(( كلمة سعادة الأستاذ هاني فيروزي ))
|
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين صلاة دائمة إلى يوم الدين. أيها الأحبة أحييكم بتحية أهل الجنة. وتحية أهل الجنة سلام، فتحيتهم فيها سلام، فسلام الله عليكم. |
والدعاء بالشكر والعرفان إلى وجيهنا ومضيفنا الوجيه الأديب عبد المقصود محمد سعيد خوجه. باحتفائه وتكريمه فلا يعرف قدر أهل الفضل إلا ذوو الفضل، وإنا نحتسبه على الله كذلك فجزاه خير الجزاء، ولقد تحدث أساتذتي والأحبة قبلي عن فارس هذه الليلة الشاعر المبدع إبراهيم عبد الرحمن خفاجي شاعر مكة وغريدها، ومهما طال الحديث عنه فما زال هناك الكثير من الجديد، وفي الكتاب الذي بين يديكم نماذج من أعماله، وليست كلها، وشيء من مسيرته هي أيضاً ليست كلها إضاءات عن محيطه ومجتمعه المكي الذي نشأ وترعرع فيه، فشكل لديه المنابع الثقافية الأولى وصقل بدايات التجربة, وهنا أقف عند بعض المحطات التي شكلت بواعث الإبداع فيه اختصار للوقت. ثم أعرج على بعض نصوصه الغنائية التي أحدثت نقلات نوعية في إنتاجه، هذا الشاعر الذي غنى له معظم الفنانين السعوديين. والمطربين والمطربات العرب ومكان القاعدة التي انطلق منها عدد من نجوم الغناء الآن واستطاع بإبداعه أن يعيش في ذاكرة الأمة ووجدان الناس، ورددت الأجيال معه سارعي للمجد والعلياء.. ثم أوبريت الجنادرية ومنه اختيار الله يا نعم الاختيار، وما زال يثري بعطائه. أقف عند بعض المحطات التالية، المحطة الأولى مكان مع بداية العهد السعودي لقد ظهر في مكة عدد غير قليل من أعلام الغناء الفردي أمثال حسن جاوا. |
فهد أبو حميدي - سعيد أبو خشبة, إسماعيل كردوس، محمود مؤمنة ومحمد علي بسطجي وحسن لبني وغيرهم كثير يرحمهم الله جميعاً. وكانوا ميالين إلى الغناء الفردي ميالين إلى الأغاني المعروفة آنذاك غير أن حسن جاوا, سعيد أبو خشبة كانا ميالين إلى أداء وغناء قصائد خاصة بهما لهذا لجأ حسن جاوا يرحمه الله إلى غناء قصائد الشعراء العرب وفي مقدمتهم الشاعر الكبير أمير الشعراء أحمد شوقي، وفؤاد باشا الخطيب الذي عاش في مكة، والتفَّ حول حسن جاوا نخبة من الأدباء الشباب وساعدوه على الاختيار والتشكيل ومنهم من نظم له. وفي مقدمته أولئك النفر الشعراء الكبار شاعرنا أحمد إبراهيم الغزاوي، ومحمد سرور الصبان، وعمر عرب الذي نظم كثيراً من قصائده على نمطية الموشحات وكذلك الأستاذين أحمد عبد الغفور عطار وعزيز ضياء يرحمهم الله جميعاً. |
أما سعيد أبو خشبة الذي ذاع صيته في الستينات الهجرية فقد اتجه في اختياره إلى القصائد التي كان يرددها بعض أصحاب الطرق مثل قصائد محيي الدين بن عربي الذي كتب ديوانه (ترجمان الأشواق) في مكة المكرمة ومنها قصيدته التي قال فيها: |
مَرَضي من مريضةِ الأجفان |
عللاني بذكرها عللاني |
|
|
كذلك يحيى بن عثمان بن يوسف في قصيدته التي قال فيها: |
ما هب لي من ربا نجد نسيم صبا |
إلا ترنح قلبي للقا وصبا |
|
|
حتى وجد سعيد أبو خشبة ضالته في شعر الفقيه القاضي: |
إبراهيم فطاني (رحمه الله). والقائل في قصيدته "حوار" التي مطلعها: |
|
خطرت فأخجلت الغصو |
ن ورنت فأرسلت المنون |
|
|
إلى أن يقول: |
جعلت تساقيني الهوى |
الصافي بكأس من معين |
وغدت تشنف مسمعي |
إن الحديث لذو شجون |
|
|
وقصيدة أخرى للشيخ إبراهيم فطاني مطلعها: |
قفا بين المحصّب والحجون |
ألم تريا يا عيوني تلك العيون |
ألم تريا حباً مستهاماً |
ضعيناً صابه نبل الجفون |
|
|
لقد تركت هذه القصائد أثرها على الجيل المتطلع إلى مشاركات أدبية. وفي مقدمتهم الأساتذة: علي أبو العلا -شفاه الله- وعبد الله الفاسي، وكذلك فارس هذه الليلة شاعرنا المبدع إبراهيم عبد الرحمن خفاجي، والذين أبدعوا في ممارسات ما كان سائداً بين الشعراء، في تلك الفترة وهو فن التخميس والتشطير وللقصائد الذائعة الصيت هذا الأمر الذي جعل الفنان الراحل سعيد أبو خشبة يرحمه الله يطلب من الأستاذ خفاجي كتابة نص خاص به ليسجله إلى إذاعة لندن عند زيارة الإذاعي الشهير عيسى خليل الصباغ له في مكة المكرمة، وكان ذلك النص المفقود هو أول نص كامل كتبه الأستاذ إبراهيم خفاجي للغناء الفردي، وللفنان الراحل سعيد أبو خشبة رغم مشاركة الخفاجي في كتابة الأغاني الجماعية. |
أما المحطة الثانية: فهي مع ظهور الفنان طارق عبد الحكيم والذي كنا نتمنى أن يكون الليلة معنا، وإعجاب طارق عبد الحكيم بحسن جاوا وتأثره بطريقة حسن محمد سرور الصبان الغنائية, وأدائه المختلف عن الأدوار الغنائية القديمة. فساهم الشعراء الشباب المهتمون بالغناء في تمكين طارق من التجديد في شخصية أداء الأغنية الجديدة، وكان أولئك الشباب هم روّاد حدود ملامح شخصية الأغنية السعودية وهؤلاء الرّواد هم: |
صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الفيصل في نصه "يا ريم وادي ثقيف"، الأستاذ محمد الفهد العيسى الذي فاز نشيده، الذي كتبه خصيصاً لإذاعة صوت العرب لعام 1952م وأصبح بما يسمى بنشيد صوت العرب من ألحان طارق عبد الحكيم. كتب ثلاثة نصوص غنائية هي: |
الأغنية الأولى: يا من بسهم رماني. |
قطّع عليّ فؤادي. |
الأغنية الثانية: لك عرش وسط العين. |
الأغنية الثالثة: عند اللقا ويلاه ضيعت أنا روحي |
يا هل النقا باللَّه.. ردوا عليّ روحي |
ثالث الفرسان كان المرحوم محمد طلعت يرحمه الله الذي كتب أغنيتين هما ربيع العمر - ضناني الهجر وذقت الويل. |
وأغنية بدر السماء: |
بادي يا خلّ من نادي |
نادي على المحبوب نادي |
|
|
أما فارسنا لهذه الليلة فكان مختلفاً بطريقته متميزاً بأدبه، وكتابته وأدائه، فكتب في كل المدارس وعلى كل المناهج وعلى كل الطرق فكانت أولى أغنياته التي سجلها الفنان طارق عبد الحكيم عام 1364هـ يا ناعس الجفن التي يقول فيها: |
يا ناعس الجفن |
أرحم جفني المجروح |
يا مايس القد |
صدك زاد قلبي جروح |
حبك شغل فكري |
حسنك ملك أمري |
وإنتَ ما تدري |
أنك ملكت الروح |
|
|
وأتبعها بأغنية ثانية ذكرها معالي أستاذي الدكتور محمد عبده يقول فيها: |
يا حمام الحرم |
درج على بير زمزم |
|
|
درج على (بير) زمزم (كلمة مكية من حواري مكة). |
قبّل الملتزم |
نوب عني تكلم |
من نظر حالتي |
يقول ما عاد يسلم |
|
|
أما أغنية يا لابس الإحرام فنلمس فيها أثر تأثره بطريقة النظم عند بعض المدارس الغنائية من أصحاب الطرق الدينية التي كانت في مكة الكرمة، والتي اهتمت بالغناء حيث يقول الخفاجي: |
|
يا لابس الإحرام يا رائع الفتنة |
يا مطول الأكمام بالذوق والحشمة |
أبعث لقلبي سلام والملتقى قسمة |
|
|
في كوبليه حذفت حتى من الكتاب "أقوله ولا بلاش".. يا أستاذ؟ |
يقول عند الحجر والحجِر تدعي رب البيت |
توهت في الفكر وقفت ما صليت |
|
|
ثم يستمر الأستاذ الخفاجي في هذه الأغنية يقول: |
يا حلو يا يعسوب |
أصلك من الجنة |
ما فيك واللَّه عيوب |
ليه بس تهجرنا |
وأنت وأنت كلك نظر |
بُعْدك برا جسمه يا لابس الإحرام |
|
|
وفي هذه النصوص نلاحظ أموراً عدة. منها تأثره بالعوامل الدينية والثقافية، انطلاقاً من المجتمع المكي، انطلاقاً من بيئته ومجتمعه وتأثره بالعوامل الثقافية والدينية باطلاعه الواسع وقراءته للمدارس الشعرية المختلفة واحتفاظه بالسفن الغنائية بما في ذلك سفينة (طراز الملك)، تتبعه لجرس الكلمة وضغط الحرف بما يتلاءم ومادة الغناء وهذا الأمر غير خافٍ عن الكثيرين، إتقان خفاجي للغناء الجماعي ومعرفته مجموعة الأنغام ومقاماتها وأنواعها وضروبها وأعدادها ومشتقاتها جعله يتحرى انسجام الحروف المريحة في مخارجها للمغني والملحن. |
تلك الخبرة والمعرفة والإتقان هي التي ساعدت الفنانين الذين غنوا أعماله في التألق والإبداع. وليس سراً إن قلنا أن للخفاجي أثراً وتأثيراً في بعض الألحان أو في بدايتها وتهذيب طرق أدائها - وهو ما يتضح في أغنية "لنا الله يا خالي من الشوق" من ألحان الموسيقار طارق عبد الحكيم وأداء الفنان محمد عبده. ثم في أغنية "لا تناظرني بعين" من ألحان وأداء الفنان محمد عبده. |
ثم تنجلي نفس الضغوط الإيقاعية في أغنية من "فتونك والدلال" للمتألق محمد عبده والتي يقول فيها الأستاذ الخفاجي: |
من فتونك والدلال |
عرفت معنى الجاذبية (غير إسحاق نيوتن) |
شفت أنا السحر الحلال |
في العيون المستحيّة |
والنظر منك سؤال |
والهوى ناره قويه |
كم جيرانك تشوف |
كم رووا عنّا حقائق |
كما على بابك وقوف |
كم حسبنا للدقائق |
في ليالينا الطوال |
والهوى ناره قويه |
نار تشعل في الجوانح |
لما تتكرم تصافح |
نار تشعل في الجوانح |
نار في قلبي حبيبه |
لما أتعذب وأسامح |
والنظر منك سؤال |
|
والمحطة الثالثة والأخيرة: |
لقد كتب الأستاذ خفاجي ما يزيد على 1000 نص غنائي منها قصائد كتبت مطرزة بأسماء العروسين وتغنى بها أعلام من أداء المجس وأكثرهم على ذلك هو الأخ محمد آمان نسأل الله له الشفاء، كما كتب العديد من الأغاني التربوية للأطفال ومنها ما قدمه وسجله في شريط كامل الفنان الأستاذ سامي إحسان، وكتب العديد من المونولوجات الاجتماعية منها ما قدمه الأستاذ سعيد بصيري يرحمه الله. |
كما كتب العديد من الأزجال التي نُشِرَ بعضها في الصحف المحلية. أما مساهماته في جعل بعض الموشحات مناسبة لقواعد الإذاعة والاستماع العام ففي ذلك الكثير موشح: |
جادك الغيث إذا الغيث همى |
يا زمان الوصل بالأندلس |
|
|
الذي تغنى به الفنان الكبير محمد عبده ومن ألحان الفنان الراحل حسن جاوا. يرحمه الله. |
لو بقينا إلى الصباح نتحدث عن هذا الرائد العلم، لما استطعنا أن نحصي شيئاً من عطائه. وهو المتناثر لدى الفنانين الذين أَثْرَوْا أنفسهم بما كتب الخفاجي ولم يمكنوا الباحثين عن أدبه من الحصول عليه مع احترامي العظيم لهم جميعاً وأستثني منهم الفنان الكبير الصديق الفنان محمد عبده، وأتمنى ومثل كل الأحبة أن يتمكن الأديب الوجيه الأستاذ عبد المقصود خوجه من جمع هذه الأعمال وتوثيقها ورصدها ليكون هذا التوثيق والرصد من ثمار هذه الاثنينية المباركة. أو كما يرى سعادته. |
عذراً لقد أطلت عليكم وقبول العذر عندكم مأمول، وإن كنت أتمنى أن أسمعكم نماذج من شعره ولكن أسأل الله أن يكون هناك متسع من الوقت والسلام عليكم ورحمته وبركاته.. |
|
الشيخ عبد المقصود خوجه: أحب أن أعتذر للأستاذات الفاضلات وقد أطلنا عليهن فمن لديها كلمة في هذه المناسبة يسعدنا أن تشترك معنا في تكريم الأستاذ الخفاجي ومنذ هذه الليلة فلنجعل كلمة لنا وكلمة لهن وآسف إن تأخرنا عليهن.. ومن لديها كلمة فلتتفضل: |
|
|