شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الدكتور جميل مغربي ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وسائر الأنبياء والمرسلين.
سأتحدث بحديث المحب لا حديث العارف، واسمحوا لي أن أنأى بكم بعيداً لأقترب قريباً، فمن قديم قيل إن القرب حجاب، كان لي صديق هو شاعر وباحث وأكاديمي، ولكن مشكلته العظمى في القلق، القلق يكاد يقترب من حد الهاجس السلوكي الذي يجعله ينبو به المكان، كنت ألتقيه في مناسبات ثقافية، أفتح المصعد أجده أمامي، أذهب إلى السلالم المتحركة أجده أمامي، أتحدث في بهو الفندق أجده أمامي ثم خلفي، زار المملكة ضيفاً على الشيخ عبد المقصود، اتصل بي في البيت لم يجدني، اتصلت به لم أجده بالفندق، أتيت إليه في الثانية عشرة مساء فانتظرت قال أصعد إلى الغرفة، صعدت فإذا به يدير الهاتف ظننته سيتصل بقريب له فإذا به يتصل بالشيخ عبد المقصود، أحرجني مع الشيخ عبد المقصود فأفهمته فيما بعد أن الرجل استسلم لسلطان النوم ولا يليق أن نتصل به في هذا الوقت، هذا القلق هو السمة والقاسم المشترك بين الأدباء جميعاً، تتفاوت نسبته وتتباين درجته، وهو تماماً يشبه ظاهرة (النرجسية) لدى الشعراء، والفنانين.
أعود إلى أخي المكرَّم الدكتور عمر بن قينة، وصلتني أوراقه وكنت آنذاك رئيساً لقسم اللغة العربية، كنت سعيداً وربما من حسن حظي وحظ القسم، لأنني كنت حريصاً على مبدأ اقتصادي وهو تنويع مصادر الدخل، حملت معيداً من المعيدين على السفر إلى أسبانيا لدراسة الأدب الأندلسي هناك، وحملت آخر بالتوجه إلى فيينا لدراسة المسرح في النمسا، وحينما وصلتني الأوراق سعدتُ بها ولا أخفيكم أنني تخوّفت من ظاهرة معينة وهي فوارق اللهجات، ولكنني خلصت إلى أنها ستكون مزية لصالح الطالبات والطلبة، وهذا بالفعل، فإن الشكوى من الطالبات والطلبة أن الدكتور عمر يحملهم على التحدث باللغة العربية الفصيحة وهو ما نريده ونبحث عنه، الشكوى الأخرى أنه يجهدهم بالبحوث والتكاليف، وقلت لهم: أنتم مشروع أستاذ جامعي، والأستاذ الجامعي تكوين لا تلقين، أو تحضير لا تلقين.
أعود للدكتور عمر حين وجوده في القسم وحينما كنت رئيس القسم كنت أحرص على الجلوس إليه، لم أستطع القبض عليه حتى إنني في بعض المناسبات كدت أن ألزمه بالجلوس لكي استشف منه بعض الرؤى وبعض الأفكار لكي أستفيد منه في بعض الجوانب فلم أستطع، في كل مرة أجد الرجل على قلق، ودائم البحث ودائم الدأب، ويُعنى بالمحاضرات عناية دقيقة ومفرطة للغاية، حاولت أن أجتذبه من خلال البوابة المعروفة وهي التحدث عن العربي الجزائري قلت له: إني استشهدتُ في مقالة بعنوان "الاحتفال برمضان على الطريقة الجزائرية" بنص لأحلام المستغانمي من روايتها "ذاكرة الجسد" وهي تصف أن الثورة كالقطة تقتل أبناءها، وجدت أنه لم يلتفت وصبنَ عني كما صبنت أم عمرو عن الكأس وكان مجراها اليمين. وعلمت يقيناً حينما أعدتُ عليه أنني اقتنيت "عابر سبيل" لأحلام مستغانمي وأنسيتها في القاهرة وجدته أنه لم يلتفت لهذا فأدركت هذا البُعد، أردت أن أحدثه عن الأدب السعودي فكان أيضاً مشغولاً ببحثه ومعرفته، ففاجأني بقراءة في صحيفة "الرأي" القطرية عن قصيدة كتبتها بعنوان "رسالة إلى أبي العباس السفاح" كنت أقول فيها:
أبا العباس قد طال السُبات
ألا تنهض؟ فنصف العُربِ ماتوا
فأدركت أنه لم يقرأ هذه القصيدة ولم يدرسها لأنها لي كصديق أو زميل أو رئيس للقسم، وإنما هو تلمّسَ فيها خطاً يتجانس ويتواءم مع رؤاه، وهو الخط القومي المندرج ضمن إطار الفكر الإسلامي، هذا ما خرجتُ به واستخلصته، والرجل يُعذَر في قلقه، القلق سمة مشتركة جده الأكبر أبو الطيب المتنبي كان يقول:
ألِفتُ ترحُلي وجعلتُ أرضي
قتودي والغُريرية جُلالا
فما حاولت في أرض مُقامة
ولا أزمعت عن أرض زوانا
على قلق كأن الريح تحتي
أوجهها يميناً أو شمالاً
 
وقال في موضع آخـر: (أنا أود أن أشير إلى أن المتنبي حينما قـال (أزمعت) ها هنا دليل على أنه لم يستقر فهو لم يزمع الرحيل لأنه لم يستقـر أصلاً)، وبعض الشرَّاح حينما يقولون على قلـقٍ يقصدون به حـذف المنصوب أنه جمل قلـق إنما يفسدون المعنى لأن المتنبي أكّـد هذا في جانب آخر حينما قال:
 
يقول لي الطبيبُ أكلت شيئاً
وداؤك في شرابك والطعام
وما في طبه أني جواد
أضرَّ بجسمه طول الجِمام
تعوَّد أن يُغبِّر في السرايا
ويدخل من قَتام في قتام
فأمسك لا يُطال له فيرعى
ولا هو في العليق ولا اللِجام
فإن أمرض فما مرض اصطباري
وإن أُحْمَم ما حُمَّى اعتزامي
وإن أسلم فما أبقى ولكن
سلِمتُ من الحِمامِ إلى الحِمامِ
 
هذا هو القلق الذي جعل من عمر بن قينة مبدعاً وباحثاً ورجلاً كما ذكر الشيخ عبد المقصود يجعل الوقت مسألة حيوية لا يفرّط فيها، ولا أريد أن أطيل طالما أني مُنحت وقتاً محدداً لكن أشكر لسعادة الشيخ عبد المقصود هذا التكريم الذي حقيقة طال جسد الأمة العربية حتى في أعضائها المنسية، في الأسبوع الماضي كان هناك ضيف من موريتانيا شاعرنا الكبير الذي يجلس إلى جانبي الأستاذ أحمدو اليوم زميلنا الشاعر والأديب والباحث عمر ابن قينة وأتمنى لكم جميعاً طيب العافية وشكراً للجميع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
عريف الحفل: الكلمة الآن لسعـادة الدكتور عبد الكريم العوفي عضـو هيئة التدريس بجامعة أم القرى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :575  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 114 من 235
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.