(( كلمة سعادة الأستاذ الدكتور محمد خضر عريف ))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة.. أيها الحضور الكريم، أحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد: |
فليس غريباً على صاحب هذه الدار العامرة بإذن الله تكريم أولي الفضل من العلماء والفضلاء، فصاحب هذه الدار الذي يكرر دوماً أنه ليس له في هذا المنتدى الكبير إلا مقعده الذي يجلس عليه، تواضعاً وكرماً وحُسن خلق، ورِثَ مكارم الأخلاق عن آبائه وأجداده من أبناء الديار الحجازية الطاهرة الذين تخلقوا بخُلُق الإسلام، فأنزلوا الناس منازلهم، ورحموا صغيرهم، ووقّروا كبيرهم، حتى أصبح مجتمع المدينتين المقدَّستين نموذجاً يُحتذى للمجتمع الإسلامي بكل ما فيه من تكافل وتواد وتراحم. |
صاحب هذه الدار الطيبة يكرّم اليوم شخصية مكية علمية كبيرة، كبيرة بعلمها وفضلها وخُلُقها وتواضعها الذي ليس له حدود، المكرّم الليلة فضيلة الأستاذ الدكتور محمود بن حسن زيني أستاذ لعديد من العلماء والأدباء في هذه البلاد وخارجها، تخرَّج على يديه آلاف الدارسين في مختلف المراحل الدراسية الجامعية من البكالوريوس حتى الدكتوراه، خلال ثلاثة وأربعين عاماً قضاها في خدمة العلم وأهله، أمدَّ الله في عُمره وبارك له فيه. |
وخدمته للعلم لم تقتصر على تخريج أجيال الدارسين الذين يقرون له بالفضل بعد الله تعالى، ويدعون له بالأجر والمثوبة. بل إن خدمته للعلم شملت خدمة التراث العربي والإسلامي بتحقيق كنوز التراث، وتصنيف الكتب النافعة في آداب اللغة العربية الشريفة، كما شملت خدمته للعلم ترؤسه للمجلات العلمية الكبيرة التي تحتضن الأبحاث الجادة وتُخرجها للناس. |
ولو تحدثنا عن الإنجازات العلمية لأستاذنا الكبير لاستغرق ذلكم الساعات الطوال ولكن ما لا يؤخذ كله لا يُترك جُلُّه، فمن كُتب التراث التي أخرجها: شرح قصيدة (بانت سعاد) لابن الأنباري، و(شرح المقصور والممدود) لابن الأنباري، وكتاب (جمهرة أشعار العرب) لابن أبي الخطاب، و(غاية المقصود في شرح المقصور والممدود) لأبي بكر الأنباري، ومن مؤلفاته: (الأدب الإسلامي مصطلحه وخصائصه وسماته)، و(نظرات في العربية)، و(من نوادر المخطوطات في استنبول)، و(من نفثات المنابر) وسواها كثير. |
ومن المجلات العلمية التي رأس تحريرها: مجلة (كلية الشريعة والدراسات الإسلامية) التي كان أول رئيس لتحريرها عام 1393هـ، كما كان أول رئيس لتحرير مجلة (كلية اللغة العربية) بجامعة أم القرى عام 1401هـ، وعمل كذلك رئيساً لتحرير مجلة (أخبار وآراء) للمركز العالمي للتعليم الإسلامي عام 1400هـ، إضافة إلى كونه عضو هيئة الإشراف على مجلة (جامعة أم القرى)، وأمين هيئة الإشراف على مجلة (جامعة أم القرى) ورئيس تحريرها عام 1415هـ، ورئيس تحرير مجلة (البلد الأمين) بنادي مكة الثقافي الأدبي عام 1415هـ (وهي المجلة التي نوه عنها صاحب هذا المنتدى). |
وقد تبوأ فضيلته خلال خدمته العلمية الطويلة عدداً من المراكز القيادية الكبيرة، فقد عمل رئيساً لقسم اللغة العربية بكلية الشريعة بمكة المكرمة، كما عمل وكيلاً لكلية الشريعة عام 1393هـ وعميداً مكلفاً لكلية الشريعة، ورئيساً لقسم الأدب بكلية اللغة العربية، ومديراً عاماً للمركز العالمي للتعليم الإسلامي بجامعة أم القرى، وهو اليوم مدير فرع مكتب رابطة الأدب الإسلامي العالمية بمنطقة مكة المكرمة. |
ناهيك عن مشاركة فضيلته في عشرات الندوات والمؤتمرات داخل المملكة وخارجها وهي في مجملها مشاركات مهمة وفاعلة. |
درَّسني حفظه الله كثيراً من علوم الأدب قبل ثلاثين عاماً أو يزيد حين كنت طالباً يافعاً بقسم اللغة العربية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، حين كانت فرعاً لجامعة الملك عبد العزيز، وما أزال أحتفظ بمحاضراته مكتوبة على كراساتي الجامعية التي أفخر بها وأعتز. |
ولم يضن أبو رأفت عليَّ وعلى زملائي طوال فترة دراستنا في الجامعة بالنصح والإرشاد حين كان وكيلاً للكلية وعميداً مكلفاً لها، ومن نِعَم الله علينا أن صلتي بأستاذي الكبير لم تنقطع خلال هذه العقود الثلاثة، بما في ذلك سنوات ابتعاثي إلى أمريكا، فقد كنت أحرص على التشرف بزيارته في داره العامرة القريبة من الحرم الجامعي في العزيزية، خلال الإجازات التي كنت أقضيها في المملكة أثناء البعثة، وازدادت هذه الزيارات بالطبع بعد عودتي من البعثة، فالعلم يُؤتى إليه، وكان فضيلته يوجهني في بعض الأبحاث العلمية التي أنجزتها ونشرتها ولله الحمد وترقيت ببعضها لأستاذ مشارك ومن ثَمَّ لأستاذ، وكرَمُ خُلُق أبي رأفت لم يقتصر على حُسن استقبالي في داره العامرة، فطالما خصني بزيارات إخوانية كريمة في منزلي، وقلما دعوته ولم يُلبِّ الدعوة على عادة أهل مكة الكرماء النبلاء الذين يعرفون الأصول بكل ما تعنيه كلمة الأصول. |
ولكم أحسست بالخجل كما أحسست بحب كبير واحترام عظيم لهذا الرجل في كل مناسبة أو عيد، حين يبادر بالاتصال بي قبل أن أتصل به، وذلك ديدنه مع جميع تلاميذه، فهو الأب الحاني الذي يبادر بالبذل والعطاء والحب والوفاء، ولا يخاطبك إلا بكلمات أهل مكة العذبة الرقيقة الشفيفة الشفيقة: كيف حالك يا حبيبنا؟ وحشتنا - عساك طيب، وسوى ذلك من العبارات التي تذيب كل الحواجز بين الأستاذ وتلميذه، لكن التلميذ لا يملك إزاءها إلا أن يحتفظ لأستاذه بكل معاني الإجلال والتقدير والعرفان والوفاء، سافرت مع أبي رأفت مراراً خارج المملكة، وكنت رفيقه في حضور احتفالية الشاعر الكبير محمد حسن فقي -أمد الله في عمره- مراراً في القاهرة، وهي احتفالية بجائزة الشاعر الكبير التي جعل منها معالي الشيخ أحمد زكي يماني -حفظه الله- جائزة علمية عالمية بكل ما تعنيه الكلمة جزاه الله خير الجزاء. |
وكنت أسكن مع أبي رأفت في فندق شيراتون القاهرة، وطلب مني مرة أن أرافقه للصلاة في مسجد الحسين فوافقت دون أن أعلم عن خطته للوصول إلى الحسين، وحين أوشكت أن أوقف تاكسياً ليأخذنا إلى الحسين قال أبو رأفت: (ولماذا التاكسي نأخذها كعابي وكلها فركة كعب زي ما يقول إخواننا المصريين)، ولم يكن أمامي إلا السمع والطاعة فإذ بفركة الكعب هذه تأخذ ساعات طوالاً انقطع فيها نفسي، وكان أبو رأفت ما شاء الله تبارك الله يجري أمامي كشاب في العشرين، أسأل الله تعالى أن يمتعه دائماً بالصحة والعافية وذلك جيل أبي رأفت ممن كانوا يؤدون الصلوات الخمس في الحرم الشريف، ويذهبون ويجيئون إليه سيراً على الأقدام من حارات مكة وجبالها، وقد أكون وبعض أقراني من آخِر من أدركوا ذلك في التسعينات الهجرية، قبل أن ينتقل كثير من أهل مكة إلى أطرافها. |
والحديث عن هذا الرجل الكريم يطول، وما قدّمه لرابطة الأدب الإسلامي أيضاً يطول الحديث عنه، فقد جعل من داره العامرة مقراً للرابطة في مكة المكرمة، وكنا وما نزال نعقد اجتماعاتنا في داره ويستقبلنا فيها استقبال الفاتحين، ويبحث بكل جد وإخلاص معنا قضايا الأدب عامة والإسلامية خاصة، ويسعى بكل ما يملك لدعم هذه الرابطة الأدبية النزيهة البعيدة عن كل الأغراض سوى غرض الارتقاء بهذا الفن الإنساني الرفيع، الأدب، بكل أجناسه وألوانه وفنونه. |
لا يسعني في ختام كلمتي هذه إلا أن أكرر الشكر لصاحب هذا المنتدى الكبير، الوجيه الأديب الشيخ عبد المقصود خوجه، الذي كرَّم كل محبي وتلاميذ فضيلة الأستاذ الدكتور محمود حسن زيني، بتكريمه الليلة، كما أشكر كل من ساهموا بالكلمات أو الحضور، وأهنئ أستاذي الكبير أبا رأفت بهذا التكريم، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
عريف الحفل: أترك لاقط الصوت الآن إلى سعادة الأستاذ الدكتور محمد يعقوب تركستاني عضو هيئة التدريس بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. (يبدو لظرف ما أنه لم يأتِ). عموماً بين يدي رباعية جميلة أهداها لفارس الاثنينية سعادة الشاعر الكبير المعروف الأستاذ فاروق بنجر وعنونها بـ (تحيتان) يقول: |
الأولى : إلى مكرم العلماء والأدباء صاحب الاثنينية الأستاذ عبد المقصود خوجه. |
والثانية: كلمات من الوجدان الشعري إلى الأستاذ الدكتور محمود زيني. يقول فيها: |
هذي التحية أزجيها مُهَفهَفةً |
إليك هاتفةً من لمسة الأرَجِ |
تحدو الخطى كم مشيناها مؤالفةً |
نأتَمُّ بالأدبِ السامي لمُنتَهجِ |
أصفيتني الزَّهر يوماً مرَّ في زمن |
من قُدس مكة، عذب الماء والوهج |
يهنيك في مُجتلى الأوقات آلفها |
وقتاً من الحب، في صفو من المهج |
|
والحقيقة أيضاً قصيدة لسعادة الدكتور بهاء حسين عزي، فليتفضل بإلقائها. |
|
|
|