شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة فارس الاثنينية سعادة الأستاذ أحمدو ولد عبد القادر ))
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين.. الحاضرون الكرام.. أحييكم تحية من القلب.. وأشكر كل الذين كانت لهم الفكرة والتنفيذ والحضور والمشاركة في إتاحة مثل هذه الفرصة العزيزة النادرة أمامي، وأخص بالذكر منهم الأستاذ عبد المقصود جزاه الله عنا خيراً، ثم أستاذنا الشيخ عبد الله بن بيّة، والذي هو معروف هنا ولا يحتاج لتقديم، وأذكّر فقط أن الشيخ القرضاوي في أحد البرامج التلفزة سأله سائل قال: أين الاجتهاد عند العلماء حتى نحل مشاكل العصر؟ فكان في جواب القرضاوي وهذا ما نحمد الله عليه إن الشيخ بَيّة من موريتانيا موضع ثقتنا في حل مشاكل الاجتهاد للحصول على الفتاوى لتحل الإشكاليات الفقهية في العصر الحديث المعقد.
الذين تكلموا عني وأثنوا عليَّ أشكرهم وأضافوا إليَّ الكثير من المجالات والتخصصات، وأقول إنهم أثنوا كثيراً أولاً لأنهم أحباب وأصدقاء وأقارب وأساتذة، وثانياً لأن الموقف موقف تكريم معنى فلست ملزماً بالكثير من الثناء الذاتي أو التذكير الذاتي ولا أنكر ما أنعم الله به عليَّ من نِعَمْ مع ذلك، فقط أريد أن أقول إن هذه المجالات والتخصصات التي ذكروها بأن لي عملاً ما أو تخصصاً ما، إنني في الحقيقة لا أتقن أياً من هذه الفنون ولا هذه المجالات وإنما يجوز لي أن أقول إنني آخذ بطرف من كلٍ منها، هذا هو الصحيح.
هناك مجال منها هو مجال الشعر هو أقربها إلى قلبي وأكثرها ارتباطاً في أذهان الناس لشخصي ولي مع الشعر حكايات لأني قليل مقابلات مع الصحافة ومع وسائل الإعلام، قد أبين بعضها الليلة، فما أكتب منه منذ الستينات بدايتها حتى الآن أولاً قليل، فأنا شاعر مُقل قد أكتب في السنة قصيدة.. اثنتين.. ثلاثا.. أربعاً.. خمساً.. وقد لا أكتب قصيدة في سنتين، لأنني أنتظر لحظة الميلاد وتجهّز أو جاهزية إن سمحتم أقول جوقة المشاعر والوجدان من المدربك والعازف والنافخ إلى غير ذلك، هذا من جهة، من جهة ثانية أنا عندما أكتب الشعر أشعر باحتقار النص أو عندما أجلس وحدي أقول لنفسي هذا الشعر لا يستحق ما يوليه الناس من استحسان وإكرام لكَ يحفظونه ويكتبونه وهو إذا نظرت وحدك والمثل الشنقيطي يقول: إذا كذبنا مع الناس لا نكذب لوحدنا، فأقول لعلّ السبب استحسان الناس في بلادي لهذا الشعر ترجع إلى بعض الأسباب، منها أنني نادراً لا أقول مطلقاً ولكن في الغالب لا أكتبه إلا حينما أحس مخاضه أي عن طرق مشاعر صادقة أو غير مزّيفة في الغالب، قد يكون هذا هو سبب تقبل الناس له.
الثاني ارتباطه بحاجيات وجدانية أو لا شعورية أو شعورية تتعلق بهمومهم الهموم العربية والإسلامية، الهموم الوطنية، لقضية فلسطين وما سواها من القضايا الحساسة، قد تكون هذه هي الأسباب التي جعلت الجمهور يتقبله ويعطيه اعتباراً أكثر مما أُقيّمه أنا إذا نظرته وحدي، ثم إنني أعلم بعد ذلك أن الفنان وربما الصانع والمهندس وكل من له مجال إبداع في ميدان معين حالما يرضى كل الرضى عما ينتج فسيمشي القهقري، هذا إني على يقينٍ منه، لأن انعدام الطموح يولِّد البحث عن التجديد وما إلى ذلك.. نقرأ عن بعض النصوص قصيرة، العصر عصر سرعة كما يُقال كتبتها يوم وصولي هنا قبل يومين بعنوان "على مشارف جدة للقادم من بعيد".
إليك عروس البحر والبسمة الزهرا
ومعبر باب الشرق في وجنة الصحرا
سلام عتيق الحب يستلهم الرُّبا
ويستلهم الشطآن في ألق الذكرى
وما كنتُ أنسى من تِهامة ليلها
نسيماً من الأشذاء يستعذب المسرى
وكم بت أرعى البدر بين بطاحها
كأني ما عاينت من قبله بدرا
تباركتِ يا أرضَ الجزيرةِ مشرقاً
لأنوارنا مجداً وأنوارنا فخرا
ومملكة تُعطي السماء حقوقها
معظمة والأرض حُلَّتها الخضرا
دعيني أُحيي في جبالك والصوى
حنيني فما تنفك أصداؤه تترى
وقد سار قبلي من زمان ولم يَعُدْ
ولم أنسه نظماً ولم يبتعد هَجرا
وللمنتدى الميمونِ أرفع باقة من
القلب عرفاناً لمن أوجبوا الشكرا
ومن حفظوا للضاد نبض نجومها
لتشرق للدنيا مجرتها الغَرَّا
ومن أكرمَ الأقلام أكرم أمة
تَعوَّدَ منها الدهر أن تصنع الدهرَ
وأعذبها ذكر الشتات وسامها صروف
الليالي السود أن لا ترى النصرَ
عسى اللَّه يرعاها ويحمي سبيلها
ليبعد عنها الغيم والشوكَ والجمرَ
 
وصلتني ورقة من أحد الأخوة يقترح قطعة قصيرة كتبتها سنة خمس وتسعين عن مدينة بوسنية تُسمى "جورشدة" عندما كنت أشتغل في ألبانيا مع معهد اللغات الشرقية في "تبنكن" بتحرير رئيس المخطوطات الموريتانية مررت مرة بـ "جورشدة" هذه وبعد ذلك بخمس سنوات سنة 95 كانت تتعرض لأبشع مذبحة في فصل الربيع وهي من أجمل ما في البلقان فسالت دماء نسائها وأطفالها وشيوخها على أزهار ربيعها وكانت تحية لها، أظن هي نعم:
"جورشدة" ماذا ترى الأدمُعُ
وأعينك الزرق هل تشفع
فأين الربيع وسحر التلال
ودندنة البدر إذ يطلع
سأسأل جرحك أين الطيورُ
وأين الفراشُ وما يصنعُ
وأُشهِدُ قبرَكِ يوم اللقاء
وأسمعُ منه كما يسمعُ
لقد عدم الصبحُ طعم النسيمِ
ومات على الموضَعُ المرضِعُ
سينساك قومٌ وقومٌ نَسَوكِ
ولكن ربيع الدِمى ممرِعُ
فقولي معي قبل موت الحروفِ
حوار الحضارات هل ينفعُ؟
 
قد نختار "المغاربية" فعلاً يضيق صدري لأن المغاربيين وهم متقاربون في الأرض وفي كل شيء ولهم مكوّنات التوحد والتلاقي ومع هذا لم يتحدوا، في سنة 88 أسسوا الاتحاد المغاربي، مع أن أهل المشرق لا يحبذون النسبة إلى الجمع، نحو جمع أنصاري! بعد تأسيس الاتحاد المغاربي نظمت وزارة الثقافة في موريتانيا مهرجاناً للشعر المغاربي البلدان الخمسة، القصيدة عنوانها "أحبابنا" الأهل فهي استقبال للشعراء المغاربيين الذين أتونا بمناسبة ميلاد هذا الاتحاد.
وادي الأحبة هلاّ كنتَ مرعانا
إن الحبيبَ حبيبٌ حيث ما كانا
ويا أخا البُعدِ هل تشفيك قافيةً
تبوح بالروح أنفاساً وأشجانا
أُفٍ على الشعر والدنيا بأجمعها
ما لم تُقَرِّب إلى الأخوان إخوانا
هوِّنْ عليكَ فذاك الشملُ مجتمعٌ
والنجع لاقى على التحنان خلانا
إن الحمائم قد عادتْ مُغردةً
فوق الغصون وعادَ البانَ نشوانا
أما رأيتَ طيورَ البحرِ حالمةً
في أُفقْنا ترسم الأفراح ألوانا
فسلْ مُعللة الأنخاب هل نسيت
بعد الرحيق كؤوساً كُنَّ هجرانا
وسَلْ أحباءك الآتين كيف أتَوا؟
وكيف ناموا على الهجرانِ أزمانا
وشائج الأرض أقوى من نوازعنا
والحر ينسى طباع الحرِ أحيانا
أحبابنا الأهل مرحى يوم مقدمكم
هذا لقانا فهل تنضم أشلانا
هذا لقانا.. فهل آمالنا انعتقت
وهل نسيم ربيع الوصل قد لانا
نريده صفعة للأمس توجعه
إذا الغد الأبلج البسّام وافانا
نريده غرسةً للمجدِ واحدةً
دوحاً يكلل عُري الأرض تيجانا
ولا نريد مواثيقاً مطرزةً تعيش
في الورقِ المنسيّ أدرانا
ولا نريد ابتسامات مؤقتة
تغشى الوجوه وتغدو بعدُ نُكرانا
قبل اللقاء أحرف التاريخ ما عرفت
وجه الصباح ولم تطلبه عنوانا
كأن طارقَ أوصانا بأندلسٍ
شراً وعقبةُ لم يَحلُلْ بمغنانا
نروي لأبنائنا مجد الجدود
ولا نبدل الشوك عبر الدرب ريحانا
وكيف ينفعنا عزُّ الأوائل ما
دمنا بُغاثاً وطير الغير عُقبانا
حار الأدلاء والبيداء تبحث عن
نجم الطريق ولم تعرف له شانا
وإنما نفحات الضاد تُسعِفُنا
نوراً إذا الليل في بلواه أعشانا
وللرياح تراتيل بغير هدىً
تسبي الذي يعبر الأمواج وسنانا
وتسرق البرقَ من أحشاء سطوته
وتترك الغيم في علياه ظمآنا
يا غرسة المجد هل تسقيك أغنيةٌ
من وحي أوراس تبري الكون ألحانا
وهل تجود عليك الدهر ماطرة
من القلوب تُحيل الصخر وجدانا
نَبِّه لها عمرَ المُختارَ وادع لها
عبد الكريم بما صانَ وما زانا
وناد شنقيط واستنثر معالمها
والقيروان وتطوانَ وفَزّانا
فالكَرْمُ قد عانقَ الزيتون في مرحٍ
والطلح يزهو عساليجاً وأغصانا
بُشرى البشائر مُدِّي ألفَ مَعْلَمَةٍ
فوق السموات تُحيي عهدَ لُقيانا
وسائلي عن بريد القدسِ هل وصلت
خيوله البيضِ تستسقي روايانا
وعن مآذِنِها الثكلى فإن لنا هناك
أهلاً ضحاياهم ضحايانا
تزوبعت هُمم الأطفال عندهمو
وأنبتت لعيون الورد أسنانا
لو أن سيوف أبي بكر ويوسف لم
نغمده فينا تخطى اليوم بيسانا
ومض الحجارة يزهيه فيسألنا
متى تطاول سيلُ الدمع بُركانا
ما أروع الجرح تجفوه ضمائده
حيا ويرمي وجوه الظلم نيرانا
أحبابنا الأهل لا شَطَّ المزار بكم
بعد التداني ولا مَلَّته دُنيانا
لولا المرابع والذكرى لما انطفأت
بعض الجروح التي تشوي حنايانا
فيمَا التفرقُ والأهداف تجمعنا
لا يعلم السرَّ إلا اللَّه مولانا
كم ذا أخاصم قلبي حين أهجركم
وامتري منه سلوانا ونسيانا
ويرفض القلب أن ينأى قلوبكمو
إن الحبيبَ حبيباً حيثما كانا
 
هل نزيد من الشعر أم نكتفي بهذا؟
الدكتور السريحي يطلب أن تقرأ لنا شيئاً من "السفينة".
الأستاذ أحمدو ولد عبد القادر: هذا الشعر الذي بدون قافية عندي معه مشاكل، هناك جمهور عندنا عندما أحكي لهم شعراً بدون قافية يقولون لي هذا قرآن مسيلمة الكذّاب، وأحاول مهادنتهم، وأقول لهم إني أتخلى عن الرويِّ ولكن لكل بحر دندنة وإيقاع أي تفعيلة فأنا لا أتركها، فلا يقتنعون، ويستحسنون أحكام المرحوم عباس محمود العقاد في بداية الستينات في كلامه عما سُميَّ بالشعر الحُرِّ كان يقول يسمونه الشعر الحر ولا أدري هل أسميه الشعر المنثور؟ أم النثر المشعور؟ فأنا أكتب قصيدة التفعيلة ملتزماً ببحر معين إما أن يُقال هذه قصيدة كتبناها وهي تُسمى قصيدة نثرية فقد نعت لها نفسها من خلال اسمها، أستاذ السريحي من أهل الحداثة، حداثي جداً قادم من أعماق البادية مثلي، ولكن غاص بعيداً في الحداثة ومفاهيمها، وسأختار له قصيدة هنا من هذه النصوص، لا أدري هنا قصيدة طويلة بعض الشيء أو أنا لا أسميها قصيدة وإنما أسميها "حكاية" كتبتها سنة 1999م قال لي بعض أساتذة الجامعة عندنا هذه السيرة الذاتية لك كُتبت عن طريق زاوية اللاشعور، ليست من الشعور، تعابير لا شعورية، على كل حال هي قصة مغامر يروي رحلة طويلة في البحث عن حجر لقمان عن الحكمة، وجال في الأراضي والسماوات ولم يجدها وجال في الوطن العربي في الصحراء العربية وتعقيداتها وانتهى وقال إنه ما زال يبحث، سأحكي بعضها:
قال:
طرقتُ مدائن الشرقِ والغرب..
ركبتُ صحون الرياح..
أبحث عن حجر ضاع آخر أيام لقمان.. لؤلؤة عُصِّبت
بحرير السما..
* * *
دخلت القلاع ولم يبق قبو ولا منفذ
في الطلول القديمة
إلا نثرتُ إليه الضياء
ولو قلَّ
تراميت بين ظلالي زمانا
ورصعت (تغريبتي)
وشبابتي
بحروف عسى ولعلَ
فما كنتُ إلا ذرة من
هباء..
ترنح صوب النوافذ
باحثةً
عن أي خيوطٍ من النورِ
تسحبها
إلى الأفق الأرحب..
تغربتُ
حتى اقتحمت معابد التبتِ
والهند والهملايا
سكنتُ مخارمها..
والصين
التصقتُ بجدرانها وأبراجها
زمناً..
وفي سفري تأملت جبهة بوذا
طويلاً
وعينيه وجبته لم أجد
شبهاً قاطعاً بينها
وجبة شيخي في (محضرة)
الأهل..
* * *
سرنديب تعرفني
ذاهباً آيباً..
من طريق الحرير القديمة
إلى حيث كانت
مقالع اللؤلؤ تحت المغارات..
* * *
صنعاء يعرُبَ..
أرواح مأرِب..
تنسبني لها ولداً
هجر آباؤه
إلى الواق واق..
وفي شوارع (نبّارة) فاس العتيقة
سامرت الشيوخ المسنين
الرواة الثقاة..
فلم ينبؤوني عن الحجر
المختفي..
وأذّنتُ فوق جميع المنارات..
ووقعت أمداد الأذان
على وتر (الرصد) و (الكان كان) مارست رقص الدراويش
بين الزوايا المهيبة..
وعبر حُمَيَّا الهُيام الفناء
(نرفانة) الحب لا تنقضي..
سألتهمو عن الحجر الغائب؟
قالوا:
إذا كنتَ تبغيه
فهو القريب إليك..
فمُتْ أولاً:
لِتبصرَه..
ومُتْ ثانياً:
لتمسكَهُ..
ومُتْ ثالثاً لتحيا الصبابة..
* * *
وزرتُ نوادي المحبين..
في العدوة الثانية
وجدتهمو يخدعنا الموت
بالشرب..
يضّاحكون بلا وازعٍ..
وأكوابهم مُشعشعةً
تقارع ما بينها..
وقد فاض منها
نزيف من الحب..
آسنه والمعين
فبعض الكؤوس
زلال.. وبعض الكؤوس
أُجاجٌ.. وبعض الكؤوس
مُدامٌ..
وفي بعضها صديدٌ..
يُمازجه قذى وطحالب..
على أنهم يملئون الكؤوس
من مغرف واحد..
سكرت من الخوف..
هربت بعيداً إلى ظلي الآخر..
ولكنني لم أخدع الموت
بالشرب.. وأعجبه أنني لا أُخادعه..
وللموت:
صولته إذا جدَّ..
وصولته إذا ما توقعته
قبل وعد اللقاء..
وللموت وعيٌ رياضيٌ
فيحترم اللاعبين
إثر هزيمتهم..
 
(الحكاية طويلة) نكتفي بهذا منها…
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :775  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 106 من 235
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.