مـا عـاد يشغلني الحديـث عـن الهوى |
والشوقِ والهُجـرانِ والحِرمـانِ |
فلقد قضيتُ العُمرَ حُلماً زائفـاً |
في جَوفِ ليـلِ بالهوى أضْرانـي |
ومضيتُ في سِجنِ الغَرامِ مُعذَّبـاً |
لا أسـتبين النـورَ في أجفانـي |
فَعَبرتُ بحرَ الشوقِ مَكدودَ القِوَى |
مُتَسربِلاً بالخـوف والأشجـانِ |
فَرَسَمتُ في كَفِّ المسَاءِ قصيـدةً |
تمحـو غُبارَ السَّقـطِ مِن أرداني |
وتَخُطُّ للأيّـامِ سِفْـراً حَافِـلاً |
يستنهِضُ الهِمَّـاتِ في الإنسـانِ |
ويَزيدهُ دَفْقَـاً وشَوقـاً ضَارِيـاً |
في خَافقيـهِ بِصَحـوَةِ الإيمَـانِ |
وطني الحبيب رسالـةٌ مكتوبـةٌ |
بالتِّـبرِ لا بالحِـبرِ في أحضَانـي |
كَمْ شَفَّني شَوقُ الصَّبَابَةِ لِلحِمَى؟ |
في شَاطِئيـكَ بِلَهفـةِ التَّحْنَـانِ |
فَلأَنتَ شَطُّ الحُبِّ إنْ جَلّ الهَوى |
واْستلهبَ الإحسَاسَ كالبركـانِ |
أستنشِقُ الذكرَى عبـيراً حالمـاً |
نَـدَّاً وعطراً من شَـذَى الرَّيحانِ |
ويَذُبُّ عن وطني اليَراعُ فلا أرى |
وطنَـاً سِواهُ أعَـزَّ في الأوطَـانِ |
هو مَعقِلُ الدِّينِ الحنِيفِ مُشَعْشِعاً |
من أرضِ مكـةَ مَهبِطِ الفُرقَـانِ |
وُلِدَ "النبيُّ" بأرضهِ حيثُ الدُّنَـا |
شَلاّلُ ضـوءٍ ساطـعَ الألـوانِ |
وبأرضهِ شـبَّ النَّـبيُّ مجاهـداً |
يدعـو لتركِ عبـادةِ الأوثـانِ |
قد جاءه الوحي المنزَّلُ في "حـرا" |
اقـرأ "محمـد" مُنْزَلَ القـرآنِ |
وطني هو النور المُجلِّي للـرُؤى |
من أرض "طيبةَ" مَـأرِزِ الإيمـانِ |
في دعوةٍ قامتْ على عدلٍ ومـا |
قامـتْ بغـيرِ الحـقِّ والتبيـانِ |
حكمت زمـام المـرءِ عـن طيـشِ الهوى |
وسمتْ عن التَّسفِيـهِ والبُهتـانِ |
قومي هُمُ الصِّيدُ الأُباةُ فكم بَنَوْا |
مجداً حصينـاً صَامِـدَ البنيـانِ |
جازوا بلاد "الصينِ" في فتحٍ سما |
عن خِسـةِ التَّدمِيـرِ والطُغيـانِ |
وطني "الحجازُ" و "نجدُ" تاجُ جَبينهِ |
و "عسيرُ والدمامُ" في وجدانـي |
كُــلٌّ ينـالُ الحـبَ قسطاً وافـراً |
حاشـاهُ من نقصٍ ومن نِسيـانِ |
"أحساؤنا" جسرُ المحبة يُجتلى |
وربابـةٌ حَنَّتْ علـى الرُّكبـانِ |
"جازانُ" فيضُ الخِصبِ نِعم المجتنى |
خضراءُ تُشبـهُ لوحـةَ الفنـانِ |
"نجرانُ" مهدٌ للحضارة ساطعٌ |
يَروي لنـا التاريـخَ في إمعـانِ |
وطني "الجزيرةُ" ليس ثمةَ مُرْتَجى |
من دونهـا في خافقـي الحـرَّانِ |
بيتُ الحضارةِ والكرامةِ والنُّهى |
من غابـرِ التاريـخِ والأزمـانِ |
نفسي الفِداءُ لرملها ولطينها |
أحجارها أزهـى من المرجـانِ |
حصباؤها الياقوتُ شفَّ بريقه |
ورِمَالُهـا الفـيروزجُ الإيرانـي |
الأمنُ والإيمانُ صوتُ ضميرها |
والعدلُ نبضُ الحـقِ في الميـزانِ |
من ذا يلومُ مولَّهاً في حبها |
يهنى بـدفءِ العاشـقِ الولهـانِ |
أم من يلومُ مُلهَّفاً في بوحهِ |
أفضت سريرتُه عـن الكِتمـانِ |
أصفيتها حبي بكل جوارحي |
للبحرِ.. للأرضيـنَ.. للخُلجانِ |
وطفقتُ أرسمُ في الرمالِ قصيدةً |
مـن غـير قـافيـةٍ ولا أوزانِ |
أستلهمُ التاريخُ حساً نابضاً |
يفتـرُّ فــي ألـقٍ زَهـيٍّ دانِ |
يا موطنَ القومِ الكرامِ تحيةً |
من بُلبلٍ يشـدو على الأفنـانِ |
شعراً يُحرِّكُ وجدَهُ مستلهماً |
إحسـاسـهُ بِشَفَافَـةِ الألحـانِ |
وطني العزيزَ وأنتَ مَصدَرُ عِزَّةٍ |
تنبـو عن الإجحـافِ والنُّقصَانِ |
تستنطقُ التاريخَ في خَلجاتِهَا |
مجداً مُشِعَّـاً ثابِـتَ الأرْكـانِ |
يا لائمي فيما أقولُ فإنني |
أمسيتُ شَيخاً عِشْقُهُ رَوْحانـي |
أفْدي بِلادي بالذي في خَافقي |
شِعْراً.. ونَثـراً.. زَاهيَ الألـوانِ |
عِشقُ الديارِ فضيلةٌ محمودةٌ |
تُثري الفـؤاد بدفقهـا الرَّيـانِ |
وتَجيشُ في نفسِ المولَّعِ صَبوَةٌ |
أصلى من الأشـواق للهيمـانِ |
وطني الحبيبُ قصيدةٌ شعريةٌ |
فاضت مشاعِرُها على الكُثبـانِ |
بالحبِّ يا وطنَ الوفاءِ أبثها |
شفافـةً في الخفـقِ والوجـدانِ |
تنثو عبيرَ الحبِ في خَلجَاتِهَا |
نَفحَـاً يُبَـدِّدُ غُمَّـةَ الأحـزانِ |
وتفيضُ بالأملِ الكبيرِ مواتياً |
لا يُنـزَعَـنَّ بِنَـزوَةِ الغُفْـلانِ |
وطني الجزيرةُ كُلُّها في خافقي |
وَهَـجٌ يُضـيءُ لمغـرمٍ حـيرانِ |
أُهدِيكَ يا وطني العزيزَ تحيةً |
أزكى نفاحاً من شـذى "نيسانِ" |
فعلى ترابك كم شَهِدتُ طفولتي |
أمـلاً يفيـضُ بفرحةِ الجـذلانِ |
ومشيتُ لا خوفٌ عليَّ فإنني |
في مأمـنٍ من المُكْثِ والإظعَـانِ |
أنعمْ به وطناً سخياً آمناً |
الحكمُ فيـهِ شَرِيعَـةُ الرحْمَـنِ |
يحظى بحبٍّ عارمٍ.. في أرضهِ |
خيرٌ يـدومُ بنعمـةِ الشكـرانِ |
كم كنتَ لي أملاً وريفاً لم يزلْ |
في مقلـتيَّ يفيـضُ بالإحسـانِ |
أَفْدي ثَراكَ بكلِّ حسٍ راهفٍ |
وبكـلِ همـسٍ عاطـرٍ فتَّـانِ |
يا بيتَ كُــلِّ العُرْبِ مـن زمـنٍ مضـى |
يستجمعُ الأشتـاتَ للإخـوانِ |
تُولِيهُمُو حباً زكياً سامياً |
عن سقطـةِ الإحباطِ والخـذلانِ |
بيتُ السماحةِ والثقافةِ والهُدى |
ومنـارُ أفئـدةٍ بـلا جُحْـدانِ |
وطنُ الشَّهَامةِ والكَرَامةِ والقِرَى |
مـن غيرِ مَـنٍّ مَأدِبُ الضِّيفَـانِ |
لكَ في نِياطِ القلبِ حُبٌّ متيَّمٍ |
بالرَّمـلِ بالصحـرَاءِ بالوِديـانِ |
يُصْفِيكَ حُبّاً خالصاً من قلبِهِ |
أصفى وأحلى من جَـنَى الرُّمَّانِ |
يا ليت شعـري واهـجٌ يَحكـي الـذي |
يُوفِيكَ حقَّ الشُّكـرِ والعِرفَـانِ |
يَسْتَنْطِقُ الإحْسَاسَ منِّي صادقاً |
أُزجيـهِ في هَمسٍ نَـديٍّ حـانِ |