شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة فارس الاثنينية معالي الدكتور عبد الحليم سويدان ))
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين..
معالي الشيخ عبد المقصود خوجه حفظه الله..
أيها السادة الكرام..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
 
لقد تعودتم في الاثنينية يا معالي الشيخ أن تكرموا جهابذة الأدب واللغة والتراث والشريعة والقانون وسائر المجالات الفكرية والعلمية وأنتم تكرمون اليوم أستاذاً في علوم الأحياء قد ثقل على كتفيه وزن السنين، فشكراً جزيلاً لكم وجزاكم الله كل خير كفاء ما تتفضلون به من تكريم، ويسعدني أن أوجه شكري العميق إلى السادة الأفاضل الذين شرفونا اليوم بحضورهم إلى هذه القاعة الجليلة.
أما السادة الذين تكلموا عني في مطلع هذه الجلسة فإنني غير قادر على أن أجد العبارات التي ترقى إلى أن تنم لهم على ما تركته كلماتهم الكريمة في نفسي، لقد كانت عينهم عليّ عين رضاً فلهم مني أخلص الشكر وأعمقه.
 
معالي الشيخ.. أيها السادة..
 
أود أن أقدم لمحات عن مراحل ثلاث من حياتي: مرحلة التعليم الثانوي ومرحلة الدراسة في فرنسا ومرحلة العمل في كلية العلوم بجامعة دمشق وما تبعها.
 
- مرحلة التعليم الثانوي:
بعد أن حصلت في شهر حزيران (يونيو) عام 1928م على شهادة "التحصيل الابتدائي" نجحت في هذا العام نفسه في مسابقة كانت وزارة المعارف تجريها كل عام لقبول طلاب داخليين مجاناً في مدرسة "التجهيز" بدمشق وكانت مشهورة آنذاك باسم "مكتب عنبر" وهكذا كنت في العام الدراسي 1928 - 1929م في السنة الأولى من هذه المدرسة وبقيت فيها سبع سنوات طالباً داخلياً ولقد بقيت الأول في الصف من الصف السادس حتى الصف الحادي عشر الذي نجحت في نهايته في امتحان القسم الأول من بكالوريا التعليم الثانوي، -وهذا كان اسم شهادة الدراسة الثانوية آنذاك-، وفي نهاية الصف الثاني عشر وفي دورة حزيران (يونيو) 1935م حصلت على القسم الثاني من بكالوريا التعليم الثانوي شعبة الرياضيات بدرجة جيد جداً ولقد كان لهذه الدرجة وزنها في ذلك الزمان، وقبل ذلك وفي نهاية العام الدراسي 1933 - 1934م تقدمت لامتحانات شهادة أهلية التعليم للمعلمين ونجحت فيها وحزت هذه الشهادة، أما مكتب عنبر فقد سُمي بهذا الاسم نسبة إلى ثري اسمه يوسف عنبر بنى لنفسه في دمشق داراً واسعة الأرجاء ثم صارت هذه الدار من أملاك الدولة، فجعلت مدرسة ثانوية وقد شُرِع في بنائها عام 1867م واستمر بضع سنوات، ومكتب عنبر كان يومها الثانوية الحكومية الوحيدة للذكور في مدينة دمشق، وكانت الثانوية الحكومية الوحيدة في سوريا التي فيها الصف الثاني عشر الذي كان يؤهل للحصول على القسم الثاني من بكالوريا التعليم الثانوي، ولقد أسهم مكتب عنبر في الحركات القومية العربية وكان له دور كبير في بعث الروح القومية ونشر الوعي العربي ومحاربة الانتداب الفرنسي، أما اليوم فقد أصبح اسم مكتب عنبر "دار الثقافة" وتابعاً لوزارة الثقافة ويقام في هذه الدار بعض النشاطات الثقافية، وفي صيف 1936 أخذت أستعد لدخول مسابقات كانت وزارة المعارف تزمع إجراءها لإيفاد طلاب للدراسة في الجامعات الفرنسية ليحصلوا منها على درجة "الإجازة" وليعودوا بعدها مدرسين في التعليم الثانوي، وكان في استطاعتي بتوفيق الله أن أنجح في أي مسابقة أتقدم إليها من مسابقات وزارة المعارف ولكني قرأت بالمصادفة ذات يوم إعلاناً صادراً عن وزارة الاقتصاد الوطني (الزراعة) حول مسابقة لإيفاد طلاب لدراسة الطب البيطري في المدرسة الوطنية للطب البيطري في "ألفور" ALFORT في ضاحية باريس وهي مدرسة كانت شهيرة في فرنسا وفي العالم، فقلت في نفسي سأتقدم لهذه المسابقة وسأدرس الطب البيطري والطب البشري في آن واحد في العاصمة الفرنسية، وهكذا صرفت النظر عن مسابقات وزارة المعارف ونجحت الأول في مسابقة وزارة الاقتصاد الوطني والتحقت بمدرسة "ألفور" في العام الدراسي 1936 - 1937.
 
- مرحلة الدراسة في فرنسا:
عندما التحقت بمدرسة "ألفور" وجدت أن طبيعة الدوام القاسي في هذه المدرسة لم تكن لتترك لي على الإطلاق أي مجال للتفكير في تحقيق هدفي الأساسي الآخر وهو دراسة الطب البشري في جامعة باريس، فاستقر أمري على دراسة الطب البيطري في مدرسة "ألفور" إلى أن حصلت عام 1924 على درجة دكتور في الطب البيطري وكانت تمنحها آنذاك وزارة المعارف الفرنسية وأكاديمية باريس، وفي العام الدراسي 1941 - 1942 حصلت من جهة أخرى على شهادة معهد الطب البيطري الأجنبي.
 
وحكم اندلاع الحرب العالمية الثانية على الطلاب العرب كافة ومنهم الطلاب العرب السوريون بأن لا يستطيعوا العودة إلى بلادهم، وكان عليَّ أن أبقى في العاصمة الفرنسية مثل غيري لمدة لم يكن في مستطاع أحد أن يتوقع منتهاها، وعلى هذا فقد انتسبت أيضاً لكلية العلوم في جامعة باريس وحصلت منها على خمس من شهادات الدراسات العالية هي شهادات الدراسة العالية في علم الحيوان.. وفي علم النبات.. وفي الكيمياء الحيوية.. وفي الفزيولوجيا العامة.. وفي علم الحياة العام (البيولوجيا العامة)، وانتسبت في الوقت نفسه لمخبر علمي التشريح والنسج المقارنين بكلية العلوم في جامعة باريس لإعداد أطروحة لنيل درجة دكتوراه الدولة في العلوم الطبيعية، ومشيت في هذا الطريق خطاً مشجعة ولكني لم أكملها بسبب عودتي إلى الوطن في شهر آب (أغسطس) 1945م ضمن قافلة كبيرة من الطلاب العرب السوريين واللبنانيين على ظهر باخرة كان اسمها "مراكش" والذين كانوا على ظهر هذه الباخرة كانوا يذكرون بالأخص وبكثير من الألم والمرارة أنهم سمعوا وهم عليها نبأ إلقاء أول قنبلة ذرية على "هيروشيما" يوم الاثنين من آب/أغسطس/1945م.
 
وعندما كنت في فرنسا فقد أجمع الطلاب السوريون واللبنانيون ذات يوم على أن أكون رئيساً لجمعية الطلاب العرب في باريس وقد بقيت رئيساً لهذه الجمعية حتى عودة الطلاب إلى بلادهم على متن الباخرة "مراكش".
- مرحلة العمل في كلية العلوم بجامعة دمشق وما تبعها:
في شهر تموز/يوليو/ سنة 1949م عُينت أستاذاً مساعداً في كلية العلوم ثم رفعت في أول عام 1952 إلى وظيفة أستاذ بلا كرسي، وأديت خدمة العلم من 15/9/1953 إلى 15/9/1954، وفي أول عام 1956 أصبحت أستاذاً ذا كرسي، وفي أواخر عام 1958 أصبحت عميداً لكلية العلوم ثم عُينت وكيلاً لجامعة دمشق في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 1960، وفي شهر كانون الثاني (يناير) 1962 أعدت إلى وظيفتي أستاذاً في قسم علم الحيوان بكلية العلوم، وفي الثامن من آذار (مارس) سميت وزيراً للزراعة. وبتاريخ 30/9/1969 استقلت من وظيفتي في كلية العلوم وأصبحت خبيراً لليونسكو في مدينة الرباط أستاذاً في "المدرسة العليا للأساتذة" التي كان هدفها إعداد مدرسين لتعليم العلوم باللغة العربية وبقيت في هذه الوظيفة ثلاث سنوات دراسية، وفي العام الدراسي 1973 - 1974 تعاقدت مع جامعة "الجزائر" الشقيقة وكنت أستاذاً في الشعبة المعربة من قسم علوم الأحياء في كلية العلوم وقد بذلت كل جهدي ليكون تدريسي في مستوى ما كان في الشعبة المفرنسة في القسم نفسه، كنت في مجال علوم الأحياء الحيوانية مع أستاذ من القطر المصري الشقيق الدكتور مصطفى لطفي الشافعي، في حين كان في الشعبة المفرنسة كثير من الأساتذة والمعيدين، وما كنت أبذله من جهود جعل رئيس قسم علوم الأحياء آنذاك الأستاذ تِلاّيِّ يقول أمام الأستاذ الدكتور حسن كنيش -رحمه الله- بعد أن غادرت الجزائر "لا أحد يستطيع أن يسد مكان عبد الحليم سويدان" وكان الدكتور كنيش -رحمه الله- يومها أستاذاً للفيزياء في الشعبة المعربة في كلية العلوم، وابتداء من شهر آب/أغسطس/1974م أصبحت من جديد خبيراً لليونسكو في زائير (الكونغو الديمقراطية اليوم) فكنت لليونسكو مستشاراً تقنياً رئيسياً في (المعهد العالي للدراسات الزراعية) في بلدة قرب مدينة (كيسنغاني) وكان معهداً من جامعة "زائير".
ثم عدتُ إلى دمشق في شهر أيار (مايو) سنة 1978 وأعدت إلى وظيفتي السابقة في كلية العلوم في جامعة دمشق أستاذاً في قسم علم الحيوان بقرار من وزارة التعليم العالي، ثم أُحِلتُ على التقاعد في 31/12/1978م لبلوغي الخامسة والستين ثم مدد تعييني سنة فسنة حتى أكملت السبعين من العمر في 31/12/1983، وعندما بدأت التدريس في قسم علم الحيوان في كلية العلوم بجامعة دمشق سنة 1949م كنت وحدي تقريباً في القسم ولذلك بقيت مدة أدرس معظم نطاقات علم الحيوان وعلم الحياة الحيوانية، وأعددت كثيراً من الدروس التي اشتملت على عدد كبير من المصطلحات العلمية ،ثم استعنت ببعض الخبراء والمحاضرين ولكني لم أستطع إخراج دروسي في كتب لأن قلة أعداد الطلاب آنذاك في كلية العلوم لم تكن تساعد على تأليف كتب كثيرة الأشكال كبيرة التكاليف، ولم تكن الجامعات السورية قد اضطلعت يومذاك بطبع الكتب الجامعية كما هو اليوم، فكانت الدروس في الكليات العلمية تضرب على أوراق الحرير وتسحب عنها، وكانت الأشكال تصور من المراجع الأجنبية وتسحب على الآلات المناسبة، وعندما أقرت الجامعات أن تقوم هي بطبع الكتب الجامعية كنت يومها خارج الوطن، وعندما أعدت إلى وظيفتي عند رجوعي من "زائير" وضعت كتابين لمادتين في علوم الأحياء الحيوانية كلفت تدريسهما في القسم، وضعتهما ملتزماً القواعد المحددة التي يجب أن يتقيد بها مؤلفو الكتب الجامعية، وكان على الأستاذ في كلية العلوم قبل ذلك أن يضع المادة التي يكلف تدريسها أن يضعها في دروس تسحب على أوراق الحرير، والمطبوعات الجامعية العلمية لا يحرص عليها إلا طلابها الجامعيون، ولكل هذه الأمور لم أستطع آنذاك أن أضع دروسي في كتب جامعية وظلت مسحوبة عن أوراق الحرير في أيدي الطلاب.
ولقد كان لي شرف الإسهام في إيفاد النخبة المبرزين من طلابي إلى الجامعات الأجنبية لنيل درجة الدكتوراه، ولقد كانوا دائماً في هذه الجامعات كواكب متألقة ووجوهاً لامعة مشرقة تشرف جامعتهم ووطنهم، وهم الآن علماء يفخر بهم قسمهم وتعتز بهم جامعة دمشق.
وفي 12/10/1983 صدر مرسوم بتعييني عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق، وفي عام 1/6/1985 عُينت رئيساً لقسم العلـوم التطبيقيـة في هيئـة الموسوعـة العربيـة وبقيت فيهـا حتى 30/6/2001.
معالي الشيخ عبد المقصود خوجه، أيها السادة الكرام أكرر لكم شكري الجزيل وأرجو للاثنينية الكريم دوام التقدم والازدهار. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :713  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 99 من 197
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.