شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ الدكتور حسين الحياني ))
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين.
أزجي في البداية جزيل الشكر وخالص الامتنان لصاحب الاثنينية الشيخ الأديب عبد المقصود خوجه الذي عوَّد رواد الاثنينية على اختيار عَلَم من أعلام الأمة، وفارس من فرسان فكرها، ليكون محل تكريم وعناية واحتفاء، وتلك لعمري سنة حميدة، تخلد أمجاد الأمة، وتؤرخ لرموز نهضتها وحضارتها، وتجعل العلم رَحِماً بين أبناء الأمة، يشد أزرهم، ويقوي آصرتهم، فيكونون قوة قادرة على مجابهة التحديات.
وفارس الاثنينية اليوم، عالِم الزيتونة بلا منازع، وفقيه القيروان بلا مدافع، البحاثة الطُّلَعة، والأستاذ المبرِّز، الدكتور محمد ابن الهادي أبو الأجفان، عرفته عالماً مطلعاً مكيناً، ومحققاً ماهراً أميناً، دخل عالم التراث المغربي والأندلسي من أوسع أبوابه، فكان رائده الصادق، ذلل ببحوثه القيمة الفذة صعابه ومسالكه، وهذب بتنقيبه المستمر شوارده وغرائبه، وسنَّ للباحثين فيه طريقاً مسلوكاً، وقدم إلى المكتبة العربية جواهر من نفائسه، مازالت خير شاهد على عبقريته، ينهل من صفائها عشاق المعرفة من العلماء والباحثين والمحققين.
وإذ لم يسعف الوقت المحدد لهذه المشاركة لتتبع هذه الجواهر، واستبانة ما فيها من درر العلم، ونفائس المعرفة، وتجلية ما زينها من وجوه الجدة والأصالة والإبداع، فإنني أقصر كلمتي على مقدمات كتبه المحققة، هذه المقدمات العلمية القيمة الحافلة، أجيل النظر فيها مسجلاً مميزات وخصائص عَنَّت لي وأنا أقرأ –مستمتعاً- هذه المقدمات.
ولعلّ أول ما يطالع القارئ الحصيف في هذه المقدمات ذلك التوسع المقبول في القسم الدراسي للكتاب المحقق، ففي قسم ترجمة مؤلف الكتاب ترى الأستاذ المحقق يتتبع المصادر النادرة ويستقصيها مخطوطة ومطبوعة، ويجتهد في تطعيم مادة الترجمة بجديد ليس في مظان الترجمة، فيستقي هذا الجديد من نص فقهي مغمور، أو مناظرة عابرة، أو حديث شيخ في برنامج شيوخه، أو فهرسة مروياته، حيث لا يتوقع عادة ورود هذه الفوائد في تلك المظان. ونلمس هذا على سبيل المثال في برنامج المُجاري، وانتصار الفقير السالك لشمس الدين الراعي.
ولا يقتصر على هذا بل يبين الأوهام الموجودة في كثير من التواريخ، والأسماء، والكتب، والشروح، فهو يقارن ويوازن، ويسعى إلى الحق والصواب في كل ما يقرر.
 
وفي دراسة الكتاب المحقق، يثير مسائل تمس القضايا الكبرى للكتاب، وتجيب عن تساؤلات تعتبر مفاتيح لفهم مضمونه، فلا يكاد القارئ ينتهي من الدراسة المقدِّمة للكتاب إلا وقد ألم إلماماً شاملاً بالإطار المعرفي له، والقضايا المطروقة فيه، فانظر إليه في مقدمة كتاب (انتصار الفقير السالك) يضع معضلة الكتاب أمام القارئ، ويبرز محاوره الأساسية بدءاً بالاجتهاد واختلاف العلماء، ثُمَّ تحدث عن مناصرة المذهب، ومَيَّزَ في دقة وإحكام بين المناصرة الناشئة عن الدليل، والتعصب المذهبي القائم على الهوى.
وفي ذكر الكتب والدراسات المؤلفة حول المخطوط المحقق، ترى كذلك تتبعاً واستيفاء لنادر الكتب، وقديم الشروح، وجيد المنظومات، يسوق كل ذلك سوق العارف الفَهِم موصلاً بأصوله، مرجوعاً إلى مصادره، غير واقف بها عند مسرد بروكلمان مثلاً، أو فؤاد سزكين، أو ما ورد في كشف الظنون وذيوله.
ثم إن والحق أن هذه المقدمات لا يمكن أي مقدمات كتاب الدكتور محمد أبو الأجفان لا يمكن فهمها فهماً سليماً، إلا إذا وضعت جنباً إلى جنب مع مقدمات كتب جيل المحققين الرواد، أمثال محمد بن تاويت الطنجي، ومحمود شاكر، والسيد أحمد صقر، ومحمود الطناحي وغيرهم، حيث تلمس في تلك المقدمات علماً غزيراً نافعاً، ونفساً معرفياً طويلاً، وأسلوباً سلساً متيناً، وتحقيقات شيقة بارعة، وتجربة شخصية غنية، تنبئك عن سعة الإطلاع، وموفور الزاد، ونفاذ البصيرة، مع عشق لكتب التراث، وصبر دؤوب على التنقير فيها، واستجلاء مكنون خفاياها، ومستور ذخائرها.
كما يلحظ القارئ المتأمل انسجاماً وتناغماً بين مفاصل القسم الدراسي للكتب المحققة، فالترجمة تهيؤك بعناصرها المتآلفة لدراسة الكتاب، والدراسة تأتي صنواً مكملاً للترجمة. فلا تنافر ولا تباعد بين أجزاء الدراسة، وإنما هي تكامل وتناسق وانسجام.
يحرص الأستاذ أبو الأجفان على متابعة كتبه، ولا يكتفي بطبعها وإذاعتها فحسب بل يتتبع آثارها، ويتحسس ما تلقاه من استحسان ونقد عند القراء، ويتعهدها بالتهذيب والتنقيح والتصحيح، وذلك شأن أي عالم يتوخى نفع أمته بما يكتب، ويتوق إلى تقديم الجديد المفيد في مجال تخصصه، واستئناف البناء في صرح العلم الشامخ حيث وقف الأسلاف.
ويلفت انتباه القارئ في هذه المقدمات برور الأستاذ أبو الأجفان بشيوخ العلم الذين استفاد منهم، إذ قلما تقرأ له مقدمة لكتاب من كتبه إلا وتجد ثناء عطراً يضفيه على ثلة من أهل العلم ذاكرهم
وناقشهم وأفاد منهم، واعترافاً بالجميل لشيوخ ساهموا في تكوينه وثقافته، وأمدوه بزاد معرفي غزير.
وهذا من شيم المتقدمين من أعلام الأمة، تفان في خدمة العلم، واتشاح بلباس التواضع له ولأهله، وإقرار بفضل السابق وعلمه، فكان حفظه الله مثالاً في نبل الأخلاق، بريئاً من نظرة التعالي والاستهزاء، نقي الصدر، سليم الطوية، لا يحمل حقداً، ولا ينسى فضلاً، يستفيد من كل أحد ولو كان دونه في العلم، ويتقبل ملاحظاته بصدر رحب، وهو في هذا السلوك نموذج فريد قلَّ نظيره من بين الباحثين.
وأخيراً فارس أمسيتنا عالم موهوب، حصَّل من بطون الكتب وأفواه الرجال، ومجالسة العلماء العلم الوفير، ووعت حافظته من سير العلماء، وأخبار الفقهاء، ومجاهل المؤلفين، وأعلاق كتب التراث، معارف قل أن تجدها عند غيره من أهل جيله، برع في علم المخطوطات انتقاء وفهرسة ووصفاً وتحقيقاً ونشراً، وحمل لواء الدفاع عن هذا التراث، والذود عن حماه حتى لا يدنسه المتطفلون والأدعياء.
حفظ الله شيخنا الأجل أبو الأجفان، وبارك في عمره، وجعله موئلاً للعلمِ وأهله، وأعتذر إن أطلت، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: الشعر له مشاركة في هذه الاحتفائية وهي الكلمة الأخيرة في كلمات الاحتفاء قبل أن ننتقل إلى فضيلة المحتفى به، سعادة الشيخ العالِم الشاعر محمد بدر الدين فليتفضل.
 
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :583  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 26 من 147
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج