(( الحوار مع المحتفى به ))
|
عريف الحفل: فضيلة الضيف الأسئلة كثيرة فنأمل من فضيلتكم الاختصار في الإجابة حتى نستطيع أن نضبط الوقت المتبقي.. |
السؤال الأول من الأستاذ عبد الحميد الدرهلي يقول: |
هل يكفي أن تتركّز الجهود الثقافية على الجهود الإبداعية بعينها في الوقت الذي يمتد فيه مفهوم الثقافة ليشمل الميادين الواسعة في حياة الناس وما معنى أن ننتج أجناساً مختلفة إذا كان من بين أبنائنا من لا يتقن أدب التخاطب والحوار في حياته اليومية.. |
الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار: كنا قديماً نستخدم لفظ الثقافة كمرادف للفظ المعرفة، فعندما أقول فلان مثقف أي عارف، الحقيقة وأنا معه في هذا أن مصطلح "الثقافة" كما طوّره علماء الأنثربولوجيا هو أوسع من ذلك فالثقافة الآن هي مجموعة المبادئ والقيم والنظم والمثل والعادات والتقاليد السائدة في بيئة، وهذا يعني لو أنك ركزت في جانب من الجوانب وبقيت الجوانب الأخرى ضعيفة، فلا شك أن هذا الجانب لن يمضي فالثقافة لا تمشي على رجل واحدة، وأقول اعملوا فكلٌّ ميسر لما خلق له، لا يُطلب من الإنسان أن يكون مفكراً أو أديباً أو مهندساً كل واحد يعمل في التخصص ولكن يتشبث بثقافة بعادات بتقاليد جيدة ترفدنا في أعمالنا التخصصية. |
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ عدنان محمد حسن فقي محامي ومستشار قانوني. |
ألا تجد وأنت الخبير في اللغة العربية أن جيل هذا الزمان يحارب لغته، هل من حلول لديكم لجعل اللغة العربية تعود إلى سابق عهدها. |
|
الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار: الحل ليس في يد مدرّسي اللغة العربية ولا في يد المدارس الحل في يد الأمة، نحن يمكن أن نسوّد ألف صفحة في فضائل اللغة العربية لكن ثقوا أن هذا لن ينفع في أي شيء، وأنا منذ زمن لما أكتب في مناصرة اللغة العربية، لكنني موقن بأن هذا ليس هو المجال الحقيقي لمناصرة اللغة، بالقرن الثالث عشر الميلادي، كان في أوروبا لا يعيّن أمين مكتبة إلا إذا كان يتكلم ويعبر بالعربية، مفروض يعرف العربية، لأن كثيراً من الكتب التي في مكتبته هي بالعربية، أنا أقول إن اللغة هي مرآة الأمة، حين يتحسن حال الأمة سيتحسن حال اللغة، واليوم أنا كنت مستاء جداً من الأخطاء النحوية الفاحشة جداً جداً التي تصل إلى رفع الاسم المجرور، أنا ما في شك أن اللغة تشهد تدهوراً ولكن كيف سيكون إصلاحها؟ هناك حلول جزئية وهناك تجارب، ولكن ليس هناك من يكره ويحارب لغته، ولكن حينما تشترط الشركات سلامة لغة أجنبية ولا تشترط سلامة اللغة العربية فلماذا يتعب الإنسان نفسه في تعلّم العربية! وحين نسمح لأي إنسان ألف كتاباً مليئاً بالأخطاء نسمح له بأن ينتشر بدون رقابة فلماذا يتعلم الناس العربية، فالحلول بيد الأمة وليست على يد فئة صغيرة، هناك تجربة وهناك دورات تقام على تعليمها وهي قضية تعليم الأطفال اللغة الفصحى، وهذه التجربة نجحت نجاحاً باهراً بعض الأزواج هو وزوجته لا يتكلم إلا الفصحى، وأولاده الآن يتكلمون الفصحى بطلاقة متناهية، فهل نحن قادرون على خوض هذه التجربة في بيوتنا؟ معظم الناس غير قادرة على ذلك، هذه قضية كبرى وأنا أؤمن بالحلول المركبة ولا ينفعها حل من أي جهة.. |
عريف الحفل: الأخ محمد الشهري يقول: |
بما أن النقد البنّاء أهم وسائل الإصلاح ما رأي الدكتور في الشورى والعدل وأثرهما في السلم الاجتماعي هل ترى أنهما أصبحتا ضرورة سياسية واجتماعية يتطلع الجميع لتحقيقها؟ |
|
الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار: هذا السؤال ينبغي ألا يسأل في أمـة قال الله تعالى فيهـا وأمرهم شورى بينهم (الشورى: 38) لكن أنا أود أن يفرّق بين الشورى التي نمارسها أحياناً وقت الاقتراع في مجالس محدودة وبين أن تكون الشورى أسلوب حياة، الشورى يجب أن تبدأ من الأسرة والمدرسة يؤخذ رأي الطلاب، ونمرّن أنفسنا للخضوع لرأي الأغلبية ولو كان فيه نوع من القصور ولكن على المدى البعيد أفضل من رأي الفرد يتحكّم في البقية، فأنا أعتقد أن الشورى قد ذكرتها باستفاضة في كتبي، قضية الشورى وقضية العدل وقضية إشاعة روح التفاوض وعقلية التفاوض، قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله (المجادلة: 1) توثيق لهذه الروح روح التفاوض الذي تم بين نوح عليه السلام وبين قومه، واستجابة الله سبحانه وتعالى لطلب إبليس ليتيح له الفرصة حتى يغوي العباد، كل يريد أن يؤسس لدينا روح التفاوض، روح المسالمة، روح أن نحل مشكلاتنا دائماً عن طريق التفاوض والتفاهم، هذه قضايا أصيلة لدينا لكن نحن علينا أن نستعيدها من جديد وهذا مكلّف على المدى القصير لكن ثماره كبيرة على المدى البعيد. |
عريف الحفل: الدكتور يوسف العارف يقول: |
إن الساحة فقيرة من المفكرين أين محمد العوا، جابر عصفور، محمد الجابري، محمد عبده يماني، تركي الحمد وغيرهم وغيرهم.. |
|
الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار: الفقر نسبي فالفقهاء قالوا إن الفقير هو من له أدنى شيء، اختلفوا هل الفقير أشد حاجة أم المسكين؟ فنحن لدينا مفكّرون لكن هؤلاء لا يتناسبون مع حجم الأمة لا على مستوى الكيف ولا على مستوى الكم، أنا ذهبت إلى بعض الدول التي لا تنطق بالعربية ما وجدت فيها من ينتج الثقافة العربية هم عالة على ما ننتجه بالعربية وما يترجم إليهم، فإذا كان يا أخي المفكرون لديك عبارة عن مائة واحد وأنت تعد ألف وثلاثمائة مليون فلا شك أننا من أفقر الأمم.. الكتب التي تنشر، أعداد الكتب التي تطبع وتوزع دليل كبير على أننا أمة فقيرة بمفكريها وبالأفكار المبدعة أنا أعتقد أن هذه حقيقة وأنا أعاني منها.. |
عريف الحفل: الأخ رائد السمهوري.. |
دلونا على مجموعة كتب فكرية نتشبث بها.. |
الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار: آسف لم أتعوّد أن أزكي لا كتباً ولا أشخاصاً وأنا أقول دائماً ابحث بنفسك مثل ما بحثنا نحن وعانينا، ولن تجد الكتاب الذي أنصحك بالتشبث به، أنا أنصحك لا تتشبث بأي كتاب، مهمة الكتاب أن يرفعك مثل درجات السلم تماماً، الكتاب يرقيك على درجة أعلى ثم تتركه خلفك، وأنا أحياناً أُهدى كتباً فاعتذر عن قبولها لأنني لا أعرف ماذا أعمل بها وماذا سأستفيد منها وكل فترة أتخلص من بعض كتبي لأن درجات السلم تجاوزتها ليبدأ بها غيري، فأنا لا أنصحك أن تتشبث بأي كتاب ولكن اكتشف بذاتك.. |
عريف الحفل: سؤال من الأخ محمد سيد يقول: |
كيف ترى المستقبل من خلال واقعنا الذي نعيشه؟ |
|
الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار: الواقع ليس كتلة صلبة، الواقع متغير وينطوي على إمكانات هائلة، إذا نحن بدأنا بتغيير أنفسنا بتغيير واقعنا، نحن نملك شيئاً لا يملكه العالم هو هذا المنهج الرباني، هذه الثوابت هذه الأصول التي نستطيع أن نتجاوز بها العالم كله، لكن هذا له ثمن وعلينا أن ندفع الثمن، دائماً فهم المستقبل جزء من فهم الواقع، أقول إن واقعنا لا نفهمه بشكل جيد، واقعنا ليس متكلساً هو يمر بالتغيرات وعلينا ألا نقرأ المستقبل، ولكن أن نحاول ترشيداً للقرارات الحاضرة، إذا استطعنا أن نرشد القرارات الحاضرة فإن شاء الله سوف نرى مستقبلاً مشرقاً.. |
عريف الحفل: السؤال من أبو محمد يقول: |
بما أنك مفكر كيف أسأل؟ |
|
الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار: أولاً أشكر الأخ على هذا السؤال، نحن في موروثاتنا القديمة أن الذي يسأل هو الجاهل والذي يجيب هو العالم، وهذا غير صحيح، الذهنية السوية التي يحتاجها السؤال هي نفس الذهنية السوية التي يحتاجها الجواب، أذكركم بطرفة ذلك الرجل ذي الهيئة العلمية الذي جلس في مجلس أبي حنيفة عليه جبة وعمامة طويلة، فأبو حنيفة هابه لأنه لا يعرفه فظن أنه من كبار العلماء، وكان أبو حنيفة يمد رجله في الحلقة فطوى رجله هيبة من ذلك الشيخ وصارت تؤلمه، فقرر أبو حنيفة المسألة الفقهية المعروفة إذا غربت الشمس أفطر الصائم بمعنى ما له ثواب عن الإمساك عن الإفطار، فقال له ذلك الرجل: يا شيخ وإذا لم تغرب الشمس؟ فأبو حنيفة قال: آن لأبي حنيفة أن يمد رجله، دائماً الأسئلة تكشف عن سوية الذهنية، إذا تعلمنا أكثر وتأملنا أكثر فسنسأل بطريقة أفضل، وإذا قلت المعرفة لدينا وقل التأمل والتفكير ستكون أسئلتنا بالتالي سطحية. |
عريف الحفل: نختتم بالسؤال التالي لبرودة الجو، من الأخ حسن الشهري من جريدة الجزيرة يقول: |
الحديث عن التعليم لدى العرب وتقليديته وتأخره عن ركب التعليم المتطور الذي يطوّر المجتمع أصبح مكرراً ونسمعه منذ ربع قرن تقريباً، السؤال هل تتوقعون زمناً منتظراً لتعليم عربي متطوّر ومتى، وهل إذا تطوّر التعليم سيواكب التعليم لدى الغرب أم أنه سيكون في عالم آخر من هذا العلم ونحن في بدايته. |
|
الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار: أريد أن أشير إلى نقطة مهمة وهي أن الوعي البشري اقترح الشكوى من سوء الأحوال ليتخذ من الشكوى محرضاً على التقدم، لو ذهبت إلى أمريكا لوجدتهم يشكون من التربية والتعليم، ولو ذهبت إلى اليابان وأنا واثق رأيتهم يشكون من التعليم الذي عندهم، كان عروة بن الزبير يقول رحم الله خالتي عائشة حين كانت تقول رحم الله لبيداً حين كان يقول: |
ذهب الذين يعاش في أكنافهم |
وبقيت في خلف كجلد الأجرب |
|
|
تقول عائشة: رحم الله لبيداً لو عاش إلى زماننا ماذا كان سيقول! |
ويقول عروة: رحم الله عائشة لو عاشت إلى زماننا ماذا كانت تقول!! |
فأنا أطمئن الأستاذ الشهري بأن الشكوى ستستمر ولن نشبع منها وهي ظاهرة صحية والتطور لن يكتمل في يوم من الأيام لا عندنا ولا عند غيرنا، لكن هل الشكوى أفضل أم السكوت؟ ستظل الشكوى أفضل، وأنا ألحظ في بعض المدارس الخاصة والحكومية -بحسب خبرتي- تقدماً هائلاً وممتازاً وهناك مخرجات جيدة وهناك اهتمام بأشياء ما كان يتم تطويرها لكنها نماذج قليلة والنماذج القليلة هي التي نحتاج إلى أن نطوّرها ونكثرها ونوسعها، لكن لا يتم النجاح الحاسم ولن نكف عن الشكوى ما حيينا فلا تنتظر نهاية لهذا. |
عريف الحفل: جاءنا من إدارة الاثنينية أن الاثنينية تعتذر عن استضافة سعادة الدكتور عمر بن قينة الأسبوع القادم وذلك بسبب تزامنها مع الاختبارات.. فنعتذر وسوف يتم تحديد ذلك بعد عطلة عيد الأضحى المبارك، وكل عام وأنتم بخير.. |
|