(( كلمة معالي الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الرشيد ))
|
بسم الله الرحمن الرحيم: |
أخي العزيز مضيفنا الجليل الأستاذ عبد المقصود خوجه، الإخوة الحضور، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
هذه ليست المرة الأولى التي أتشرف فيها بزيارة أخي وصديقي الأستاذ عبد المقصود فقد زرته في هذا المنزل وزرته حين كان في منزل غيره، واستمتعت بالأمسيات التي قضيتها معه وأجد أن الكلمات مهما قدر لي أن أملك ناصيتها لن تساعدني على التعبير عن مشاعري نحو الأخ عبد المقصود وفضله ولطفه وكرم أخلاقه. |
أخي عبد المقصود: كان لطفاً منك أن تدعونا هذه الأمسية مثل لطفك وفضلك السابق، ووجدتها فرصة أنني لست وحدي هنا وإنما معي صحب كرام معظمهم من منسوبي وزارة المعارف جئنا من الرياض بالأمس وقضينا شطراً كبيراً من ليلة البارحة وبعد ظهر اليوم نناقش قضية مهمة جداً في مسيرة التطوير في التعليم، وسعادتنا في وزارة المعارف لا تحد لأننا نشعر بأن المجتمع وخاصة قياداته الفكرية من كُتَّاب ورجال أعمال ومفكرين تراهم معنيين بالتعليم يفكرون فيه ويكتبون عنه ويناقشون قضاياه ينتقدونه وينقدون برامجه ومناهجه، وهذا مصدر سعادتنا، لأننا والأستاذ عبد المقصود وإخوانه نعتقد جازمين أن مؤسسات التربية والتعليم في بلدنا بل في كل بلد، هي مؤسسات استثمارية، بل أهم المؤسسات الاستثمارية، وحينما نتحدث عن هذه المؤسسات التربوية فإننا نتحدث عن المستقبل.. فحينما أرى مدرسة وأنظر إلى طلابها أتخيل المستقبل ماذا سيكون؟ فمستقبل بلادنا، ومستقبل كل بلد، يعتمد –بعد الله- على ما تعلّمه المدرسة أو لا تعلمه، فإن أحسنا صنعاً في التنشئة والتربية والتعليم فإن جميع المعنيين بالتعليم على ثقة تامة بأن المستقبل بمشيئة الله سيكون امتداداً للحاضر الذي نعيشه أو أفضل منه بإذن الله. |
حينما ننظر إلى ماضينا المجيد منذ بعث الله نبي الهدى محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام، نرى أن التربية والتعليم أخذا النصيب الأوفر والحظ الأكمل والعناية التامة. ونحن دائماً نتمثل بغزوة بدر الغزوة الأولى التي أراد الله أن يفصل بها بين الحق والباطل وينصر الحق. |
ونعرف في ذلك الزمن مقدار العوز الذي كان فيه المسلمون ومع ذلك جعل الرسول صلَّى الله عليه وسلم من الخيارات الأولى لمن يفتدي نفسه من أسرى المشركين هو تعليم عشرة من أبناء المسلمين. وهذا دليل عظيم على أهمية التعليم في قيمنا وموروثنا وتعاليم ديننا الحنيف. ونعلم أن أول سورة نزلت على المصطفى عليه الصلاة والسلام هي {اقرأ} ولا يعرف على الإطلاق عناية بالتعليم أكثر من هذا. |
نرى الفارق بين دول توصف بالتقدم وأخرى توصف بالنامية تجاوزاً والأصدق وصفها بالمتأخرة، نرى أن الفرق بين هذه وتلك هو التعليم. |
ونحن في وزارة المعارف، مثلكم أيها الأخوة المثقفون، نرى أن دولاً في الوقت الحاضر تعيش طفرة اقتصادية وقوة عسكرية وتقدماً سياسياً، ورقيًّا على كل الأصعدة ويعود ذلك كله إلى مؤسسات التربية والتعليم، ودولاً أخرى لها موارد طبيعية ضخمة جداً ومع ذلك تأخرت، والسبب بلا شك أنها لم تعط التعليم ومؤسسات التربية العناية التي ينبغي أن توليها إياها. |
ونحن في هذا البلد، وهي شهادة حق من مواطن، نعتقد أن هذه الدولة –أعزها الله ووفقها للخير- معنية بالتعليم أيما عناية، وأنا في غنى عن أن أذكر لكم أمثلة لما فعلت منذ عهد الملك عبد العزيز ثم أبنائه من بعده حتى وقتنا الحاضر، فالحديث عن ذلك يطول. |
وأود أن أذكر لكم حقيقة واحدة تدركون مغزاها وهي أن النسبة المئوية التي تصرف على التعليم من ميزانية الدولة لو قورنت بمثيلاتها من دول العالم لوجدت هي أعلى نسبة مئوية على الإطلاق. وللتعليم النصيب الأوفى من الناتج الوطني. أو الدخل القومي كما يسمونه، وقد عقدنا في العام الماضي ندوة عن اقتصاديات التعليم في القصيم تبنينا فيها دراسة قدمها لنا بعض الأخوة المختصين في الاقتصاد وكان معالي وزير المالية من المشاركين فيها. |
إن بلادنا تستثمر في التعليم استثماراً كثيراً إيجابياً بإذن الله، فالتعليم مهم وانتشاره في مملكتنا دليل قاطع على أنه لا يوجد طفل في سن التعليم ولأكون دقيقاً أقول من الذكور، هو بحاجة إلى التعليم لم يتح له ذلك وبكل سهولة، فالتعليم متاح وميسر والحمد لله لكل السعوديين ولست أقول هذا من قبيل الدعاية في منزل مضيفنا الكريم الأخ عبد المقصود لكنها الحقيقة الناصعة. فالتعليم متاح ومُسهل وموجود في أي مكان. حيث تنتشر أكثر من عشرين ألف مدرسة للبنين والبنات في أنحاء المملكة وقد زرت ومعي زملائي مناطق كثيرة في السهول والوديان، لا تجد أي جهاز حكومي أو مصلحة حكومية لها وجود في كل مكان كما تجد المدرسة، وأي طفل يتعذر فتح مدرسة في قريته يُنقل إلى أقرب مدرسة، ويُعطى مكافأة اغتراب تحثه على الدراسة والتعلم وتعالج الدولة مشاكل النقل في أي مكان. |
أيها الأخوة: التعليم في المملكة العربية السعودية - أعني التعليم العام - يسير وفقاً لسياسة التعليم في المنطقة العربية وأقول وأنا المتخصص في قضايا التربية والتعليم إنها من أفضل السياسات وأكملها، تتحدث عن: واجبات الدولة تجاه مواطنيها في التعليم، وعن البُعد التعليمي، وأهداف التعليم، ومهامه، وغاياته العامة، ثم الغاية من التعليم في كل مرحلة من مراحل التعليم والمطلوب منها. كما لم تُهمل الفئات الخاصة سواء ما نسميه بفئة الموهوبين والنابغين وما ينبغي عمله لهم، أو المعاقين أياً كانت إعاقاتهم وما ينبغي عمله لهم. وتتحدث عن التخطيط للتعليم والتربية وما ينبغي أن يكون في مجمله. وقد تمت ترجمة سياسة التعليم إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية، وسمعنا واطلعنا على التعليقات عليها من قَبل المختصين الأجانب الذين أجمعوا على أنها من أدق وأفضل سياسات التعليم التي اعتمدتها أي دولة أخرى، فإن كان هناك قصور فهو قصور من التنفيذيين في المعارف أو الجهات التعليمية الأخرى، أما سياسة التعليم ففي ظني بل يقيني ويقين جميع الأخوة هي في مرحلة ليست بعيدة عن الكمال. وهي مرجعنا في كل خطواتنا. |
التعليم يصعب عليَّ أن أصف لكم واقعه لكنه في مجمله ليس سيئاً والذي طرأ أننا أصبحنا غير راضين عن كثير من برامجه ومناهجه نتيجة للطفرة المعلوماتية وتعدد وسائل الإعلام المرئية على وجه الخصوص التي أصبحت تشد الناشئة وهي مشوقة. ولم تعد المدرسة هي الوسيلة المشوقة التي تجذب الناس. |
وبإمكان من هو في مثل سني أو أصغر مني قليلاً أن يقارن بين زمنه حين كان في التعليم العام وكانت المدرسة في بلدنا هي محل استقطاب الناس كل الناس، الثقافة فيها والتعليم فيها وليس هناك من يعرف في البلدة وفي الحي والحارة إلا ذلك المعلم فالمدرسة بالنسبة لنا هي مركز بلورة ثقافية تعليمية مضيئة. |
والآن مع انتشار التعليم وتوسعه ووجود الأشياء الأخرى التي تعرفونها لم تعد المدرسة مغرية كما كانت بل فيها ارتباط ودقة وواجبات. قد يرى الطالب وغير الطالب أن التلفزيون وقنواته المتعددة أيسر وأمتع وأكثر تسلية. ولم يعد التعليم مغرياً، والطريقة التي يُقدم فيها سواء أكانت الكتاب أو السبورة أو المعلم ليست بالشيء المشوق.. التقنية تقدمت وأصبح من الصعب على الكثير من المعلمين ملاحقتها واستعمالها في إيصال المعلومات العلمية أو التربوية. إضافة إلى الاحتياج المتزايد للمعلمين الناتج عن كثرة المدارس جعل مهنة التعليم متاحة لمن هو قادر وكفء لعمل المعلم ولمن ليس كذلك. خاصة وأن وظيفة المعلم الآن لم تعد كما كانت من الوظائف التي لا يحبها ويرغب فيها أحد. فأصبح لدينا كثرة من المعلمين ولكنهم ليسوا مثل حمد فدا، وعثمان والصالح، وعبد الله خياط، وغيرهم، من الرواد الذين امتهنوا التعليم عن جدارة وحب، وهذا ما أظهر لي ولكم بعض المآخذ الحالية على التعليم. |
وأعتقد أن المعلم هو العنصر الأهم في العملية التربوية، ولو تمكنا من إيجاد المعلم الكفء مهما كانت برامجنا أو مناهجنا وكتبنا المقررة لاستطعنا أن نتخلص من كثير من نقاط الضعف فيها.. وهذا لا يعني بأي حال أننا راضون كل الرضا عن برامجنا. |
لا أود الاسترسال فالحديث يطول ولكنني أود الإلماح للمشكلات الرئيسية في التعليم ولن أتحدث عنها بالتفصيل ولكن أوجزها ثم آتي إلى اللجنة التي اجتمعت اليوم بشيء يسير أترك المجال بعد لأخواني للحديث عنها. |
لو سألني سائل: ما هي أبرز مشاكل التعليم، لقلت إنه المعلم القادر وحتى لا يساء فهمي أقول لست هنا أقلل من شأن الكثير من المعلمين المخلصين بل أفخر وأزهو بأن فيهم عدداً كبيراً جداً ينتمي إلى مهنتنا ونحن سعداء بهم ولكن دخل بينهم أناس لسنا سعداء بهم، ومشكلتنا أننا لم نستطيع حتى الآن أن نجعل كل معلمينا من الأشخاص الذين ليس عليهم ملاحظات. أولئك الأخوة الذين يستحقون منا الثناء والشكر والعرفان. |
والواقع أنه ليس بغريب أن يدخل ضمن هذه الصفوة من يعكر صفوها فمعلمونا الذكور الآن يربو عددهم على 150 ألف معلم ووزارة المعارف أكبر المصالح الحكومية إذ يزيد عدد منسوبيها على 210 آلاف موظف وتمثل وزارة المعارف 20٪ من منسوبي الخدمة المدنية في المملكة العربية السعودية، ومُشكلة المعلم احتياجه إلى المزيد من التدريب، بعد الدقة في الانتقاء والاختيار، إضافة إلى المزيد من الحوافز. |
ولقد كان معظم معلمي التعليم العام من المعلمين المتعاقدين وكنا أقل معاناة في توجيه المعلم إلى المكان المحتاج، والآن أصبح معلمونا أغلبهم سعوديين فصرنا نعاني الأمرين لتحقيق رغباتهم للعمل في الأماكن التي يرغبونها.. ففي نهاية العام الدراسي الماضي بلغت طلبات الانتقال 14 ألف طلب ومن المتعذر تحقيق كل هذه الطلبات وإلا بقيت مدارس في الشمال أو الجنوب خالية من المدرسين ولا مدارس بلا مدرسين. ولا يمكن قصر التعليم في المدن وتحقيق رغبات كل المعلمين، وهناك عقبة أخرى وهي المشكلة الثانية للتعليم وهي المبنى المدرسي، إذ تكاد المملكة أن تكون من الدول القلائل التي تضطر إلى استئجار بيوت معدة للسكن لتجعلها مدارس وهذا نتيجة للتوسع في التعليم.. وأكثر من 50٪ من مدارسنا في مبانٍ مستأجرة وهذا وضع غير طبيعي على الإطلاق. ولدينا من الدراسات ما يثبت أن هذا غير مجدٍ تربوياً. فالمدرسة تحتاج إلى معامل ومختبرات وأفنية لممارسة الطالب نشاطاته المختلفة. |
ونحن نعتقد أن من الطبيعي أن يتكوّن الفصل الدراسي من ثلاثين طالباً ولكننا نضطر أحياناً أن نجعل فيه أحد عشر أو اثنا عشر طالباً حسب حجم الغرفة. كم يكلفنا هذا؟ لقد حسبها بعض الإخوان فوجدنا أن كلفة الطالب الواحد فيها تصل إلى 23 ألف ريال في السنة في الابتدائي والمتوسط والثانوي بينما في المباني الحكومية كلفة الطالب لا تتعدى تسعة آلاف ريال. فالمباني المستأجرة مُكلفة اقتصادياً أو غير مجدية تربوياً بصرف النظر عن النواحي الأمنية. ولا شك أن وجود هذه النسبة العالية من المدارس في مبان مستأجرة يشكل عقبة تحول دون تحقيق الكثير من الأفكار، كاليوم الدراسي الكامل، وبرامج معينة أخرى تمتد وتعلم شيئاً جديداً، وهذا لا يتم في مبنى مستأجر أصلاً ولا يمكن التطبيق في المدارس الحكومية المبنى دون سواها. فالمباني عقبة كأداء في سبيل تحقيق كثير من البرامج وتطوير المناهج. |
البرامج والمناهج التي كلما جاء ذكرها تبادر الاعتقاد بقصورها ولكن أيها الأخوة وكلكم ينشد الإنصاف ويعلم الله أن الأخوة في وزارة المعارف ليسوا غافلين ففيها وكالة متخصصة بها صفوة من الرجال علماً وفضلاً وخلقاً ودراية وعملاً دؤوباً يسعون دائماً إلى تطوير البرامج والمناهج وتحديثها وقد منحوا كل وقتهم لعملهم وحتى أوقات الإجازات الرسمية ينجزون فيها من الأعمال ما لم يتمكنوا من إنجازه أثناء أيام العمل الدراسي. |
لقد قمنا بزيارات للعديد من دول العالم.. اليابان، كوريا، إندونيسيا، سنغافورة، مصر، بريطانيا، إسبانيا، ماليزيا، واطلعنا على ما لديهم: جديدهم والقديم، وحضرنا المؤتمرات العالمية والندوات، وأعددنا التقارير وعربناها ووزعناها على الإدارات المعنية بالوزارة وإدارات التعليم آملين أن نأخذ من كل ذلك ما يفيدنا في خطواتنا الثابتة المتأنية نحو تطوير برامجنا وتفعيلها وتوجيهها لخدمة أجيال أمتنا، والتعامل مع الحداثة العالمية مع الحفاظ على ثوابتنا الأساسية. ويمكن للأخ الدكتور خالد العواد أن يتحدث بتفصيل أكثر عن الخطوات والجهود المبذولة في موضوع تطوير المناهج والبرامج. |
وما أحب أن أؤكده قبل أن أدع الحديث لغيري هو أن التربية والعناية بها وبمؤسساتها وكل شؤونها يجب ألا يكون الاهتمام فيها مقصوراً على العاملين المنتمين إليها وظيفياً بل إن كل مواطن معني بمؤسسات التعليم وله كامل الحق أن يتحدث ويقترح وينتقد.. لأن المدرسة تحتضن ابنه ومهمته ومهمتنا وغايته وغايتنا من التعليم العام وسياسة التعليم هي تنشئة وتخريج المواطن الصالح الذي يعبد ربه على بصيرة ودراية ويسهم في نماء وبناء وطنه ليس متخصصاً محامياً أو طبيباً أو مهندساً وإنما هو جاهز ليسلك ما يريد في الجامعة. |
وعوداً على بدء أشكر أخي الأستاذ عبد المقصود وأرجو المعذرة منكم جميعاً على الإطالة.. وقد كنت محاضراً في الجامعة وأردت الليلة أن أتأكد من صلاحيتي لذلك العمل واحكم لكم وأدع الحديث لأخي الدكتور عبد العزيز الثنيان. |
|
|