(( كلمة سعادة الدكتور عبد الرحمن الشبيلي ))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.. |
الواقع أنه لا يمكن أن نختزل تاريخ الشيخ حمد الجاسر في ليلة واحدة، فكما تعلمون بأن جامعة الملك سعود عقدت قبل عام ندوة على مدار يومين تحدثت عن الآثار العلمية التي تركها الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- في مجالات الجغرافيا والتاريخ والآثار والأنساب والأدب واللغة والتراث والإعلام، حمد الجاسر علامة موسوعي كما قلت لا يمكن أن أختصر الحديث عنه في ساعات كهذه، الشيخ حمد الجاسر لم يكن الوحيد في هذه البلاد، ولا في العالم العربي بالطبع، لكنه كان من البارزين في مجالاته. |
أود أن أتوجه باسمكم جميعاً للحرص الذي أبداه أخي الأستاذ عبد المقصود خوجه الذي أعرف أنه كان حريصاً منذ أن بدأت هذه الاثنينية لاستضافة أستاذنا الشيخ حمد الجاسر، وكان الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- يعتذر بتواضعه ولباقته أحياناً بعذر وأحياناً بلطف، لأنه كان يتجنب هذه المواقف، وبما أن هذه الاثنينية تحتفي هذه الليلة ولأول مرة بأحد الراحلين فهو نهج أرجو أن يستمر عليه وتستمر عليه هذه الاثنينية وراعيها. |
وعندما نستعرض الآثار العلمية التي خلفها الشيخ الجاسر فلعلي أقول: لو لم يترك الشيخ حمد الجاسر من كتبه ومن آثاره سوى المعجم الجغرافي، الذي انبرى له ووفقه الله لوضع بداياته لكفى، وهذا المعجم الذي وضع الشيخ حمد الجاسر بداياته هو من المشروعات التي سيتصدى لها مركز حمد الجاسر الثقافي ويقوم بإعادة جمعه وتبويبه وإخراجه وفق الأسس العلمية الحديثة. |
الشيخ حمد الجاسر أيها الأخوة لم يكن فحسب جغرافياً أو أديباً أو نساباً أو باحثاًُ أو آثارياً أو قاضياً أو غير ذلك، لكنه كما أشار أخي الدكتور إبراهيم العواجي كان رائداً في مجال التنوير، ترك بصمات عظيمة واضحة، واضحة التأثير لانتشال المجتمع الذي عاش فيه ونشأ فيه من مجاهل التخلف والعزلة والانغلاق، الشيخ حمد الجاسر في المجال التنويري وكان من المفروض أن يخص هذا الموضوع بحديث مستقل هذه الليلة، الشيخ حمد الجاسر كان له في القضاء رأي واضح ومنهج معين، وكان له في التعليم موقف، وكانت له في البحث جهود عظيمة، الشيخ حمد الجاسر لم يكن دربه ممهداًَ وسهلاً ومفروشاً بالورود كما يقال. لكنه ذاق وعانا وواجه الصعاب بل الصخور والأشواك، لو أخذنا جانباً واحداً وهو مجال الصحافة والطباعة والنشر فإن الشيخ حمد الجاسر لم يكن في إصداره المطبوعة الأولى في المنطقة الوسطى، لم تكن هذه الخطوة مجرد إصدار مطبوعة، لكنه في الواقع وضع البذرة الأولى لقيام الوسائل الإعلامية المقروءة.. المطبوعة.. المرئية والمسموعة، وفوق ذلك فإنه وضع تنظيماً.. وضع البنية الأساسية، أوجد المناخ، أوجد الصحوة، أوجد المقومات. |
إنني أيها الأخوة أدعوكم لقراءة كتابي المتواضع عن الشيخ حمد الجاسر وجهوده الإعلامية والصحفية في المنطقة الوسطى، البداية كانت في أواخر عهد الملك عبد العزيز -رحمه الله-، عندما صارع لإصدار "اليمامة"، وكانت بالمناسبة صحيفة "اليمامة" كانت الصحيفة قبل الأخيرة التي صدرت.. من المطبوعات التي صدرت في عهد الملك عبد العزيز ومجموعها إحدى عشرة مطبوعة، كانت "اليمامة" من أواخرها، لأنه لم يصدر بعدها في عهد الملك عبد العزيز سوى مجلة "القافلة" قافلة الزيت، اللطيف في الأمر وهذا موضوع آخر أن تسعاً من الصحف أو المطبوعات الإحدى عشرة.. المطبوعات الصحفية كلها مازالت تصدر إلى يومنا هذا، أصدر مجلة "اليمامة" أو صحيفة "اليمامة" في أواخر عام 1372هـ أي قبل وفاة الملك عبد العزيز بعدة أشهر، لكنه كما قلت لم تكن المسألة إصداراً للجريدة أو المجلة، رحمه الله لقد هيأ جيلاً من الصحفيين والكتاب، ونحن نسعد هذه الليلة بأن على يميني أحد تلامذة الشيخ حمد الجاسر، الذين ساندوه ووقفوا إلى جواره في إصدار صحيفة "اليمامة" وهو أخي الشاعر الكبير والصحفي الكبير الأستاذ سعد البواردي، لم يكتفِ بإصدار الصحفية، لكنه في الوقت نفسه عمل بخط موازٍ لإنشاء أو لإقامة البنية التحتية لإصدار أو لبدايات العمل الصحفي، فعمل بجهدٍ موازٍ لإنشاء أول مطابع في المنطقة الوسطى، فلم يمضِ عامان إلا وقد تأسست وبدأت الشركة الوطنية للطبع والنشر أو ما تسمى مطابع الرياض، في جهد جماعي مشترك قام به عدد من المثقفين ورجال الأعمال في المنطقة الوسطى، ثم بعد ذلك أسهم في إنشاء وتأسيس مؤسسة اليمامة الصحفية، وكان من ضمن من عمل معه أخانا الدكتور رضا عبيد وهو أحد المؤسسين لهذه المؤسسة. |
مما يسجل للشيخ حمد الجاسر بالإضافة إلى ذلك أنه بعد ذلك أسهم في إقامة أول مركز أهلي وطني للبحث والترجمة والنشر وهو "دار اليمامة" التي أسسها في عام 1386هـ وأصدر من خلالها مجلة "العرب" التي كانت تعد إلى يومنا هذا المجلة البحثية الثانية بعد المجلة الرائدة مجلة "المنهل" التي سبقتها بسنوات. |
بالنسبة لبداياته الصحفية: الشيخ حمد الجاسر بدأ كتاباته الصحفية منذ عـام 1350هـ أو 51 هـ، تؤرخ كتاباته بصدور جريدة.. صحيفة "الحجاز" التي بدأت في عام 1350هـ، فهو كتب في "صوت الحجاز" مع بداياتها ونشر في جريدة "أم القرى" ونشر في "المنهل" ونشر في "البلاد" ثم بعد ذلك حصر كثيرا من كتاباته في مجلته "اليمامة"، وأخيراً بعد ذلك صار يكتب في كل المطبوعات، ومن بينها المجلة "العربية" و "الفيصل" ومجلة "العرب" التي أصدرها، وهناك رصد لما يزيد عن 1500 مقال وبحث منشور وموثق للشيخ حمد الجاسر. |
الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- شاغب عدداً من الكُتَّاب والأدباء، شاغب حسن العواد، ودخل في مساجلات مع أحمد إبراهيم الغزاوي، ومع أحمد عبد الغفور عطار، ومع الشيخ عبد الله بالخير، وفي الوقت نفسه تلقى مساعدات ظل يذكرها من الشيخ حسن كتبي -حفظه الله- وعبد الله عريف -رحمه الله- وعبد القدوس الأنصاري -رحمه الله-، والشيخ محمد حسن فقي -حفظه الله-. |
الشيخ حمد الجاسر له سجل في الكتابات الصحفية مدة تجاوزت على سبعين عاماً، وأود أن أذكر بهذه بالمناسبة من الكلام الكثير الذي يمكن أن يروى أو يقال عن الشيخ حمد الجاسر، أنه يسجل للشيخ حمد الجاسر أنه كان سببا ًغير مباشر لرفع الرقابة المسبقة عن الصحف في عام 1379هـ - 1960م، ولهذا الأمر قصة رواها في كتابه "سوانح الذكريات" الذي سيتحدث عنه أخي الأستاذ حمد القاضي. |
مرة أخرى أيها الأخوة لا ينبغي النظر إلى الشيخ الجاسر من خلال الإرث المعرفي الكبير، بقدر ما ننظر إلى هذا الإنسان بأنه ذو فكر مستنير ونفس عزيزة حفظ للعالِم قدره ومكانته وللقلم احترامه وهيبته وموضوعيته، عاش الشيخ حمد الجاسر رافع الرأس حتى استحق منا اليوم أن نعيش ذكراه بكثير من الإجلال والاعتبار، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. |
|
عريف الحفل: والكلمة الآن لسعادة الأديب المعروف والكاتب الكبير الدكتور عبد الله مناع. |
|