مَزِّقي تاريخَ يومي مَزِّقي |
يا رؤى أمسي المُضيء المُشرقِ |
واغسلي بالنَّارِ من ذاكرتي |
شبحاً عنهُ بإحساسي بَقِي |
تلعنُ الأيامُ لي سيرتهُ |
وصمةٌ تصفعُ وجهَ المشرق |
أنا يا أمسي بِما حَمَّلتَني |
أَحسِنُ البَذلَ وأحمي بيرقي |
قَمَّطَتْني جارةٌ كانت لنا |
بخمارٍ عربيِّ الخُلقِ |
كَحَّلَتْ عيني شجوناً وشجى |
وسقتني بيديها أَرقِي |
ثم ألقتني لأحضانِ الأسى |
فأنا اليومَ ربيبُ القلق |
أنا يا أمسي بقايا حفنةٍ |
من نِفايات حشاً محترقِ |
أنا رَجْعٌ لترانيم ارتوت |
من فقاعاتِ هوىً مختلق |
أنا ليلٌ ضاعَ في لُجَّتهِ |
نشوة الفجر وسحرِ الألق |
ورعَى اليأسُ على ساحِله |
ذلَّةَ النفس وحُمَّى الفَرَق |
أنا رسمٌ سَخِرَ الناس به |
غارقٌ بين دموعِ الشفق |
في جبيني سِمَةٌ شاحِبَةٌ |
لضياعي ظِلُّها في مفرقي |
ساعدي شاخت به قوته |
وفمي يلعق زيف المنطق |
بعت للسفاح أمجاد أبي |
وتنازلت له عن بندقي |
ليس لي في الروضِ طير صادح |
يطرب النفس ولا ظل يقي |
في فجاجِ الوهنِ غاصت قدمي |
ومن الخلْف سرى منطلقي |
والثعابين التي كم سكرت |
من دمائي باركت لي خلقي |
أتراني ويدي مغلولةٌ |
فوق هام النجم يوماً نلتقي؟ |
* * * |
سألتني الشمس همساً عندما |
أبصرت شرخاً للبلى في فيلقي |
ما لأعلامك لم تشرق سنى؟ |
ما لها في جبهتي لم تخفق؟ |
قلت سيل جارف مغترب |
داهم القريةَ عند الغسق |
أشعل الأحزان في أحداقنا |
فإذا أهلي سبايا الغرق |
وإذا أحلامنا مذبوحةٌ |
بين جدرانِ الهوان المطبق |
وغدونا قِصَّةً تعصُرنا |
فرحةُ القالي ورُحْمى المُشفِقِ |
أتُرى المجدُ غداً يجمعُنا |
وخُطانا في الهُدَى لم تلتق؟ |
ورؤانا في سِجِلاَّتِ المَدى |
دامياتٌ بسهامِ الفَرَق |
ضَجَّتِ الأرض وقد روَّعها |
في جلابيبي صَدِيدُ المَلَقِ |
حَطَّمَتْ كأسِي على ناصيتي |
ثم صاحتْ ويْلَهُ من أحمق |
أنا لم ألد أعجوبة في صدرها |
حشرجات اليائس المختنق |
تنضحُ الأدرانُ من أثوابِها |
غصةَ الناظرِ والمستنشق |
يَكْتَسي حلَّتها مسكنةً |
يستقي مشربَها من نزق |
إنَّ أبنائي الألى أرضعتُهُمْ |
من شَذَا بدرٍ ونورِ الخندق |
هم مصابيحي إذا الليلُ سَجَا |
ودُروعي في البلاءِ المحدق |
كُلُّ شهمٍ كانً صوتاً مرعباً |
يا بلادي بِخطى النصر ثِقي |
سجلي الإِصرارَ منِّي قسماً |
وخُذي إنْ شئتِ مِنّي موثقي |
سوفَ أبني بجهادي قلعةً |
وسأروي تُربها من عرقي |
وَمضَوْا للمجدِ غُرّاً أُنُفاً |
في طريقٍ عاطرٍ مُؤتَلِقِ |
من ينابيعي تهادَى ضَوْؤُهُ |
في شموخٍ وارتَوى من عَبَقي |
ثم عاثَ الشرُّ في أحفادِهِم |
ورَمَى كُلَّ شَقِيٍّ بِشَقِي |
نَصَبُوا للَّئلِ منِّي شَرَكاً |
يا تُرَى مِنْ أَي صَوْبٍ أَتقي؟ |
خِنْجرُ المأساةِ في خَاصِرتِي |
ويدُ النكرانِ تَلْوي عنقي |
والصراصيرُ لِضَعْفي أصبحتْ |
تمتطي ظَهري وتغزو أُفُقِي |
والوَنَى يَقْتاتُ من قافِلَتي |
والأسى ينسابُ مَلءَ الطُّرق |
والتماسيحُ التي روضتُها |
أغرقَتْ لِي في الدياجي زورقي |
عرفَت أني معِين ناضب |
وصناديدي دُمىً من ورق |
يا رؤى أمسي المُضيءِ المشرِق |
مَزِّقي تاريخَ يومي مَزِّقي |
واغسلي بالنَّارِ من ذاكرتي |
شبحاً عنهُ بإحساسي بقي |
تلعنُ الأيامُ لي سيرتَهُ |
وصمةٌ تصفعُ وجهَ المشرق |