شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الشيخ عبد المقصود خوجه ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأصلي وأسلم على خير خلقه وخاتم أنبيائه، سيدنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأساتذة الأفاضل..
الأخوان الأكارم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أرحب باسمكم جميعاً بضيفنا الكريم معالي الأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، مدير عام مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باستنبول، وصاحبيه الكريمين الدكتور خالد أرن، والأستاذ أرول أوجالر.. شاكراً لهم تفضلهم بالحضور من جمهورية تركيا الشقيقة، لنشرف جميعاً بالاحتفاء بهذا العالم الفذ، والأكاديمي المعروف على نطاق الجامعات العالمية، والمفكر والباحث الدؤوب في كنوز الحضارة الإسلامية.
إن الله سبحانه وتعالى سمّى ذاته العلية (السلام).. وأشاع بين الناس السلام، فكان الإسلام دائماً صنو السلام، الداعي له، العامل على نشره، وسد بحكمة بالغة كل الذرائع التي ينشأ عنها اضطراب المجتمعات، فقال عزّ وجلّ: كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ، فالحق سبحانه وتعالى لا يريد لنا غير السلام والأمن والطمأنينة، وأعداء الله يريدونها شعواء تأكل الأخضر واليابس، ليعيثوا في الأرض الفساد، ويتهيأ لهم المناخ الملائم لنشر جرائمهم ضد الإنسانية، وما نشهده اليوم من عدوان صارخ على كثير من المسلمين في فلسطين وأفغانستان والهند والشيشان وغيرها من بؤر التوتر، استمرارٌ لنيران الحروب التي سيطفئها الله عزّ وجلّ، حتى تسود المحبة بإذن الله، وتنتشر في الأرض ثقافة السلام.
هذه التوطئة القصيرة كان لا بد منها كدهليز يقودنا إلى قلب القلعة الكبيرة التي يقودها ضيفنا الكبير بصمت وتجرد ونكران ذات وجهاد مبرور، ولا أزكيه على الله، فقد أنشأ وأدار "مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية" باستنبول قبل أكثر من عشرين عاماً، بأهداف محددة، وبرامج واضحة.. فقد نظر ضيفنا الكبير بعين ثاقبة إلى مصادر القوة في مختلف الحضارات، فوجد أن الإنسان يبقى دائماً العنصر الأساسي في تطورها ونشرها، فهو الثابت بما له من قيم وعقائد، وما خلاه متحول يصل إلى درجة الذوبان في الآخَرِ.. لذلك كان وما زال من أهم أهداف المركز إجراء البحوث التي تتناول تاريخ الشعوب الإسلامية، ولهذا الغرض سافر ضيفنا الكبير إلى معظم أنحاء العالم الإسلامي، دارساً جلداً، ومنقباً صبوراً، ومحاوراً ذكياً، وكاتباً لا يُشَقُّ له غبار في معترك الحضارة الإسلامية.
ظل ضيفنا الكبير يتحرك حاملاً هَمَّ السلام العالمي في كل خطواته وحركاته وسكناته، فقد استقرأ منذ وقت طويل أهمية الفهم الصحيح للحضارة الإسلامية لدى الآخر، حتى لا تلتهب الأرض تحتنا بحروب وفتن يشعلها أعداء الإسلام في كل حين.. فكان ميدان ضيفنا الكريم الذي اختاره بعناية كبيرة هو مشروع "تاريخ الشعوب الإسلامية" يرمي من خلاله إلى وضع مؤلفات موثقة ومحايدة حول تأريخ الشعوب الإسلامية على امتداد العالم، وما فتئ هذا الهاجس الكبير يحتل مكاناً بارزاً في اهتمامات معالي أستاذنا المفضال، فهو يعمل وعينه على مستقبل الأجيال القادمة، دون أن يغفل الأثر الإيجابي السريع الذي ستتركه هذه الدراسات القيمة في فكر ووجدان غير المسلمين في الدول المتقدمة، مع تركيز واضح على أوروبا وأمريكا، حاملتي مفاتيح الحلول لكثير من المشاكل وبؤر الحروب.
كان لا بد من التصدي للعدوان الذي تجاوز الأرض ليمسَّ أهم القيم والمقدسات، حيث بدأ البعض يعبثون بتاريخ الشعوب الإسلامية، ويعملون أقلامهم على تشويهه، وبتر أوصاله، وتفسير مفاهيمه بضلالات وأوهام بعيدة كل البعد عن الواقع والحقيقة، وقد استغلوا التقنية الحديثة أسوأ استغلال لخدمة مآربهم الدنيئة، فكانت السينما والمسرح والقنوات الفضائية والصحف والمجلات، طوع بنانهم وتحت سنابك إمبراطورياتهم المترامية الأطراف، تتحرك كلها خلف "مايسترو" يجيد السطو على جهود الشعوب، ويغدق الأموال الطائلة لتكريس الباطل ليدحض به الحق والله غالب على أمره.
لقد باضت أفكار السوء وأفرخت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ونشأ عنها ما تعلمونه من تغيير جذري في الفكر الموجه بإصرار نحو استئصال الإسلام وحضارته، وللأسف جاء هذا التحول الكريه في الوقت الذي يشق فيه ضيفنا الكريم ومشروعه الرائد طرقاً مليئة بالألغام والأشواك والمؤامرات التي تحاك ضد الحضارة الإسلامية، ولا شك أن هذا الأمر يضاعف ثقل المسؤولية على عاتق ضيفنا الكبير، إذ المعروف أن غرس أية مفاهيم مهما كانت صائبة وصحيحة يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، هذا إذا كان ذهن المتلقي محايداً ومتقبلاً بوضوح للرسالة الموجهة إليه، أما إذا كان ذهنه مشوشاً ومليئاً بركام من الحقد والحقائق المبتورة، فالأمر يحتاج دون شكٍ إلى جهود جبارة لاقتلاع الأفكار الفاسدة، ثم غرس قيم الخير والحق والعدل والسلام في مكانها.
إنني أثق تماماً في انفتاح ثقافة ضيفنا الكبير على الآخر، واحتكاكه بالأكاديميين في الغرب والشرق، ومقدرته على تطوير آلياته لمجابهة المد العدائي المدمر الذي انتظم معظم أنحاء العالم ضد الحضارة الإسلامية، وأثق أيضاً في ضرورة دعم واستمرارية مشروعه العظيم "تاريخ الشعوب الإسلامية" الذي يؤسس فكراً خلاقاً لمقارعة الحجة بالحجة، ويثبت بالدليل التاريخي الدامغ بطلان التهم التي تُلصق بالإسلام والمسلمين. وأحسب أن الشاهد الذي يتكئ عليه مشروع أستاذنا الكبير ينظر بعين التحليل والتمحيص إلى تمازج الشعوب الإسلامية لعدة قرون في جو من الطمأنينة والهدوء والأمن والسلام. فنشر ثقافة السلام والعمل على ترسيخها وحمايتها، جعل ملايين البشر يتعايشون في تناغم تام تحت سلطات إسلامية إدارية متباعدة المركز عن الأطراف، وفي ظل نظم اتصالات ومواصلات بدائية، وبالرغم من ذلك كانت قناعة الناس بالحضارة الإسلامية التي تنظم شئونها كفيلة بإيجاد مناخٍ ملائم لوأد الفتن والحروب، وإمكانية العيش وتبادل المنافع بسلاسة كبيرة، وتطوير العمل المنتج لما فيه مصلحة الجميع.
وبعد أن جمع ضيفنا الكبير أطراف مهمته الشاقة، بدأ عملاً دؤوباً لإصدار العديد من الكتب بالإنجليزية، والفرنسية، والروسية، والبلغارية، والبوسنية، واليابانية والكورية، والمالاوية، وبطبيعة الحال التركية، والعربية.. كما أن اهتمامه بالمخطوطات التاريخية قد خدم الثقافة الإسلامية بدرجة كبيرة، وله جهود تذكر فتُشكر في توثيق وتصنيف وفهرسة العديد من المؤلفات النادرة، وأحسب أن معظم المثقفين وحملة مشاعل الفكر في العالم الإسلامي يدينون بالفضل بعد الله سبحانه وتعالى إلى الجهود الحثيثة التي يبذلها ضيفنا الكبير ورصفاؤه لحفظ وصيانة تلك الكنوز التي لا تُقدَّر بثمن، فهي تمثل ضمير الأمة وشاهداً حقيقياً على أثر الحضارة الإسلامية وتأثيرها المباشر على الحضارة الغربية وتطور البشرية بصورة عامة.
مما نُشر بإشراف ضيفنا الكبير "نوادر المخطوطات" "مفاتيح الكعبة المشرفة" "سيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم" هذا غيض من فيض. إن اثنينيتكم وهي تحتفي بمعالي الأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو إنما تحتفي وتكرِّم مئات العلماء والمفكرين والمثقفين في شخصه الكريم، فالعمل المؤسسي الذي يضطلعُ به ويقوده بكل جدارة واقتدار يمثل رأس الرمح في معركة الحضارة الإسلامية المستمرة، والتي سوف تزداد ضراوة مع الأسف مع الأيام، وأقلُّ ما نقدمه لهذا العالِم الجليل وفريق عمله كلمة شكر وتقدير وامتنان، ودعاء متصل بأن يوفقه الله سبحانه وتعالى في جميع مشاريعه الرائدة، ونشهد على يديه ميلاد تراثٍ إسلاميٍّ حضاري يقف في وجه موجات الحقد العبثي الموجه بقوة نحو الأمة الإسلامية ليصيبها بمقتل في حاضرها ومستقبلها، ويتعدى ذلك إلى تاريخها المشرق.
أتمنى لضيفنا الكبير وصاحبيه الكريمين إقامة طيبة في بلدهم الثاني، فمعاليه أبداً مكان إعزاز وتقدير في حِله وترحاله، سعداء باحتفاء الاثنينية القادمة بسعادة الأخ الأستاذ محمد رضا نصر الله، الكاتب الصحفي المميز، وأحد رواد فن اللقاءات والحوارات التلفزيونية الجادة، والتي تمثل رافداً خصباً من روافد الثقافة والفكر، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم للاستماع إلى تجربته التي كانت حكراً على قلة من الأساتذة في الوطن العربي حتى عهد قريب.
يسعدني أن أرحب بالأخ الصديق الزميل خالد المالك الكاتب المبدع والصحفي المعروف ورئيس تحرير جريدة "الجزيرة" الغراء أتانا من الرياض، فأهلاً وسهلاً به وبكم جميعاً.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: وبعد هذه الكلمة من صاحب الاثنينية يأتي دور ضيوفها فيما يمكن أن يقال بمثل هذه المناسبة.
الشيخ عبد المقصود خوجه: قبل أن يبدأ أستاذنا الفاضل بكلمته الكريمة، ترى الاثنينية اثنينيتكم جميعاً، فأرجو ألا يُفهم من كلمة "صاحب الاثنينية" أنها تعود لي فهي منكم ولكم وبكم ومعكم، فالاثنينية هي اثنينيتكم وأنا لست إلا سبباً من الأسباب، وشكراً لكم ولزميلي.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1111  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 78 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الثاني: أديباً شاعراً وناثراً: 1997]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج