(( كلمة سعادة الدكتور زهير الحارثي ))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، أود في البداية أن أشكر "الاثنينية" وصاحبها الشيخ عبد المقصود خوجه، والذي يبدو أنه يحارب عادة مقيتة في مجتمعنا، ألا وهي انتظارنا لحظة الرحيل (الموت) لكي نتذكر وننوّه عن إنجازات ومحاسن من أشعلوا شمعة في حياتنا، فلا نكرمهم إلا بعد مغادرتهم دنيانا، مع أن الورود -كما يقال- لا تنبت على القبور. وأحسب أن "الاثنينية" أنشئت لتجعل هؤلاء يشمّون رائحة الورد قبل رحيلهم. فلها ولصاحبها كل التقدير والعرفان. |
وحين الحديث عن ضيف الليلة، الأمير الشاب الطموح فيصل بن سلمان، فإن ثمة سيرة تحكي هنا عن تجربة ثرية، وهي إلى الهمس أقرب، وبمقدار ما تحكي الماضي، فإنها تشير إلى الآتي، وإن كان لكل إنسان بعض الملامح والعادات التي تميّزه عن غيره، فإن ما يميز فيصل هو عشقه الدائم للمعرفة، وانسلاخه من قيود اللقب، واحترامه للوقت، فنجده مليئاً بالحيلة ويضجّ بالحركة، وبمقدار التفرد الذي يمثله من حيث السلوك والعقلية، فإنه، بذات الوقت، يمثل جيلاً سعودياً قادماً بقوة، لما ينطوي عليه من أحلام كبيرة ومن إصرار وعزيمة في مواجهة تحديات الزمن. |
إن تجربة فيصل الحياتية ونجاحه فيها بمقدار ما تتعلق به شخصياً، فإنها مرآة لجيل بأسره، وبقدر ما يشكل حضوره تفوقاً وتميزاً، فإنه يعكس حجم الطموحات التي يرنو إليها هذا الجيل. جيل أحلامه أكبر من طاقاته، ورغباته أوسع من إرادته، إلا أن شعاره هو التخلي عن الأوهام، والتمسك بالعمل الجاد والمحاولة وإن خالطها شيء من الخيبات، فهذا لا يعني نهاية العالم، وفي المحاولة -كما يقال- يكمن سر الحياة. |
لا يكبر الإنسان وفق تقويم اليوم والسنين، وإنما بحسب الإنجازات التي يحققها، والتجارب التي يعيشها، والبشر الذين يلتقيهم، وهكذا قدّر لهذا الأمير الشاب أن يغادر محيط الجامعة ليتبوأ منصباً مهماً، فأنشأ مركزاً لتدريب الصحفيين السعوديين، بل وتجاوز في دعمه للشباب بأن عيّن مجموعة منهم في مناصب قيادية مهمة بالشركة، وهي خطوة جريئة تحسب للأمير فيصل من حيث النظرة إليها أو التعامل معها. |
على أنني موقن، رغم نجاحات الدكتور فيصل في إدارته للشركة الصحفية الكبرى في عالمنا العربي وشقيقاتها الأخرى، وتفاعله الدائم في التطوير والابتكار، فضلاً عن نشاطه في العمل الإنساني، إلا أنني أجد مكانه الحقيقي إما في دهاليز السياسة، أو عالم البحوث والدراسات، وقد وجدته متحدثاً رفيعاً عاكساً صورة مشرفة لبلدي في المحافل الدولية، كما أنني خبرته قبل توليه رئاسة المجموعة، مسافراً وباحثاً عن مخطوطات موثقة لكتابه الذي نشره قبل بضعة أشهر، ناهيك بنهمه للقراءة ومتابعته لما يُكتَب ويُطرَح، فهو مسكون بالفكر والثقافة، ولعلّ قربه اللصيق بوالده الأمير سلمان، أثرى فكره وصقل أدواته، فجعل من بداياته غير متناقضة أو ملتبسة، مما جهّزه لمحطته التالية: |
ذات مرة كنا نتحدث عن قضايا فكرية، فاندفع بنا الحوار في طرح فلسفي في كيفية الرؤية إلى الأشياء وكيفية الحكم عليها، فأجابني أن طريقته في الحكم على الأشياء تكمن في بنيتها وليس في أشكالها، فالشعارات تموت وإن كان تأثيرها قوياً، أما المضامين فتعيش وإن كان حضورها ضعيفاً. هذه لمحة من توجهات لعقلية تعطي لنا الأمل والثقة بمستقبل هذا الوطن الذي يستند إلى أسرة آل سعود كمؤسسة سياسية وليست كعائلة حاكمة فحسب. |
كلما تدخل في حوار مع الأمير فيصل، تجد أن القاسم المشترك هو معرفة الحقيقة فلا يلبث أن يكون النقاش في قضايا شتى، وفي مناخ صريح وجدلي بطروحاته، فسرعان ما يفاجئك منطقه الموضوعي وفكره المتوازن والذي بدا لي عميقاً وفاعلاً. |
كما أن اللافت للنظر أن طريقته في استقاء الأخبار لا تقتصر على القمة، بل تتجاوزها إلى المجتمع بشرائحه المتنوعة، وهذا ما يجعل الصورة لديه شاملة وليست مجزأة. |
على كل حال، هذه كلمة أقرب إلى البوح منها إلى الإطراء، وبما أن الحياة مراحل ومحطات، فإن فيصل قطع مراحل بالأمس ويدشن محطة جديدة الليلة، وكأنه يهيئ نفسه لمرحلة تالية تحفل بعبق الزمان وتحديات الزمن.. |
إنني ألوم فيصل بن سلمان ومن هذا المنبر، لأنه لم يكشف عن جانبه الثقافي والفكري بعد، ونطالبه بإضاءة هذا الجانب لمن لم يطلع عليه، فمن قرأ كتبه يلحظ بين جوانبه رؤية تحليلية أحسب أننا في أمسّ الحاجة إلى إسقاطها على قضايانا المحلية، وأرجو ألا تقف التزاماته وانشغالاته ودخوله القفص الذهبي عائقاً في سبيل تحقيق ذلك. |
مبروك يا فيصل، وتستحق كل التكريم، فهنيئاً لك وشكراً لمضيفك. |
عريف الحفل: الكلمة الآن للأستاذة حليمة مظفر، كاتبة وصحافية بجريدة الشرق الأوسط. |
|