(( كلمة الأستاذ الدكتور منصور إبراهيم الحازمي ))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. |
يسعدني هذه الليلة وفي رحاب هذا المنتدى الثقافي العامر وأمام هذه النخبة المتميزة أن أتحدث إليكم قليلاً عن هذا الشاب العَلَم المتألق، تلميذي السابق محمد رضا نصر الله، عرفته قبل حوالي ثلاثين عاماً، أي قبل جيل مضى، حينما كنت عميداً لكلية الآداب جامعة الرياض ما بين سنتي ألف وثلاثمائة وثلاثة وتسعين، ألف وثلاثمائة وستة وتسعين هجرية، ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين، ألف وتسعمائة وستة وسبعين ميلادية، أي خلال سنوات العبور المظفرة، وبداية الطفرة، استدعيته في مكتبي وقلت له: لا أنصحك يا بُني أن تلتحق بقسم الإعلام، قال: لماذا؟ وكان مستغرباً، قلت: لأنه قسم مهني وليس قسماً أكاديمياً، فلماذا لا تلتحق بقسم اللغة العربية وآدابها وأنت المهتم بالأدب وبالتراث العربي، ولك حضور لا بأس به في بعض الصحف والندوات الأدبية، واستطعت إقناعه بالتحول إلى القسم الذي أنتمي إليه، فكانت بداية التعارف والاتصال. أما قسم الإعلام فلم يكن بالسوء الذي صورته له، ولكن بريقه إبّان ولادته كان مبهراً للطلاب لارتباطه بالشهرة والنجومية، فازداد عليه الازدحام، وكسدت بضاعة الأقسام الأخرى، فكان لا بد من تدخّل الكلية. |
ومع ذلك، فإن تدخلي الرسمي في ذلك الوقت لم يحل بين نصر الله وبين النجومية، لقد كان إعلامياً بطبيعته، شديد الحركة، زائغ النظرة، فضولياً، يحشر نفسه في كل شيء. ويبدو أن هذه من صفات الإعلامي الناجح، لم تُغْرِه الأكاديمية في ذلك الوقت، وقد كانت جذّابة مغرية؛ لم "يتكدّم"، مع أنه ذو فضول علمي، إلى جانب فضول النسب وفضوله الاجتماعي. ربما كان أكثر حكمة وأدقّ نظرة من بعض رفاقه الشباب، فقد انصرف الناس في سنوات الطّفرة إلى البراري والقفار، يبيعون ويشترون، وعاد بعض طلابنا إلى الوطن حنيناً إلى الأرض أو خشية عليها من الضياع، وأقفرت الفصول، ولم يكن في السنة الثالثة بكلية الآداب –قسم اللغة العربية– سوى طالب واحد فسمحنا له بالغياب، وقد أصبح دلاّلاً كبيراً، أما صاحبنا نصر الله فقد كان والحق يقال، دائم الحضور، لم أره يذرع أو يتسكع في فضاء غير فضاء المعرفة والعلم. |
ربما كان من أهم الأسباب التي أغرته بالمكوث تعلقه الشديد بالثروة الحقيقية التي وجدها في كليته، وقد كانت تضج بالحركة والعلم رغم تواضع مبانيها وكآبة فصولها ومرافقها. ومن أساتذتها الكبار المعروفين على مستوى العالم العربي: عزت النص ومهدي المخزومي وعلي جواد الطاهر وحسن ظاظا وشكري عياد وأحمد كمال زكي. ولكن الجيل الأول من الأكاديميين السعوديين هم الذين أحدثوا في الحقيقة النقلة النوعية في كيان الجامعة فظهرت الدوريات والجمعيات العلمية والأقسام الجديدة، كما كثرت المحاضرات والأمسيات والندوات والمؤتمرات، وغدت جامعة الرياض في سبعينيات القرن الماضي ملتقى لكل الأفكار، كانت تعيش في عرس كبير وتعج بالوافدين إليها من جميع أنحاء الدنيا. وكنت أرى نصر الله في كل مكان، لقد عشنا معاً ذلك العرس الكبير، عرس الجامعة، بل عرس بلادنا الحبيبة. |
لقد اختفى محمد رضا نصر الله بطبيعة الحال بعد تخرجه من الكلية، فلم نعد نراه متسكعاً في الممرات وخلف الأبواب، ولكنه ظهر متألقاً في أروقة الصحافة وشاشات التلفزيون، وجرّنا معه نحن الأكاديميين البسطاء إلى الأضواء. وكان جيلنا قبل ظهور الحداثيين في أوائل الثمانينات متواضعاً يعمل بصمت. لم تشغلنا بنية النص الأدبي بقدر ما كانت تشغلنا بنية الوطن، مع أن جامعة الملك سعود، كما يقول المرحوم شكري عياد، أول جامعة عربية تُدخِل علم الأسلوب في مناهجها، وعلم الأسلوب من أهم ما أفرزته الحداثة. وسعدنا ببرامج الصديق تلميذنا محمد رضا نصر الله، لأنها كانت تتميز بالرزانة والاعتدال. واستحوذت عليه صحيفة الرياض في ذلك الزمان، واستحوذ هو علينا في رياضه الأسبوعي الرائع. فظهرت في بداية الثمانينات الميلادية هذه الزوايا: |
- "الكشكول" لحسن ظاظا. |
- "نوافذ مشرعة" لأحمد كمال زكي. |
- "حروف بلا نقاط" لأحمد الضبيب. |
- "قراءة ثانية" لعزت خطاب. |
- "لقطات" لشكري عياد. |
- "مواقف نقدية" لمنصور الحازمي. |
لقد كان لنصر الله طرقه المؤدبة في الإقناع، ولا تملك إلا أن تشاركه همه الوطني والثقافي، كما شاركنا هو الكثير من همومنا. ولكن رغم كل هذه الحسنات والمزايا التي يتمتع بها، فإنه لا يخلو من روح تهكمية وميل فطري إلى فضح الزيف والإثارة. وقد تكون هذه أيضاً من صفات الصحافي الناجح، على الرغم مما يشوبها أحياناً من صفات القسوة وإثارة الإحن. |
هذه كلمات عابرة عن التلميذ الرائع والصديق العزيز الوفي محمد رضا نصر الله، أتمنى له عمراً مديداً وحظّاً سعيداً، وأن يجمع شيئاً من إنتاجه المبعثر في الصحف والمجلات والبرامج التلفزيونية، فهو جدير حقاً بالقراءة وجزء مهم من تاريخنا المعاصر. |
أما أخي عبد المقصود خوجه، فأرجو له المزيد من التألق والنجاح، وأشكره على حفاوته وكرمه، وجزاه الله عنا جميعاً خير الجزاء. |
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
عريف الحفل: إذاً ننتقل إلى المتحدث الآخر سعادة الأستاذ عبد المحسن الخنيزي أحد مثقفي الفكر العربي المعاصر، فليتفضل. |
|
|