شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي ألهم خليله إبراهيم عليه السلام الدعاء، وبشره بالإجابة وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات (البقرة: 126) والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وإمام المرسلين سيدنا وحبيبنا محمد وعلى صحبه وآل بيته الكرام الطيبين.
الأساتذة الأفاضل.. الأخوان الأكارم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يسعدني أن أرحب بكم أجمل ترحيب، وباسمكم جميعاً أرحب بضيفنا الكريم، شاعر النور والنوار، الشاعر المكي المتمكن الأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي، فأهلاً وسهلاً ومرحباً به وبصحبه الأفاضل بين محبيه وعارفي فضله، وحمداً لله على سلامة الصديق الأديب الإنسان الأستاذ السيد عبد الله الجفري، صاحب القلب المُعنَّى المتيم بحب الناس، والمشغول أبداً بهمومهم وآمالهم وآلامهم.
وقبل أن أسترسل اسمحوا لي أن أعبر باسم اثنينيتكم عن عميق حزننا وألمنا على أبنائنا وغيرهم من الضحايا الذين فقدناهم إثر العمل الإرهابي الآثم الذي شهدته مدينة الرياض، ثم مدينة الدار البيضاء بالمغرب، في الوقت الذي كان العالم الإسلامي يتنفس ذكرى مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، رحم الله الجميع رحمة الأبرار، وأسكنهم فسيح جنانه، وألهم ذوي الضحايا الصبر وحسن العزاء.
إن الذين ولغوا في هذا العمل، ونفذوه بدم بارد، إنما هم طغمة ضالة من شياطين الإنس، الدين بريء منهم، وهم أبعد ما يكونون عن روحه ونصوصه، وسماحته ولطفه ولينه، وإن كانوا شرذمة قليلة فإنه لا يجوز التقليل من شأنهم، بل ينبغي أخذهم بالشدة والحزم حتى لا تغرق السفينة بسبب سفاهاتهم وجهلهم وانغلاقهم، وفي ذات الوقت لا بد من تجفيف منابعهم بعد دراسات مستفيضة من ذوي الاختصاصات المختلفة لاقتلاع شأفتهم وكسر شوكتهم إلى الأبد حتى يظل بلدنا وغيره من البلاد دائماً دوحة أمان، وواحة اطمئنان بإذن الله.
وأعود بعد هذه المقدمة التي أملتها الظروف إلى فارس أمسيتنا الذي عُرف بشاعر الرومانسية، وهي الصفة التي نفتقدها يوماً بعد يوم في هذا العصر الشبق إلى المادة والعنف والتطرف الممقوت، زمن خانته رؤاه فتسطحت بعض العقول والعياذ بالله فعشعشت فيها عناكب الجهل والتخلف والفكر الاستئصالي، إن الرومانسية ليست تهمة كما يحاول البعض أن يلبسها الآخرين، بل هي فخر واعتزاز عندما تتوج الأعمال الأدبية وتمنحها الألق والبهاء الذي تدخل به إلى النفوس الحائرة، وتسعى إلى صيانتها ورأب تصدعاتها وشروخها التي تحدثها عاديات الزمن، إن تخشب الأحاسيس وتيبس الوجوه أصبح أمراً شبه مألوف وسط غبار الأحداث التي تجتاح العالم شرقاً وغرباً.
والمتتبع لدواوين فارس أمسيتنا يرى أنه يسهم في تشكيل رأس جسر يربط بين جيل شعرائنا الكبار الأساتذة أمثال العواد، والقنديل، وشحاتة، والزمخشري، وبلخير، والفقي، وحسين سراج، رحم الله من رحل منهم وأمد في أيام من يعمرون ساحتنا بعطائهم الغزير، إن هذا الجيل يمثل مرحلة مهمة في حياتنا الأدبية والاجتماعية، فقد كانوا شهود عصر على زمن نضير، ومجتمع طاهر مبرأ من العصبية والضبابية الفكرية، وبالتالي فإن ضيفنا الكبير يحمل لواء هذا المد الأخضر ليمتعنا بشعر يتصف بالرومانسية كغلالة رقيقة تحيط به مثل غمامة بيضاء في يوم مطير، غير أنه في ذات الوقت لا ينفك مرتبطاً بمجتمعه مما يمنحه أسباب ملامسته الهم العام من خلال الهم الخاص، فالشاعر في النهاية هو لسان مجتمعه وشاهد عصره، لا ينطلق من فراغ ولا ينثر زبداً، إنه عطر المجالس وخزامى الناس، ونورس الحرية ونبع العطاء.
هذه التشكيلة التي يتمتع بها أستاذنا الكبير لم تنفصم عن جاذبية خاصة يتمتع بها شعره حينما يميل إلى الحكمة، فقد تَرسَّم خُطى من سبقوه في هذا الجانب، وأمتعنا بمطولات يزيد بعضها عن مائة بيت في الزهد والحكمة وتكثيف المواقف التي تحض على الخير، وتحلق بالوجدان في ذرى الإيمان الصادق، ومما لا شك فيه أنه لا يختلف اثنان على أن طابع هذا الزمن الطباشيري يميل إلى السطحية والسذاجة إلى حد كبير، وهي رمال مهولة يخوض فيها عالمنا العربي دون هوادة، في الوقت الذي نشهد نهضة علمية تطبيقية جعلت أصغر دولة في العالم الغربي تعتمد في اقتصادها على الزراعة والإنتاج الحيواني، تفوق أكثر الدول العربية تطوراً بمقياس دخل الفرد السنوي!!
وقد يتساءل البعض عن دور الشاعر في إعادة صياغة هذه القسمة الضيزى؟ إن المتأمل لتعقيدات المجتمعات يستطيع أن يميز ما يمكن أن يؤديه الشاعر بعفوية ويسر وسهولة في تغيير أنماط معيشتها؛ وبالتالي تحريك عوامل البناء فيها وتوجيهها نحو الأخذ بأسباب الرقي والتطور الحضاري والاقتصادي، والقفز فوق معوقات التنمية، والتغلب على الدمامل والبثور التي تحبط مشاريع الخير في شتى المجالات. وإذا كان الشاعر قديماً هو لسان القبيلة فإنه لم يفارق هذا الدور كثيراً إذ أصبح في العصر الحديث مشعلاً من مشاعل التنوير؛ لأنه يمتلك الأداة التي تمكنه من مخاطبة كثير من طبقات المجتمع، فيلامس مشاعرهم، ويستطيع بتضافر الجهود وتناغمها أن يؤثر بدرجات متفاوتة على مجريات الأحداث، ومع مضي الوقت وتراكم التجارب الإيجابية يمكن إنجاز التحول المطلوب تدريجياً وصولاً إلى الغايات المنشودة.
وفي هذا الإطار لا ينبغي أن ننظر إلى الشاعر على أنه إنسان معني بخطاب مباشر كأي أداة إعلامية مستهلكة، فهو ينبض بأحاسيس ومشاعر خاصة تتفاعل مع واقع الحال لتفرز أنموذجاً اجتماعياً متطوراً، وأحسب أن هذا هو دور الفنون والآداب بمختلف أشكالها ومدارسها.
من ناحية أخرى لم ينس ضيفنا الكريم دوره التعليمي والتربوي، بل استفاد من تجربته العلمية في مجال تدريس اللغة العربية ليصنف كتابه القيم "قال الفتى" وقبله أصدر كتاباً آخر بعنوان "الموجز في النحو"، وكلاهما تجربة رائدة في تخفيف الدخول إلى عالم اللغة العربية بأسلوب مريح يبعد شبح التعقيدات التي كان وما زال يعاني منها بعض الطلاب، وحتى بعض الكتّاب، نتيجة الإفراط في تلقين قواعد اللغة العربية.. والنحو والصرف، والتي أصبحت كابوساً يجثم على صدور المهتمين بعلوم اللغة العربية وينفِّرُهُم منها ويغطي على كثير من جمالياتها، فإذا بكتاب أستاذنا القدير يغلق ذلك الباب غير المرغوب ويفتح أبواباً من الإبداع تقود كلها إلى حب اللغة العربية وترغيب الدارسين بأسلوب سهل يؤدي في النهاية إلى الغاية المنشودة، وهي بقاء المعلومة في ذهن المتلقي ومن ثم تطبيقها عملياً فيما يصدر عنه من كتابة أو نطق.
أما بالنسبة للمختصين في الشعر وشداته فقد صنف لهم ضيفنا الكريم كتاباً قيماً بعنوان "مصادر النوتة الشعرية" هدية طيبة مقدرة لمن أراد استجلاء واستقصاء أصول الرسم الصوتي والحركي لموسيقى الشعر العربي، حتى يشعر بمتعة الكلمة وموهبة الشاعر أو مقدرته في صياغة الكلمة أو نحتها بالأصح؛ حتى تجد مكانها الصحيح في بيت الشعر دون نشاز، وهذا علم لا يقل صعوبة عن سابقه، استطاع ضيفنا الكريم أن يُبسطه لأقصى درجة ممكنة، بل يُرغِّب القارئ غير المتمرس على متابعته ومحاولة الاستفادة منه للتعمق في دراسة بعض النصوص الشعرية والوقوف على أوجه بلاغتها ومقارنتها مع نصوص أخرى قد تعن بخاطره، وهذه خدمة جليلة للغة العربية وعشاقها، وهدية لا تقدر بثمن لمن يدرك المشقة والعنت الذين صاحبا تصنيفها لتكون بين يدي القارئ بهذا اليسر والسهولة.
هنيئاً لفارس أمسيتنا ما حقق وأنجز من أعمال ستظل علامة مميزة على طريق طلاب العلم، وغيرهم ممن ترك مقاعد الدرس ويأمل في تطوير ملكته الأدبية والشعرية، ويسعدني أن يَشْرُفَ كتاب "الاثنينية" بنشر كل هذه الإبداعات تحت عنوان "الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة"، وبين يدي نسخة من هذا العمل الذي وصل مراحله الأخيرة، راجياً من ضيفنا الكريم التلطف بتدقيقه بنفسه، وإنني أثق في أنه سيشكل إضافة تسعد الكثيرين، وتسد ثغرة في مكتبتنا المحلية والعربية، كما سيسهل تداولها بمجرد إدراجها شبكة الإنترنت من خلال موقع "الاثنينية" المعروف، والفضل بعد الله سبحانه وتعالى الذي أكرمنا بالقيام بهذا العمل سيدنا.. وسيدنا الجليل السيد عبد الله الجفري الحبيب والذي دائماً يسير وينثر ورداً وحباً ولطفاً.
أحب أن أنوه وأرجو أن تتلطفوا بالأخذ بعين الاعتبار ما سأقوله من كلمات: إن الاثنينية تجد من واجبها الاشتراك إن شاء الله في اختيار مكة عاصمة للثقافة الإسلامية وأنا أصر على تسميتها ليست عاصمة للثقافة وإنما عاصمة للثقافة الإسلامية، وقد فكرت كثيراً باسمكم وباسمي بعد ذلك.. ما هي الهدية؟ فوجدت فيها براً بمكة وأهليها، وبراً بوالدي وصديق دربه، وبراً بروادنا الكبار، أن أجمع إنتاج ما يمكن أن أحصل عليه وأقصد بذلك رجال وحي الصحراء؛ لأن منهم غير معروف مع الأسف لدى الكثيرين من أدباءنا قبل الأجيال حتى المخضرمين، مع الأسف فإذا ذُكِر عمر عرب -رحمه الله- مع الأسف الشديد حادثة حدثت لي في أكثر من مجلس، من يصححني فيقول أتعني الأستاذ حسين عرب؟ إنهم يجهلون عمر عرب، عمر عرب -رحمه الله- كان شاعراً رقيقاً لم يسعدني الحظ بالتشرف بمقابلته شخصياً، ولكن قرأت له القليل، أخاول الآن أن ألم ما أجد من شعره.. هذا مثل، وكان كاتباً رائعاً أيضاً، لأنشر ما أود وأتمنى أن أصل إليه.
لقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى أن طبعنا إنتاج الأستاذ حسين باشا سراج، وقد فوجئت أن إنتاجه بلغ عشرة أجزاء، طُبِعَت ولكنني سأقيدها ولا أطلقها إلا إن شاء الله في سنة 2005م، وربما قائل يقول لماذا تطبعها ولا تطلقها؟ إنها هدية مكة! إنها هدية مكة كاختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية أريد لهذا العمل الجليل، أن يطلق مرة واحدة حتى كتاب أستاذنا الجواهرجي باعتباره المكي، لم يُطلق بعد استئذانه سيظل حبيساً ولن نطلق حريته إن شاء الله إلا في سنة 2005م، وإن شاء الله نجتمع على خير في ذلك الوقت.
 
لقد وجدنا أيضاً جزءاً للأستاذ عبد الحق النقشبندي، لقد وجدنا أيضاً جزأين للأستاذ عبد الحميد عنبر، لقد وجدنا أيضاً جزءاً أو مجلداً واحداً للأستاذ الكبير أحمد العربي، هذه التي استطعت حتى الآن الوصول إليها وطُبعت، ولكنني أحتفظ بها، دوركم وهو دور فعال أرجو بمثلنا أن يبلغ الحاضر الغائب كل من تصل تحت يديه أي ورقة.. أي مجموعة لهؤلاء الرواد أن يتفضل بإعطائنا إياها فهي ملك للأمة وليست ملكاً لأحد، أو حتى إذا يهدينا.. يَدُلُّنا أكون شاكراً؛ لنتضافر الجهود ونستطيع أن نبرز هذا العمل ونطبعه وسيكون باسمكم، باسم اثنينيتكم، ليس باسمي، باسمنا باسم رواد هذه الاثنينية التي هي منهم ولهم وبهم ومعهم، فأرجو أن تتلطفوا بمساعدتي في ذلك، وقد نشرت إعلانات في الجرائد وسأوالي نشرها إيماناً مني بما سأقوم به، بجانب ذلك أيضاً سعدنا بأننا حصلنا من ورثة أستاذنا الكبير المرحوم محمد حسين زيدان الأب الروحي لأستاذنا السيد عبد الله الجفري، الذي يردد هذه المقولة وأنا أقول هذا لإفراحه وإدخال البهجة على قلبه الذي أفرح الكثيرين، بأننا إن شاء الله سنطلقها في ذات الموسم.
 
أرحب مرة أخرى بضيف أمسيتنا شاعرنا المكي الكبير، محمد إسماعيل جوهرجي، متمنياً لكم وقتاً ممتعاً مع جواهره وخرائده التي ستلطف هذا الجو الخانق، وتحوله إلى ربيع زاهر وروض عاطر.
 
وفي ختام هذا الموسم الذي اخترمته عدة منغصات، سنلتقي بمشيئة الله بسعادة الأستاذ الدكتور محمود حسن زيني، أستاذ الأدب العربي والنقد بجامعة أم القرى، كلية الآداب قسم الدراسات العليا، ورئيس تحرير مجلة "البلد الأمين" التي يصدرها نادي مكة الثقافي الأدبي، -والتي لا تصلنا أبداً- وهو من تعلمون علمه وفضله وأدبه وحنكته، متطلعاً إلى لقائكم لنشرف بتكريمه بما يستحق، وبما هو أهل له، وإلى لقاء قريب وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
عريف الحفل: ويأتي دور الأساتذة الأفاضل الذين سيتحدثون عن تجربة فارسنا الأدبية والتربوية، الكلمة الآن لأديبنا المبدع البديع السيد عبد الله الجفري. فليتفضل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :912  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 86 من 147
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.