شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة معالي الدكتور نور الدين صمود ))
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
لم أُعِدَّ كلمة مكتوبة لأنني أؤمن بالتواصل، وإن سروري بإقامة هذه الأمسية أو الاثنينية لا يعدِلُه إلا أسفي لتغيب فارسها وباعثها معالي الشيخ عبد المقصود خوجه الذي أرجو أن يكون مرضه خفيفاً وأن يعود إلى الاثنينية في الأسبوع القادم مُعافىً سليماً، وإني لأذكر أن زيارتي الأولى إلى هذه الاثنينية قد كانت - كما أشار معالي الشيخ - يوم أقيم حفل تكريم الشاعر الراحل محمود عارف، وكنت قد اقترحت أن يُجمع ذلك الكلام ويُنشر في كتاب لأني كنت أظن أن الكلام يُقال ويذهب مع الهواء، فتدخل الشيخ عبد المقصود خوجه وقال لي: إننا نسجل هذا الكلام وسننشره في سلسلة من الكتب، وبالفعل قد بلغ الآن عشرين كتاباً. ضمت هذه الاثنينيات منذ بعثها إلى الآن.
أيها الأخوة الكرام إني لأخشى أن تكونوا وقد ألبستموني ثوباً فضفاضاً أكبر من جسمي، فما سمعته منكم كثير وخاصة من شيخي وأستاذي الشيخ الدكتور كما كان يسميه الشيخ محمد الفاضل بن عاشور -رحمه الله-: الشيخ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجه، وبين قوسين (هو يُقدّم عندكم بأنه الأمين العام لمجلس الفقه الإسلامي)، ولكنه أستاذ قبل ذلك ومع ذلك بالأدب العربي وأضيف الأدب الأجنبي أيضاً، فقد أعدَّ الدكتوراه في باريس وحقق كتاباً وحيداً في نسخته هو كتاب "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" لحزم القرطاجني، وأذكر أنه عندما عاد من باريس قدَّم سلسلة من الأحاديث الطويلة عن الأدب الفرنسي خاصة والأدب العالمي باللغات الأخرى، فهو يجيد الفرنسية ومطلع على آدابها، ويسعدني أنني تتلمذتُ عليه في المراحل الأولى والمراحل الأخيرة، وقد قال عني: "أخونا" نور الدين صمود وكان من حقه أن يقول "تلميذنا" نور الدين صمود، فشكراًً له على هذا الكرم وعلى هذه الأريحية.
أما معالي عباس فائق الغزاوي السفير السعودي للمملكة في تونس فأشهد أنه قد كان سفيراً للثقافة هناك، وقد عَرَّفنا بالدكتور غازي القصيبي الشاعر الشهير، وعَرَّفنا أيضاً بمحمد حسن فقي، عندما جاء كل على حدة إلى السفارة، وجمع لهما جماعة من الأدباء والمفكرين والشعراء، وأذكر أني قرأت في الأمسية التكريمية للشيخ الشاعر محمد حسن فقي قصيدة نشرتها في ديواني "الشعر شمس القرون" وأرجو أن تُتاح لي الفرصة لأقرأها عليكم، وقد تَكرَّم بنشرها هنا في جريدة "الندوة"، ثم عَقَّب عليها بقصيدة على وزنها وعلى منوالها.
صديقنا حمزة ابن إبراهيم فودة، ابن الشاعر الكبير إبراهيم فودة قابلناه في منزل والده كما ذكر، وأشار إلى أنني كتبت قصيدة على رَوِيٍّ غريبٍ، كنتُ أعتقد أنني لم أُسبق إليه.. وأن هذا الرويّ المتكون من واوين، قد بدأت به لكن تبين لي عندما قرأت نهاية الراغب للأسنوي أن هناك بيتاً على وزن الوزن وعلى نفس الرويّ يقول فيه صاحبه الذي لم يُذكر من هو.. وقد تنبه إلى أنه مبتكر لهذا الضرب من القوافي قال:
"وأبني من الشعر شعراً عويصاً
يُنَسِّي الرواة الذي قد رَوَوْا"
 
فرووا واوان متتاليتان، وسنتحدث بعد قليل عن القوافي، لأن القوافي ثلاثة أنواع سيأتي ذكرها فيما بعد.
من الطرائف ومن غرائب الصدف أنني عندما زرتُ الشيخ الشاعر إبراهيم أمين فودة في منزله أهديته ديواني "صُمود" هكذا بالصاد.. بضم الصاد وهو مشتق من لقبي صُمُود، وأهديته أيضاً نسخة من كتابي الثاني في العروض وهو "العروض المختصر"، وكتبت عليه هذه الكلمة: "إلى الشاعر الذي لا يحتاج شعره إلى أمثال هذا الكتاب"، ولكني عندما اتصلتُ به هاتفياً في اليوم الموالي تبين أني قد نسيتُ "لا" فكتبتُ "إلى الشاعر الذي يحتاج شعره إلى أمثال هذا الكتاب"، فاعتذرتُ له ورجوته أن يضيف "لام الألف" وإلا فإني سأذهب إليه حتى منزله في مكة لأضيفها بيدي ففهم أني قد سهوت عن ذلك، هذا بين قوسين من باب الطرافة.
أما كلمة نادي جدة الأدبي التي تفضل بها صديقنا الدكتور عبد المحسن القحطاني فأذكر أن زيارتي الأولى للاثنينية كانت على يد نادي جدة حيث حملني إلى هذا المكان الشيخ عبد الفتاح أبو مدين، وعبد الله الغذامي وجماعة من الأخوان الكرام إلى منزل عبد المقصود خوجه، ومن هنا كانت انطلاقتي في معرفة معالي الشيخ عبد المقصود خوجه -شفاه الله-، أما الأستاذ عباس فائق غزاوي فقد تذكرت قريبه الشاعر الكبير أحمد إبراهيم الغزاوي.. صاحب الإلقاء الجهير والمفاجآت في شعره، أذكر أنه عندما كان الملك عبد العزيز آل سعود ذاهباً إلى مصر، أنشد قصيدة قال فيها وفيها مفاجأة عجيبة:
وأخشـى الـذي أخشـاهُ مـن مِصْرَ أنَّها
تُزاحِمُنَا فِيكَ الهـوى فَنَضيـعُ
 
لقد كان صاحب صولات وجولات في هذه الأشعار الطريفة، كما أشير إلى أن البحر الذي ظنت نازك الملائكة أنها قد ابتكرته ونسج على منواله الدكتور عبده بدوي، وكذلك نسجت أنا على منواله قصيدة، أرجو أن تتاح لي الفرصة لقراءتها لأنها موجودة هنا في هذا الديوان ديوان "الشعر شمس القرون"، وجدتُ بيتاً تفعيلته: مستفعلن فاعلن فاعلن، هذا غير موجود في الشعر العربي، وجدتُ بيتاً واحداً في كتاب حازم القرطاجني لابن حنَّاط الذي حققه أستاذنا وشيخنا محمد الحبيب بن الخوجه، فنبهتهم إلى أن هذا البحر لم يُبتَكَر، ولكن قد سبقنا إليه ابن الحناط.
اقترح أستاذنا سماحة الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجه أن نقرأ شيئاً من الشعر، أنا معه في هذا الاقتراح لكي لا يكون الحديث عن الغائب، فأنتم تسمعون عن شاعرٍ وكل الذين قالوا عني كلاماً قالوا إنني شاعر، فأرجو أن تسمحوا لي بقراءة قصيدة تكون بداية ثم نتحاور ونجيب عن الأسئلة، وبعد ذلك نعود إلى قراءة الشعر وخاصة هذه القصائد التي وقعت الإشارة إليها، فما رأيكم في هذا؟
قصيدة بعنوان "الشعر" أنا كتبت كثيراً من الشعر عن الشعر، حتى أني عمدتُ في المدة الأخيرة إلى جمع هذه الأشعار التي قلتها من بيت واحد إلى قصيدة طويلة في الشعر، الشعر لا يُعرَّف، قالوا: إنه الكلام الموزون المقفى، والدالُّ على معنى لكن حتى المتون العلمية هي موزونة ومقفاة ولكنها خالية من الشعر والشعور. وقع تضمين أبيات شعرية في هذه القصيدة التي تحمل عنوان "الشعر" حوّرت فيها كلمة لملاءمة القافية والبيت الأول للوأواء الدمشقي ويُنسب خطأً إلى يزيد بن معاوية من قصيدة:
نالت على يدها ما لم تَنَلْه يدي
نقشاً على معصـم أوهـت بـه جلـدِي
 
وغيّرت كلمةً لملاءمة القافية، كذلك أخذت عَجُز بيت لبشار بن برد وأضفت إليه كلمة لتغييره من البحر المنسرح إلى البحر البسيط.. ثم عجُز بيت للأحوص صار مسرى الأمثال، كما أشرتُ إلى كلمة قالها الناقد الفرنسي سانت بوف عن الشعر، إشارة ساخرة إلى موجة الشعر الحديث الخالي من المعاني والمباني الجميلة، استعملت فعل سقيت مزيداً بالهمزة.. (أسقيت) وهو صحيحٌ في القرآن الكريم وَألّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقاً (سورة الجن الآية 16) لكي لا يتبادر إلى الذهن أن استعمالها خطأ، القصيدة تمهيد لقصيدة لم تُكتب وتعقيب على قصائد كُتِبتْ:
أطعمتُهُ الروحَ لكنْ بَعدُ ما شَبِعاَ
والقلـبُ فـي إثرهِ مـذ طـار مـا رَجَعاَ
ومن دِمائيَ كم أسقيتُـهُ غَدَقَـا
كيما أُرَوّي الذي في مهجتي زرعاَ
الشعرُ طيفٌ رهيب ظلَّ يسكُنُنا
وفي الحُشاشة من أعماقِنا قَبَـعاَ
والشعرُ عندي ملاكٌ سابحٌ أبـداً
يطيرُ بالشاعر الخلاّقِ إنْ وقـعاَ
وهبتُهُ العُمر، إن العُمرَ في يـده
والقلبَ ذاك الذي منه قد انصدعاَ
وجئته اليوم أستجديـه قافيـةً
في موكبٍ لفحولِ الشعرِ قد جَمعاَ
لكنها نفرتْ كالغيـد معرضـة
حـتى بـدت مثـل نجمٍ فـي السما ارتفعاَ
(سألتَهَا الوصلَ قالت: أنتَ تعرفُنَا
من رامَ منا وصالاً ماتَ) أو صُرِعَا
وراح قلبي في آثارها مِزَقـا
وكم تقاوَى على أعقابِها وَسَعَى
تَمنَّعت غير أني رُحتُ أُنشِدُهَـا:
"أَحبُّ شيءٍ إلى الإنسانِ ما مُنِعا"
وظَلَّ يسألُ عن شعرٍ له مُقَلٌ
وعن خيالٍ خصيبٍ طالما ابتدعاَ
أين القوافـي الـتي قـد كنـتُ أعهدُها
كالغيثِ سَحَّا ومثل النهرِ مُندفعا؟
قد كنّ كالغيدِ إثري، كُلُّ غانيةٍ
فؤادها نحو قلبـي طالمـا نَـزعاَ
وأين شعـري الـذي قـد كنـتُ أنثـره
كالدرِّ فـوق رخامٍ فـي الضُحى لمعَــا؟
أو كاللآلئ في نظمٍ وفي نَسَـقٍ
تظلُ تسطع في سِلْكٍ لها جَمَـعاَ
قـد أجدبَ الشعـر وانسـدت غوادقُـه
كأنه عن مَعِينِ الشعر قد قُطِـعَا
وظلّ يبحثُ عنه القلبُ في لَهَفٍ
يقولُ لـي خافقـاً: مـن "أجدبَ انتجَعاَ"
فاستلِهم الشعر أهل الغرب إنّ لهم
شعراً يروق شبابَ العصر مُخترعا
فيه الحداثة عنوان الرُّقيِّ، فهـل
سوى الحداثة للأشعارِ قد رَفَعاَ؟
غموضه يعجز الأفهام فهـو إذا
أنشدتـَهُ قيل: نِعمَ الشعر مُبتدَعا
واعبثْ بأوزانِ شِعـرِ العـُرب وأْتِ بـما
يَظلُّ عن فهمِ كلِّ الناسِ مُمتنِعَا
فقلتُ في حيرةٍ ظلـت تؤرقنـي
والقلبُ فـي هيكـلِ الإلهـام قـد خشعَا:
"الشعرُ ليس أعاريضـاً منسقـةً
وليسَ قافيةً كالطبـلِ إن قُـرِعاَ"
وليسَ نثراً هزيلاً غامضاً لزِجـاً
تراه للقارئ المسكين قد صَفَـعاَ
لكنـه نبـعُ إيحـاءٍ وعاطفـةٍ
مِن كـلِ قلـبٍ رهيفِ الحسِّ قـد نَبَعـاَ
طوراً يُحررُ من قيدٍ ومن رسنٍ
فيستحيلُ كنهرٍ سالَ واندَفَعَا
وتارة كهديل الوُرْقِ منسجماً
إذا الحمامُ على أفنانـهِ سَجَـعَا
لمحاً يُحلِّـمُ بالمعنـى ويحجبـهُ
فيتركُ القلبَ خلفَ الحُلمِ مُندَفعا
إن لم يَمَسَّ شِغافَ القلبِ ضَـاعَ سُـدى
مثلَ السـرابِ بقفـرٍ فـي الضُّحـى لَمَعاَ
ما الشعرُ إلا مخاضٌ كلُّـهُ ألـمٌ
لا تُنجِبُ الأمُّ إن لم تَنْتَفِض وَجَعا
الشعرُ طِفلٌ حبيبٌ رائـعٌ أبـداً
كأنه من فؤادِ الشاعـرِ اقتُطِـعاَ
أعطيتُهُ فَوقَ ما قد كنتُ أملكُهُ
ولم أكن منه طولَ العمرِ مُنتَفِـعاَ
سَلْ مهجتي عن مُعاناتي له فلقد
ظل الفؤادُ بِدُنيا الشعرِ منصَدِعاَ
كان الصديقَ اللدودَ المُجتَبى ولكم
حَمَّلـتُ قلبيَ منـه فـوقَ مـا وَسِـعـاَ
والشعرُ مثلُ الهوى سهلٌ وممتنعٌ
وأعـذبُ الـحب مـا قـد كـان مُمتنعَا
والشعرُ كالبحر للسباحِ تُبصـرُهُ
كأنما فوقَـهُ ينسـابُ مُندَفِعـاَ
ومن يَكُن جاهلاً بالسبح منتحرٌ
وجاهلُ البحرِ في أعماقِهِ ابْتُلِـعاَ
كُن سابحاً ماهراً في البحرِ منسرحاً
أو شاعراً فطناً في الشعرِ مُبْتَدِعا
وإنْ تأبَّتْ قوافي الشعرِ وامتنعتْ
فسوفَ تَسْلُسُ مثل النبعِ إنْ نبَعَا
وسوف تنصاعُ مثل الغِيدِ طَيِّعـةً
(فالصعـبُ يسهـلُ حتمـاً بعدمـا امتنعَا)
كم لانَ جامحها إذ كنتُ أزجرها
فتستجيبُ كعبدِ طائعٍ خَشَـعَا
غنيتُ منذُ عُقـودٍ مجـدَ أمتنـا
لكنني لم أجد للحنِ، مَنْ سَمِـعَا
فكدتُ أُلجمُ صوتي إذ مضى هدراً
وكـدتُ أيـأس مـن إيقاظ مـن هَجَعـاَ
دعِ القصيدة في الأعماق نائمـةً
فقلما صادفت من صانها ورعَى
 
هذه قصيدة من قصائد الديوان الذي سميته "الشِّعر في شِعري" أو "شِعري في الشِّعر"، يعني ما قلته أنا في الشعر وربما سنقرأ شيئاً منه، وتعرفون أن الشعر دائماً كان يُبدأ الغزل، حتى القصيدة المدحية التي قدمها كعب بن زهير أمام الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما أهدر دمه بدأها بغزله حيث قال:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم إثرها لم يُفْـدَ مكبـولُ
 
فمضى في وصف سعاد حتى تخلص بعد أبيات طويلة إلى مديح الرسول صلى الله عليه وسلم.
هذه القصيدة لم أعثر على مثال لروِّيها وهو الواو المضعفة، بالإضافة إلى أن فيها ضربا من ضروب البلاغة يسمونه (باب رد العجز على السطر)، فيمكن للكثير من الشعراء الحاضرين أن يعرفوا القافية عندما نصل إلى العجز من خلال ما سبقه:
سلوتِ وقد كنتِ لي سلوةً
فأرهقني منكِ ذاك السلوُّ
سموتُ بحبكِ حتى غدوتُ
بجو السماءِ وزاد السموُّ
وأرسيت بين الضلوع هواكِ
وما أتعب القلب هذا الرسوُّ
ورحتُ أحاول منكِ دنواً
فعزَّ اللقاء وعزَّ الدنوُّ
وظل غرامكِ ينمو بقلبي
فأنعش قلبي ذاك النموُّ
وطيفك عالٍ عزيزُ المنالِ
فكم ذا يروقكِ هذا العلوُّ
إذا ما سهرتُ يؤرق طرفي
خيالُكِ حتى يجيء الغدوُّ
ولستُ أغالي إذا هِمتُ فيكِ
فترك غرامكِ عندي غُلوُّ
إذا ما نأيتِ دنوتُ إليكِ
ويحلو لقلبي منكِ الدنُوُّ
وأرنو إليكِ فتسكرُ عيني
إذا ما تمادى إليكِ الرنوُّ
وينبو بسمعي كلامُ الرقيبِ
ويقتلني منه ذاك النبوُّ
إذا ما خلا منكِ بيتي وقلبي
فلا حبذا يا حياتي الخلوُّ
ولن يهدأ القلبُ إن غبتِ عني
فعوْدُكِ فيه الرضا والهُدُوُّ
وقُربكِ فجرٌ بديعُ الضياءِ
وبُعدكِ ليلٌ وفيهِ سُجُوُّ
فلا تُفْرِحِي بالفراقِِ العدوَّ
فهجركِ يفرح منه العدوُّ
حنوْتُ عليكِ حنوَّ الرؤومِ
فهل من فؤادكِ ضاعَ الحُنُوُّ؟
 
وشكراً..
وبما أننا ما زلنا في هذه القوافي العروضيون يقسمون القوافي إلى ثلاثة أنواع، القوافي الذُّلُلُ مثل: الراء واللام والدال وغيرها، والقوافي النُّفُرْ: التي تنفر من الشاعر ولا يستطيع أن يعثر عليها، والقوافي الحُوُشُ: الثقيلة، مثلاً: الشين والظاء والضاد وغيرها من الحروف تكون ثقيلة وقليلة، وهذه ذالية:
شحذتِ سهامَ عيونكِ شحْذا
وقد نفذت في فؤاديَ نفْذا
فمـا صحـتُ: ويحي ومـا قلـتُ ويلـي
فجرحكِ في القلبِ طابَ ولذَّا
وقد أسرتني لحَاظُكِ أسراً
وقد أخذتني عُيُونُكِ أخْذا
فأسلمتُ قلبي لمن قد سَباهُ
وما قلتُ للآسرِ اللبِّ: مَنْ ذا؟
فقلبي يُرَوَّى بسحرِ العيونِ
وبالبسماتِ العِذَابِ يُغذَّى
وقد كان جفنكِ في السِّحرِ فرداً
وقد كانَ وجهُكِ في الحُسنِ فَذَّا
وثغركِ حقلٌ من الياسمين
يُهامُ بهِ كل يومٍ ويُهذى
وأحتارُ بين المفاتنِ ماذا
تُرى في عيوني يلوح ألذّا؟
أتلك العيونُ تهزُّ كياني؟
ويسحر قلبي ذلك؟ أم ذا؟
فكل الذي فيكِ عذبٌ لذيذٌ
يظلُّ بدنيا الهوى مُستلذَّا
وما ظَلَّ قلبيَ إذ هامَ فيكِ
ولا عن دروبِ الصبابةِ شَذَّا
 
ولست أدري هل أتمادى في قراءة الشعر أم نعود إليه بعد قليل، ففي هذا الديوان توجد قصائد أيضاً لها صلة بهذه القوافي الطريفة.
أنا قد كتبت الشِّعر على جميع البحور الشعرية الستةَ عشر، وكتبت الشعر على بحر الدوبيت، والدوبيت هو بحر فارسي ذكره حازم القرطاجني في الكتاب الذي حققه أستاذنا الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجه، وأشهر ما تعرفونه ويعرفه الجميع على هذا الوزن قصيدة:
يا غُصن نقا مكـلل بالذهـبِ
أفديكَ من الردى بأمـي وأبـي
إن كنتُ أسأتُ في هواكُم أدبي
فالعصمةُ لا تكـونُ إلا لِنَبِـي
 
هذا البحر لم يعرفه الخليل ولم يعرفه الشعراء العرب قبله، وقد كتبت على هذا البحر، وكتبت على مجزوئه، ووزن الدوبيت (فعلن متفاعلن فعولن فعلن) ومجزؤه يكون بحذف تفعيلته الأخيرة.
وعلى كل حال فالإمكانيات العروضية الموجودة هي ستةَ عشر، ويمكن أن نُضيف إليها الإمكانيات التي تتولد من ضرب ثماني تفعيلات وقسمتها وهي ما يُقارب أربعمائة بحر، ولكنها في نهاية الأمر تصب في بعضها أو تكون ثقيلة غير مستساغة في نغمتها. إذاً إذا سمحتم نعود إلى الأسئلة ثم نعود إلى الشعر.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :640  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 176 من 197
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.