعلامياً مغربياً للمملكة, من بينهم الأديبُ الروائي بَنْسَالِم حِمِّيش, والدكتور علي لَغْزِيوي والدكتور محمد يسف وغيرهم, متطلعاً إلى مزيدٍ من التلاقحِ الثقافي عبَر القنواتِ الرسمية والشعبية..
وثانيها: إن ضيفَنا وإنْ كانَ مقلاً في التأليفِ إلا أنه أسهمَ بكتبٍ عظيمةِ الأثَر, فالعبرةُ بالكيفِ لا بالكَمّ, ورُبَّ شاعرٍ خلَّدَتْه قصيدةٌ أو بيتُ شِعْر, وكاتبٍ ذاعَ صيتُهُ بروايةٍ أو مؤلَّف, ومن أهم مؤلفاتهِ كتابُهُ القيِّم الذي صدرَ بالإنجليزية وتُرجِمَ إلى الفرنسية والإسبانية. "مغرِبُنا - القصةُ الحقيقيةُ لقضيةٍ عادِلَة" الذي يعدُّ مصدراً تاريخياً مهماً لفترةِ الكفاحِ الوطني ضد المسَتْعِمر, ومن مؤلفاتِه أيضاً كتابُ "سنواتٌ حرِجةٌ في المغرِب" الذي تناولَ فيه الكفاحَ المريرَ لتحقيقِ الحرِّيةِ والانعتاقِ من رَبْقَةِ الاستِعمَار. ومن جهةٍ أخرى فإنَّ إلقاءَ المزيدِ من الحزَمِ الضوئيةِ على الساحةِ الثقافيةِ المتنوِّعة, والحسَّ الصحفيَّ البدِيع, والأطرَ الأدبية المغربية لَهِيَ من بِرِّ التلاقي, فلم تتردد الاثنينيةُ في اقتناصِ هذه السانِحَةِ ليلتقي محبُّوها بأديبٍ معروفٍ وصحافيٍّ لَبِقٍ قلباً وقالباً كالأستاذِ المهدي بنونة.
وفي هذا السياقِ بين يديَّ صورةُ شهادةٍ نادرةٍ صدرَتْ في نيويورك بتاريخ الأول من ديسمبر عام 1947م, موجَّهةٌ إلى من يهمُّهُ الأمرُ, ورَدَ فيها:-
(بهذا نشهدُ أن السيد المهدي بنونة, المغرِبِـيَّ الجنسيةِ, يحملُ جوازَ سفرٍ رقم 11754 يعملُ بوظيفةِ صحفيٍّ في البعثةِ السعوديةِ لَدَى منظمةِ الأممِ المتحدة.. نرجُو بموجِبِ هذه الشهادةِ, وفي ضوءِ انتسابِهِ لبعثتِنا, أن توفِّرَ لهُ السلطاتُ المعنيةُ التسهيلاتِ اللازمةَ في السفرِ وما يتعلقُّ بأداءِ مهمتِه..).
كما شرفَ بوضعِ اللبناتِ الأولى لوكالةِ المغرِبِ العربي للأنباءِ, فأضفتْ عليهِ الصحافةُ المغربيةُ الذائعةُ الصيتِ, كجريدةِ الاتحادِ الاشتراكي, والأحداثِ المغربية, وجريدةِ العلمِ وجريدةِ الصباحِ لقَبَ (قَيْدُومِ الصحافيين المغارِبة) أي عميدهم ورائدهم, فقد عُرِفَ كصحافيِّ متمكنٍ, أجهدَ عقلَهُ المنفتحَ, وفكرهُ المتَّقِد, وقلمَهُ السيَّالَ, في التصدِّي لكثيرٍ من الهمومِ والقضايا الداخليةِ والخارجيةِ بأسلوبٍ هادىءٍ, ونَفَسٍ عميقٍ, وكلماتٍ لها إيقاعٌ جميلٌ, ووَقْعٍ تألفُهُ النفسُ وتحرصُ على متابعتِهِ بنَهَمٍ وشَوْقٍ, وعباراتٍ رصينةٍ الخُطَى, واثقةِ الطرْحِ, بسيطةِ الفَهْمِ والإدراك, مما يعكسُ افتنانَهُ وشغَفَهُ بها, فأسرَتْهُ ولم تجعلْهُ أسيراً للنمطِيَّةِ المتفشيةِ في أغلبِ الصحفِ السيّارة, ولا للرَّتابةِ التي طُبِعَتْ بها بعضُ الأقلام.
وأخيراً: أليسَ من الممكنِ في وقْتِ السِّلْمِ والسكينة, إنشاءُ جمعياتٍ للإغاثةِ بغرضِ توفيرِ الرعايةِ للجَرْحَى في زمنِ الحربِ, بواسطةِ متطوِّعينَ متحمِّسينَ ومخلصينَ ومؤهَّلينَ على نحوٍ شامِل؟ قاد هذا التساؤلُ كما تعلمون - السويسري هنري دونان عام 1863م, إثرَ حربِ الوحدةِ الإيطالية التي نجَمَ عنها أكثر من 9000 جريحٍ, إلى تأسيسِ اللجنةِ الدوليةِ للصليبِ والهلالِ الأحمر, ومن ثَمَّ صياغةِ اتفاقياتِ جنيف المعروفَة.. فقدْ وُفِّقَتْ صاحبةُ السموِّ الأميرةُ للاَّمَلِيكَة رئيسةُ جمعيةِ الهلالِ الأحمَرِ المغربيةِ باختيارها ضيفَنا الكريمَ نائباً لها, لما عُرِفَ به من حبٍّ للعملِ الطوْعِي, والانحيازِ لصفِّ المحرومِينَ والمظلومينَ والمنكوبينَ والجرحَى والأيتام.. مضحياً بوقتِهِ وجهدِه ومالِه في سبيلِ إعادةِ البسمةِ والأملِ إليهِم, في ظروفٍ أقلُّ ما توصَفُ فيها بأنها قاسيةٌ وخطيرةٌ, فلَهُ في هذا المضمارِ تجاربُ ثَرَّةٌ, ومواقفُ رائعةٌ, وأدوارٌ إنسانيةٌ عمِيقَة, كعمقِ الخيْرِ والعطْفِ الراسخِ في نفسِهِ وحسِّه..
مرةً أخرَى أرحِّبُ بسعادةِ ضيفِنَا الكريمِ وصحبِهِ الأفاضِل, متمنياً لكُم سويعاتٍ شيِّقَة, وأوقاتاً يانعةَ القطوف, على أملٍ أن نلتقي الأسبوعَ القادمَ بسعادةِ الأستاذِ الدكتور زغلول راغب النجار الأكاديمي والمفكِّرِ الإسلاميِّ المعروفِ الذي سيسعدُنا بتشريفِهِ من مِصْرَ خصيصاً ليتفضَّلَ علينا باللقاءِ به وهو كما تعرفون قد ذاعَ صيتُهُ عبرَ الفضائياتِ وما يتناولُهُ من موضوعاتٍ غنيةٍ بالإعجازِ العلمي في الكتابِ والسنَّة.. فمرحباً بكُم لنحتفِيَ بِه ونفيدَ من عملِهِ وتجربتِه, ليستمرَّ التواصُلُ على خيْرٍ وفي خيْرٍ وأنتم بألفِ خيْرٍ.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: قبل أن أنقل لاقط الصوت إلى أصحاب السعادة المتحدثين والمتحدثات أذكركم بأنه سيفتح باب الحوار مع سعادة الضيف بعد كلمته، فنأمل أن يأتينا من كل منكم سؤال واحد حتى نعطي الفرصة للجميع, أحيل الميكروفون الآن إلى معالي الأستاذ الدكتور محمود بن محمد سفر وزير الحج الأسبق والمفكر الإسلامي المعروف.