شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا وقدوتنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
حضرات الأساتذة الأفاضل، حينما جلست لأفكر في عناصر أتناولها بالكلام، في هذا التكريم الذي أقامه الشيخ عبد المقصود مشكوراً ومثاباً على رعايته أهل العلم الشرعي، أقول حينما جلست لأكتب أو لأسجل بعض العناصر استحضرت عنصرين اثنين: تمثلت أمامي حاضرة القيروان، وتمثل أمامي ما أعرفه والذي أعرفه كثير من المسيرة العلمية لأخي وصديقي الأستاذ الدكتور محمد أبو الأجفان، وبدا لي -وإن كنت أفضل أن أتحدث في مثل هذه المجالس بدون ورقة- بدا لي أن أكتب لأني قلت في نفسي ما سأكتبه سأحتفظ به ضمن تحايا أخرى من جنسه أحتفظ بها وتذاع في الناس ذات يوم. قلت فيما كتبت، وأحب أن أكمل ما كتبت: القيروان، وما أدراك ما القيروان؟ مطلع الكواكب النيرة الوقَّادة، ومنبت الدوحات المونقة الميَّادة، ضاءت بتلك وتضوعت بهذه صحائف أبي العرب والخوشاني والمالكي والدباغ وغيرها كثيرٌ كثير، كيف لا؟ وقد صاغوا جميعهم صحائفهم جميعها من سير غادقة بنافع علم، وراشد فقه، عابقة بعميق إيمان وحميد خلق، بهذه وتلك ظفر أبناء القيروان أصباحها معطرة الأنفاس محبرة الأردان، وعلى عاقب الزمان ظلوا يبرون العرصات المنيفات التي يباركها ليلها والنهار، دفق النور الذي ينهل عليها من صومعة عقبة بن نافع، يوشون أصباحها بصوب عقولهم وذوب نفوسهم، يضمخون أماسيَّها بصالح أعمالهم وفاضل أحوالهم، ليس في التوق عدَّهم حسبي أن أعدَّ لكم منهم: أسد بن الفرات، وسحنون بن سعيد، وسليمان بن عمران، وعبد الله بن الزيد، ومحمد سحنون، وخلق لا يحصون، أولئك آباء محمد أبو الأجفان، أقطاب علم أقمار دين، أنضاء عبادة، باهت بهم القيروان منبتهم المبارك حواضر المشيخات العلمية الكبرى في مشرق من بلاد المسلمين ومغربه، في أكنافهم نشأ أبو الأجفان ودرج، من أنوارهم استمد أبو الأجفان وقبس، وعلى هديهم سار نهاره وأدلج ليله، نذر نفسه مثلما نذروا نفوسهم، في الحضر وفي السفر يرعى حق الرعاية ما ورَّثه آباءه القيروانيون، فقه مالك الإمام، دار الهجرة وعمل أهل المدينة، أستجلى أصوله استكشف مسائله وأحكامه، استنطق قواعده وكلياته تحقق بحدوده وبجواهره، وتعرف على فتاواه ونوادره وزياداته وألغازه كذلك، وبموفور عزم وموصول جد لبث أبو الأجفان من عمره سنين يصاحب الفقهاء والمالكية خاصة، يغرف من حياضهم وينهل من ينابيعهم، يتتبع شأنه شأن الباحث عن الأعلاق مشارق أنوارهم مساقط غيثهم، منابت أغراسهم، في القيروان أولاً ثم يتخطى حدود القيروان يضرب في أرض الله مشرِّقاً مرة ومغرباً أخرى، مطوِّفاً بالآفاق الرحيبة بحثاً عن شعاع من تراث فقه المدينة النبوية، وبغداد والشام والإسكندرية وصفاقس وتلمسان وفاس ومكناس وقرطبة وإشبيلية وغرناطة، يختلج به هذا الأفق أو يلمع به ذلك الأفق، ثم يؤوب من تطوافه قرير العين مبتهج النفس بالغنيمة التي ظفر بها، يعكف عليها أيامه والليالي ذوات العدد، يستخرجها من بين فرس ودم سائغاً شرابها ويجلوها بهياً مظهرها والمخبر، كذلك كان صنيعه بالرسالة لابن أبي زيد القيرواني مع غرر المقالة، وكذلك كان صنيعه في (أجساد السالك إلى أفعال المناسك) لابن فرحون، وكذلك كان صنيعه مع (الفروق الفقهية) لأبي الفضل مسلم الدمشقي، والتعريف بالرجال المذكورين في (جامع الأمهات) و (المذهب في ضبط مسائل المذهب) لابن راشد، و (الكليات الفقهية) للمقري التلمساني، و (شرح الكليات الفقهية) لابن غازي المكناسي، وفتاوى الإمام الشاطبي، وفتاوى ابن سراج الغرناطي، و (اقتصار الفقير السالك لترجيح مذهب الإمام مالك) لشمس الدين غالي.
إلى هذه الجهود المضنية في البحث عن نوادر كتب المذهب الخطية وتحقيق نصوصها مما ضربنا له الأمثال شُغِل ابن القيروان البار الذي رضع حب مذهب عالم المدينة بين أفياء القيروان وأشذائها بالتعريف بأعلام فقهائها وآثارهم، فحبَّر صحفاً ماتعةً مفيدة عن شخصية عبد الله بن أبي زيد القيرواني، وأخرى عن سراج القيروان الإمام محمد بن سحنون، وثالثة عن أعلام آخرين حملوا علم القيروان يضوءون به مجالس الإقراء والتدريس في غير حاضرة، وفي غير حاضرتين، وفي غير حواضر، وإلى هذا وذاك انتصب فتى القيروان، في غير مجلس من مجالس العلم يبث ما حصَّل من إرثها الفقهي المالكي وهو غاية في الثراء، وينشر ما وعى من أصوله ومسائله وقواعده في عقول طلاب العلم وذواكرهم.
هناك في أبهاء (الزيتونة) منار العرف وحصن الإيمان، جلس الشيخ أبو الأجفان يحفُّ به طلبة الفقه يحاضرهم في أصوله وفروعه، يسلخون في صحبته الأعوام لبتخرجوا به وقد حملوا من علمه وتزودوا من منهجه، لينتشروا وفيهم الإفريقيُّ وفيهم الآسيويُّ وفيهم العربيُّ وفيهم غير العربي في الأرض مشرقها والمغربيّ يذيعون ما أفادوا من شيخهم وأجازهم به.
وهنا في رحاب أم القرى مبعث النور الغامر ومهبط الوحي الباهر، جلس الشيخ أبو الأجفان يبث علمه فيمن يحلِّق حوله من طلاب يغرفون من رياضه، عام في إثر عام حتى يتخرجوا به وقد حصَّلوا من العلم واستوعبوا من أصوله ومن قواعده ومن مسائله ما يؤهلهم لتبليغه والنفع به، حيث يستقر بكل منهم المقام من حواضر العلم مشرقها والمغربي.
هذه الجهود المثمرة التي استقرها الدكتور الشيخ أبو الأجفان في خدمة الفقه المالكي بإحياء نصوصه والتعريف بأعلامه، ودرس متونه وبث أصوله وقواعده في حلقات الإقراء ليس الحامل عليها والدافع إليها تعصب للمذهب أو تحيز له، ومن ينظر في أعمال الشيخ مما ذكرنا منها ومما لم نذكر سرعان ما يتبين له بأنه بإزاء عالم واعٍ بالقيمة العلمية لكافة المذاهب الفقهية، مدرك لأثرها البالغ في بلورة أحكام الشريعة وتفعيلها في حياة الناس خاصة وعامة، بما يسهم في تيسيرها وتتحقق به مقاصد الشرع الحكيم من هنا أُلَخِّصْ: خدمة الشيخ أبي الأجفان الفقه المالكي مناصرة لهذا المذهب لا يُسلب معها ما لتراث كافة الفقهاء قيمة وفضل من أيِّ أهل مذهب كانوا ومن أي نحلة.
أيها الأخ الأود والخل الأكرم العالم الأجل والفقير الأكمل، إن ما وصل بيننا من أسباب الود وما جمع بيننا من أواصر العلم على مدى ربع قرن وهو أي العلم رحم بين أهله يتيح لي قبل أن يتيح لغيري أن أعلن على رأس الأشهاد أنني كلما قرأتُ لك أو سمعت منك أو لاحظت ما تأتي من فعل وما تذر من فعل إلا واستحضرت ما عرفته من مستفيض أخبار فقهاء القيروان عما أجادوا من معارف، وما أتقنوا من علوم، وعما كانوا يتحلون به من خِلالٍ حميدة وخصال شريفة، أَوَلا يكون من حقي بعد هذا أن أهنئك بقولي بشراك قد حَمِدت لك القيروان مسراك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: من حق الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي أن يأخذ من الوقت أكثر مما خُصص فهو يقدم ورقة معرفية حول نتاج ضيفنا المحتفى به سعيدون بهذه الكلمة، وشاكرين له..
الشيخ عبد المقصود خوجه: لمثل هذا فليقل القائلون يا سيدي..
عريف الحفل: الكلمة الآن لفضيلة الشيخ محمد علي الصابوني عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى وصاحب التفاسير سابقاً فليتفضل.
الشيخ عبد المقصود خوجه: صاحب التفاسير المشهورة، وخادم كتاب الله.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1104  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 23 من 147
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج