شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الشيخ عبد المقصود خوجه ))
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك، حبيبك وصفيك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه السادات الغُرر.
إخواني الأكارم.. الأساتذة الأفاضل.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أعتذر من ضيفنا الكريم لدقائق، في الوقت الذي لم تزل العبرة تخنقني مع زملائي محبي الحرف، بوفاة أستاذنا الكبير معالي الشيخ "حسين عرب"، الأسبوع الماضي، تغمده الله برحمته، أبت الأحزان إلا أن تستطيل وتغرس أظافر الألم في أنفسنا مجدداً بوفاة العلامة الكبير الشيخ علي بن محمد بن عبد الحق، الذي عرف بكنية ولقب مذهباً أبو تراب الظاهري، فقد عرفتموه -رحمه الله- من أعمدة اثنينيتكم التي شرفت بتكريمه في غرة رجب 1404هـ - الموافق 2/إبريل/1984م، كان فقيدنا الكبير من أفذاذ اللغة العربية وآدابها، بل كان موسوعة في علوم الفقه والحديث والنحو والصرف، والبلاغة والبيان والمنطق، وغير ذلك أيضاً، كما اشتهر بعنايته الخاصة بغريب اللغة، رحم الله فقيدنا الغالي رحمة الأبرار، وأنزله جنان الخلد مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وألهم الجميع الصبر وحسن العزاء، وعوضنا عنه خيراً إنه ولي ذلك والقادر عليه، أسألكم الفاتحة.
الأخوان الأكارم.. الأساتذة الأفاضل.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يطيب لي أن أرحب باسمكم أجمل ترحيب بضيفنا الكبير معالي المهندس رائف يوسف محمود نجم، الذي تجشم لأواء السفر من عمانَ ليمتعنا بلقائه، ويقتطع من وقته الثمين حتى نستزيد من فضله وعلمه، رغم شواغله الجمة ومحاضراته العديدة داخل وخارج الأردن. فله منا الشكر والتقدير والإجلال على هذا التجاوب الكريم الذي يَنُم عن كرمه الأصيل وتحمله لمسؤوليات العالِم العامل المدرك لأبعاد رسالته تجاه أمته.
فأهلاً وسهلاً به بين أهله ومحبيه وعارفي فضله، فقد تماهت شخصيته في القدس وأعظم به تماهياً تشرئب له الأعناق وتزهو به الأنفس.
فارس اثنينيتنا كما تعلمون، من الصفوة الذين اختصوا بالدراسات المقدسية، وبحكم دراسته وتخصصه فقد توجه بكل مشاعره وعزمه وعلمه ودراساته وأبحاثه نحو القدس الشريف، فساهم مساهمةً أحسبها سوف تجعله في مصاف الكبار الذين كتبوا عن القدس، فكان لهم شرف السبق وسيكون له بإذن الله سبق الانتماء إلى تلك الأرومة الفاضلة من العلماء والرَّحالة الذين تركوا لنا إرثاً لا يُمحى عن القدس وهم كُثر، رأيت أن أذكر ثلة منهم لنقف على من يقتدي اللاحق بالسابق، فمنهم: شمس الدين المقدسي، والشريف الإدريسي، وابن بطوطة، وأبو القاسم بن حوقل البغدادي، وناصر الدين خسرو، وزكريا بن محمد القزويني، وابن فاضل العمري، وأبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه. أخال ضيفنا الكريم ينظر إلى هذه السلسلة من العلماء والمؤرخين والرحالة الأجلاء، ويحدث نفسه مفاخراً أولئك قومي فجئني بمثلهم، وله الحق أن يفخر ولنا الحق أن نزهو به وبفضله.
إن القدس وبيت المقدس ومدينة السلام، التي عُرفت قديماً بإيلياء وكانت موئل الأنبياء عليهم صلوات ربي وسلامه، تمثل بُعداً أصيلاً في الوجدان الجمعي للمسلمين، بل هي أصل من أصول العقيدة، لقوله سبحانه وتعالى آمراً المسلمين: قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. هذه الرؤية الشمولية للجغرافيا المقدسة تعني بالضرورة دمج المكان المقدس يهودياً ومسيحياً في الجغرافيا الإسلامية، فالأصل الإبراهيمي عند المسلمين هو النقاء الأول الذي اعتوره بعض التحريفات اليهودية والنصرانية حتى أخرجه من سياقه، وبهذا تأتي القدس من مظلة إبراهيم عليه السلام رمزاً ذا دلالات لا تخفى عليكم ويحكم هذا التوجه حلقة أخرى تتمثل في القبلة الأولى للمسلمين، فقد ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تجاه بيت المقدس قبل الهجرة، جاعلاً الكعبة المشرفة بينه وبين المقدس، فجمع بين البيتين المقدسين، وعندما هاجر صلوات الله وسلامه عليه إلى المدينة المنورة اتخذ قبلته تجاه بيت المقدس، واستدبر الكعبة لمدة سبعة عشر شهراً، إلى أن أمره الحق سبحانه وتعالى بتغيير القبلة بقوله عز وجل: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ. وبهذا فإن بيت المقدس هو أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين.
ثم تأتي النقلة الثانية لتأطير التواصل الإسلامي ببيت المقدس، وإعطائه بُعداً أكثر من مجرد الرمز الذي كان متمثلاً في القبلة الأولى، باعتباره واسطة العقد في الإسراء والمعراج، تلك الرحلة الخارقة التي سجلها الحق سبحانه وتعالى قرآناً يُتلى إلى يوم الدين: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.وهذا الألق الرباني تجذّر عميقاً في نفوس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأصبحت الصلاة في بيت المقدس حلماً يراود كل مسلم بعد أداء فريضة الحج والعمرة وزيارة المصطفى عليه الصلاة والسلام بطيبة الطيبة.
ودخلت القدس دائرة الملموس والمحسوس في المقدسات الإسلامية، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تٌشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى، ولمزيد من التواصل الروحي والعضوي بين المسلمين والمسجد الأقصى في حديث أبي الدرداء: الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة. إن هذا الزخم الروحي والتاريخي يجمع المسلمين صفاً واحداً من أجل حقهم الديني والتاريخي في القدس، مدينة السلام التي ظلت عبر مختلف العصور مكاناً فريداً للتعايش السلمي بين الديانات السماوية، ولم ينتقص حق أي أمة في احترام مقدساتها والقيام بشعائرها في التاريخ المعاصر، إلا تحت الهجمة الصهيونية التي نتجرع آلامها حالياً، مدعوماً بآلتها الإعلامية الضخمة، وتواطؤ أو خوف أو طمع أطراف كثيرة في المجتمع الدولي الذي أصبح -مع كل أسف- يكيل بمكيالين، ناظراً إلى المسلمين بعين السخط، بينما يرتع الصهاينة ومن شايعهم تحت عين الرضى التي هي عن كل عيبٍ كليلة.
إن الدور الإيجابي الذي يقوم به فارس أمسيتنا في التعريف بقضية القدس يشكل محوراً مهماً، ويضع معاليه في قلب الحدث الذي عجزت عن مواكبته بعض الآليات التي كنا نأمل أن تؤدي رسالتها بما يتفق وتطلعات الأمة الإسلامية، وليس الهدف في هذه المرحلة مخاطبة الذات، أو التوجه بالخطاب الإعلامي إلى العرب والمسلمين، بل ينبغي مخاطبة الآخر وبلغته وطريقة تفكيره وبسط الحقائق التأريخية أمام الرأي العام العالمي، وتوضيح مواطن الخلل والتحريف والفساد في بعض المعتقدات التي يبثها الإعلام الغربي بجرعات مدروسة، حتى تخدم أهدافه بعد فترة زمنية طويلة، لأن مثل هذه الآراء تتسرب ببطء حتى ترسخ في الوجدان الجمعي في المستهدفين من الخطاب، ولن يتمكن ضيفنا الكبير وحده من مجابهة مؤسسات تعمل بميزانيات خرافية لتخترق صفوف بعض المسلمين في أفريقيا وآسيا، بعد أن تأكدت من وصول رسالتها إلى العالم الغربي، بينما إعلامنا يتحرك للأسف ببطء شديد، وميزانيات محدودة، وخطط غير واضحة الملامح، الأمر الذي يتطلب وجود أوعية مؤسسات مستقلة تستطيع أن تستقطب جهود كثير من العاملين المخلصين في مختلف التخصصات وميادين العطاء، فالغريب أن قضيتنا عادلة وتدعهما حقائق التاريخ والكتب المقدسة، ومع ذلك تغيب وسط غبار توجهات خاطئة، باطلة وفاسدة، لا تقف على قدمين أمام سطوة الحق وقوته، ويتأثر بمحيطها الثقافي سياسيون وعلماء على أرفع المستويات الدولية، والنتيجة دعم غير محدود للُّوبي الصهيوني، من دون أن يتكبد خسائر تذكر، غير ما بذره من أفكار تراكمت بمرور الوقت لتشكل عاملاً فاعلاً في غسل أدمغة كثير من صُناع القرار حول العالم.
إن ضيف أمسيتنا قد ساهم مساهمات تذكر فتُشكر، وهناك كثير من ذوي الفضل الذين بذلوا النفس والنفيس لخدمة قضية القدس، ولكن يبقى الجهد مشتتاً -مع الأسف- في النهاية مخاطباً الذات أو متوجهاً نحو الآخر في خطوات وئيدة، في الوقت الذي أحوج ما نكون فيه لطي المسافات وصولاً إلى محطة نستطيع من خلالها على الأقل ممارسة حقنا في مخاطبة العالم وبسط وجهة نظرنا العادلة، فالتفاؤل دائماً يمثل لي الشراع في الوقت الذي ينبغي أن تحركه خفقات رياح الخير والعدل والحق مهما ضَعُفَ شأنها، غير أنها ستكون الأقوى والأنقى والأكثر تأثيراً، فلن يضيع حق وراءه مطالب -كما يقولون -، وإنا على الدرب سائرون إن شاء الله، فقط نأمل أن تتضح الرؤيا، وتتحد الجهود لكي تثمر إنجازات توقف مدّ الظلم والبغي وتدحره إلى الأبد إن شاء الله.
التحية والتقدير مجدداً لفارس أمسيتنا على ما قَدَّم لأمته، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يتقبل عمله قبولاً حسناً، ويجعله في ميزان حسناته، وعلى أمل أن نسعد الأسبوع القادم باستضافة العلاّمة الأستاذ الدكتور حسن جلاب، عميد كلية اللغة العربية بجامعة القرويين بمراكش، وله سبعة عشر مؤلفاً مطبوعاً، وخمسة مؤلفات تحت الطبع، كما ساهم في تحرير موسوعتين علميتين بجهد وافر، ويأتي تكريمه في إطار التوأمة بين اثنينيتكم والنادي الجراري في المغرب الشقيق، والتي تمت بمباركة صاحب الجلالة الملك محمد السادس -حفظه الله- بموجب خطابه الذي شرفني به بتاريخ 10 ربيع الثاني 1422هـ - الموافق 2 يوليو 2001م، وسأتشرف بإعطائكم صورة منه، آملاً أن تستمر جسور التواصل بين جناحي العالم العربي، لما فيه خير الجميع بإذن الله. فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم للاحتفاء به والاستزادة من علمه، وفضله، وخبراته، وثقافته الموسوعية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: أيها السادة، كما جرت العادة في الاثنينية بعد أن أُحيل لاقط الصوت إلى المتحدثين وبعد ذلك سنستمع إلى فارس الاثنينية، بعدها سيُفتح باب الحوار بينكم وبين فارس الاثنينية، فمن لديه سؤال أو استفسار فعليه أن يوافينا به مشكوراً. أترك الميكروفون الآن إلى معالي الدكتور رضا محمد عبيد، مدير جامعة الملك عبد العزيز بجدة سابقاً، وعضو مجلس الشورى. تفضل.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :850  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 112 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج