شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
سعادة الأخ الكريم الأستاذ عبد الله محمد الهويمل، وهو غير موجود معنا شخصياً ولكننا نعتبره معنا موجوداً روحياً، ينوب عنه أستاذنا الفاضل الأستاذ عبد الله الثقفي الذي نسعد دائماً بوجوده في كل لقاءات التعليم.
الأساتذة الكرام.. مشرفو الثقافة بإدارة التعليم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يسرني أن يأتي هذا اللقاء ثمرة من ثمار التعاون والإخاء الذي أشرف به مع الفعاليات التعليمية بهذا الكيان الحبيب، ويسعدني أن ينعقد نزولاً عند رغبة إدارتكم الموقرة وإن كان يسعدني أكثر لو تم التنسيق له قبل وقت كافي ليكون ترحيبي بكم أكثر حفاوة ويتضمن دعوة لبعض رجال الثقافة والأدب والفكر ممن لهم إسهامات تُذكر فتُشكر في هذا الإطار متمنياً أن يستمر هذا التواصل من خلال هذه اللقاءات المميزة ومن خلال أمسيات الاثنينية التي تشرف بحضور كل من يتعامل مع الكلمة، وأنتم من ذؤابة روادها وحملة مشاعلها.
الأساتذة الأكارم.. يطيب لي أن أرحب بكم أجمل ترحيب في دارة الاثنينية، ليمثل هذا اللقاء أول بشائر الخير، بعد انقطاع طويل أملته الظروف غير المواتية التي ألمت بالمنطقة مؤخراً، والتي واكبها حزن عميق بفقد أميرنا المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنانه كفاء ما قدّم لأمته ووطنه ومواطنيه، وفي الوقت الذي أسعد فيه بجمعكم الكريم وأنتم تتدارسون بعض قضايا المسرح المدرسي أجد من واجبي أن أذكر لمحة موجزة عن بدايات المسرح السعودي بمعناه المتعارف عليه، فنترحم في البدء على رائد هذا النشاط الأديب الكبير الأستاذ أحمد السباعي -رحمه الله- الذي ما ذكر المسرح في هذا البلد الأمين إلا وكان صاحب الاسم الأكثر بريقاً على الساحة، ولا ننسى أنه قد التحق بسلك التعليم في مستهل حياته العملية، وقد اشتهر بأولويات كثيرة منها أنه: أول من نال ترخيصاً من الجهات المختصة وهنا لي أن أتحدث عن هذه الجزيئة، فقد كان محدثكم هو من وَقّعَ هذا الترخيص، كنت آنذاك مدير الإدارة العامة للمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر، قبل أن تصبح وزارة للإعلام، وكنت أشهد معالي الوالد المرحوم الشيخ عبد الله بلخير وكان هو المشرف العام على المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر وهو يتحدث إلى صاحب الجلالة الملك سعود بن عبد العزيز ليتأكد من القبول بإعطاء هذا الترخيص، وأسمع بأذنيَّ: يا عبد الله قلنا أعطيه، يعني أعطيه. ويتأكد الشيخ عبد الله بلخير غير مصدق، يا طويل العمر أعطيه رخصة للمسرح؟ قال نعم أقول اعطيه، (ويش وراك، ويش بلاك)، وخرجت أتبع معالي الشيخ عبد الله بلخير آملاً أن نمنح أستاذنا الكبير الشيخ أحمد السباعي رخصة لقيام مسرح في مكة المكرمة، وكان محدثكم موقع هذا الترخيص.
لا أذكر بالضبط الآن إن كان هذا قد مرَّ عليه 48 عاماً أو 45 عاماً على الأقل لأنني تركت الدولة منذ أربعين عاماً، هذه جزيئة يجب أن تذكر للتاريخ.
وقد اشتهر الأستاذ السباعي بأولويات كثيرة منها: أنه أول من نال ترخيصاً من الجهات المختصة لإنشاء أول مسرح في البلاد، في وقت لم يكن المسرح يشكل هاجساً إلا لرجل متميز وسابق لعصره مثل أستاذنا السباعي، وكافح من أجل عرض أول مسرحية كتب قصتها الأستاذ محمد عبد الله مليباري، الأديب المعروف -رحمه الله-.
وأنفق أستاذنا السباعي الكثير من المال والجهد لإعداد المسرح وتهيئته للعرض الأول، إلا أن المشروع أجهض ولم يكتب له النجاح، قد تتساءلون عن أسباب هذا الإجهاض وجوابي أنه الجهل، ولا أزيد.
الأستاذ أحمد السباعي كان صاحب أولويات، وكانت له مجلة قريش، وهو أول من نشر كاركاتير في مجلة (قريش)، وهو أول من صدّر مثلاً شعبياً في مجلة (قريش)، وبعد ذلك تتابعت الصحف وكان هو الرائد، وهو أول من كتب المقالة الشعبية، واستخدم اللغة العامية برشاقة في كتابه (خالتي كدرجيه) كتاب أظن قد مضى عليه أكثر من خمسين عاماً، وهو أول من ألّف كتباً تعليمية في المقررات المدرسية بكتابه سلم القراءة، الذي أصدره في ستة أجزاء، ولو لم يكن له من شرف الإبداع إلا كتابه الموسوم (تاريخ مكة) لكفاه تألقاً وعطاءً يُذكر فيُشكر على مر الأيام.
جزيئة صغيرة أخرى قد كان صديق والدي كما ذكر في أكثر من موقع في كتبه، زميل طفولة، وزميل شباب، وقد اتفق على كتابة تاريخ مكة، وقد كتب الوالد صفحات وجدتها بين أوراقه وهو ذكر في المقدمة ذلك، فالأول وهو والدي وقد توفي قبل أن يُكْتَبْ للمشروع النور، وقد كان للأستاذ السباعي ما شرفه الله به فكتب تاريخ مكة المكرمة.
للأسف إن رائداً بهذا المستوى المتقدم لم يجد التكريم اللائق به، وبتقلص فكرة المسرح المفتوح وتلاشيها من الساحة الثقافية لا نرى إلا صندقة متواضعة لما يسمى مسرحاً في نادي مكة الثقافي الأدبي، تحمل لوحة تشير إلى اسم السباعي، في الوقت الذي تتبارى فيه الدول والثقافات شرقاً وغرباً لتخليد ذكرى مبدعيها، بما يحفظ مكانتهم التاريخية، وحقوقهم الأدبية والاجتماعية وبالرغم من أن الدولة كرمته بأولى جوائزه التقديرية في الأدب إلا أن التكريم الذي نتطلع إليه يمتزج بزخم الحياة، ويكون شاهداً على انصهار المبدع بمجتمعه، بل يحقق على أرض الواقع الآمال التي سعى إليها روادنا الأفاضل.
وأود في هذا السياق أن أؤكد على حقيقة أراها ماثلة أمام عيني باستمرار وهي أن مكة المكرمة تشكل مسرحاً كبيراً مفتوحاً على معظم ثقافات العالم، إنه أول مسرح ينمو بشكل تلقائي، ويستمر على امتداد قرونٍ منذ فجر الإسلام وحتى قبل الإسلام، إلى يومنا هذا وسيظل نابضاً بالحياة لأنه مسرح متجدد، خشبته كل أرض مكة المكرمة الطاهرة وهي أجلُّ وأكرم من التشبيه، غير أنها في الواقع تموج بحركة تجذب إليها الناس ليشهدوا منافع لهم، ومن خلال تلك المنافع ترى الجاوي، والمغربي، والإفريقي، واليمني، والشامي، والصيني، والمصري، وغيرهم من البشر، يموجون على رقعة محدودة كلٌ يتحدث لغته أو لهجته ويحاول أن يتواصل مع الآخرين، كلٌ يرتدي زيه الخاص ومنهم من يعتمر قبعة أو عمامة أو طربوشاً، وغيرها وتختلط السحنات واللهجات التي تأتي من مختلف فجاج الأرض كلها تسعى لذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ولله الحمد من قبل ومن بعد.
إن المتتبع لحركة المسرح العالمي الذي هو أبو الفنون دون منازع، يشعر بالاهتمام الكبير الذي توليه النخب المثقفة لهذا الإبداع الإنساني، فدولة مثل اليونان استضافت مؤخراً أكثر من سبعمائة من المدعوين حضروا انطلاقة أول عرض يشهده (الكلوزيوم) في العصر الحديث، وكان من بينهم وزير الثقافة اليوناني الذي افتخرت بلاده بالمسرح منذ آلاف السنين، وحضرت معه لهذه الغاية فرقة المسرح الوطني اليوناني، الحاضرون جلوساً ووقوفاً تابعوا عرض التراجيديا اليونانية عن ملك أوديب عند الطرف الشرقي من الكلوزيوم، حيث كان يجلس الامبراطور ومستشاروه وحاشيته وحيث كان الإمبراطور بحركة من إبهامه يقرر مصير العبد أو الأسير الذي كان يجالد خصماً أو خصوماً حتى الموت، لا لشيء سوى إمتاع الحضور، استعاد المدرج وظيفته بعد انقطاع دام خمسة عشر قرناً، ولكن هذه المرة، وعذاب ومشاهد قاسية وكل الحضور وصفوا العرض الأول بالناجح، لأنه كان من الصعب محاكاة الواقع القديم لولا إتقان فرقة المسرح اليونانية وقبول أعضائها بالتصرف كمقاتلين كما كانوا في أوجِ حضارتهم قبل أن يطويها غابر الزمن، وكما تعلمون فإن المدرج في الأصل اكتمل بناؤه في عهد الإمبراطور الروماني عام ثمانين بعد الميلاد وتريد إيطاليا إبعاث الحياة فيه بدلاً من موت العبيد والأسرى الذي تفنن فيه أباطرة روما، ومن المقرر أن يتم تباعاً عرض مسرحيات يونانية أخرى لينتهي المهرجان بأوبرا (أوديب).
وقد رأيت أن أنتقل بكم إلى معايشة هذا المشهد ليتأكد لكم وأنتم في سعكيم الدؤوب لترسيخ المسرح المدرسي، لأنه لا بد أن يأتي يومٌ يأخذ فيه المسرح مكانه الطبيعي في قائمة النشاط الثقافي المفتوح، فهو ليس عملاً دخيلاً على بيئتنا، أو طفيلياً متسلقاً أو ترفاً فكرياً كما يتصور البعض، ولكنه جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فقط يحتاج إلى تأطير سليم ليؤدي دوره المنشود على الوجه الأكمل، وإنكم إن شاء الله لفاعلون.
أنتقل إلى الشق الآخر الذي شرفتُ بطلبه من الأساتذة الكرام وهو الحديث عن الاثنينية التي تناولتها معظم الصحف المحلية منذ أن استوت على ساقها في دارتي بجدة عام 1403هـ، أي منذ واحد وعشرين عاماً، الحديث عنها ذو شجون، وقد تحدثت عنها ضمن مقدمتي للجزء الأول من سلسلة مجلدات الاثنينية وهي السلسلة التي نشرتُ من خلالها ما دار أحاديث وذكريات وحوارات في هذه الأمسيات، فقد ورد فيها نصاً فمن جلسات الصباح التي كان يلتقي فيها نخبة من كتّاب وشعراء وأدباء الوطن، في مكتب والدي محمد سعيد عبد المقصود خوجه -رحمه الله- رئيس تحرير أول صحيفة صدرت في عهد مؤسس المملكة وموحدها الملك عبد العزيز -رحمه الله- وأعني بها جريدة (أم القرى)، كانت آنذاك ليس في شكلها الحالي الذي اختص بما يسمى في الدول الأخرى الجريدة الرسمية، أو جرائد الوقائع وإنما كانت جريدة الأدب والصحافة والرسميات ومحور الحياة الإذاعية والتلفزيونية التي لم تكن آنذاك هي كانت محور الإعلام.
أعود إلى السياق رئيس تحرير أول صحيفة صدرت في عهد مؤسس المملكة وموحدها الملك عبد العزيز -رحمه الله- إلى تلك الأمسيات الباذخة والزاخرة التي كان يعقدها والدي -رحمه الله- على ضفاف مواسم الحج، من كل عام في الليلة الثانية من ليالي عيد الأضحى المبارك على شرف أدباء وكتّاب وشعراء ومفكري العالمين العربي والإسلامي، كان الحب على امتدادها يتجزر، وكان العشق على أندائها يستطيل سنديانات وأشجار سرو، وكان الفؤاد الصغير يتوه بين ما يسمعه ولا يفهمه، وبين القليل الذي يفهمه كلمات ويجهل معانيها، وبين ما يفهمه ولا يعيه أصلاً لكن البهجة كانت تغمر القلب الصغير دافئة ودائمة وغير مبررة، فلم يمت الحب الذي ولد، ولم ينطو العشق الذي تنفسته في بواكير أيامي بل ظلا يحتفظان بوهجهما تحت رماد الليالي والسنين، فإذا صرفتني ظروفي وأعمالي عن أن أكون ذلك الكاتب المحترف والأديب المتفرغ الذي يتنفس حبه للكلمة ويمارس عشقه لشدوها، وهو يطالع الناس بنتاجه دوماً أو بين حين وحين، فإنني أحمد الله على أن ظروفي وأعمالي لم تصرفاني على أن أكون أحد هؤلاء القرّاء المتابعين والمتلهفين لكل جديد جيد من الكلمات والأفكار والأعمال، ولم يقم مبناها على المناقشات المفتوحة بحضورها، من الأدباء والمفكرين والشعراء، والكتّاب والصحفيين، أو حول سياحتهم حول العديد من الموضوعات الأدبية المتفرقة، ولكنه قام على إطار الاحتفاء والاحتفال بواحد من قراءة تلك الشخصيات الأدبية المعاصرة، التي أسهمت بجهد بارز في الحياة الأدبية، وكان لها عطاؤها الباقي وكان لها رصيدها من التجارب الجديرة بالاسترجاع والتأمل بل وتناقلها من جيل لجيل، كما أنه لم يقم معناها على إحياء ذكر صاحبها بقدر ما قام على الاحتفاء بذكر ضيوفها، وجهادهم إكباراً لهم، ووفاءً لجهودهم وإعتزازاً بعطائهم الذي مهدَ للطريق وبدد ظلماته أمام نهضتنا الأدبية والثقافية المعاصرة.
فلولا جيل الكبار وتجاربهم لما كانت تباشير هذه النهضة الثقافية التي نعيش أجواءها وهكذا صارت الاثنينية مدعومة بحب روادها لتستمر عاماً بعد عام حتى بلغت العشرين من عامها، وواكب تلك اللقاءات طباعة ما دار فيها من أحاديث ماتعة، شكلت في مجملها رصداً تأريخياً وتوثيقاً أميناً، لمرحلة هامة في حياتنا الأدبية المعاصرة، كما أنها تشكل في مبناها شهادة للتأريخ، على عصر البدايات والتكوين الأدبي لهذا الوطن، من الرجال الذين عاصروه وأسهموا فيه ثم حملوه في صدورهم، وامتد بهم العمر رحم الله من مضى وحفظ الله من بقى، حتى رووه للأجيال ليكون أمانة في يدها ووعيهم في ضميرها، ولذلك ما كان يصح أن تترك تلك الصفحات حبيسة أشرطة التسجيل، كما أن الاثنينية لم تكن وقفاً على فئة معينة من قادة الفكر أو الرجال البارزين في المجتمع والحياة العامة بل لقد فتحت بابها على مصراعيه، للأدباء والشعراء والعلماء والمفكرين، والفنانين والنابغين والبارزين، ولم يكن للمجاملة مكان في قاموسنا ولم يكن للترضيات مساحة في مفهومنا، ولم يكن لمن كرمناهم فضل في السبق على غيرهم في التكريم، وأن الترتيب لا يعني التفضيل، سوى أن الظروف والسوانح كانت هي التي تتيح لنا تكريم هذا وتأجيل ذاك، وبحسب الفرص التي تتهيأ لنا والتي عادة ما تكون وفقاً لبرنامج المحتفى به.
وأود أن أضيف جزيئة صغيرة، لم أرد أن يكون لصاحب منصب مقعد المحتفى به في هذه الاثنينية ومنهم العالم والفاضل ومنهم من كنا نود أن نتحاور معه في شأن المنزل وفي الشأن الجامعي وفي الشأن المدرسي، كوزير التعليم عندما تغيرت بعض المناهج الجامعة، أمور البترول، التخطيط، ولكن خشية أن يختلط الحابل بالنابل ابتعدنا عن ذلك وجعلنا هذا المقعد بعيداً عن أضواء المناصب.
إن التطور الذي شهدته هذه اللقاءات عبر مسيرتها التي استمرت عشرين عاماً بحمد الله وتوفيقه، فقد درجنا على تسجيلها بالصوت والصورة في بداية عهدها بمنزلي الكائن بشارع الكيال بحي الروضة، ثم بدأنا تسجيلها بالفيديو بطريقة بدائية، أي بدون مونتاج ولا ضبط ألوان عندما انتقلت إلى دارتي التي تشرفوها اليوم تطور تسجيل الفيديو في بداية موسم 1410 كما لاحظت الاثنينية أن تلك الأمسيات ذات الألق ينقصها شيء يمكن أن يندرج تحت باب نقص القادرين على التمام، حيث كانت تنتهي بانتهاء كلمات المحتفين وكلمة الضيف المحتفى به، ويختصر الحوار على لقاءات جانبية بعد الأمسية، فرأينا أن يشكل الحوار جزءاً أساسياً للتكريم بحيث يتفاعل المتلقي مع الضيف الكريم بأسلوب حضاري بعيداً عن المهاترات والاسفاف وتصفية الحسابات والأسئلة المحرجة، التي لا تضيف جديداً لحصيلة المتلقي، أو تخرج كوامن الذكريات، التي قد تطغى عليها عوامل الزمن، فتضعها في ركن قصي من ذاكرة الضيف، وفعلاً أثبتت التجربة والتي بدأناها بطريقة جدية اعتباراً من عام 1410هـ أن الأسئلة كثيراً ما تستثير مخيلة المتحدث تتجلى وتتكشف له آفاق جديدة يرتادها بحميمية بالغة، كما أن أسلوب الحوار نفسه يفتح شهية المتحدث لمزيد من التفاصيل التي تثري الأمسية وبحمد الله تحقق هذا الهدف بدرجة كبيرة.
المحور الثاني الذي لا بد من الحديث عنه يتعلق بموضوع نشر بعض الإصدارات تحت مسمى كتاب "الاثنينية"، وهو رافد قصدت به نشر كتب بعض ذوي الفضل من علمائنا الأجلاء داخل وخارج المملكة، مع ملاحظة الاختلاف بين دور النشر التي يشمل نشاطها البُعد التجاري والأهداف التي عملتُ ما أستطيع لتحقيقها عن طريق كتاب "الاثنينية"، تحقيقاً لنشر إبداعات بعض كبار الأدباء والعلماء والمفكرين الذين ينأون عن الأضواء ومتابعة الناشرين والمطابع وقنوات التوزيع سواء عن طريق شركات أو خلافه، فرأيت أن يقوم مشروع كتاب الاثنينية بسد ما أمكن من هذه الثغرات بنشر بعض إبداعاتهم والوصول بها إلى قرائهم، وإمتاعهم بعصارة فكرهم، وروائع أدبهم، وقد تمكنت بحمد الله وتوفيقه في هذا الإطار حتى الآن من طباعة ثلاثة وعشرين عنواناً في ثلاثة وثلاثين مجلداً، جميع هذه المطبوعات وزعت مجاناً وبدون أي مقابل، وبالإضافة إلى هذه الكتب نشرتُ بالتضامن مع مجلة (المنهل) الغراء كتاب (أحاسيس اللظى) إثر العدوان العراقي الغاشم على دولة الكويت الشقيقة ويضم هذا العمل ما نُشر في الصحف شعراً ونثراً حول هذا العدوان في ثلاثة أجزاء: الأول (خميس الكويت الدامي)، والثاني (تداعيات الغزو العراقي الغادر)، والثالث (حزازات خليجية محمومة). ولعلكم تلاحظون أن القاسم المشترك بين الكتب التي تشرفت بنشرها جاءت من بعض كبار أدبائنا بالإضافة إلى كونهم لا يتوقون إلى التعامل مع دور النشر أولاً لعدم تفرغهم، وثانياً لعدم رغبة بعضهم في النشر أصلاً، ولولا إصراري وإصرار كثير من المحبين لبقيت تلك الأعمال حبيسة مسوداتها وقتاً طويلاً، ومما لا شك فيه أن هؤلاء الأساتذة الأفاضل قد تكرموا علينا بهذه الإبداعات القيمة ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها في ميزان حسناتهم، فهم من تلك الصفوة التي تُعطي ولا تأخذ من رجال العلم والأدب والفكر الذين حملوا أمانة الكلمة وأدوها خير أداء، ورأوا بثاقب بصيرتهم أن العلم هو الباقي وهو ميراث النبوة، الذي ينبغي على كل عاقل أن يزاحم عليه بالمناكب، ليأخذ نصيباً قلّ أو كَثُر حسب ماعونه واستطاعته.
وقد أتيح لي قبل بضع سنوات الاشتراك في عمل كبير مع السيدة الدكتورة سلمى الجيوسي وهي الآن على ما أعتقد في الخمسة والتسعين عاماً، أستاذة الأدب العربي سابقاً في الجامعة الأمريكية ببيروت، والأستاذة في عدد من الجامعات العربية والأمريكية، ومديرة مؤسسة (بروتا) ورابطة الشرق والغرب لنشر الثقافة والأدب العربيين في العالم، الناطق بالإنجليزية وقد تعرفت عليها عن طريق معالي أستاذنا الكبير عبد العزيز الرفاعي -رحمة الله عليه-.
وفقنا الله لترجمة كتاب (الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس) الذي صدر أساساً باللغة الانجليزية بتمويل مؤسسة (الأغاخان) للثقافة وهو اسماعيلي كما تعلمون له اتجاهات تختلف عن طريق السنة والجماعة، لكن ذلك لا ينفي أن العمل كان متكاملاً وعلى أفضل المستويات الأكاديمية، ويزيل كثيراً من غبار السنين والمفاهيم المغلوطة عن الحضارة الإسلامية التي يحاول البعض الآن أن يربطها بالإرهاب والتخلف والجهل وغيرها من التهم وقد رأينا ترجمة هذا العمل حتى يستفيد منه الأكاديميون والمثقفون الجادون في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وعندما قُدّم إليَّ هذا الموضوع رأيت أهميته القصوى رغم أنه عمل أكاديمي يهم المختصين في مجالاته المتعددة، فقد تناول التاريخ السياسي، والأقليات والمدن الأندلسية، واللغة والشعر، والموسيقى والفن، والعمارة والتاريخ الاجتماعي، والتاريخ الاقتصادي، والفلسفة والدراسات الدينية والعلم والتكنولوجيا، والزراعة، ولا شك أن المسلمين والعرب كان لهم دور فاعل في تزاوج الحضارات وأخذوا من حضارات الهند والروم والفرس وغيرهم، وعملوا على صهرها في بوتقة واحدة وأضافوا إليها الجديد من عندهم بوضعهم بصماتهم الواضحة، على علوم الجبر والعمارة والطب، وخلّد التاريخ أسماءً مثل ابن النفيس والفارابي وابن خلدون وابن سينا وابن رشد، وكثيرين قبلهم وبعدهم حتى أن جامعة (مونبليه) في فرنسا وهي أول جامعة طب في العالم ولا تزال من أهم الجامعات ينتصب تمثالان كبيران على مدخلها الرئيسي لابن سينا وابن رشد، حيث كان الطب يدرس على نفس الأسس التي وضعوها حتى أواخر القرن التاسع عشر، وهما هناك حتى اليوم.
نحن نسعى من خلال بث الروح في هذه البحوث، إلى إعادة الفضل إلى ذويه وانتزاع الاعتراف من الغرب الذي تحاول بعض الجهات المشبوهة الاستئثار بعواطفه والزج به في صراع حضاري مع الإسلام باعتباره صنواً للإرهاب والبربرية والتخلف وكل النقائص وهو منها براء كما تعلمون، ومن ناحية أخرى نسعى لترجمة بعض الأعمال المنتخبة من أعمال الرحالة المسلمين خلال العصور الوسطى، وكما تعلمون فإنها تعكس النهضة الحضارية التي بلغت شأواً كبيراً في الوقت الذي كانت أوروبا ترزح تحت نير الجهل والتسلط الاقطاعي الذي يبيح امتلاك الأرض ومن عليها، ولن تكون تلك الكتب في حجم ومستوى كتاب (الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس) ولكنها ستكون مناسبة يسهل تمويلها وحملها واقتناؤها لمعظم الراغبين، ويجب أن تكون على مستوى عالٍ من الإتقان والمعرفة لمخاطبة عقلية الإنسان الغربي وتكون ذات مصداقية عالية، وبأقلام أساتذة كراسي جامعات عالمية وربما تدهشون إذا قلت لكم أن نجاح كتاب الحضارة العربية في الأندلس) كان له مصداقيته لأنه أُطر بأقلام أساتذة كراسي من اليهود، لم يأتوا بشيء من عندهم، التاريخ هو التاريخ، والكلمة هي الكلمة، ولكن مع الأسف عندما تأتي من أستاذ كرسي يهودي لها صداها، ولو أتينا نحن العرب بجمعنا وقدنا وقضيضنا لنكتب وندلل ونستشهد لما سمعنا أحد، والآن نحن على الأساس نسعى إلى هؤلاء الأساتذة وليس لديهم شيء ما لديهم هي بضاعتنا التي سترد إلينا ولكن إذا أطرت بأقلامهم تُسمع وتُقرأ، بدأنا الخطوات المبدئية للقيام وقف تمويل هذا الصندوق وغيره من الأعمال التالية يشرف عليه مجلس أمناء من كبار الأدباء والعلماء كل في مجال تخصصه بغض النظر عن انتماءه الديني، وللأسف فقد تعثر هذا المشروع وتأخر تنفيذه لبعض الظروف التي عصفت بالمنطقة وما زال العمل جارياً لإنعاشه ما أمكن ذلك.
إن الاثنينية التي أكرمها الله سبحانه وتعالى بأولوية غير مسبوقة أصبحت أول منتدى عربي يوثق ما طُرح في لقاءاته وينشرها في مجلدات تُهدى ولا تُباع للمهتمين، وكثير من المكتبات الجامعية والمدرسية باعتبار الكلمة المكتوبة أفضل كوسيلة توثيقية وبالإضافة إلى ذلك مَنَّ الله علينا بإدراج جميع هذه المواد في موقعنا بالإنترنت، ويمكنكم التواصل معنا من خلالها (www.Alithnainya.com) بحيث يتمكن كل من يتعامل مع هذه الشبكة في أي مكان بالعالم الوصول إلى هذه المطبوعات والتواصل مع الاثنينية من خلال البريد الالكتروني، وبعد فهذه رحلتي مع الكلمة و "الاثنينية" وكتاب "الاثنينية" وآفاق المستقبل أرجو أن تكون قد ألقت بعض الضوء على هذا النشاط الذي لا أدعي فيه فضلاً غير المقعد الذي أقتعده بين زملائي محبي الحرف، فكلهم ساهم وشارك في أي نجاح إن تبين لكم أن ثمة بارقة نجاح تلوح في الأفق فالعمل كبير وتظافر الجهود مطلب ملح، فلهم جميعاً الشكر والامتنان والعرفان بما قدموا من وقت وجهد لإثراء هذه الأمسية، والشكر أجزله لأساتذتنا الكبار الذين منحونا شرف تكريمهم وبذلوا وقتهم وجهدهم وراحتهم من أجل إمتاعنا بصحبتهم الماجدة، والإستفادة من علمهم وفضلهم، والشكر موصول للأساتذة الكرام الذين تفضلوا بإلقاء كلماتهم في أي حفل من حفلات أمسيات الاثنينية إذ أن كل هذه الكلمات قد أثرت كثيراً بمعلومات ومواقف كانت مجهولة عند الكثيرين ولم يسبق أن عرف عنها إن لم نقل الكل فلا أقول الكثيرين.
ومما لا شك فيه أن الحوار الذي يدور في كل أمسية بين المحتفي به وإخواني الأساتذة الأفاضل الحضور أيضاً أثرى كثيراً هذه الأمسيات بما طرحه من حوار ثقافي رائع سد كثيراً من ثغرات شكل بعضها أسئلة ليست لها إجابة، أو إجاباتها على القليل غير واضحة تماماً.
قبل أن أختتم كلمتي أحب أن أقول أنني اتخذت في هذه الأمسية قراراً يختص بكم وهي أنني التقيت وشرفت في هذه الدارة دارتكم بجمع كريم من رجالات التعليم أعتقد أن هذا هو الاجتماع الخامس على ما أعتقد أو السادس بدءاً إن شاء الله من طبع فعاليات الاثنينية لهذه السنة سأنشر على ضفاف هذا الكتاب بإذن الله هذه اللقاءات ما سبق منها في هذا الجزء ولقاءات هذه الأمسية لأنها ليست لكم وليست لي، وإنما هي للتاريخ فيجب أن تُحفظ، هذه الفكرة دارت برأسي وأنا ألتقي هذه الوجوه النيرة، فالشكر لكم لأن هذه الفكرة عندما مرت بذهني كانت انعكاس مما لا شك فيه بما حملته نفوسكم الطيبة من عطاء وتكريم بتشريفكم هذه الدارة.
أرجو بعد أن تنتهي الكلمات التي سيتفضل بها الإخوان الأكارم وقد أخذت أنا من الوقت شيئاً كثيراً، إذا رغبتم أن يكون حواراً بيني وبينكم بأسئلة لأجيب عما تودون، شاكراً لكم تشريفكم ويسعدني دائماً أن ألتقي بكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل جمعنا دائماً على خير وإلى خير، وأحب أن أؤكد لكم أنني أسعد بأي وجه من وجوهكم في أي أمسية من أمسياتنا وفي أي لقاء من لقاءاتنا، وأسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شكراً للأستاذ الشيخ عبد المقصود خوجه على هذه الكلمات التي فتحت آفاق للحوار والمداخلات، وهو تحدث عن المسرح في بداية حديثه، وأشار إلى الرائد الأول من رواد المسرح الذي كلكم تعتزون به بهذه الريادة، الأستاذ أحمد السباعي، وأشار إلى قضية وهي إجهاض النواة الأولى أو المحاولة الأولى للمسرح، والسؤال المطروح لماذا أجهضت هذه المحاولة؟ الشيخ عبد المقصود طبعاً عَدّا عليها نحن في التاريخ ونريد أن نعرف تأريخ هذه المرحلة، أيضاً كل ما قيل حول الاثنينية ونزولها إلى الإنترنت هذا يدعونا إلى التواصل معها، والمنجزات الكثيرة في طباعة الاثنينية ومجلداتها شيء يفخر به الإنسان الحقيقة، كل ما سمعناه من الشيخ مداخل لحوار، ونحن في سياسة هذه الجلسة التي تعودنا عليها دائماً أن يكون هناك حوار مفتوح، من خلال أوراق الأسئلة التي بين أيديكم يمكن لكل شخص يحب أن يشارك بسؤال أن يكتب هذا السؤال ويكتب اسمه مشفوعاً بهذه الورقة، ونحن إن شاء الله لن نلغي أي سؤال، وسيتم الحوار مع الأستاذ الشيخ عبد المقصود خوجه.
لدينا الحقيقة في هذه الجلسة ثلاث كلمات مهمة حول المسرح المدرسي، الأستاذ الكريم من تعليم عنيزة أو من تعليم القصيم، الأستاذ محمد الهويمل لديه كلمة في حدود عشر دقائق تقريباً، والأستاذ المتحدث الثاني محمد ربيع الغامدي من تعليم جدة سيتحدث أيضاً في حدود عشر دقائق أو أقل، ثم الورقة الثالثة أو الحديث الثالث للأستاذ علي السعيد مشرف النشاط الثقافي بتعليم عنيزة، قبل أن أطلب من إخواني الزملاء الحديث الأستاذ عبد الله الثقفي مساعد مدير عام التعليم ونائبه في هذه الجلسة له كلمة في هذه المناسبة فليتفضل مشكوراً.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1440  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 140 من 147
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.