شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور محمد صالح باخطمة ))
أيها الحفل.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تُرى ماذا أقول بعدما قيل؟ أبدأ حديثي ببيتين من الشعر قرأتهما منذ زمن ليكونا مدخلاً لحديثي، وهما:
عتبـت على الدنيـا لرفعـة جاهـلٍ
وخفـضٍ لذي علمٍ فقالـت خذ العـذرا
بنو الجهل أبنائي لهذا رفعتهم
وأهـل النهى أبنـاء ضـرتي الأخرى
وكم جلست أُقلِّب الأمور في بعض الأزمنة والأماكن، فأرى أصنافاً من الناس ارتدوا عباءة المعرفة وحشدوا من حولهم الكتبة يدبجون لهم المقالات والقصائد. وأراهم بعد ذلك يتلاشون كقوس قزح حين تسطع عليه الشمس في رابعة النهار. ولئن صدق الشاعر فيما قاله حيناً، فإننا نستطيع اليوم أن نُجزم بأنه لم يكن على حقٍ في قوله على الإطلاق، فما حفلنا اليوم وحضور هذه النخبة من المثقفين والمفكرين وما مبادرة المحتفل إلا تأكيد بأن للنابهين والنابغين مكانتهم في مجتمعنا.
أعود بعد هذه المقدمة لأتكلم عن عريس هذا الحفل: أخي الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي، اللغوي والشاعر، وأسترجع بعد ما يزيد على خمسين سنة خلت ونحن مجموعة من الفتية جمعتنا مقاعد الدراسة في مكة المكرمة، كما جمعنا حب المعرفة والاطلاع، ولم يكن هناك من روافد للاطلاع غير مكتبة واحدة هي مكتبة الثقافة، نتردد عليها ونشتري ما نستطيع من كتب ومجلات كانت تأتي من مصر، ولم تكن هناك إلا مكتبات تُعدُّ على أصابع اليد الواحدة، فيها من الكتب ما كنا نعتبره من النفائس في ذلك السن المبكر، وكنا نتجرأ في أحيان كثيرة فنقرأها ونستوعب منها ما يستطيع فكرنا الغض أن يستوعبه، ولم يكن لنا من منافذ التعبير آنذاك إلا صفحة "دنيا الطلبة" وصحف الحائط المدرسية، وكذلك حفلات المسامرات الأدبية.
كان عريسنا أحد أفراد هذه المجموعة، ولم يكن آنذاك مشغولاً كثيراً بما كنا منشغلين به، فقد كان منشغلاً وشغوفاً بمهنة أسرته وهي من أكبر الأسر المكية في تجارة الفصوص والأحجار الكريمة، ومما ساهم في انشغاله عما كنا مهتمين به أنه ابتلي بمعلمٍ فظٍّ غليظ القلب، كان يُدرِّسُه مواد اللغة العربية فنفَّره منها، إلى أن قيَّد الله له معلماً آخر يختلف عن سابقه، عرف مفاتيح الدخول إليه فشجعه وأخذ بيده، فأصبح يشاركنا اهتمامنا فبدأ بالشعر واختار له اسماً موهوباً، وكأنه بذلك يخرج لسانه لمعلمه المحبط، ويرفع رأسه محيياً معلمه المشجع.
ومن يومها ابتدأ اهتمامه باللغة العربية وعشقه لها، فدرسها وغاص في بحورها ودرَّسها، وصار يناقش علمائها وينافحهم، كما صار حجة لنا نحن أقرانه نسأله فيما استعصى علينا وصار سيبويه زمننا، والخليل في جيلنا، هذا ما كان من بداية عريسنا وأسباب شغفه باللغة العربية.
أما عن اهتمامه بالشعر وشغفه به فله حديث آخر، فلقد صدرت له سبعة دواوين كان أولها وهو في مرحة الدراسة المتوسطة، وكان الوقت الذي صدرت فيه بعض دواوينها بل أكثرها محبطاً لأي إنسانٍ غيره، تجاوزها هو بكل إصرار وعزيمة يُغبط عليهما، فقد صدر بعضها في زمن الطفرة، وهو ما أُطلق عليه زمن الشعير، كما أنه أصدر كتابين في تبسيط اللغة وكتاباً آخر عن النوتة الشعرية لم يسبقه إليه في زماننا فيما أعلم إلا الدكتور محمد مندور والأستاذ محمد حسن عوّاد.
إن لشاعرنا لغة شعرية متميزة، فله أدواته من رصيد وافر في اللغة ومفرداتها وغريبها، وله أيضاً رصيدٌ وافرٌ من شعر التراث، وبذلك صار من شعراء المعلقات أو المطولات. ولا يعرف غير الشاعر كم هي المعانات حين يستعصي عليه بيت أو شطر أو حتى كلمة أياماً عدة. فكيف بعريسنا وهو يصول ويجول في قصائده التي تصل إلى مائة بيت أو تزيد!
وأختم كلمتي فأتوجه لصاحب هذه الاحتفالية فأقول له: كلانا مكي يعتز ويفخر بتراث هذا المجتمع، ومن مفرداته أن يتداعى الناس في المناسبات ومنها الأفراح تاركين ما بينهم من مرارات وراء ظهورهم، وقد جئتك هذه الليلة وللمرة الأولى لأحييك تحية الرجال للرجال وأشد على يديك مقدراً. لأنك تكرم فارساً أصيلاً مبدعاً في كل ما تناول. جالد الصعاب والعقبات والإحباطات بإصرار وعزيمة تحسبان له في حين تجاهلته الأندية الأدبية والمهرجانات مع أن الاهتمام به وبأمثاله من مبدعي هذا الوطن من ألزم واجباتها؛ وتلك أحجية لم يستطع أحد أن يجد لها حلاً. ولعل لمسيرة الثقافة في العهد الجديد لوزارة الإعلام من التصحيح ما يحل هذه الأحجية فيبدأ الاهتمام بمبدعي الوطن، فتنمحي من القاموس تلك الكلمة الممجوجة والمحبطة وهي أن زامر الحي لا يطرب.
شكراً لحسن الاستماع، وأستميحكم العذر إن لم أكن أحسنت، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
عريف الحفل: الكلمة الآن لسعادة الأستاذ الدكتور عبد الحليم رضوي، فليتفضل.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :639  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 90 من 147
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.