شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الدكتور سعيد السريحي ))
أسعدتم مساءً.. بيني وبين ضيفنا نسبٌ ظاهر ونسب خفي، أما الظاهر فنسب الأدب الذي قال عنه الشاعر ذات يوم:
إن نفترق نسباً يوحِّد بيننا
أدبٌ أقمناه مقام الوالد
 
والأدب الوالد أب ولود ألقح نوادب الدهر فتوالد الشعراء والقصاصون وتكاثر الكتّاب والرواة وتناثروا على الخارطة أغراباً يتصلون بمن حولهم وينفصلون عنهم، لهم وطن ولا وطن لهم، كأنما يحلقون في كون تبنيه الكلمات التي لا يقرأها سواهم والحروف التي لا تَتقَرَّاها غير أكفهم، تجوس بين جنبات هذا الكون أرواح مطمئنة فإذا مسَّها الضر عادت متمردةً لا يكاد يقرُّ لها قرار، غرباء كأنما ولدوا صدفة، أو يداً جمعتهم من بوابات الحزن الدائم والفرح العابر ثم أرسلتهم إلى حيث لا يكون لهم من أمرهم شيء، فهم حيث حَلّوا كائنات أثيرية فإذا التقت مدَّ لها الأدب سبباً من نسب فكانت لهم ذات العين التي بها يبصرون واللسان الذي به يتحدثون والقلب الذي به يعشقون ويكرهون، ذاك هو النسب الظاهر الذي يجمعنا ويربط بيننا وإن تباعدت بنا الأوطان وتفرقت بنا السبل.
أما النسب الخفي فهو هذه العروبة التي تترع إلى توحش البداوة، فإذا تكاثرت حولها الأمم استعصمت بحبل من أُرومته وأسفرت عن أوجهٌ لم تخالطها غربة دم ولهجة لم تنحرف بها عُجمة لسان، كأنما أهلنا في موريتانيا قبائل من جزيرتنا غادرت ليلة البارحة، كأنهم رعاة ذهبوا لطلب الكلأ فطالت بهم النجعة، أو ضلَّ لهم بعير فأوغلوا في طلبه هكذا هم أهلنا هناك، يقفون على حافة الهوية حيث تنتهي لغة وتبدأ لغات حيث ينتهي جنس وتبدأ أجناس، يقفون على حافة الأرض.. حافة اللغة.. حافة الدم.. حافة اللسان.. هم الطرف ولهم من الطرف حساسيته وشدة استقرائه لمن حوله وحساسيته الممعنة في الخوف من ذوبان الهوية فيدفعهم ذلك إلى تمسك لا يتمسك به سواهم في العودة إلى منبعهم، يستعصون ببداوة حملوها معهم من الجزيرة ولسان ورثوه من آبائهم فإذا أحاطت بهم غربة النجعة أوقدوا نارهم، واصطلوا بأحاديث البدو في مضارب قيس وتميم ومضر وربيعة وسُليم، ولا عجب حينئذٍ أن يتكاثر فيهم الشعراء، هم هكذا أهلنا هناك، كأنما هم النهر أقصى ما يكون تذكره لمنبعه عند مصبه، شهقة اللحظة التي تحميه قبل أن يتحوّل إلى بحر أو تحتويه الفدافد، هكذا عرفت صديقي أحمدو ولد عبد القادر منذ سنوات وكنا كلما جمعنا مكان تجرَّد من بين حنايانا بدويان يصطليان بنار الذكرى في عالم يسعى نحو المدينة أو يسعى نحو الموت ولا فرق. شكراً جزيلاً.
 
عريف الحفل: ويسرني الآن أن أُحيل الميكروفون إلى سعادة الدكتورة مباركة بنت البراء دكتوراه في الأدب العربي بجامعة الملك سعود.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1139  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 100 من 235
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.