شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الدكتورة مباركة بنت البراء ))
الصلاة والسلام على نبيه الكريم، وصلت منذ ساعة من الرياض لما أقبل أن أستسلم لضغط المحاضرات التي انتهت اليوم في حدود الثالثة وتبدأ غداً في حدود الثامنة لجمالية الموقف، فالموقف لا يحتمل التريث، فأشكر القائمين على هذا المنبر الثقافي على دعوتهم لي لحضور تكريم شعرنا الفذّ وكاتبنا المبدع الأستاذ أحمدو ولد عبد القادر، هذا التكريم الذي هو وكما قال الدكتور عبد الله بن بيّة مفخرة لنا نحن الموريتانيين جميعاً، فشكراً موصولاً كذلك للقائمين على الاثنينية لهذا التكريم.
حديثي في هذا المقام لا يعدو انطباعات وآراء استقيتها من قراءتي في بعض نصوص الشاعر، أغلب ما كنت سأذكره منها هو ما ذكره مشكوراً الدكتور عبد الله بن بيّة، قرأت منذ أشهر رواية الكاتب العيون الشاخصة، عادت الرواية إلى قصيدته السفين التي كتبها في الثمانينات، العالَم المتسارع المتحول، العالَم المهول التغير في البنية الاقتصادية والاجتماعية وجدتُ أن النصين تشدهما أواصر قربى، كِلا النصين يصدر عن تصوّر شامل لمسيرة المجتمع الموريتاني الحضاري، وعن وعي بتغير فجائي الذي أصابه جراء الشذاذ والتصحر وانحسار الثقافة المحضرية وافتقاد اقتصاديات الرعي والزراعة ومن ثم الهجرة إلى المدينة، هذه الأشياء كلها جعلت الشاعر أحمدو منذ بداياته أي منذ بداية قيام الدولة الموريتانية وحتى صدور هذه الرواية سنة 1999 لهو مشعل هام خَطِّيّ لا نتوء فيه ولا اعوجاج وهو قضية الوطن بمفهومه المحلي وبمفهومه القطري.
فأحمدو كان بحق رائد القصيدة الموريتانية المعاصرة، ظل عطاؤه مستمراً منذ قيام الدولة وحتى الساعة، عكست مدونته في مجملها مضموناً سياسياً واجتماعياً واضحاً من الخاص إلى العام فالأعمِّ، تعاملت مع قضايا وأحداث تاريخية كقضايا الانتماء القومي وقد ذُكر هذا من بعض المتحدثين، تحديد الهوية، هموم المواطن، تعاملت كذلك مع القضية الفلسطينية، ومع الثورة الجزائرية ومع الحرب اللبنانية، ولم تغفل قضايا عالمية كالثورة الفيتنامية، هذه القصيدة التي وهنا أركّز على تشكل المعجم لدى الشاعر، هذه القصيدة بدأت بوعي مجانبة للّغة القاموسية المحورية رغم أن هذا الشاعر هو ابن المحضر، لعلّ هذا الهم الوطني والهم القومي هو ما حدا بالشاعر أن يؤسس للقطيعة عن وعي مع قاموس تليد عرفه، ولا يزال يعرفه، كان شاهداً في التعبير على إشكال وأساليب تعبيرية، كانت اللغة في هذا المستوى مبتغاه منها أن تلتحم بالحدث اليومي ونقله للمتلقي قيل بحرارة وببساطة، بعض قصائده وجدت لها منزلاً رحباً في المدرسة الرومانسية، وليس الشاعر بِدعاً في اعتناقها، فالرومانسية الغناء المفرطة وتعاملها الحنون مع الطبيعة، وألفاظها ذات الصلة الحميمة بالشعر ذاته، غير أن هذه المرحلة لم يلبث الشاعر أن انكفأ عنها، فقد وجد في بيئته حقلاً خصباً ما زالت ألفاظه عذراء متوقدة لم يبلها التكرار فأبدى استعمالها على معجمه طابع الخصوصية والتميز وهو ما أبحث عنه عند الشاعر، فالشاعر استطاع أن يخلق المعجم الخاص به، ومن هنا تكون فرادة الإبداع بالنسبة له أو من وجهة نظره.
أولى القصائد التي آمنت بهذا التحوّل في مسيرة الشاعر كانت قصيدته في مهرجان المتنبي ببغداد التي أصَّل فيها ذاته الموريتانية عبر خصائصها المحلية:
رحلتُ وعندي من الذكريات
لشنقيطَ باقات ود حميم.
 
في مرحلة الثمانينات شهد نقلة أكبر حيث اتجه نحو الصحراء برمالها وقحطها، بجدبها، وسمومها.. إلى كل ما هو بكر قديم عقيم يجسد من خلاله لغته معبراً عن الواقع الموريتاني الذي استعصى على كل مشاريع التغيير،فالسنن التي تحكم الواقع الاجتماعي تُلقَى بظلها على الواقع الشعري حيث الوحدات الجافة العقيمة هي البنية الاجتماعية التي سكن الخواء بداخلها، فاللغة ليست إلا بنية للعالم الخارجي، وهذه الحساسية الشعرية الجديدة لها مؤثراتها ودواعيها كما ذكرنا وكما ذكر من تحدث قبلي فالتصحر وآثار الحرب والحكم الاستثنائي، والهم القومي، كل هذه العوامل جعلت الشاعر يراجع إنجازه في عالم يتسارع فيه التاريخ، وتتصارع الآراء وتتبدل القيم وتتداعى الأفكار والنظريات، فجاء تعامل الشاعر مع القاموس مباينة لتعاملاته السابقة معه حيث يلبس به من الأصالة وتأكيد الهوية والرفض وتحقيق الانتماء الشيء الكثير. وهذا ما تجسد في قصيدة السفين وفي قصيدة الكوابيس التي ذكرها الدكتور عبد الله بن بيّة.
إن قصيدة السفين هي قصيدة أنذرت بالرحلة على كل المستويات اجتماعياً، وطبيعياً، هي رحلة مكانية زمانية، انتقال من عالم بدوي إلى عالم حضري، من مجتمع أصيل إلى مجتمع جديد، الرحلة على المستوى الحضاري تحلل وتوقف من فضاء له طابع بدوي وله خصائصه الثقافية والاجتماعية ذات الطابع العربي الإسلامي، هذه الذات بدأت تنتصر على خصائصها وتتنكر لها مع أنها لا تمتلك المعارف ولا السبل لمواكبة الحضارة الجديدة، وتبرز هذه الصورة التي ذكرها في السفين:
 
وقال: رأيت عجائز
طالت أظافرهن
يرتلن الشعر البصيري
شوقاً إلى الحج
ويحملن بعض المصاحف
ملفوفة معها
زجاجات عطر من (السين)
وأخرى تحتوي سائلاً لصبغ الشفاه
 
جملة ما يمكن أن أقوله إن الشاعر أحمدو ولد عبد القادر وبإيجاز شديد استطاع أن يبلور شمائل لغوية خاصة به، فكانت اللغة بالنسبة له ميداناً فريداً لتجليه والإفصاح عن شخصيته التعبيرية سواء في مستواها المباشر في مرحلة الستينات، أو في مستواها الرومانسي في مرحلة السبعينات، أو في مرحلتها التي بدأت من الثمانينات، والتي بدأت تحاول تجذير الرمز المحلي وتستوحي صورها الفنية من الميثولوجيا الدينية والمحلية وتعتمد عناصر التشويق المختلفة.
ولا أنسى هنا أن أقول إن شاعرنا كانت له قدرة عجيبة في توليد الجرس الموسيقي سواء في قصائد التفعيلة أو في تلك القصائد التي نحت منحى النثرية، وأنا جُدُّ سعيدة بحضوري هذا الملتقى الثقافي وشكراً.
 
عريف الحفل: نحن أيضاً سعداء بكلمتك يا دكتورة ولو أنك أطلت علينا، إذاً أحيل الميكروفون الآن وأرجو أيضاً الاختصار في الكلمات حتى نعطي وقتاً للحوار، الشيخ عبد المقصود يقول خمس دقائق فقط.
الشيخ عبد المقصود خوجه: مع الأسف (أمامنا كلمات قد تصل إلى خمس كلمات، فلكي نترك للضيف وقتاً مقدراً يتحدث فيه ثم وقتاً للحوار الذي يتم بينه وبين الحضور فلا بد من الاختصار.
عريف الحفل: وحبذا لو نتحدث عن جوانب أخرى عن الضيف لم يكن قد تُحَدَّث عنها، أحيل الميكروفون الآن لسعادة الأستاذ أحمدو ولد بية مدير وكالة الأنباء الموريتانية سابقاً والشاعر والأديب المعروف.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :714  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 101 من 235
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.