شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي ))
أيها الأخوة الكرام أحييكم تحية الإسلام.. فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أخونا الأستاذ حمزة تربطني به علاقة عمرها ثلاثة وخمسون عاماً، لم نكن ندرس في مدرسة واحدة، ولكننا مشتركون في الاستجلاء بنبض الكلمة شعراً ونثراً، فكنا مجموعة من الطلبة في سن متقاربة من الثانية عشر إلى الخامسة عشر، توفي زميل لنا هو الأستاذ المرحوم -بإذن الله- عبد الكريم نيازي، وكنا مجموعة: الدكتور محمد يماني، محمد صالح باخطمة، عبد الله الجفري، ومحدثكم، والأستاذ عثمان مليباري، ومحمد عبد الرحمن رمضان أيضاً كان يكتب قصة قصيرة ويهتم بها، فكنا جميعاً نذهب إلى المربي القدير الأستاذ الفاضل عبد الرزاق بليلة -متعه الله بالصحة والعافية، فكان لنا أباً وأستاذاً ومربياً وموجهاً، فكان يقوم بتصحيح نتاجنا إن كان شعراً أو نثراً، فمن هنا كانت علاقتي بأخي الأستاذ حمزة فودة، وأذكر مرة طلبنا منه أنا والجفري والباخطمة أن نقوم بزيارة لوالده لما نسمعه عنه، وكان الموعد بعد العصر، وعلى ما أذكر كان المنزل في أجياد، دُهشنا وفُتنا.. لأنه رجلٌ رقيق.. نحيل الجسم.. يتكلم باللغة العربية السهلة الممنوعة.. وله طريقة ما عهدتها في غيره، حين يتحدث إلى أحد منا لا تجد الفوقية ولا التعالي، يقول لك: ألا ترى؟ ألا تشاركني؟ يا حبذا، ما أجمل لو كان كذا، أسلوب تلقيناه وتعلمناه من ذلك الإنسان الجياش بكل معالم الحب والإنسانية والأبوة، ثم غاب حمزة.. غاب حينما ذهب إلى مصر فانقطعت أخباره، ولذلك أعتبره صديقاً عاقاً، لماذا لا يواصلنا طالما أنه موجود في جدة أو حتى في المملكة؟ وربما لا أقل عنه عقوقاً فلماذا لا أبحث عنه أيضاً ؟ المهم أحيي صاحب الاثنينية الذي يتيح لنا هذا المجال وهذه الفرص؛ لنلتقي بكوكبة من المفكرين والأدباء، وبالتالي نتعرف على مجموعة كبيرة من المحتفين بهم، فأهلاً بحبيبنا وصديقنا العاق الأستاذ حمزة فودة.
الواقع أنا لا أعرف عنه أنه شاعر، ولا أعلم عنه أنه كاتب، إذ لم يصلني أي شيء من نتاجه الفكري، فلذلك كانت لي قصيدة، وهي عبارة عن لحظة استجلاء وانبهار هبطت عليَّ ذات ليلة وأنا أتجول على كل جزء من أجزاء هذا الوطن الحبيب، فكانت القصيدة أكثر من مائة بيت حاولت تجذيرها، وتخزيلها للوقت، فما وفقت إلا على أربعة وستين بيتاً، فآمل أن تشاركوني فيها لأنها نبضي ونبض كل واحد منكم إن شاء الله.
الأخوة الذين يهتمون بعلم العروض أقول لهم: إن القصيدة بحرها الكامل.. تام الكامل متفاعل متفاعل متفاعل، متفاعل متفاعل متفاعل، خلا أن ضربها مقطوع، جاء على زنة مفعول، وفي حشوها إضمار، حيث ننقل متفاعل إلى مستفعل، وكل أولئك نبض صوتي راهف تتقبله الأذن وتستسيغه:
مـا عـاد يشغلني الحديـث عـن الهوى
والشوقِ والهُجـرانِ والحِرمـانِ
فلقد قضيتُ العُمرَ حُلماً زائفـاً
في جَوفِ ليـلِ بالهوى أضْرانـي
ومضيتُ في سِجنِ الغَرامِ مُعذَّبـاً
لا أسـتبين النـورَ في أجفانـي
فَعَبرتُ بحرَ الشوقِ مَكدودَ القِوَى
مُتَسربِلاً بالخـوف والأشجـانِ
فَرَسَمتُ في كَفِّ المسَاءِ قصيـدةً
تمحـو غُبارَ السَّقـطِ مِن أرداني
وتَخُطُّ للأيّـامِ سِفْـراً حَافِـلاً
يستنهِضُ الهِمَّـاتِ في الإنسـانِ
ويَزيدهُ دَفْقَـاً وشَوقـاً ضَارِيـاً
في خَافقيـهِ بِصَحـوَةِ الإيمَـانِ
وطني الحبيب رسالـةٌ مكتوبـةٌ
بالتِّـبرِ لا بالحِـبرِ في أحضَانـي
كَمْ شَفَّني شَوقُ الصَّبَابَةِ لِلحِمَى؟
في شَاطِئيـكَ بِلَهفـةِ التَّحْنَـانِ
فَلأَنتَ شَطُّ الحُبِّ إنْ جَلّ الهَوى
واْستلهبَ الإحسَاسَ كالبركـانِ
أستنشِقُ الذكرَى عبـيراً حالمـاً
نَـدَّاً وعطراً من شَـذَى الرَّيحانِ
ويَذُبُّ عن وطني اليَراعُ فلا أرى
وطنَـاً سِواهُ أعَـزَّ في الأوطَـانِ
هو مَعقِلُ الدِّينِ الحنِيفِ مُشَعْشِعاً
من أرضِ مكـةَ مَهبِطِ الفُرقَـانِ
وُلِدَ "النبيُّ" بأرضهِ حيثُ الدُّنَـا
شَلاّلُ ضـوءٍ ساطـعَ الألـوانِ
وبأرضهِ شـبَّ النَّـبيُّ مجاهـداً
يدعـو لتركِ عبـادةِ الأوثـانِ
قد جاءه الوحي المنزَّلُ في "حـرا"
اقـرأ "محمـد" مُنْزَلَ القـرآنِ
وطني هو النور المُجلِّي للـرُؤى
من أرض "طيبةَ" مَـأرِزِ الإيمـانِ
في دعوةٍ قامتْ على عدلٍ ومـا
قامـتْ بغـيرِ الحـقِّ والتبيـانِ
حكمت زمـام المـرءِ عـن طيـشِ الهوى
وسمتْ عن التَّسفِيـهِ والبُهتـانِ
قومي هُمُ الصِّيدُ الأُباةُ فكم بَنَوْا
مجداً حصينـاً صَامِـدَ البنيـانِ
جازوا بلاد "الصينِ" في فتحٍ سما
عن خِسـةِ التَّدمِيـرِ والطُغيـانِ
وطني "الحجازُ" و "نجدُ" تاجُ جَبينهِ
و "عسيرُ والدمامُ" في وجدانـي
كُــلٌّ ينـالُ الحـبَ قسطاً وافـراً
حاشـاهُ من نقصٍ ومن نِسيـانِ
"أحساؤنا" جسرُ المحبة يُجتلى
وربابـةٌ حَنَّتْ علـى الرُّكبـانِ
"جازانُ" فيضُ الخِصبِ نِعم المجتنى
خضراءُ تُشبـهُ لوحـةَ الفنـانِ
"نجرانُ" مهدٌ للحضارة ساطعٌ
يَروي لنـا التاريـخَ في إمعـانِ
وطني "الجزيرةُ" ليس ثمةَ مُرْتَجى
من دونهـا في خافقـي الحـرَّانِ
بيتُ الحضارةِ والكرامةِ والنُّهى
من غابـرِ التاريـخِ والأزمـانِ
نفسي الفِداءُ لرملها ولطينها
أحجارها أزهـى من المرجـانِ
حصباؤها الياقوتُ شفَّ بريقه
ورِمَالُهـا الفـيروزجُ الإيرانـي
الأمنُ والإيمانُ صوتُ ضميرها
والعدلُ نبضُ الحـقِ في الميـزانِ
من ذا يلومُ مولَّهاً في حبها
يهنى بـدفءِ العاشـقِ الولهـانِ
أم من يلومُ مُلهَّفاً في بوحهِ
أفضت سريرتُه عـن الكِتمـانِ
أصفيتها حبي بكل جوارحي
للبحرِ.. للأرضيـنَ.. للخُلجانِ
وطفقتُ أرسمُ في الرمالِ قصيدةً
مـن غـير قـافيـةٍ ولا أوزانِ
أستلهمُ التاريخُ حساً نابضاً
يفتـرُّ فــي ألـقٍ زَهـيٍّ دانِ
يا موطنَ القومِ الكرامِ تحيةً
من بُلبلٍ يشـدو على الأفنـانِ
شعراً يُحرِّكُ وجدَهُ مستلهماً
إحسـاسـهُ بِشَفَافَـةِ الألحـانِ
وطني العزيزَ وأنتَ مَصدَرُ عِزَّةٍ
تنبـو عن الإجحـافِ والنُّقصَانِ
تستنطقُ التاريخَ في خَلجاتِهَا
مجداً مُشِعَّـاً ثابِـتَ الأرْكـانِ
يا لائمي فيما أقولُ فإنني
أمسيتُ شَيخاً عِشْقُهُ رَوْحانـي
أفْدي بِلادي بالذي في خَافقي
شِعْراً.. ونَثـراً.. زَاهيَ الألـوانِ
عِشقُ الديارِ فضيلةٌ محمودةٌ
تُثري الفـؤاد بدفقهـا الرَّيـانِ
وتَجيشُ في نفسِ المولَّعِ صَبوَةٌ
أصلى من الأشـواق للهيمـانِ
وطني الحبيبُ قصيدةٌ شعريةٌ
فاضت مشاعِرُها على الكُثبـانِ
بالحبِّ يا وطنَ الوفاءِ أبثها
شفافـةً في الخفـقِ والوجـدانِ
تنثو عبيرَ الحبِ في خَلجَاتِهَا
نَفحَـاً يُبَـدِّدُ غُمَّـةَ الأحـزانِ
وتفيضُ بالأملِ الكبيرِ مواتياً
لا يُنـزَعَـنَّ بِنَـزوَةِ الغُفْـلانِ
وطني الجزيرةُ كُلُّها في خافقي
وَهَـجٌ يُضـيءُ لمغـرمٍ حـيرانِ
أُهدِيكَ يا وطني العزيزَ تحيةً
أزكى نفاحاً من شـذى "نيسانِ"
فعلى ترابك كم شَهِدتُ طفولتي
أمـلاً يفيـضُ بفرحةِ الجـذلانِ
ومشيتُ لا خوفٌ عليَّ فإنني
في مأمـنٍ من المُكْثِ والإظعَـانِ
أنعمْ به وطناً سخياً آمناً
الحكمُ فيـهِ شَرِيعَـةُ الرحْمَـنِ
يحظى بحبٍّ عارمٍ.. في أرضهِ
خيرٌ يـدومُ بنعمـةِ الشكـرانِ
كم كنتَ لي أملاً وريفاً لم يزلْ
في مقلـتيَّ يفيـضُ بالإحسـانِ
أَفْدي ثَراكَ بكلِّ حسٍ راهفٍ
وبكـلِ همـسٍ عاطـرٍ فتَّـانِ
يا بيتَ كُــلِّ العُرْبِ مـن زمـنٍ مضـى
يستجمعُ الأشتـاتَ للإخـوانِ
تُولِيهُمُو حباً زكياً سامياً
عن سقطـةِ الإحباطِ والخـذلانِ
بيتُ السماحةِ والثقافةِ والهُدى
ومنـارُ أفئـدةٍ بـلا جُحْـدانِ
وطنُ الشَّهَامةِ والكَرَامةِ والقِرَى
مـن غيرِ مَـنٍّ مَأدِبُ الضِّيفَـانِ
لكَ في نِياطِ القلبِ حُبٌّ متيَّمٍ
بالرَّمـلِ بالصحـرَاءِ بالوِديـانِ
يُصْفِيكَ حُبّاً خالصاً من قلبِهِ
أصفى وأحلى من جَـنَى الرُّمَّانِ
يا ليت شعـري واهـجٌ يَحكـي الـذي
يُوفِيكَ حقَّ الشُّكـرِ والعِرفَـانِ
يَسْتَنْطِقُ الإحْسَاسَ منِّي صادقاً
أُزجيـهِ في هَمسٍ نَـديٍّ حـانِ
 
وشكراً على لطف إصغائكم.
 
عريف الحفل: وأنقل الميكروفون الآن إلى سعادة المربي والكاتب والصحفي الأستاذ عثمان مليباري.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :783  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 132 من 197
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج