شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة فارس الإثنينية سعادة الدكتور محمد سمير سرحان ))
في البداية أود أن أعبر عن امتناني العميق وشكري الجزيل واحترامي العميق لمعالي الشيخ عبد المقصود خوجه، لهذا التشريف الذي كرّمني به بأن دعاني للحديث، وأن يكرمني أيضاً ويدعوني للحديث في هذه المؤسسة الثقافية العربية الهامة والتي تلقي بظلالها وتأثيرها ليس فقط على المملكة هنا وإنما أيضاً على مستوى العالم العربي كله، وهي "الاثنينية"، امتد تأثير الاثنينية من جدة ومن المملكة ليعم العالم العربي، وكلنا نسمع عن الاثنينية وما يفعله بها الشيخ عبد المقصود خوجه، وما يفعله بنا أيضاً كمثقفين إذ يستضيفنا ويلقي الضوء على أعمالنا، ويصر على أن مسيرة الثقافة هي الأبقى وهي الأخلد، وهو الذي يعتنق ما أعتقد أنه الصواب بأن الثقافة هي الثابت وأما السياسة فهي المتغير.
فبالثقافة نصل إلى عصب العامل المشترك الأعظم بيننا كعرب، نحن نشترك في اللغة وفي الدين وفي الموروث الاجتماعي وفي التاريخ الحضاري وفي التوجهات الإنسانية، وفي العادات والتقاليد، وفي القيم الأخلاقية نشترك في كل هذه المسائل، نحن أمة واحدة وشعب واحد، ونحن الذين نستطيع أن نقف في حوار حقيقي جاد مع الحضارات الأخرى التي تحاول الآن أن تحاربنا حرب الثقافة.
قبل أن أخوض في هذا الموضوع أحب أن أعبر مرة أخرى عن امتناني لمعالي الشيخ عبد المقصود خوجه، وإعجابي الشديد بالاثنينية وطلبي منه وقد سمعت منه اليوم في التليفون ما أسعدني وأثلج صدري، ولكني أصر على الطلب أن تعم الاثنينية.. أو يعم خير الاثنينية العالم العربي كله، بأن تعقد في كل دولة من الدول العربية، على الأقل مرة كل شهر أو شهرين بحيث نلتقي في القاهرة كما نلتقي في جدة وبيروت ودمشق وسائر العواصم العربية، لنجتمع حول الاثنينية ورائدها ومؤسسها وكما قال أخي وصديقي عبد الله الجفري، نبضها مع الثقافة العربية ومع ثوابتنا الأساسية.
الشيخ عبد المقصود خوجه: نحن آتون يا أستاذ، إن شاء الله ستكون الاثنينية في كل بلد عربي بأصحابها وأهلها وليس لنا إلا المسمى، والغرس الأول، والباقي لكم منكم وإليكم. بالتوفيق إن شاء الله.
الدكتور محمد سمير سرحان: هذا خبر جميل نسعد له جميعاً، طبعاً شكري العميق أيضاً لكل من تحدث عني بكلام أخجلني بالفعل، أنا ليس من عادتي أن أسكب الدمع ولكن ربما فعلاً منذ سنوات طويلة لم أشعر بدموع تترقرق في عيني مثلما شعرت الليلة، من هذا التقدير الحقيقي والحب الحقيقي من أصدقاء وأخوة وزملاء درب وزملاء كفاح.. ثقافة وأدب وفكر وإبداع، أعرفهم منذ أكثر من قال شاعرنا الكبير حسن القرشي أنه من ثلاثين عاماً أنا أقول سنتين جيد، طبعاً السن تم بإعلان السيرة الذاتية بأننا وصلنا إلى سن التقاعد وتم المد لنا، ولكن السن دائماً كما يقول عبد الله الجفري، أو كما يبدو عبد الله الجفري هو في تناقص مستمر وليس زيادة مستمرة.
 
فكل الأخوة الذين تحدثوا اليوم في حقي كان لي معهم تجارب شخصية وصداقة عميقة وحب عميق وهم عائلتي وعشيرتي وأصدقائي وأحبائي ومنهم من فعلاً تزاملنا وجلسنا معناً سنوات طويلة، سواء في منابر الجامعة أو في منابر الثقافة، أو الصحافة، أو حتى في القاهرة وأنشطتها المختلفة.
 
الحقيقة إن الكلام الذي قيل عني أزيد مما أستحق بكثير لكن وقيل الكثير من المعلومات التي لا أريد أن أكررها، لكن أحب أن أقول أن أسرد عليكم ثلاث مشاهد قصيرة من حياتي، تمثل ربما ثلاث محطات هامة أو ثلاثة دلالات عامة على قيم عليا أنا أعتقدها منذ نعومة الأظفار. المشهد الأول يبين بوضوح كيف أننا -جيلي أنا- من المثقفين المصريين والعرب تربى حقيقةً في كنف أساتذة كبار ولذلك أصبحنا.. كان هؤلاء الأساتذة يأخذون بيدنا ويضعوننا على الطريق السليم ويغرسون فينا القيم التي تجعل منا ما أصبحنا عليه، إذا كنا قد أصبحنا على أي شيء.
المشهد الأول: هو عندما كنت في سن الخامسة عشرة سنة وفي ذلك الوقت كنت أدرس لدرجة البكالوريا، يسموها الثانوية العامة في هذا السن الصغير وكنت من الجرأة وباللغة المصرية الدارجة (البجاحة) أن كتبت مجموعة من القصص أسميتها (سبعة أفواه)، كانت متمشية مع واقع الستينات التي كانت أيامها قصص تتحدث عن الواقعية الاشتراكية والفقراء، والذين يظلمون الطبقات العاملة والفقيرة إلى آخره.. ولذلك اسمها (سبعة أفواه)، والأب الذي ينفق على أولاده السبعة دون أن يجد عملاً مناسباً، وكلها فيها نوع من السذاجة، لكن فيها نوع من التمشي مع العصر، وأيضاً تمشياً مع (البجاحة) الموجودة عندي فذهبت إلى الناشر اسمه دار الفكر العربي، لا زلت أذكر، وحاولت أن أقدم له هذا العمل وقلت له أنني كاتب قصة وهذه هي قصصي وأريد أن أنشرها، الرجل طبعاً نظر إلي من فوق لتحت، ونظر إليّ بشيء من الاستخفاف الشديد، ما هذا الولد الصغير الذي يحضر لي قصص ماذا أصنع به؟ فأراد أن يصرفني بطريقة لا تجرح كرامتي فقال لي إذا ذهبت وأحضرت لي مقدمة من ناقد كبير لهذه القصص فسوف أنشرها.
في ذلك الوقت كانت المنتديات الأدبية التي تتوارد بعد ذلك لتصبح منتدى من المتتديات الكبيرة مثل "الاثنينية"، وغيرها من المنتديات العربية الأخرى، كان المنتدى الثقافي الأدبي هو القهوة (المقهى)، وكان في الجيزة بالذات حيث كنت أسكن هناك مقهى مهم جداً اسمه (قهوة عبد الله) ربما سمعتم عنه كثيراً، أو كتبنا عنه نحن كثير، قهوة عبد الله هذه كانت تضم جميع الذين صنعوا مجد الحركة الثقافية المصرية ربما العربية في الستينات، كان فيها أسماء مثل عمر المعداوي ولويس عوض ومحمد مندور ورجاء النقاش الذي تكلم عنه عبد الله وغيرهم من الأسماء الكبيرة، ومحمود السعدني و..و.. وأحمد عباس صالح وغيرهم، كانوا كلهم يرتادوا هذه القهوة في المساء وهذه القهوة كانت عبارة عن.. تتحول ليلاً إلى منتدى للمناقشة وللفكر ولتبادل الرأي، ولقراءة الأعمال الإبداعية ومنها كل الحركات الأدبية والثقافية والمعارف النقلية التي ظهرت في ذلك الوقت، فكانت تمثل خصوبة حقيقية للحركة الثقافية المصرية والعربية، وإن النشر يفترض أن هناك ناقد كبير يكتب لي مقدمة لهذه المجموعة.
الحقيقة الرجل لم يستخف بي كما استخف بي الناشر، وإنما أخذ المجموعة وقال سأقرأها إذا أعجبتني فلتأتي وسأكتب لك مقدمة، تأتي بعد شهر ونرى إذا كنت كتبت المقدمة أو لم تكتب المقدمة، طبعاً مر أسبوع كامل لم أنم، لم أنم فعلاً، أنتظر هذا الحكم بالإعدام أو بالحياة، ذهبت إلى عمر المعداوي لم أطق صبراً ولم أنتظر الشهر وذهبت بعد أسبوع فجلست بجانبه صامتاً وأنتظر إليه أختلس النظرات وأرى ما هي انطباعات وجهه وما شكله هل متهلل؟ هل مستبشر؟ هل سعيد؟ هل غاضب؟ هل مستهين؟ فإذا بالرجل يخرج من جيبه مجموعة أوراق ويقول لي: يا ابني هذه هي المقدمة، وكان قد كتبها في أسبوع واحد أخذت المقدمة وحملتها، وكان هناك (ترماي) يوصل إلى باب (اللوق)، حيث دار النشر، نسيت أركبه وجلست أجري على قدميّ فعلاً إلى هذا الناشر ودفعت بالمقدمة إليه فأسقط في يده، ووجدته فتح الدرج بصمت يعني رهيب وأخرج من الدرج 17 جنيه وأعطاهم لي، وكانوا أحلى وأجمل 17جنيه كسبتهم في حياتي.
ونُشِر الكتاب بعد ذلك بشهر وأصبحت صاحب الكتاب الأول، يعني أصبحت أديباً في نظر نفسي، هذا المشهد الذي هو مشهد الحب الأول كما الكتاب الأول كالـرعشة الأولى، يؤدي بالمرء إلى أن يشعر أنه لولا هؤلاء الأساتذة الكبار الذين كانوا موجودين على مستوى الحياة الثقافية لم يكن هناك تشجيع لأمثالي من الأدباء الصغار حتى لو كان لديهم هذه الجرأة، بعد ذلك أيضاً كانت هناك الجامعة، الجامعة نفسها كانت فيها نفس الأساتذة الكبار، وكان فيها نفس التشجيع، في الجامعة كما قال صديقي العزيز الدكتور مناع، بعد أن زال سوء التفاهم مع رشاد رشدي نظرنا فرأينا أن هؤلاء الأساتذة فعلاً يأخذوا بيدنا ويضعونا على الطرق السليم ونحن في أول الطريق، ولا يستبعدونا.
في السنوات الأولى من عمري أخذني الدكتور رشاد رشدي ووظفني مديراً لتحرير مجلة مهمة جداً اسمها "المسرح"، وبعد ذلك جلست إلى أساتذة عظماء كطه حسين الذي سأقول لكم عنه قصة لا تتصوروا أنها ما زالت محفورة في ذهني حتى الآن، طه حسين كان يدرس في الدراسات العليا، وكان كفيفاً كما تعلمون أو كما هو معروف، وكان عدد طلابه تسعة طلاب من الدراسات العليا من طلبة الماجستير، فأنا كنت أريد أن أراه وأريد أن أسمعه بأي شكل، أقرأ له وأريد أن أسمع صوته، أريد أن أرى شكله، فدخلت الفصل، وجلست في آخر الفصل، ثم أتى فريد شحاته سكرتيره أدخله وأجلسه على الكرسي، ثم أغلق الباب وذهب، دام صمت عميق ربما لأكثر من ثلاث دقائق، كانت أطول ثلاث دقائق في حياتي، ثم بعد ذلك سمعت صوت الأستاذ الرخيم هذا وهو يقول: هناك غريب في الغرفة، (يا انهار اسود طيب عرف إزاي.. شم ريحة) إحساسه الحاد جداً بالمكان بالزمن البصيرة الحادة التي كانت عنده، أنا طبعاً تقدمت وأنا أقطر خجلاً وقدماي تلف على بعضها وكل هذا وأنا شاب لديه ستة عشر عاماً أو صبي، وقلت له: أنا، قال لي: من أنت؟ قلت له: أنا طالب في قسم الإنجليزي في سنة أولى اسمي فلان الفلاني، قال لي: ألا تستأذن، قلت له: هذا ما حصل، قال لي: حسناً اجلس، فجلست وكان من سماحه لي أن أستمع إلى الدرس مع طلبة الدراسات العليا نموذج رفيع لحنو الأساتذة الكبار على الشباب الصغار.
المشهد الثاني: الذي أود أن أحكيه هو مشهد فيه قليل من الفكاهة، ولكن فيه كثير من الدلالات التي شكلت حياتي بعد ذلك، كما قال الدكتور عبد الله مناع عندما انتقلت إلى القسم الإنجليزي.. المشهد دلالاته الوحيدة أن أنا دائماً لم أكن أرضى بالأمر الواقع، كنت أريد ألا يكون إلا ما كنت أود أن أكون، أنا كنت مقرر أن أكون أستاذاً بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة بالتحديد وأن أكون كاتباً بالتحديد، وأن اكتب للمسرح بالتحديد، الوظائف الحكومية التي بعد ذلك لم تكن في ذهني، وأن أكتب نقداً أدبياً بالتحديد. لم يكن في ذهني أبداً أن أعيش الحياة التقليدية العادية، مثل أي إنسان يتخرج من الجامعة ويتقلد وظيفة بسيطة وانتهى الأمر.
تخرجنا من الجامعة وذهبنا إلى يوم النتيجة وجدت اسمي على أول القائمة، يعني كنت الأول، الحمد لله المفروض أني أوتوماتيكياً أن أُعيَّن معيد في الكلية، وهذا يكون أول الطريق أن آخذ الدكتوراه وأصبح أستاذ وأحقق أحلامي كلها، وأحقق طموحي وأبقى جزء من كلية الآداب، وبمناسبة كلية الآداب هذه كانت أيضاً جامعة الملك عبد العزيز كما أعتقد هي مصدر إشعاع أساسي للثقافة في المجتمع، ليس فقط وزارة الثقافة،كلية الآداب هذه كان فيها طه حسين، وأحمد أمين، عبد الحميد يونس، وأمين الخولي، كانت مصدر الإشعاع الثقافي وليس وزارة الثقافة التي نقعد فيها الآن وهذا أيضاً دلالة هامة جداً على الدور الأساسي الذي يجب أن تلعبه ألاَّ تنحصر وراء أسوار الجامعة والدراسات الأكاديمية المحضة، وإنما أن تكون مشعة على أساس المجتمع، وهذا الذي حصل أيضاً في جامعة الملك عبد العزيز في الأول وهذا الذي كانت عليه كلية الآداب، وكان الانتماء لكلية الآداب جامعة القاهرة كان حلم من أحلامي.
طلعت النتيجة، ونريد أن نتعين معيدين، ذهبنا نسأل واحد مثل ما قال الدكتور مناع بالضبط صديقي قال لي لا تحاول الذي حصل لا في درجات ولا في.. كان زمان من أجل أن نتعين شي اسمه درجة، الدرجة هذه نقدم فيها ونأتي الامتحان وبعد ذلك نمتحن وبعد ذلك نتعين، ونأخذ أول السلم، ليس هناك درجات، طيب أول درجة متى ستأتي؟ قال بعد أربع سنين. عندما سألنا الموظف الإداري، طيب وبعد ذلك ماذا نفعل؟ ليس هناك شيء نعمله، نحن فقط كنا على باب الله، نريد أن نأكل العيش ولا أقدر أن أعيش عالة على أهلي بعد التخرج، فقررت أن أقبل الوظيفة التي قسم الله لي بها، وهي أن أعمل مدرس إنجليزي في مدرسة ريفية في مدينة (بنها) ربما سمعتم عنها، فهذا كان معناه أن أصحى الساعة 5 الصبح وأنا أكره جداً الاستيقاظ الساعة الخامسة هذه، وأن أذهب المدرسة بالقطار وأن أدرس لغة إنجليزية للأطفال. ولكن كان يجب أن أعمل هذا، ذهبت المدرسة الساعة 11 أول يوم فاكر، وكنت أيضاً عندي تسعة عشر عاماً ونصف وقفت في شرفة، كان الطلبة دخلوا الفصل وبِصَمْتْ لا أكلم أحد فوقفت في الشرفة فإذا بأربع خيرزانات على ظهري (طراخ.. طراخ.. طراخ..) ادخل فصلك يا ابن.. التفت هكذا وجدت الناظر، قلت له: لماذا تضربني؟ يعني أنت من الفصل السنة القادمة.. قلت له: أنا مدرس اللغة الإنجليزية الجديد، فضحك قال هو في مدرس إنجليزي صغير هكذا وشكله غريب.. دخلنا وأجلسني مع مدرس في البداية.. المدرس الأول رسم لي صورة وردية.. ما زلت اذكر اسمه أظن اسمه الأستاذ متولي رسم صورة وردية كيف يعيش الإنسان حياة هانئة سعيدة لكن بدون أي طموحات، قال لي: أنت ستعيش معنا ولك عندي لك مشاريع جميلة جداً سنذهب لنشتري مع بعض بقرتان، وهاتان البقرتان سنقسط ثمنهم على كذا سنة، و سنحلبهما ويولدوا مشروع تجاري عظيم جداً، ونكمل دخلنا وأنا عندي ابنة حلوة وجميلة سوف أزوجها لك، وتخلف صبيان وبنات، (مشروع متكامل) لقتل الحياة، نعم فجأة وجدت نفسي أخلف تقريباً خمسة عشرة ابنة وولد وسيكون عندي مثل الأولاد، 15 أو 16بقرة، وأعيش هانئ وسعيد في الحياة، أخذت نفسي وركضت آخذ القطار ومنذ تلك الساعة لم أعد إلى تلك المدرسة أبداً، ورفضت الهناء العائلي بهذا المفهوم وقلت أنه لا بد من لديه طموح لا بد أن يحتمل الواقع القاسي يحتمل الفقر الشديد يحتمل كل شيء في سبيل أن يحقق طموحه. بعد ذلك الحمد لله فُرجت المسائل.
المشهد الثالث: الذي أثّر في وجداني حتى لا أطيل عليكم، الحقيقة هو مشهد أستاذي في جامعة (انديانا) في الولايات المتحدة بعد عدة سنوات على هذه الحكايات التي أحكيها بعد ذلك ذهبت أدرس في جامعة (انديانا) في الولايات المتحدة وكان أستاذي أستاذاً ألمانياً، دلالات هذه الحكاية دائماً الإنسان أي واحد فينا يحمل داخله مجتمعه أينما كان، أينما يذهب ولا بد هو في النهاية إذا كان لديه أي رسالة يريد أن يؤديها أو يحب يؤديها فهو يؤديها تجاه هذا الوطن وليست تجاه تقدمه الشخصي أو المادي أو خلافه، فأنا عندما ذهبت (انديانا) هذه وجدت نفسي فجأة في مواجهة عالم كلكم طبعاً سافرتم وكلنا درسنا بالخارج بشكل أو بآخر وجدت نفسي في عالم غريب جداً، طبعاً المؤسسة العلمية هناك مؤسسة عظيمة ولا يمكن أن ننكر فضلها، لكن التركيبة الاجتماعية والسياسية والإنسانية غريبة تكون في الأول، فكان عندي حلم واحد أن يكون عندي طائرة تأتي لتأخذني بعد أن أنتهي من الدروس تعيدني إلى أمي، أبات هناك في مصر وأرجع مرة أخرى بالطائرة في الصباح، طبعاً كان حلم عبثي استمر ستة شهور بعد ذلك تأقلمت مع الوضع، ثم أصبحت بعد ذلك كان فكرة الوطن.
وبعد ذلك صادقت أستاذي الألماني هرب من جحيم النازية وكان أستاذ يهودياً الحقيقة أنا أفرق في وجداني دائماً بين اليهودية والصهيونية بالمعنى فكان واسع العلم، غزيراً بالعلم، طبعاً لغته الأصلية كانت الألمانية، منذ أن ترك وطنه أصبح يدرس باللغة الإنجليزية، ولغة التعامل اليومي لديه أصبحت اللغة الإنجليزية، يكتب ويؤلف ويدرس بها، حتى عندما تزوج من أمريكية أصبح يتزود بها علاقته بزوجته هي علاقة باللغة الإنجليزية.
وكان من ضمن الأشياء التي كنت أُكبرها فيه كانت له معي علاقة إنسانية، كان يجدني مثلاً أريد أن أشتري(جاكيتات).. ولم يكن لدي نقود..، أشتري (جاكيتات) ونشتري..، فكان ينزل ويحضر لي (بلوفر).. ينفحني هكذا نفحات يغديني أمور كهذه. عندما نذهب إلى المنزل كان دائماً أجد لديه صورة لممثلة الألمانية المشهورة اسمها (مارلين) ربما أنتم تعرفونها،كانت مشهورة، من ممثلات هوليود، فكان دائماً يقف تحت هذه الصورة يبكي بالدموع، أقول له: ماذا..؟ يقول لي: أحب مارلين.
مرت الأيام ونلت الدكتوراه على يده، كان أستاذاً عظيماً من أعظم الأساتذة الذين تعلمت منهم، وعدت إلى مصر ثم بعد ذلك بعشر سنين تقريباً رجعت وزرت هذه الجامعة وكان أول شيء أريد أن أراه، هذا الأستاذ العظيم، فوجدته جالساً في مكتبه لم يقل لي أحد أي شيء أبداً، قالوا لي إنه موجود في المكتب، تفضل لتراه، دخلت، نظر إليّ هكذا.. لم يعرفني، قلت له: صباح الخير، تكلّم معي بالألمانية فقط، سألت؟ قالوا: أصيب بشيء في المخ (الجلطة)، فكان (الرياكشن) الوحيد.. جسمه كما هو عقله كما هو، نظره كما هو، لسانه كما هو، الشيء الوحيد الذي تغير فيه أنه نسي تماماً اللغة الإنجليزية وعاد إلى ألمانيا لأنه أصبح يتكلم الألمانية، دون أن يدري.
كم كان يحب وطنه،كم كان قد انتقل بوجدانه إلى وطنه، المشاهد الثلاثة تلك حب الأساتذة، حب الوطن بهذه الدرجة من الجنون ربما، عدم الرضا بالحياة السهلة البسيطة، ومحاولة اقتحام المجهول دائماً، وتجاوز اللحظة الراهنة إلى لحظة أصعب في قصة البقرة التي حكيتها، وهذه كلها مشاهد في حياتي حصلت، ربما هذا شكّل الصورة الأساسية أو التي عملت بعد ذلك جيلي وليس أنا، عملت جيلاً كاملاً في جيل الستينات في مصر، ونشأ وأصبح بعد ذلك هو الذي يقود الحركة الثقافية ربما إلى حد ما خصوصاً في مصر بعد ذلك في هذه الأيام.
أنتقل بعد ذلك حتى لا أطيل عليكم، أني اشتغلت في وزارة الثقافة، بعدما وصلت في الجامعة إلى درجة أستاذ ورئيس قسم، شاركت في وزارة الثقافة وحتى اشتركت في البداية في شيء اسمه الثقافة الجماهيرية، وكانت تشرف على قصور الثقافة في كل الأقاليم في مصر، ومن خلالها تعرفت على مصر، استطعت أن أعرف الريف المصري والعادات والتقاليد المصرية لأني قبل ذلك كنت معتبر نفسي خواجه، كنت من القاهرة لأمريكا، ومن أمريكا إلى هنا، فلم أكن أعرف مصر جيداً، وبعد ذلك انتقلت.. كان ذلك بدرجة وكيل وزارة وكنت متأفف جداً من حكاية أن المثقف يصبح وكيل وزارة، يعني هناك تضاد في وجداني أو في وجدان جميع الناس أن المثقف لا يجب أن يقبل وظيفة وإنما يظل ثائراً طوال الوقت ويظل دائماً متمرداً ويظل متجاوزاً الواقع، لكن في البلاد العربية وخصوصاً في مصر الوظيفة إذا كانت قيادة حركة ثقافية هي ليست وظيفة، هي دور يلعبه الإنسان في فترة من الفترات في حياة وطنه وهذا الدور إذا كان الدور ثقافياً فهو يصبح في أهمية الإبداع الفردي.
ولذلك عندما توقف الإبداع الفردي في المسرح وغيره، توقف لصالح هذا الدور الثقافي الأعم والأشمل، فيهم لوحة كان يقولها لي صديقي وحبيبي الشاعر حسن القرشي عندما كنا في الثقافة الجماهيرية كنا بدرجة وكيل وزارة أي "سعادة"، وبعد ذلك عندما ذهبنا إلى هيئة الكتاب أصبحنا في درجة نائب وزير، والوزير بدرجة "معالي"، فسألت حسن القرشي قلت له: أنا كنت سعادة ولم أصبح معالي، فماذا أنا الآن؟ قال لي: أصبحت "سعالي"، فتصور أن أحداً يسير ويمشي اسمه سعالي غير معقول!
كان هناك أيضاً فترة خصبة في حياتي أحب أن أنوه بها، وهي فترة وجودي هنا في هذا البلد الكريم المضياف العظيم، المملكة العربية السعودية وهذه المدينة الجميلة، التي مازلت أعتبرها مدينتي بشكل حقيقي، هي مدينتي الحقيقية إلى جانب القاهرة بالنسبة لي لأني قضيت هنا سبع سنوات من حياتي وهم من أخصب سبع سنوات من حياتي وأنا لا زلت صغيراً أيضاً في سن لا أريد أن أخبر به بالضبط، لكن عرفت في هذه الفترة كل هؤلاء الأصدقاء العظام وغيرهم وغيرهم، ومن خلال عبد الله الجفري الذي يقول..، أنا ممكن أن أسقط الألقاب ولن أقول الدكتور والأستاذ، أنا عرفت عبد الله الجفري وفعلاً أمّمني عاطفياً وأمّمته أيضاً، أمّمنا بعض.
وكان أول لقاء لي مع عبد الله الجفري، أنا لا أعرف الجلوس ساكتاً، يعني لا أعرف أن أكون فقط أستاذاً في الجامعة وانتهى الأمر وأذهب للتدريس وأسكت، يجب أن أذهب وأكتب في الجرائد، يجب أن أذهب وأتعرف بأحد، فقلت لهم: أريد أن أكتب في الجرائد، قالوا: هناك شخص في "عكاظ"، شخص يكتب قصة، جميل جداً اسمه عبد الله الجفري، اذهب وقابله، كان سكرتير تحرير، قرأت له قصه أو اثنتين وكان هناك قصه من قصصه كان اسمها "ما يحبوك البنات"، فقصة كانت جميلة جمال أنا أعجبت بها، قصة جميلة جداً إلى الآن، حتى بعنوانها حتى بمحتواها، فأنا دهشت أولاً لأن الأدب السعودي المعاصر فيه هذا الجمال هذا الإبداع الجميل، عبد الله وغيره بعد ذلك قرأت لقاصين وروائيين سعوديين كثر، وشعرت أن هناك حركة ثقافية كبيرة، طبعاً غير الشعر، لأن الشعر هو عمود الأدب العربي وأيضاً عمود الأدب السعودي، الأدب السعودي مليء بكبار الشعراء الذين يكتبون تاريخ الشعر العربي بحق، لكن القصة القصيرة كانت لا زالت وافدة.. والرواية وافدة.
ولذلك عندما وجدت مثل هذه النماذج شعرت بأن هناك أرض ثقافية خصبة، المهم ذهبت إلى "عكاظ"، وكنت أعرف من القاهرة الزميل والصديق العزيز الأستاذ الشيخ علي شبكشي -رحمه الله- وهو الذي وجّهني أن أذهب وأقابل عبد الله فدخلت ووجدت هناك صالة ووجدت شخصاً جالساً في آخر الصالة يكتب ويشرب الشيشة ويتكلم في التليفون في نفس الوقت، يدخن الشيشة بعمق وباحترام شديد للشيشة وتلذذ شديد لها، وكان يكتب مقالاً ويتكلم.. يتكلم بالتليفون، كيف يجمع بين هذه الأمور الثلاثة؟ فوجدت أن هذا إنسان غير عادي، الذي يعمل ذلك يستطيع أن يكتب ويستطيع أن يشرب شيشة ويناقش في التليفون قضايا كثيرة جداً، لا أريد أن أفصح عن بعضها طبعاً، لكن كان اللقاء الأول هذا كالحب الأول، يعني بالضبط التقينا فلم نفترق بعد ذلك أبداً، وأصبحنا توأمي روح فعلاً، وعلى المستوى الأسري وعلى المستوى الصداقة وعلى مستوى التفاعل الفكري والعاطفي.
عرفت أيضاً صديقي العزيز الذي كان(يفضحني) في كل جلسة.. د.غازي زين عوض الله، كل ما يذهب لمصر يقول أنا كنت تلميذه، طيب يا عم يعني.. على طول يكشفوا عمرنا، أنا معجب بهذا الرجل إعجاب شديد جداً لأنه فجأة أخذ قرار مثل الذي أخذته في ترك المدرسة الثانوية التي تكلمت عنها بالذهاب إلى الجامعة، هو ترك عالم (البزنيس) إلى العالم الأكاديمي والقراءة والكتابة بشجاعة شديدة في وقت كان عالم (البزنيس) مزدهر جداً في المملكة وكانت لديه فرصة ضخمة جداً للثراء، هو كان أصعب قرار كان ممكن أن يأخذه الإنسان في حياته وهو أستاذ كبير وعلامة من علامات الإعلام العربي.
في هذه الفترة طبعاً عرفت الأستاذ حسن القرشي، وعرفت غازي، والدكتور عبد الله بعد ذلك بقليل، وأعجبت به ولديه إحساس السخرية الهائل، لكن كان هناك حدثان مهمان جداً أيضاً حدثا في حياتي وحياة الجامعة وحياة جدة، أحب أن أنوه بهما في هذه الأمسية الجميلة وهي انعقاد أول مؤتمر للأدباء السعوديين، وكان هناك زميل لنا أمساه الله بالخير أرجو أن أراه في هذه الزيارة أو التي تليها ألا وهو الأستاذ الدكتور محمد عمر الزيان، أستاذ التاريخ وهو الذي تعاقد معي في مصر، كان عميداً لكلية الآداب، وشديد التحمس دائماً للمشاريع الثقافية الكبرى ومن الأشياء الجميلة التي عملناها هو أنه فكر في أن يعقد أول مؤتمر للأدباء السعوديين تتبناه كلية الآداب، وفعلاً تم انعقاد هذا المؤتمر وكان ناجحاً نجاحاً شديداً، وأبرز حجم الحركة الثقافية السعودية والأدب السعودي المعاصر وتأثيره وقوته، وأعلامه وتياراته وهذا كان علامة مميزة لا أعرف لماذا لم تكمل بعد ذلك؟ عُقد آخر بعد 25 سنة نرجو ألا يُعقد الثالث أيضاً بعد 25 سنة.
عرفت أستاذنا الكبير جداً طبعاً من خلال عبد الله جفري، عرفت أستاذنا الكبير -رحمه الله- الأستاذ محمد حسين زيدان، وأذكر من المشاهد التي تأثرت في حياتي جداً الحقيقة يوم حرب أكتوبر عندما اندلعت،وجدت الأساذ زيدان يطرق الباب على شقتي المتواضعة في شارع المطار ويدخل ويجلس ويقول لي أنا أحسست اليوم أنني أريد أن أكون معك أنت بالذات، فهذه عظمة الزيدان، وهذا كان مبلغ حبنا له ومبلغ تقديرنا وإعجابنا به.
شيء ثالث نحن أيضاً عملناه في الجامعة بتشجيع من معالي الدكتور الذي شرفني بكلمته العظيمة الدكتور محمد عبده يماني وكان مديراً للجامعة في ذلك الوقت، وهودكتور مستنير وكان زميلاً لنا في جامعات أمريكا كان هو يدرس العلوم ونحن ندرس أدب، لكن عندما جئنا وكنت أنا وهو الدكتور عبد العزيز حموده زملاء في جامعات أمريكا في ذلك الوقت، لكن تعرفنا ببعض كان شديد التدين، لكنه أيضاً شديد الاستنارة، وهذا عرّفني أول مرة أن التدين الشديد لا يتعارض مع الاستنارة أبداً، بالعكس الإسلام دين علم ودين استنارة ودين فكر، ودين تفتح، وهذا كان درس أنا تعلمته من محمد عبده يماني حقيقةً لأنهم كانوا يعلمونا في القاهرة أن الاثنين متعارضين، يا أما تكون يسارياً أو تكون متديناً، أنا أتكلم بصراحة، فتعلمت من هذا الشخص تزاوج العلم مع الدين مع القيم والأخلاق والمثل العليا، وكان في ذلك الوقت من الصعب جداً أن الواحد يفكر أن تقدم في جامعة من جامعات المملكة العربية السعودية مسرحاً، مسرح يعني (مُجَرَّمْ) ذات تشخيص وأشياء مثل هذه، فجعل الدكتور يماني لنا أنا وعبد العزيز حموده ما رأيكم نعمل مسرحية باسم الجامعة، فعلاً بتشجيعه وبشجاعته قدّمنا مسرحية (البخيل) لموليير وهي مسرحية جميلة، وصادفتنا عقبة واحدة وهي أنه كيف يمكن نصور ابنة البخيل التي كانت تسرق فلوسه وتعطيها لخطيبها، هذا في الحدث وهو يكتشف السرقة ويجلس يقول منولوج ينعي فيه نفسه، وبخله، فقلنا طيب ماذا نفعل؟ قال طبعاً استحالة نحن أن نضع شخصية نسائية، واستحالة أيضاً أن نأتي بطالب من الطلبة يعمل شخصية نسائية، فالمخرج الذي كان عبد العزيز حموده وبجرأة شديد ماذا عمل ساعتها؟ أحضر طالباً ضخماً جداً طويل جداً وعريض جداً وذراعه كبيرة جداً، فلما جاء البخيل عمل هذا المشهد فأدخل ذراعه وطلعها وذراعه فيها أساور كأنها ذراع امرأة، فعرفنا بعد الذراع الضخم هذا هو بطل المسرحية الحقيقي، لأن الناس شغوفة لمعرفة شكل السيدة صاحبة هذا الذراع، المهم قدمت جامعة الملك عبد العزيز المسرحية وقدمت مسرحية جريئة، وبتشجيع من مديرها العظيم الدكتور محمد عبده يماني، ومن ساعتها أعتقد أن هناك انطلاقة حصلت في المسرح السعودي، في الأندية الثقافية، وفي رعاية الشباب، وتعرفت في تلك الفترة بعدها أيضاً بصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله- وكان أيضاً مثالاً للصداقة العميقة وعرفت أن الوظيفة الوحيدة لوزراء الثقافة ووكلاءها أنهم يسهلوا الوسائل التي تصل ما بين المثقفين وبين جمهورهم أن يجعلوا من الثقافة قضية مطروحة يومياً على الشارع، ومن الأمثلة التي رأيتها في حياتي أن الثقافة لا يصنعها إلا المثقفون ولا يصنعها الوزراء.
جاءنا أحد الوزراء من دولة شقيقة وكان يطرح علينا أنه من إنجازاته -أنا لن أقول الدولة لأنها ليست السعودية- دولة أخرى في الشمال، فيقول أنه من إنجازاته إن شاء الله سوف يحضر معرض للفنان العالمي بيكاسو سيعرضه وسيكون أول إنجاز يعمله، وهو سعيد بهذا الإنجاز وإن شاء الله بإذن الله سيوجه الدعوة للأخ بيكاسو حتى يشرفه في المعرض، طبعاً واضح أن الوزير نفسه لا يعلم شيئاً عن الثقافة، القصص كثيرة والوسائل كثيرة والمواقف كثيرة، لكن أهم ما في الموقف أني متشرف الآن بالجلوس مع حضراتكم في هذا الجمع البديع والأصدقاء والأخوة، ومرة أخرى شكري العميق لمعالي الشيخ عبد المقصود خوجه، ولكم جميعاً ولكل أصدقائي الذين تكلموا كلام لا أستحقه وأنا مستعد الآن لأي حوار شكراً جزيلاً.
الشيخ عبد المقصود خوجه: يا ليتنا مع كل ضيف نستطيع أن نرى حلقات من الضوء من حياته تضيف لنا أشياء جديدة، فاليوم أنا أعرف الأستاذ محمد سمير سرحان من خلال كتبه، من خلال أصدقائه، لكن اليوم سمعت شيئاً جديداً وأظن أنتم كذلك أتمنى إن شاء الله أن أساتذتنا القادمون يمتعونا بحلقات من الضوء بهذا الشكل، شكراً لك يا سيدي تفضل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :622  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 52 من 147
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الخامس - حياتي مع الجوع والحب والحرب: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج