(( كلمة سعادة الشيخ أحمد المحروقي ))
|
الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، أحمده سبحانه شرّف الإنسان وكرّمه، بحمل رسالة العلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وأشهد أن محمداً عبده ورسوله معلم البشرية الخير، ومخرجهم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الإيمان، القائل إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في حجرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير عليه من ربه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد: |
أيها الأحبة الكرام هذه رسالة إلى معلم، أقول أيها المعلم الكريم، الإسلام شريعة الله للبشر، أنزلها لهم ليحققوا عبادته في الأرض والعمل بهذه الشريعة يقتضي تطوير الإنسان وتهذيبه، حتى يصلح لحمل هذه الأمانة وتحقيق هذه الخلافة إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبينا أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا (الأحزاب: 72) فلا تحقيق لشريعة الإسلام إلا بتربية النفس والجيل والمجتمع على الإيمان بالله ومراقبته والخضوع له وحده، ومن هنا كانت التربية الإسلامية فريضة في أعناق جميع الآباء والمعلمين والمجتمع، وأمانة يحملها الجيل للجيل الذي بعده، ويؤديها المربون للناشئة، والويل ثم الويل لمن يخون هذه الأمانة أو ينحرف بها عن هدفها، أو يسيء تفسيرها أو يغير محتواها. |
إن الأم والأب والمجتمع مسؤولون أمام الله عن تربية هذا الجيل، فإن أحسنوا تربيته سَعِدَ وسَعِدوا في الدنيا والآخرة، وإن أهملوا تربيته شقي وكان وزره في أعناقهم، ولذا جاء في الحديث (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)، إن هذه المسؤولية العظيمة لتقع على عاتق كل من يقوم بدور التربية والتوجيه بالدرجة الأولى، إذ أنهم ليسوا أصحاب مهنة، بل هم أصحاب رسالة سامية عظيمة، بل هم أصحاب إرث عظيم، إنه إرث الأنبياء والرسل، عليهم الصلاة والسلام، إنه العلم، وإن أول ما يجب تعليمه لهم النطق بالشهادتين وإفهامهم معناها إذا كبروا، وغرس حب الله وحب رسوله في قلوبهم، وتعليمهم الصلاة في صغرهم، ليلتزموا بها عند الكِبَر، وتحفيظهم القرآن وتعويدهم الصدق في القول والعمل، وهدايتهم إلى محاسن الدين بغرس محبته في قلوبهم، وتعظيمه في نفوسهم بشرح محاسنه وفضائله، وما امتاز عن غيره من الأديان، فإن تعليم الولد في صغره عبارة عن تغذية روحه، بما تتهذب به أخلاقه، وتزكو أعماله، وتحسن مقاصده، بحيث يكون ميله إلى الخير، محباً له، واعلموا أنكم مسؤولون أمام الله عنهم، إذ أنتم إما أن تكونوا دعاة إلى خير، وأسأل الله أن نكون كذلك وإما دعاة ضلال ونعوذ بالله من ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا. |
أيها المربون.. أنتم أمناء على هؤلاء النشء بالكلمة الطيبة الصادقة، والعمل المنظم والقدوة السلوكية الحسنة، والتحضير الجيد للدرس، واستخدام كل ما يعين من الوسائل السمعية والبصرية والمراجع والنماذج والعينات، ليصل الدرس بأهدافه إلى جميع الطلاب، على مختلف مستوياتهم وقدراتهم، كونوا متحمسين في عملكم مبدعين، مطورين ومتطورين، لا يغلبنكم التراخي والكسل، فإن الماء الآسن لا يُرجى منه إرواء، تحققوا من المعلومة قبل قولها، فإن طالب اليوم يعيش في جو من المعلومة السريعة، في عالم من المعلومة السريعة، التي يجدها في كل مكان وأي مكان، وربما فاق أستاذه إذا كان ذلك المعلم غير مطلع ولا يأبه بما يحدث حوله في العالم من أمور قد يجهلها، اجعلوا أنفسكم براكين عطاء متفجرة بالعلم والحماس، لهذه الرسالة العظيمة يحترمكم القاصي والداني، غذوا في طلابكم نشاطهم الإبداعي، ساعدوهم غلى التخلص من الاعتماد على التوجيه الخارجي، اجعلوهم يعتمدون على ذكائهم، شاركوهم نشاطهم، وجهوا طاقاتهم دائماً إلى ما يعود عليهم بالخير والصلاح في دينهم ودنياهم وآخرتهم، فإن الحسنة عندهم ما فعلتم، والقبيح ما تركتم وحسن سلوك المربي أمام تلاميذه أفضل تربية لهم، ليتخرجوا غداً ويدعوا لكم ويشكروا لكم ويقدموا من علمهم وجهدهم لدينهم وأمتهم ووطنهم الكثير الكثير، ويبقى لكم زخراً في الآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون فإنه من العمل الصالح الذي يبقى لصاحبه بعد موته، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. نذكر بعض الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المربي المسلم: |
أولاً: أن يكون هدفه وسلوكه وتفكيره ربانيا يهدف من كل أعماله التعليمية ودروسه أن يجعل الطلاب مثله ربانيين، يرون آثار عظمة الله وقدرته ويستدلون عليها في كل ما يدرسونه ويخشعون لله، ويشعرون بإجلاله عند كل عبرة من عبر التاريخ، أو سنة من سنن الحياة، أو قانون من قوانين الطبيعة. |
ثانياً: أن يكون مخلصاً لله، فلا يقصد بعمله وسعة إطلاعه إلا مرضاة الله والوصول إلى الحق، وزرعه في عقول النشء وجعلهم أتباعاً له يدورون معه حيث دار، فإذا زال الإخلاص حل محله الحسد فيصبح كل معلم يتعصب لرأيه أو طريقته، ويسوده الغرور والأثرة، عوضاً عن التواضع للحق وإيثار الحق على الهواء. |
ثالثا: أن يكون عادلاً بين طلابه، لا يميل إلى أي فئة منهم، ولا يفضل أحد على أحد إلا بالحق، وبما يستحق كل طالب من حسب عمله ومواهبه. |
رابعاً: أن يكون صادقاً فيما يدعو إليه، وعلامة الصدق أن يطبقه على نفسه فإذا طابق علمه عمله اتبعه الطلاب وقلدوه في أقواله وأفعاله. |
خامساً: أن يتناول بالشرح والتحليل مشاكل الحياة المعاصرة وعلاج الإسلام لها، هذه بعض الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المعلم المسلم وغيرها كثير، ولكن المكان لا يتسع لذكرها وإنما أردت من ذلك التذكير والنصيحة. |
وأختم كلامي بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة وفي رواية فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا هذا وأصلي وأسلم على نبي الرحمة، معلم الناس الخير، وجزاكم الله خيراً. |
عريف الحفل: شكراً للأستاذ الشيخ أحمد المحروقي على هذه الكلمة، ورائد من رواد التربية والتعليم الحقيقة لابد أن نستمع إلى كلمة منه توجيهية، سعادة الأستاذ عبد الله بوقس فليتفضل. |
|
|