(( كلمة معالي الأستاذ الدكتور محمود بن محمد سفر ))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه. |
أولاً أود أن أعترف أنني لم أكن ضمن برنامج هذا الحفل لإلقاء كلمة، ولم أكن أتوقع هذا اللقاء لظروف كانت تجبرني على الغياب إلا أنني تغلبت عليها بفضل الله لسبب بسيط هو أن المحتفى به هذه الليلة هو الأستاذ إبراهيم خفاجي، ولعلّكم من تعجبون إصراري على حضور هذه الليلة. فهو من سوق الليل وأنا سوق ليلي مثله لا بد أن أشارك معه الحفاوة به. وأشارك معكم الاحتفاء به، أود أن أوجه الشكر للأخ الكريم المضيف الأستاذ عبد المقصود خوجه الذي قفز باثنينيته إلى فضاءين اثنين وهو ما يُحسب له، الفضاء الأول هو مشاركة المرأة السعودية في هذا اللقاء الجميل الأدبي الفكري الفني. |
وهذا أمر غير مسبوق بحسب علمي، ولكنه متوقع من إنسان في خلق عبد المقصود خوجه. |
الفضاء الثاني هو قفزة بأنه بدأ يدخل الفنانين وشعراء الغناء في تكريمه المعتاد للأدباء والمفكّرين وهذا أمر أيضاً يحسب له. أما الضيف فلا تظنوا أنه خرج إليكم بإبداعاته من غير بيئة، نعرف أنها بيئة فن بقدر ما نعرف أنها بيئة قداسة مكة المكرمة، فهو مكي ومن أسرة مكية كريمة عرفت مكة عبر التاريخ وبجوارها المدينة المنورة بأنها موئل الشعر الغنائي حتى في الجاهلية، وكلنا يعلم أن العرب في الجاهلية كانوا يقولون الأهازيج حول أصنامهم حفاوة بها حتى إن القرآن الكريم ذكر ذلك في آية كريمة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم. وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية (الأنفال: 35). أما المكاء فمعناه الصفير، والتصدية هي التصفيق معنى هذا أن العرب في الجاهلية كانوا يحتفون بالتصفير والتصفيق مع الأناشيد التي أحسبها دينية حفاوةً بأصنامهم. ثم جاء الإسلام ليطهر القلوب ويؤكد على المفاهيم والقيم الصحيحة في نفوس العرب، ولم يقف مناوئاً للشعر الغنائي في أي حال من الأحوال بل شجعه حتى جاء العصر الأموي” عندما ارتقت مكة والمدينة إلى المستوى الذي فاق الوصف وقد كتب المؤرخون ومن أبرز من كتب ذلك المؤرخ شوقي ضيف كتب كتاباً نشرته دار المعارف بعنوان “الشعر والغناء في مكة والمدينة في العصر الأموي”، في ذلك الكتاب وردت عبارة نقلها الدكتور ضيف على لسان أحد الرواة تقول “إذا عجزت عن تطريب القرشي فغنّ له غناء بن شجيع بشعر عمر بن أبي ربيعة فإنك تراه يرقص، كان المكيّون في العهد الأموي فقراؤهم وأغنياؤهم بل أقول أكثر من هذا حتى فقهاؤهم وقضاتهم كانوا يطربون للشعر الغنائي وللمغنين. |
نذكر على سبيل المثال لا الحصر: المثال الأول يتصل بعبد الله بن العباس رضي الله عنه فكان من المعجبين بعمر بن أبي ربيعة، حتى إن الرواة ذكروا أنه كان في المسجد يوماً إذ وفد إليه وفد من جنوب الجزيرة ليستفتوه، فدخل عمر بن أبي ربيعة وسلّم عليه وقال له قصيدة شعرية جميلة، فظل عبد الله بن عباس رضي الله عنه مطرباً مشجياً بتلك القصيدة فأوغر ذلك أوغر صدور القوم الذين أتوه ليستفتوه فقالوا له لقد ضربنا أكباد الإبل لكن نستفتيك وأنت تسمع لهذا؟! فاستمهلهم وقال لهم أتريدون أن تسمعوا القصيدة، فسرد القصيدة كاملة فقد حفظها من المرة الأولى، عُرف عنه حبه للشعر وحبه للغناء وعرف عنه توقيره للشعراء.. |
المثال الثاني: عن تلميذه عطاء بن أبي رباح، ذاك أيضاً كان يقرض الشعر وكان يتغنى به وسمع مرة أحد مغنّي مكة المكرمة يتغنّى بأغنية بشعر جميل فتأثر بها كثيراً، وأقسم ألا يحدث أحداً في تلك الأمسية حتى صلاة المغرب بأي حال من الأحوال في أمور الدين، وظل يردد تلك القصيدة، فكان كل من جاء يسأله سؤالاً في الدين أورد له شعراً من القصيدة حتى صلّى المغرب ثم التفت للفتوى. |
أما المثال الثالث: لسُكينة بنت الحسين رضي الله عنهما، فعندما قُتل زوجها مصعب بن الزبير أتت إلى مكة وهاجرت وأقامت كما تعلمون نادياً أدبياً فكرياً كان يعجّ بالجميع، ولم تستثن الفنانين والشعراء والمغنين من مجلسها، فكانت تحتفي بهم وكانت تسمع لهم وهي بنت الحسين، حتى ذكر المؤرخون أنها لم تكتف بذلك بل علمت بنات مكة في ذلك الوقت كيف يقصص شعورهن وكيف يتزيّنَّ لأنها أتت من بيئة أكثر حضارة من الواقع الذي كان في مكة في ذلك الوقت.. |
هذه الأمثلة الثلاثة حرصت على أن أذكرها مروراً بالعصر الإسلامي، بالعصر العباسي، والعصر الحديث لأؤكد لكم أن إبراهيم خفاجي كان نبتة من هذه البيئة السمحة التي فيها تسامح وفيها إقرار لدور الفن والشعر الغنائي في الحياة، إبراهيم خفاجي شاعر مبدع وقد سمعنا الكثير والكثير منكم. |
ولكني أود أن أضيف أن إبراهيم خفاجي كان شاعراً عفيفاً لم يبتذل شعره، لم يقل كلمات نابية أو ألفاظاً مخجلة أو عبارات في وصف الغزل تُخجل، هنيئاً لإبراهيم خفاجي هذا الاحتفال ولو كان متأخراً، فهو يستحق الكثير والكثير من التكريم والتقدير فله تاريخ طويل، ويكفيه فخراً أنه ألف النشيد الوطني. |
أيها الأخوة والأخوات أردت بهذه المداخلة أن أؤكد أن الفن هو نبراس للحياة وأنه صنو للحياة المستقيمة، وأن التسامح عنوان المرحلة القادمة لنا في هذا البلد إذا أردنا أن يستمر كياننا وأن نظل متحابيّن في مختلف مواقعنا الجغرافية، شكراً لكم وشكراً للصديق عبد المقصود الذي سمح لي أن أعبر بما عبرت عنه بكلمات لم تكن مُعدّة ولكن المناسبة اقتضتها وخصوصاً أنني لم أكن من ضمن المبرمجين لإلقاء كلمة، شكراً لكم لإصغائكم وأحيي وأقدر وأعتز بالمحتفى به أخي السوق ليلي مثلي إبراهيم خفاجي.. شكراً لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. |
عبد المقصود خوجه: سأتكلم بعفوية، العمل الجاد لا يأتي من فراغ سأذيع هذه الليلة سراً جميلاً حبسته في صدري خمسة وثلاثين عاماً انتقلت والتقيت آنذاك - أي منذ خمسة وثلاثين عاماً بفنان العرب الكبير محمد عبده، وقد مضت علينا فترة لم نلتق متسائلاً: أين أنت يا رجل؟ |
فقال بكلمات تكاد تكون حرفية "لقد اتخذت قراراً أسير عليه، لقد ودعت السهر وودعت الالتقاء بالأحبة في الليالي الطوال لقد قررت أن أبني والبناء يحتاج إلى وقت وإلى عمل جاد، ولذلك وضعت الماضي خلف ظهري لأبني، ولتروا مني فناناً إن شاء الله يضيء سماءكم وستفرحون بي، فأرجو أن أكون عند حسن الظن" فبنى محمد مستقبله طوبة بعد طوبة ولم يُرَ بعد تلك الليلة في أي من تلك السهرات أو في أي من تلك المنتديات إطلاقاً، هذا الرجل أردت أن أذيع سره هذه الليلة وأقول له لقد وفيت وأكرمت ورفعت الرأس، وأتمنى أن يكون كل فنان يعمل على شاكلتك كنتاج عمل مضنٍٍ وسهر وأداء مشرف فصفقوا له جميعاً، وباعتبار الحلو في الآخر أحيل الميكرفون إليه لنسمع منه الكلمة الأخيرة في هذه الاثنينية.. |
|