عريف الحفل: والآن نوجه الأسئلة التي وردتنا لفارس اثنينية هذا الأسبوع، فهذا سؤال من الأستاذ حسين عاتق الغريبي يقول: |
في مقالكم بالأمس (الأحد) في جريدة (الرياض) وتحت عنوان (طاقة كل مجتمع محكومة بالثقافة الموروثة) قلتم في ختام المقال: |
"اللقاء بين المجتمعات في العالم الثالث وبين التقنيات كان لقاء الاستعمال البارد الخالي من الدهشة، لذلك بقي هذا اللقاء بدون تأثير، بعكس المجتمعات المزدهرة صناعياً فإن خرائطها الذهنية قد أعيد رسمها وتشكيلها أثناء نهضة الفكر وما رافقها من عمليات التطور التقني المدهش" السؤال: هل يعني كلام سعادتكم هذا عدم إمكانية تجاوب شعوب العالم الثالث مع الفعاليات التقنية والثقافية (الحالية والمقبلة) للعولمة الجديدة؟ |
الأستاذ البليهي: نعم هي قادرة ولكن بشرط أن يؤسس على ناحية فكرية بحيث يتم تصحيح منظومة القيم، مثلاً المعرفة عندنا ليست قيمة، المهارة عندنا ليست قيمة، عندما يتقدم الشاب للخطبة لا يُسأل عن مهاراته وقدرته العلمية وإنما يُسأل عن وظيفته، فالمعرفة عندنا قيمة هامشية وحتى عندما نتجه للتعليم لا نتجه اقتناعاً بقيمته وإنما نتجه إليها رغبة في الحصول على الشهادة التي هي أيضاً تعطي شيئاً من الوجاهة ثم أيضاً تضمن مصدراً للعيش. |
عريف الحفل: الأستاذ عبد الرحمن المعمر: كاتب وناشر وصاحب مجلة عالم الكتب يقول: |
نقرأ دائماً في تراثنا عبارة الإمام المجدد، فإن كنا نقبل التجديد في الماضي فلماذا لا نقبل التجديد في مناهجنا ومدارسنا؟ |
الأستاذ البليهي: يبدو أن أجدادنا وإن كانوا لا يخلون من عاهات كثيرة ولكنهم كانوا أفضل منا كثيراً، يبدو أن كل جيل يرث كل عاهات السابقين ثم يضيف إليها عاهات جديدة، فالسابقون كانوا يعترفون بالمجدد، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "يبعث الله على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة أمر دينها"، فالتجديد جزء أساسي من أصل ديننا، ومع ذلك نحن نرفضه، لما وصلنا إلى أقصى حالة من حالات الانغلاق الآن لا نقبل فكراً جديداً ولا رأياً جديداً ولا وافداً جديداً إلا إذا كان جاهزاً للاستعمال كالسيارة، أو طائرة أو شيء من المظاهر الاستهلاكية. |
عريف الحفل: الأستاذ عبد الحميد الدرهلي يقول: |
نتساءل في كثير من الأحيان عن سبب تعثر المجتمعات النامية في خطواتها نحو التقدم وتضييق الفجوة بينها وبين المجتمعات المتقدمة، بل معظمها يسير القهقرى بالرغم من الندوات والاجتماعات والمؤتمرات وورش العمل التي تعقد على مدى السنة، وما تحفل به من أوراق العمل وتنتهي إليه من قرارات وتوصيات لماذا؟ هل نأمل في أن نتوقع تحسناً وتقدماً أم نظل هكذا على ما نحن عليه نحن العرب؟ |
الأستاذ البليهي: بدون نهضة فكرية لن يتغير أي شيء حتى ولو عشنا إلى أن تقوم الساعة، لن يتغير أي شيء، بدون إعادة منظومة القيم التي تجعلنا نقدر القيم الحضارية التي تؤدي إلى ازدهار المجتمع لن يتغير بشيء... |
عريف الحفل: الأستاذ عبد الله فراج الشريف يقول: |
حيا الله جهودك المباركة في مشروعك الفكري الذي نتابعه باهتمام، ونذكرك ببحث منه نُشر في جريدة (الرياض) عن مكمن ضعف الشخصية العربية، والذي جعلته في الرغبة في الكلام وكأنك تنحو نحو مقولة الأستاذ عبد الله القصيمي (العرب ظاهرة صوتية) فهل هذا صحيح، وأخيراً: هل يرى أستاذي الكريم أن الشعر جاهلياً كان أم إسلامياً له القدرة على إثبات عن صفات سلبية فينا عبر العصور كدليل يُعتمد عليه، أرجو إجابتك؟ |
الأستاذ البليهي: نعم حاولت أن أدرس جانباً واحداً في مكمن الخلل في الشخصية العربية فوجدت أن الحقيقة ليست لها قيمة في الثقافة العربية، بدليل أن الشاعر يأتي لقبيلة وضيعة فيقول فيها قصيدة مدح ثم ترتفع القبيلة لم يتغير فعلها ومع ذلك ترتفع في نظر الناس، العكس قبيلة عالية مثلاً فيقول الشاعر فيها قصيدة هجاء فتهبط وهي صاحبة المجد الحقيقي، المرأة الدميمة يكون لها بنات دميمات فيقول فيهن الشاعر قصيدة فتتزوج هؤلاء النسوة الدميمات، عندنا القول يقهر الفعل، لا نطبق الواقع نهائياً وإنما يهمنا ماذا يقال لذلك قال الشاعر: |
قد قيل ما قيل مـن صـدق ومـن كذب |
فما اعتذارك عن قول إذا قيلا |
|
|
لو قيل كلمة سيئة في مجلس هايف لصبح هوا الرجل ساقطاً، نحن نعتمد على ما يقال ولا على ما يُفعل. |
الشيخ عبد المقصود خوجه: فضيلة الشيخ محمد شريعتي السفير الدائم لإيران في منظمة المؤتمر الإسلامي يود أن يطرح سؤالاً عليكم بنفسه فليتفضل. |
الشيخ محمد شريعتي: شكراً لهذا الفكر العظيم والنقد اللاذع ولكن لا بأس بطرح سؤال من أعجمي في هذا الموضوع وهو أنه هل أنا شخصياً أعتقد أنه إذا لم يكن للعرب مؤهل ما كان ينتشر الإسلام لغير العرب بمعنى أن تأثير القادة الذين قالوا أتينا لنخرج العباد من عبادة العباد لعبادة رب العباد، وأيضاً كما قلتم وذكرتم مصيبة أهل البيت، فأهل البيت هم من العرب هذه الخصوصية التي نراها وأنتم أكدتم عليها على أن الآخرين يسبقوننا بالعمل كما قال الإمام علي في نهج البلاغة "الله الله في القرآن لا يسبقن العمل به غيرك، هذا المسألة صحيحة نحن عندنا مشكل وتعرفون أننا من طبيعتي أن أتقبل كلامكم بالكل خصوصاً حول المجازر في تاريخ الإسلام، وكل شيء، ولكن هذا التاريخ له وجهان وأنا لا أقبل أن كل أمة من ناحية الزمن تتقدم إلى الأمام ممكن نحن خطونا خطوات في أزمان سابقة كنا أعلى من وضعنا الحالي، التاريخ ليس شيئاً محدداً يذهب إلى الأمام خصوصاً في الفكر وفي الإنسانية، من هذا التفكير نقول نحن كعرب وكمسلمين عندنا المؤهلات اللازمة للرقي فكما كان عندنا في أحلك الحالات هذه الحالة، ولا بأس الإشارة إليها ولكن أنا أقدر تقديركم وتقييمكم العالي والدقيق للحضارة والموجودة وللنقد اللاذع للتاريخ.. وشكراً. |
الأستاذ البليهي: الواقع باستمرار أسمع أنه لو لم يكن العرب مؤهلين لحمل الرسالة لما أنزل الله إليهم الرسالة وأنا أعتقد أن هذا تحليل غير صحيح أبداً إطلاقاً، لأن العلاج لمن يستحق المرض، أو أكثر الناس استحقاقاً للمرض هو الذي يعالج ونعتقد أن العرب كانوا في جاهليتهم أشد الأمم حاجة للعلاج لأنهم كانوا أمة جاهلية وثنية وبدون حضارة، ولو لم يأت الإسلام للعرب لما كان للعرب أي شأن، فالإسلام هو الذي بنى العرب، وبدون الإسلام لم ولن يكونوا شيئاً، الناس لآدم وآدم من تراب لا أعتقد أن للعرب خصوصية عرقية أعتقد أن الله سبحانه وتعالى أرسل القرآن إلى رسوله وكلفه برسالته ليس لأن العرب أفضل من غيرهم وإنما لأنهم أمة أحوج الأمم لهذا الإسلام، ثم إن معجزة الإسلام هي القران ولا بد أن يأتي هذا الكتاب من أمة هي أمة أمية لو خرج هذا القرآن من أمة متحضرة ربما يكون محل شك، لكن لأن هذا القرآن الكريم العظيم خرج في أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب فهو في حد ذاته معجزة بدون أي معجزة أخرى. |
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ غازي زين عوض الله رئيس قسم الإعلام بجدة يقول فيه: |
الأدب تسيس والأدباء متسيسون ولم يعد هناك من يمثل صوت وضمير الأمة، كيف تفسرون ذلك وفق المسؤولية الاجتماعية ونظرية الأدب؟ |
الأستاذ البليهي: الواقع أن الثقافة العربية لم تعرف المثقف بوصفه المعروف في الغرب لم تعرفه نهائياً، مثلاً نقرأ الثقافة الغربية نجد أن المثقف موجود في القرن الخامس قبل الميلاد ثم انقطع في العصور الوسطى ثم عاد ثانية، فالمثقف أصلاً بوصفه مرشداً لحركة المجتمع لم يكن معروفاً في التاريخ العربي مطلقاً، ولهذا أنا أعتبر أن هذا فرق جذري بيننا وبين الأمم التي تبيح تداول الفكر، في المجتمعات الديمقراطية الغربية السياسة جزء من نشاط الفكر بينما الثقافة والفكر هما جزء من نشاط السياسة عندنا، الثقافة إذا كانت مرتبطة بالسياسة وتابعة لها ماذا تنتظر منها؟ |
عريف الحفل: الدكتور إبراهيم علوي يقول: |
ينطلق المرء من مبدأ الألم أو اللذة كما يركز على ذلك أستاذنا البليهي ويلاحظ على أسلوبه ألم المعاناة. فهل ينم ذلك عن ألم المخاض الذي يسبق الإبداع أم هو انعكاس للألم الذي يجده أستاذنا من أسياط التخلف؟ |
الأستاذ البليهي: أعتقد أن المجتمع العربي من أجهل الأمم بالنفسية البشرية بينما تجد عند الغرب بدأ عندهم الاهتمام بالنفس بالإنسان منذ القرن الخامس قبل الميلاد كان شعار سقراط هو اعرف نفسك، ما لم تعرف نفسك فلن تستطيع تشغيلها، لو كانت لديك طاقة عقلية هائلة يمكنك أن تجمد هذه الطاقة ويمكن أن تقوم بتشغيلها تشغيلاً نافعاً، فالعرب لم يحاولوا التعرف على الطبيعة البشرية. ومن هنا جاء فشل التعليم لأن الآن الطفل لدينا وعمره سبع سنوات يحمل حقيبة مدرسية تكاد تقطع رقبته من كثرة المقررات، لأننا نعتمد على الكم لا على الكيف، والمدارس تعلمنا كره العلم والكتاب والشواهد واضحة وكثيرة، الطلاب إذا خرجوا من امتحاناتهم يرمونها مع الزبالة.. ومن إهمالنا مسألة أهمية معرفة الطبيعة البشرية وأنها منقادة للذة وهاربة من الألم فالطالب الذي يدرس وهو متألم لا بد أن يكره الكتاب ولهذا يجب أن لا نجعله يتألم يجب أن نقلب العملية تماماً بأن نجعله محباً للكتاب ومستمتعاً به وما لم يحب الكتاب لن يتعلم مهما كثرت الجامعات. |
عريف الحفل: الأخ محمد مراد يقول: |
قلتم بأن تاريخنا ليس تاريخاً ملائكياً، ودللتم على ذلك بأمثلة عديدة، ما المخرج من حالة التشرذم العربي الذي نعاني منه حالياً؟ |
الأستاذ البليهي: كتبت قبل عشر سنوات تقريباً مقالاً عنوانه "الأمة التي تعشق دمامة ذاتها" فأنا أعتقد أن المجتمع العربي هو ذات دميمة، ومع ذلك هو يعشق هذه الذات لا يعترف بنقائضها ولا بعيوبها ويتوهم أنه كامل في كل شيء ومن يتوهم أنه كامل لا يمكن أن يصل إلى الكمال، لأن لن يصل الكمال إلا من يعترف أنه ينقصه شيء، من يظن أنه عالم لا يمكن أن يتعلم ومن يظن أنه لا يخطئ لا يمكن أن يتحرج من الخطأ، نحن أمة تعشق دمامة نفسها ولذلك سنستمر إلى أن نفتح باب النقد لذاتنا وتتسع صدورنا لهذا النقد ويتحول هذا إلى هم عام يتحدث عنه الجميع، بعد ذلك نصبح قادرين على أن نتلقى وأن نستوعب وأن نبحث وأن نحلل. |
عريف الحفل: الأخ عبد الرزاق الغامدي يقول: |
إن النقد الهادف البناء هو مطلب الجميع ولكن بعض رؤساء تحرير الصحف لا زالوا مسكونين بهاجس الخط الأحمر وحجب الآراء لأتفه الأسباب، أما إذا كنت مداحاً فسلام لك من كتاب المديح، ينشر مقالك بالخط العريض، وهذه الظاهرة كما تعلمون تعطي انطباعاً خاطئاً لدى المسئولين مما يجعل النار خامدة تحت الرماد، فما رأيك يا سيدي مما أشرت إليه؟ |
الأستاذ البليهي: أولاً رؤساء التحرير لم يأتوا من اليابان وإنما هم نتاج هذا المجتمع فهم أيضاً عندهم خطوط حمراء كثيرة، لكن أعتقد الآن أن الصحافة بدأت تأخذ هامشاً جيداً ويجب أن لا نكون جبناء ويجب أن نقول ما نستطيع أن نقول الآن المجتمع بحاجة إلى الآراء الأمينة التي توضح عيوبنا وتوضح الإيجابيات. |
عريف الحفل: هذا سؤال من الأخ مشاري الذايدي وهو صحفي سعودي بصحيفة (المدينة) يقول: الأستاذ البليهي أطلق مصطلح "علم الجهل" لتوصيف وتحديد وشرح ظاهرة "الجهل المتعمد" في ثقافتنا المحلية، كما وصف امتناع إنساننا السعودي عن تغيير عاداته الثقافية "بالغبطة بالجهل". |
والسؤال هو: ما معنى هذه التوصيفات وهل انطلقتَ في تحليلاتك وشروحاتك التربوية من واقعك المحلي المحض وليست ذات طابع عام؟ |
الأستاذ البليهي: أعتقد أن علم الجهل ليس خاصاً بنا فقط، الجنس البشري مزهو بهذه المعرفة حتى المجتمعات المتقدمة، ولا يتحدث إلا عن هذه المعرفة، بينما على مستوى الفرد، نأتي على المعرفة البشرية كلها هي كم هائل بلا حدود، لكن حظ كل فرد ونصيبه حظ بسيط من هذا الكم، إذاً يجب أن نتحدث عن الجهل، لماذا نحن مشغولون بما نعرف لكننا غافلين غفلة مطلقة عما لا نعرف، يجب أن يكون الإنسان عنده إحساس دائم بما يجهل وليس فقط بما يعلم ونعتقد أن هذه يجب أن تدرس في الجامعات ويلفت لها نظر الجميع، من أجل أن يعرفوا أن ما أدركوه من معرفة هو حصيلة محدودة جداً قياساً بما يجب أن يعرفه وبما يمكن أيضاً أن يعرفه. |
عريف الحفل: الدكتور بهاء حسين عزي يقول: |
من شروط النهضة البشرية والاقتصادية والصناعية بالإضافة إلى ما توصلتم إليه ينقصنا التطبيق المتزامن بين العلم النظري المتلقَّى وبين تطبيقه لتحقيق المنتَج، وهذا يحتاج إلى تبني وسائل غير تقليدية للتعليم وقد توصل إلى تحديدها بعض الباحثين في هذا المجال، ونحن في جميع البلاد العربية لم نلتفت بعد إلى هذه الوسائل غير التقليدية التي حددها الباحثون رغم كل الجهود.. هل لكم أن تزودونا برأيكم؟ |
الأستاذ البليهي: أعتقد أن عملية الترقيع لا تجدي شيئاً، نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب منظومة القيم أي أن تكون هذه القيم هي التي تحركنا، الرغبة في المعرفة الولع بالعلم، الاعتزاز بالمهارة، تكريم من يكون ماهراً، تكريم من يكون مفكراً وهكذا، لماذا نحن نعتبر هذا المنتدى يتيماً لا يوجد غيره في المجتمعات العربية كلها، الفكر والمعرفة ليس لهما قيمة والمهارة ليست لها قيمة، مثلاً عندما تذهب إلى مواقع العمل في الوظائف خصوصاً في الحكومية تجد أنها مليئة بالكلام والعجز والضعف في كل الجوانب في اللغة في الإعداد في كل شيء، لأن المهارة ليست قيمة من قيم المجتمع التي ترفع من شأن الفرد، كل إنسان يبحث عن ما يرفع مكانته في مجتمعه لكنه لا يعرف أن المهارة ترفع هذه المهارة أبداً، عندما تصبح المهارة والمعرفة ترفع صاحبها سوف يتغير كل شيء. |
عريف الحفل: الأستاذ عبد الرحمن المعمر يقول: |
الديمقراطية تحارَب من طائفة من الناس بحجة أنها ضد الإسلام ما قولك في هذا الكلام؟ |
الأستاذ البليهي: نحن نخلط بين الوسائل والغايات، مثلاً عندما كنا في السابق كان الناس يحجون على الإبل والبغال وغيرها، الآن نحج على الطائرة، الحج لم يتغير ولكن وسيلة الحج تغيرت، الله سبحانه تعالى يقول وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ وهو الآن لا يُعنى بها رباط الخيل وإنما يعنى بها إعداد القوة، إذن الغاية إعداد القوة وليس الخيل في ذاتها، الشيء نفسه فيما يتعلق بالديمقراطية، الله سبحانه أمر الناس أن يقيموا العدل في الأرض بقدر ما يستطيعون، فعليهم أن يستفيدوا من أي تجربة بشرية تعينهم على تحقيق هذه الغاية، ونعتبر أن المجتمع الغربي لديه تجربة قيمة وثرية في تحقيق العدل، فالتجربة الديمقراطية وسيلة وليست غاية، المسألة ليست مبادئ، المبدأ هو إقرار العدل وإقامة شريعة الله والوسيلة هي الديمقراطية، نستطيع أن نعدل عليها بعض التعديلات، ثم إن بعض الناس يقول بأن الديمقراطية تؤدي إلى إباحة ما لا يباح، أولاً نستطيع نحن أن نضع قيوداً للديمقراطية، الديموقراطية تقول ديمقراطية خاصة، المهم أن تكون الكفاءة في المجتمع هي المعيار وأن يكون الصلاح هو المعيار، أما ما نخشى أن يصل إلى مجتمعنا مما لا نريده فيمكننا أن نضع قيوداً تمنعه، ثم إن الحياة ليست خيراً مطلقاً ولا شراً مطلقاً، كل شيء فيه جانب خير وجانب شر، فلهذا تقوم الحياة على الترجيح حتى في الانتخابات الغربية مثلاً بوش فاز بنسبة ضئيلة للغاية لدرجة أنها وصلت إلى المحاكم، فالمسألة قائمة على الترجيح والتغليب، وهم يرضون به لأنه قائم على العدل. |
عريف الحفل: الدكتور محمد بشير حداد يقول: |
أشكركم وأرجو أن يتسع صدركم للقول بأن الموضوعية تقتضي التصريح بأن كل المخازي في تاريخنا لا تذكر شيئاً بجوار الفظاعات التي يحفل بها التاريخ الغربي حتى الحربين العالميتين في القرن العشرين من الإمبراطوريات والمؤسسات الدينية، ولعلّ المنهج التاريخي المقارن يساعد على الموضوعية، وما يذكر عن المخازي الأموية نُكر بالتمحيص التاريخي الذي قدمه ابن خلدون في تاريخه لا بد من الوقوف عليها وما هو بالتفسير التبريري دائماً. |
الأستاذ البليهي: الواقع تاريخه تبريري دائم وحتى ابن خلدون هو نتاج الثقافة التبريرية، لقد قرأت أن له تبريرات غير مقبولة إطلاقاً فابن خلدون حتى على عظمته هو أيضاً مؤرخ تبريري، مخازي الأمم الأخرى نحن نعرفها ولكننا نتحدث عن مخازينا نحن عن عيبونا عن آفاتنا نحن من أجل أن نتخلص منها، لا تعنينا عيوب الآخرين، تعنينا عيوبنا لإصلاحها، ثم يبدو أن الصحيح مما قرأت من تاريخ الغرب والشرق والتاريخ العربي، أن التاريخ العربي هو أكثر التواريخ نزاعاً حول السلطة، القتل ليس في الأجانب وإنما هو قتل للذات، الاحتراب بين المتنازعين حول السلطة، وهذا ما أردت أن أشير إليه، هناك تقوم حروب فيها مجازر هائلة ولكن لا تكون احتراباً على السلطة ولكن تكون بين بلد وبلد، بين مجتمع ومجتمع أو بين طائفة وطائفة ولكن لا تكون بهذا الشكل الذات تقتل الذات لا لشيء إلا من أجل إزاحة زعيم وإحلال آخر محله. |
عريف الحفل: الأستاذ أحمد العرفج يقول: |
قلت لي ذات لقاء أننا شعوب نعادي الحياة، ما أبرز مظاهر هذا العداء؟ |
الأستاذ البليهي: الإنسان هو ابن بيئته نحن مثلاً نعاني من قطع الأشجار نحن في بيئة صحراوية لا تكتمل الشجرة حتى نبذل لها الجهد مثل ما بذلنا لأولادنا، لذلك تمر على بيت كان ظليلاً جميلاً ثم تمر بعد فترة كوماً من الأخشاب، طبعاً هذا لا يكون عملاً طبيعياً، ثم إن بيئتنا نفسها أنا أعتبر أننا يجب أن نتعامل معها باعتبارها بيئة معادية للحياة فهي بدون أنهار وبدون أمطار ولا تحتمل أي زيادة سكانية لا تتلاءم مع إمكاناتها، ففي يوم من الأيام ستكون كل مواردنا لا تكفي لتوفير مياه الشرب، مثلاً بعد ثلاثين عاماً سنكون خمسين مليوناً كل موارد البلد لن تكفي ولا لمياه التحلية، فيجب أن نتعامل مع بيئتنا بوصفها بيئة معادية للحياة. |
عريف الحفل: معالي الأستاذ إبراهيم الوزير لديه مداخلة يقول فيها: |
المؤسف أن غياب الشورى وغياب آذان الشورى وكأن للشورى آذاناً خاصة "الصلاة جامعة" منذ الخلافة الراشدة وحتى اليوم، والمؤسف أن فلسفة الحكم لدى بعض القيادات في عالمنا العربي والإسلامي وجهت أقسى الضربات لليقظة الفكرية عند بداية الصحوة الفكرية خلال القرن الرابع عشر، واليوم استمعنا إلى المفكر إبراهيم على أسس علمية، وأنا على ثقة لو يُدعم هذا التفكير المستنير على مستوى المدارس والمعاهد ومراكز الدراسات والجامعات وكل وسائل الإعلام لبناء يقظة فكرية علمية، سيكون نتاجها في الواقع العملي أمراً أساسياً هو الابتعاد عن التقديس ومعرفة أن الإنسان يعتمد الخطأ والصواب ومع هذا كانت الأمة مع الأسوأ وليس الأصلح والله ولي التوفيق. |
الأستاذ البليهي: هذا ليس سؤالاً وإنما مداخلة. |
عريف الحفل: الأخ سليمان سالم يقول: |
على ضوء مقولة "نحن نفكر باللغة فهل يمكن أن تمثل لغة شعب ما ولو جزئياً عائقاً أمام تقدمه الفكري والإبداعي ومن ثم الاقتصادي على اعتبار العلاقة الوثيقة بين اللغة والفكر، ونلاحظ أن نمور آسيا الاقتصادية بدأت نهضتها بالاعتماد على اللغة الإنجليزية، وبرأيكم ما تفسير كون ثقافتنا شفهية خطابية واختزالية وتنزع لتصنيم وتنزيه الأشخاص؟ |
الأستاذ البليهي: العرب أصلا نشأوا في صحرائهم لا يجيدون شيئاً إلا اللغة فهم فصحاء في اللغة وهي فنهم الوحيد وهي إبداعهم الوحيد، ليس عندهم إبداع إلا إبداع اللغة وإبداع الشعر، ولهذا نحن مجتمع لغوي نحن ظاهرة صوتية ليس لنا حضارة، أعتقد أن مسألة ارتباط الفكر باللغة أن معظم الناس يفكر من خلال اللغة لا يستطيع أن ينفك من أسر اللغة إلا شخص باحث متعمق لا يمكن أن يستمر ويتعرف بأن أصل اللغة متربص به حتى يتخلص منه، أما بدون هذا الحذر فهو سيبقى مأسورا باللغة، عامة الناس بدون شك هم أسرى اللغة. |
عريف الحفل: السؤال الأخير: الأخ عبد العزيز زكي عمر يقول: |
|
في المجتمعات التي تقوم بها ثورات نتيجة لنظريات عقائدية مثل (الاتحاد السوفيتي) سابقاً لا
يصبح المجتمع مأسوراً بثقافة ورثها عن أسلافه، بل تكون كل ثقافاته نتيجة للبرمجة في كل مناحي حياته إن كانت ثقافية أو غيرها، هل ترون أن هذا يتعارض مع قولكم بأن التناسل الثقافي شبيه تقريباً بالتناسل البيولوجي؟ |
الأستاذ البليهي: أعتقد أن الاتحاد السوفيتي لم يستطع أن يبرمج المجتمع السوفيتي، الأيديولوجية السوفيتية كانت مرفوضة من عدد غفير جداً ربما من معظم الشعب السوفيتي، ولهذا لم يستطع الاتحاد السوفيتي أن يبرمج المجتمع السوفيتي على أيديولوجيته وإنما بقي الناس متوارثين لثقافتهم السابقة للثورة البلشفية، ولهذا ما زلت أقول إن التناسل الثقافي لا يختلف كثيراً عن التناسل البيولوجي. |
عريف الحفل: هذا سؤال من هؤلاء السادة الجالسين أمامنا وأصروا عليه عنهم الأستاذ عدنان محمد حسن فقي محامٍ ومستشار قانوني يقول: |
حدثنا عن ضياع فلسطين وهل سبب ضياعها هو الصراع العربي وأطماع العرب في استحواذها قطعة قطعة؟ |
الأستاذ البليهي: كما قلت في البداية إنه لما انفرطت الخلافة الإسلامية كلٌ توزع بقسط منها ولهذا كان التنازع على السلطة هو الذي أضاعها وهو الذي أبقى إسرائيل قائمة إلى الآن وسيبقيها يبدو إلى أن تتغير طريقتنا في التعامل مع القيم فتصبح قيمنا ليست السلطة ليست هي القيمة الوحيدة التي تحرك سلوكنا وإنما يكون لنا قيماً أخرى إنسانية نستقيها من الآخرين إن لم نستطع أن نبدعها. |
عريف الحفل: أستاذ إبراهيم يبدو أن في جعبتكم الكثير ولكن كما أسلفنا الوقت يداهمنا، ونعتذر لمن لم نتمكن من طرح أسئلتهم وأعتقد أن بعض الأسئلة كانت متشابهة وإن في كلمة الأستاذ إبراهيم الكفاية. |
|
|