شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ محمود تراوري ))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
 
أنا مثلاً كتبت رواية منذ أربعين عاماً اسمها "ثقب في رداء الليل"، ولم يُسمح بدخولها إلى السعودية إلى الآن، هكذا يلخص إبراهيم الناصر الذي نحتفي به الليلة في لحظة تاريخية أوجعها عدم تحملنا لمسؤولياتنا الحقيقة تجاه مبدعينا الكبار الذين وبتقليدية مملة أقول: نحتوا في الصخر وعبّدوا الدروب أمام أجيال جاءت لتنكرهم وتنفي أبوتهم، بل تمجهم من الذاكرة نهائياً، وتبحث عن آباء لهم في القاهرة وبيروت وفرنسا وكولومبيا والبرازيل وتشيلي وغيرها…، لماذا يغيب إبراهيم الناصر وأنداده من المبدعين الأُول الذين لا أجد حرجاً في تسميتهم الفدائيين؟ لماذا يغيبون من المنهج الدراسي؟! بل لماذا تغيب الرواية أصلاً من مناهجنا في التعليم؟! أليس لهذا علاقة بتغييب الذاكرة ونشوء انقطاع أجيال، تلك الأجيال التي قد تتوهم أنها نبت شيطاني أو تتمحك في أبوة زائفة بمبدعينا لا يمتون بواقعهم الاجتماعي بِصِلة، قد يقول قائل بأن الفن مشترك إنساني تذوب فيه السياقات الاجتماعية أو تتقاطع مع بعضها، بيد أني أرد عليه في تقديري الخاص بأن الوصول للمشترك الإنساني طريقه.. تمر بالآباء الأقرب مكاناً وروحاً وهماً وأملاً وحلماً.
 
إبراهيم الناصر.. أحد آبائنا من الذين لم ينفصلوا عنا في عليائهم، لم نصعد إلى عليائه، ولكنه تواضع فنزل إلينا محملاً بالحب والفاكهة، تابع هفواتنا الصغيرة ومنحنا الجداول الصافية لنهل الإبداع، دلنا على مصبات.. وتواصل معنا بلا زيف وبلا وصاية فكان أن التحمنا به، ولكنه مع ذلك ظل محتفظاً بعزلته المهيبة، لا تقربه أضواء البهرجة والتلميع والظهور الفج، فبعض الناس منذورون للظلم يغدو طبيعة فيهم وفي الأشياء التي تغمرهم بالنسيان، لأنهم بلا ضجيج فالضجيج لا يليق إلا بالعربات الفارغة، وهذا ما نخشى ما نخشاه بحق هو أن يكون النسيان في بلادنا داء لا علاج له، من أين تأتي الكتابة؟ من الطفولة والوجع والحلم والأشواق، والمباهج التي ما تلبث أن تنأى بمجرد أن تدنو، وروادنا في اقتراح كتابة القصة والرواية إحدى تلك المباهج التي نبتهج بلحن منها الليلة. بأمل أن نسعى جادين للبحث عن أشكال جديدة للاحتفاء والتكريم، فمع انفلات قلوبنا بالوفاء الذي نترجمه إلى كلام عاطفي، يعبر عن حب ومشاعر فياضة أظن أن ما يبقى لروادنا هو إشهارهم للضوء، بترسيخ نتاجهم الإبداعي في مناهجنا الدراسية، بطبع هذا النتاج وتوفيره للناس، بإنزالهم ما يستحقون من منزلة في المجتمع، ذلك أن الفنانين والمبدعين حلقة حيوية في منظومة التعبير عن تنمية وحضارة أيما مجتمع إنساني يرنو لحياة مدنية حقيقية تسودها كل قيم الإنسانية.
فعندما تفتقد المجتمعات قادة الرأي والرموز الحقيقية لها تختل مشيتها في سلالم النور والترقي، واتكاءً على ما بدأت به مداخلتي هذه بالإشارة إلى أن المحتفى به الليلة له رواية كتبها منذ أربعين عاماً، مدشناً بها مشواره الإبداعي، لم تدخل البلد أليس في هذا مفارقة موجعة، أن نحتفي بكُتّابنا وكتبهم غير موجودة في المجتمع الذي كتبوا منه وفيه وله، أظنها حقاً مفارقة موجعة، وتزداد وجعاً عندما نطرق إليها في هذا الظرف الحرج الذي تتعرض فيه بلادنا لحملة شرسة تلزمنا أن نتعارض لنراجع أنفسنا وما فاتنا من أشياء، حتى تعود الأمور لطبيعتها ونوفر للإبداع والكتابة مناخاً نتنفس فبه هواءً صافياً.
 
ومن هذا المنطلق الذي يكاد تتفق عليه أغلب النخب في الوطن أجدني لن أفوت الفرصة الليلة وليسمح لي صاحب الدعوة الكريم.. الأستاذ عبد المقصود خوجه، لأسترجع مقولة الكاتب عبد الله المحيميد بضرورة أن تكون الصالونات الأدبية بمعزل عن العاطفية المبالغ فيها، وأن ترنو لتبني قضايا أدبية وفكرية بحيث يكون لها تأثير فاعل في المشهد الثقافي، والواقع الاجتماعي، وتتبنى مشاريع ثقافية كبرى وحقيقية تسهم في رد غربة الكتاب السعودي، وتفك العزل عن إبداعنا داخلياً وخارجياً، حتى تعرف أجيالنا أن لها جذوراً كتابية وقمماً إبداعية مثل الأستاذ إبراهيم الناصر، أشعلت الشمعة مبكراً وحتى لا تبقى الصورة نمطية عنا هي تلك التي تختزلنا في أعراب يحملون براميل نفط أو حداة يردودن شعراً شعبياً بين الخيام، وحتى لا يبقى إبراهيم الناصر أيضاً يرفع عقيرته متحسراً على عدم دخول "ثقب في رداء الليل"، دائماً يجب أن نذهب إلى حيث يسطع الأمل، طاب ليلكم.
عريف الحفل: الكاتب والأديب والباحث الأستاذ أحمد الدويحي.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :595  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 63 من 147
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

البهاء زهير

[شاعر حجازي: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج