شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عريف الحفل: الحقيقة الأسئلة التي وردتنا من السادة الحضور والموجهة لسعادة فارس الاثنينية، السؤال الأول من فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني، يسأل قائلاً:
هل الشعر موهبة ووجدان يتفاعل مع نفسية الشاعر؟ أم هو صنعةٌ وحرفة يستطيع كل من مارس علم القوافي أن يتربع على عرش الشعر، ويصبح شاعراً مرموقاً؟ يشار إليه بالبنان، فقد كثُر الشعراء في هذا الزمان، وكلٌّ يزعم أنه مبدع؟.
الأستاذ قاسم حداد: أظن بأن الفن والإبداع والشعر من هذا الحقل، هو بإذن الله موهبة، وكل ما يأتي بعد ذلك سيصقل هذه الموهبة، لكن الشرط الأساسي وهذا اتفق عليه كل المعنيين بالأمر والمتصلين والعلماء؛ والمبدعون أيضاً يقترحون علينا أن نؤمن ونصدق هذه الحقيقة لكي نضع الفعل الشعري أمام الشرط الحاسم منذ اللحظة الأولى، وهي النعمة التي يمنحها الله للإنسان، غير قابلة للتفسير، غير قابلة للتحليل المسبق وغير متوقعة، لكن التجربة فيما بعد هي التي تؤكد أن هذا الإنسان موهوب أو غير موهوب، لأن كثيراً من المدرسين والأساتذة والعلماء يعرفون بحور الشعر أكثر من الشعراء أنفسهم، لكن من المؤكد أن معرفة البحور والمحيطات لا تساعد الإنسان أن يكتب شعراً.
عريف الحفل: الأخ السائل الأخ محمد عبيد الله السيد الأودن، يقول طبعاً يسأل شعراً يقول:
أرى أن الهوى أصلُ المشاعر
فلولا نورهُ لم يبدُ شاعر
وأحسب أنه سرٌ جديرٌ
ببحث رموزه فوقَ المنابر
فما هو رأيُكم في الحب إني
أرى أن الهوى أسمى المشاعر
 
الأستاذ قاسم حداد: أنا أعتقد أن الحب أهم من الموهبة إذا أردنا الحقيقة، لأن الحب هو الفعل الأساسي للإنسان للحياة ككل، فالحب بكل أشكاله حقيقة لأني لا أتصور أن هناك شاعراً أو مبدعاً أو.. في كل حقول التعبير الإنساني لا يمكن أن يصدر عن شعور غير شعور الحب، يعني.. وهذا هو الشرط الذي يجعل العمل الأدبي جميلاً وجديداً وجديراً بالإنسانية، لأن فعل الكره وفعل الحقد والمشاعر السلبية على الأقل من وجهة نظري لا تستطيع أن تحقق إبداعاً، لذلك يجب أن نضع شرط الحب قبل الأشياء الأخرى.
عريف الحفل: الأستاذ عبد الحميد الدرهلي يقول:
شاعر عالمي تقدره أكثر من غيره ولماذا؟ وبماذا يمتاز شعر هذا الشاعر عن شعرك؟ وهل بوسعك أن تصل إلى مستوى شعره؟
الأستاذ قاسم حداد: هو في الحقيقة ليس هناك شاعر محدد يمكن أن أذكره الآن، لكن هناك شعراء في مراحل مختلفة يمكن الإنسان أو الكاتب يُعجب بهم، وهذا يتوقف على مستويات الوعي والمعرفة والخبرة في حياة الإنسان أن يكون في البدايات يعجب بشاعر أو بقصيدة وفي بعد تقدمه في السن والتجربة يكتشف تجارب أخرى، ومن الظلم لي شخصياً على الأقل أن أذكر شاعراً محدداً لكن هناك شعراء كثيرون من العالم، أتلقى الدروس من قصائدهم يومياً ولا أكتب الشعر لأنني أريد أن أضاهي أحداً.
عريف الحفل: الأخ غياث عبد الباقي يقول:
بدماء مئات الشهداء من أهلنا رجال المقاومة في فلسطين تُكتب أجمل قصائد الشهامة والوطنية، بل هم إن شاء الله يصنعون الفجر القريب حيث النصر على أعداء الأمة وأعداء الإنسانية. والسؤال: ما هو دور الشعر تجاه ما يحدث لأهلنا في فلسطين الجريحة ومتى يتحرك الشعراء لنصرتهم؟
الأستاذ قاسم حداد: يعني دائماً أشعر بأن ما يحدث على صعيد الواقع هو أكبر من النصوص التي تُكتب، خصوصاً في لحظة الانفعال ولا أميل إلى الكتابة المتسرعة عن التجارب، لكن هناك فسحة رحبة أمام الإنسان العربي هي فسحة الأمل إن كان الأمل في النص الأدبي أو الفني أو الأمل في ما يحدث رغم العتمة ورغم الهزيمة المركزة والإهانة التي نتدهور إليها يومياً، أظن بأن هناك حقائق كبرى في تاريخ الإنسانية والبشرية، ونؤمن بها حقيقةً، إن العدل والحق والجمال هي الشروط.. هي الأهداف والغايات التي نسعى لها جميعاً وتسعى لها الأديان، والاجتهادات المختلفة الإنسانية خصوصاً، على هذا الصعيد أنا أتشبث بالأمل وأقترحه دائماً في حياتي وفي نصوصي، أظن بأنه زاد نحتاج إليه باستمرار.
عريف الحفل: الأخ محمد العرابي يقول:
نريد أن تسمعنا مقطعاً شعرياً تحبه ولماذا؟
الأستاذ قاسم حداد: أولاً: أعترف حقيقةً بأنني طوال حياتي لا أحفظ شعراً.. لا أشعاري ولا شعر الآخرين وأنا أعتقد بأن هذه موهبة إضافية للشاعر عندما لا يحفظ الشعر يكون مهيّأً عندما تكون القصيدة الجديدة، مهيّأً لأن يكتب شيئاً جديداً، فأرجو أن تعفيني لأني بالفعل لا أحفظ أشعاراً على ظهر قلب.
عريف الحفل: هذا الأخ سامي خُميّس أيضاً يطلب نفس الطلب، يقول:
قصيدة قريبة إلى قلبك على الأقل ولو تقرأها من الورقة؟
الأستاذ قاسم حداد: القصيدة لي أم للآخرين؟
عريف الحفل: لكم أنتم طبعاً.
الأستاذ قاسم حداد: فكرت في شاعر، هو ليس أحب ولكن.. سأقرأ مقطعاً إذا سمحتم لي يعني.
(( رقصة الذئب ))
انتَظِرْ..
سهرة الأصدقاء انتهت..
وانتهى فيلق الندماء..
الذين استداروا على كأسهم يخلطون
يا قرين الجنون انتظر..
ريثما نسترد التآويل في نصنا
علنا نتدارك أخطاءنا الصائبة
ثمة التائبون عن النص
يسدون نصحاً لنا بالرؤى الغائبة
فانتظر إنهم يصقلون التفاسير
يُفتون أن النبيذ القديم سيفدح أقداحهم
يسكرون انتقاماً بأخبارنا ويَدَّافَعون ويمحون آثارنا خشيةً
فانتظر..
نصك الآن رهن امتحاناتهم
مثلما تُخلط الأشربة
ربما يمزجون الخرائط بالليل
يختبرون العناصر بالنوم
يهتز ميزانهم كلما تعففت عن مأدبة
يعبث الأصدقاء..
وينتابهم ذعرهم كلما تماديت في التجربة
بالغ الأصدقاء بأسمالهم
فانتظر..
لا تنم خارج الحلم
تندم حيناً وينفض عن جرحك الندماء
ويستفردونك في سهرة مسرعة
فانتظر..
لا تدع كأسك المترع
ساعة الأصدقاء انتهت فليكن...
لم يزل زيت قنديلك المنتخب
يستفز الغضب..
فليكن يأسك المعدني اندلاعاً غريبا
يشك ويفتح أسئلة في يقين الذهب
فانتظر.. عند منعطف فاضح
تفقد الأصدقاء ودهشتهم..
مثلما يفقد الذئب عزلته المشرعة.
 
عريف الحفل: هذا الأخ الصحفي الأخ حسن الشهري، من جريدة الجزيرة يقول:
قبل أربع سنوات بعثت لك بمحاور لقاء صحفي، إلا أنك ذكرت بأن الأدباء في البحرين اتخذوا قراراً بعدم التحدث لوسائل الإعلام إلا بمقابل، أسوة بما يحدث في الغرب.. وعللت لي حينها بأن المطبوعات تكسب وتروج وتستفيد من مثل هذه اللقاءات، فلمَ لا يستفيد الأديب؟. السؤال: هل ترى أن الأديب والشاعر في الخليج يمكن أن يحقق مثل هذا الهدف؟ وهل وسائل الإعلام يمكنها أن تساهم في ذلك؟
الأستاذ قاسم حداد: لا طبعاً، لا في الخليج ولا في البلاد العربية، الشاعر لا يكسب لكنْ الصحفيون ورؤساء التحرير وأصحاب شركات النشر هم الذين يكسبون، وأنا أتذكر هذه الحادثة وهي في الحقيقة حادثة وردت في ظرف كنا نعيش تجربة مريرة مع إحدى المؤسسات الثقافية.. وكان الحوار محتدماً حول الأساليب التي نقترحها دائماً على المؤسسات الثقافية والصحافية خصوصاً، لكي يجري احترام المثقف واحترام الشاعر واحترام الأديب كما تُحترم الفعاليات الأخرى في المجتمع، فأظن بأن المؤسسات الثقافية العربية إذا كانت كما تزعم بأنها معنية بالثقافة.. بالمنظور الحضاري خصوصاً وليس من المنظور الاستهلاكي والإعلامي، لكن بالمنظور الحضاري، إذا كانت معنية يجب أن تضع ميزانية واضحة الملامح للقسم الثقافي كما تضع للقسم الرياضي مثلاً، كما تضع للقسم الاقتصادي، هذا اقتراح نطرحه دائماً وإذا حدث أن صادف أحد الصحفيين رد من أحد الشعراء فأظن أن الشاعر له حق ومن حق الصحفي أن يطرح هذا الاقتراح على المسؤول في الجريدة، إذا كنا جادين وأنا للأسف أشعر أنه حتى الآن في المجتمع العربي لا يجري التعامل مع الثقافة والمثقفين والأدب والإبداع والفن، الفن بالمعنى الحضاري لا يجري التعامل معه بصدق وبأخلاق إنسانية على الأقل.
عريف الحفل: الأخ كامل صالح شاعر وصحفي، يقول:
إضافة إلى ما أشار إليه د. غلوم حول معنى "البشارة" فهي ترمز أيضاً في المصطلح الكهنوتي المسيحي إلى السيد المسيح عليه السلام. انطلاقاً من ذلك هل يرى الشاعر قاسم حداد في قراراته العميقة أنه منقذ "الشعر العربي" من آثامه.. وإلى أين يريد قيادته؟
الأستاذ قاسم حداد: أنا شخصياً! منقذ.. منقذ؟
عريف الحفل: هو كتب هكذا.. نعم.
هل يرى الشاعر قاسم حداد في قراراته العميقة أنه منقذ الشعر العربي من آثامه؟ وإلى أين يريد قيادته؟
الأستاذ قاسم حداد: العفو أنا لا أزعم أنني سأنقذ أحداً، أنا في الحقيقة محتاج أحداً ينقذني.
الشيخ عبد المقصود خوجه: أنقذنا معك.
الأستاذ قاسم حداد: لكن أظن بأن صدور الشاعر مطلق شاعر خصوصاً يعني من الرغبة الصادقة في إصلاح العالم، هذا الشعور الطبيعي وهو شعور الحب الذي أشرنا إليه قبل قليل، هو الشعور الطبيعي الذي يجعل العمل الإبداعي مبرراً أمام الشاعر نفسه ومبرراً أمام العالم، لأن رغبة إصلاح العالم ومقاومة الظلم وتحقيق العدالة وتحقيق الجمال وتجاوز التخلف... هذه هي رغبات دائماً تشكل الغذاء الروحي الذي يمنح الشاعر على الأقل بينه وبين نفسه يمنح ثقة وأملاً لا يحصل عليهما من المحيط من المجتمع الذي يعيش فيه ومن العالم ومن مجريات العالم، فأظن بأنه ليس الشاعر والمبدع فقط، أي إنسان في حياته يملك هذا الأمل ويملك هذا الحلم الجميل الذي يجب عدم التنازل عنه وعدم التفريط فيه لأنه هو مبرر حياتنا بشكل كامل.
عريف الحفل: الأخ محمد العرابي يقول:
قاسم حداد من أنت؟ وأين تجد نفسك؟
الأستاذ قاسم حداد: هذا السؤال الأزلي، أنا لا أزعم بأن القصيدة كافية لأن تعطي الإجابة لا على الشخص ولا على النص، لكن أنا أحد الملايين من الكائنات في العالم التي وُهبت بعض قدرات التعبير عن الذات وعن الأحلام الإنسانية، وأنا أشعر بفخر كبير بأنني أمتلك هذه القدرة المتواضعة للتعبير عن نفسي والتعبير عن أحلام البشرية وأحلام الناس، ولدي أسئلة كثيرة أطرحها على نفسي أيضاً.
عريف الحفل: الأستاذ عثمان مليباري يقول:
لو أتيح لك أن تُدوِّن تجربتك الشعرية.. فما هي المحطات التي تقف عندها؟
الأستاذ قاسم حداد: أظن محطات كثيرة، أعتقد بأن طفولة الشاعر أو على الأقل طفولتي بالذات، لأني دائماً أشعر بأن طفولتي.. واحدة من الدروس المبكرة التي علمتني قيمة الحياة، قيمة الحياة وأهمية هذه الحياة هذه في الطفولة، تجربة حياتي.. العملية جعلتني أنتقل فجأة من الطفولة إلى الرجولة تقريباً بسبب الظروف الاجتماعية التي عشتها، فجأة وجدت نفسي أتحمل مع والدي مسئولية العائلة ومسئولية الحياة إلى آخره..، فهذه المحطة الثانية جعلتني أشعر بأن صعوبة الحياة هي الدرس الثاني والتي يجب ألا تجعل الإنسان يضعف أمام هذه الصعوبات، ولكن الدرس الثاني أكد الدرس الأول الذي هو أهمية الحياة وجمالها.
الدرس الثالث: وهو الدرس الذي يمكن أن أقترحه لإكمال الدروس السابقة وهو درس الإحساس بقيمة الحرية، وأعتقد بأن هذا هو الدرس الأجمل في حياتي على الصعيد الشخصي، وهذا ما جعلني دائماً في مواقف كثيرة أقترح بأن فترة الاعتقال والسجن هي أجمل فترات حياتي، لأني تعلمت فيها هذه الحقيقة والقيمة التي تجعل الحرية هي أهم قيمة في حياة الإنسان، والتي يجب ألا يتخلى عنها بأي شكل من الأشكال وجديدة في حياتنا، نحن نتجرع هذه الأقداح المريرة أكثر من خمسين وسبعين وثمانين سنة، ولأسباب مختلفة ليست فقط لسبب العدو الصهيوني، ولكن أيضاً.. أسباب مركبة ومعقدة جعلت هذا العدو يستنسر على أنه يستهين بنا لأننا عشنا طوال حياة الإنسان العربي في التاريخ الحديث تحت أنظمة لا تحترمه ولا تمنحه الحرية، ولا تجعله يكتمل بشخصيته الحضارية، ويكون ضعيفاً... وفي مهب الرياح البسيطة، فما بالك رياح عاتية مثل الريح الصهيونية والقوى العالمية، أظن بأن الثقافة العربية تحمل هذا العبء وتتأثر به وتقترح على المجتمع وعلى المؤسسات والمنظومات السياسية منذ خمسين وستين عاماً تقترح عليه المشاريع التنموية والثقافية والحضارية والتقدمية ولكنه يمعن في تهميش هذه المشاريع، ويرفض الإجابة لأسئلة هذه الثقافة العربية التي تطمح في تطوير المجتمع. ولكن الآن عندما وقع هذا المجتمع العربي بأنظمته السياسية تحت القوى العالمية سيخضع لشروط القوى العالمية ويقبل شروطها التي تتدخل في تفاصيل حياته ومناهج تعليمه وأسلوب حياته.
عريف الحفل: الأخ هاشم الجحدلي يقول:
يا قاسم ابن حداد.. في (الجواشن) أين ينتهي قاسم.. ومتى يبدأ أمين صالح.. وهل ستكرر؟
الأستاذ قاسم حداد: أنا دائماً أعتقد بأن كل تجربة هي تقترح قانونها وقيمها التي لا تكون صالحة للمقارنة بتجربة لاحقة، وأظن بأن من الأفضل أن تكون التجربة الأخرى غامضة حتى الآن، من الأفضل أن تكون مختلفة، ولا أعرف حتى الآن ما هو ما يدخر لنا المستقبل خصوصاً في التجربة المشتركة مع أمين صالح.
عريف الحفل: الأخ نديم الخيراتي يقول:
في بعض نصوص ديوانك "قبر قاسم" نرى تماهياً في التجربة داخل النص مع ذوات تستحضرها في ذاتك. والسؤال: هل ترى بأن هناك تشابهاً في التجربة من الناحية الروحية؟ أم هي محض رؤيا تجذرت في اللاوعي وانبثقت في شكل تماهٍ تأويلي غير مقصود في حد ذاته؟
الأستاذ قاسم حداد: التشابه في تجربة أي شاعر أو أديب بشكل عام، تشابه هو أحد الأشكال التي يكون مرشحاً لها الشاعر، ولكن في كل تجربة جديدة يحاول الشاعر أن يتفادى أو يقلص هذا التشابه، وأن يرجح الاختلاف والمغايرة في النص الجديد عن النص السابق ولكن في "قبر قاسم" تجربة الكتاب خصوصاً هذا الكتاب هو يتكون من ثلاثة كتب في الحقيقة، الكتاب الأول وهو "فهرس المكابدات" والكتاب الثاني "قبر قاسم" و الكتاب الثالث "فهرس الأخطاء" الكتب الثلاثة هي تتقاطع من حيث التجربة الإنسانية للشاعر والتجربة الإنسانية ككل، ولكن تتمايز أو أفترض أو أقترح أنها تتمايز في الأجواء الشعرية وفي اللغة التعبيرية وفي أدوات التعبير والدلالات.. والرموز.. والأقنعة إلى أي حد استطاع كتاب "قبر قاسم" أن يوصل هذه التجربة بملامحها المختلفة؟ أظن بأن هذا دائماً يتوقف على القارئ، ومن المؤكد بأن كل قارئ له بناء على قربه من التجربة الشعرية، وعلى مستواه المعرفي والثقافي وحساسيته الإنسانية تتوقف عليه، حكم القيمة التي دائماً بالنسبة للشاعر هاجس ومهم لكي يتحسس مدى نجاحه أو فشله عند القارئ.
عريف الحفل: الأخ سليمان سالم يقول:
إن المثقف العربي اليوم في مأزق بين صلف المؤسسة وسطوة المجتمع الذي لا زالت تسوده عقلية قروسطية ترفض التغيير وتستطيب المكث في إسار الماضوية المسلَّماتية؛ فكيف يمكن إيجاد مكوِّن عقلي جديد وخلق آلية عقلية موضوعية تقوم على التجربة والاستقراء ليكون لنا مكان بين الأمم، فلقد سئمنا واقعنا الضحل ورتابته القاسية؟
الأستاذ قاسم حداد: هذا هو السؤال والتحدي الحضاري الذي يواجهه المجتمع العربي، وأظن بأن الكلام عن المؤسسة العربية ككل ليس فقط الثقافية هي مؤسسة مضادة لكل ما يتصل بالإبداع الذاتي للفرد، هي مؤسسة لا تقبل الاختلاف، لا تقبل النقد، ولا تقبل شخصية الإنسان ككائن له حقوق وعليه واجبات، المؤسسة العربية تتعامل مع الإنسان تعامله كرعية ليس كمواطن، رعية بمعناها يجب أن تصغي ولا تسأل، هذه الطريقة في التعامل لا نستطيع الزعم بأنها ستبني مجتمعاً وتطور وتنمي الإنسان، بهذا المعنى الأسئلة يجب أن تطرح خارج المؤسسة.
للأسف الذين يزعمون بأن المجتمع العربي والواقع العربي يخلو من المبدعين ويخلو من المفكرين، ويخلو من الطاقات الإبداعية والعلماء، هذا زعم غير صحيح، الدليل على ذلك وكنا قبل قليل مع الأستاذ خوجه نتكلم عن الآلاف المؤلفة من العقول العربية التي نزحت وتركت وطردها المجتمع العربي إلى العالم وهي الآن تساهم في حمل عبء الحضارة الإنسانية، في كل الحقول ونزحت لأن النظام العربي والمؤسسة العربية الاجتماعية والسياسية طردت هذه العقول، لأنها لا تحترم العلم ولا تحترم المعرفة ولا تسمح للسؤال الذي ينطوي عليه العلم والمعرفة.
المشكلة في المجتمع العربي هي مشكلة المؤسسة، نحن نصادف يومياً جميع أنواع المشاريع في المجتمع العربي لكن كل مشروع فردي يكون ناجحاً، اجعل هذا المشروع يصير مؤسسة أكثر من اثنين أكثر من ثلاثة سيكون فاشلاً، لأن العقلية القائمة عليه تقوم على نفي الآخر، نفي النقيض، ونفي السائل، ونفي الاختلاف، لا يمكن أن يتطور مجتمع متجانس مثل تجانس الصخور، والصخور أيضاً مختلفة، يجب أن يكون هناك تنوع، يجب أن يكون هناك قبول للرأي الآخر لأن الرأي المختلف هو الذي يمنحني ثقة بأن ما أفعله صحيح وقابل للنقد، لا يمكن أن نصادف فعالية حضارية غير قابلة للنقد، بهذا المعنى لا بد أن نؤمن بحق الإنسان في المساءلة وحق الإنسان في النقد، وحق الإنسان في الاختلاف، هذه أحد أشكال الاختلاف والحضارة ليس ديمقراطية فقط، شكراً.
عريف الحفل: الأخ عجلان أحمد الشهري يقول:
تعرضت كتب الأدب إلى "إمارة الشعر" في فترة تاريخية خلت من تاريخ أمتنا العربية، فكان أميرها الشاعر الراحل "أحمد شوقي" –رحمه الله– سؤالي من هو أمير الشعر في عالمنا العربي المعاصر من وجهة نظركم؟
الأستاذ قاسم حداد: إذا سمح لي السائل أظن بأن الشعر الآن تجاوز مفهوم الإمارة في الشعر، وهو سلوك وتفكير يجب أن نتفاداه في حقول أخرى فما بالك في الشعر!.
عريف الحفل: الأخ سعيد الهادي يقول:
هل أنت شاعر هجائي هل هذا نتاج تأثير بيئتك عليك، أم نتاج تأثرك بشعراء يسلّون سيوفهم حين يأتيهم شيطان الشعر أم غير ذلك؟
الأستاذ قاسم حداد: حسناً.. حسناً.. أقترح إذا سمح لي السائل بأن المفهوم المتغير والمختلف والمتحول في الشعرية العربية أصبح متجاوزاً للتوصيفات التقليدية للقصيدة أو للكتابة الشعرية، فلم يعد مفهوم مثل مفهوم المديح أو الهجاء أو الوصف إلى آخره، لم تعد هذه التوصيفات تستوعب التجربة الشعرية الجديدة، لأن لحظة النص في الكتابة الشعرية يمكن أن تستوعب مشاعر مختلفة، يمكن أن تستوعب مواقف ورؤى مختلفة في اللحظة نفسها، وأخشى إذا سمحت لي أظن بأن كثيراً من الأسئلة يمكن أن يساهم معي بعض الأصدقاء الحاضرين، لأنه من المؤكد أن لديهم أجوبة قد تكون أكثر تخصصاً وأكثر غنىً، فأرجو أن تقترح على أصدقائي الحضور يساهمون في الإجابة إذا تفضلتم.
الشيخ عبد المقصود خوجه: يا سيدي درجت الاثنينية أن الحوار يتم بين ضيف أمسيتها والأخوة الحضور.
عريف الحفل: الأخ خالد المحيميد من جريدة الوطن يقول:
قرأت لك في مجلة "أقلام" العراقية حواراً قلت فيه أن أكبر خطأ يرتكبه الكاتب العربي هو التفرغ مقابل راتب من السلطة، هل لا زلت على رأيك؟
الأستاذ قاسم حداد: نعم.. هو ليس مقابل راتب هو كأي مواطن من حقه أن يستغل ويعمل مثله مثل أي مواطن.. وهذه حقوق متاحة، جمعية حقوق الإنسان تدافع عن ذلك ليس عن الشاعر حتى عن الإنسان العادي، وأظن بأن المؤسسة التي تصل في لحظة من اللحظات أنها تمنح الشاعر التفرغ لكي يواصل كتابته وراتبه يمشي هذا شيء ليس كرماً مضاعفاً من السلطة وليست هبة وليست مكرمة خصوصاً.
عريف الحفل: الأستاذ نبيل خياط يقول:
الحداثة كيف تنظرون إليها؟ وكيف تنظر هي إليكم وأنتم تعيشون في غمارها؟ هذا هو السؤال الأخير طبعاً.
الأستاذ قاسم حداد: حسناً، سؤال كثير مهم وأشكر السائل عليه، وهو مناسب لكي نختم حديثنا..
الأستاذ قاسم حداد: طوال الوقت كان يصاحبني قلق دائم أمام مصطلحات يجري تداولها كثيراً وخصوصاً مصطلح الحداثة التي أزعم بأنها هي واحدة من أخطر المصطلحات التي يجري تداولها في السنوات الأخيرة، بالنسبة لي الحداثة ليست في النص الأدبي ولا أزعم بأنني كنت أصدر بوعي وسبق الإصرار والترصد، عندما أكتب القصيدة أكتب بشروط حداثية معينة، لكن هذا يحدث عفو الخاطر.
أفهم الحداثة بصيغة أكثر تعقيداً وأكثر أهمية وجذرية، أفهمها طريقة تتصل بالمجتمع وبالحياة وبالمفاهيم اليومية في حياتنا والمستقبلية أيضاً، لأن قصر الحداثة على النص هو قتل للأفق الذي نحلم به كبشر، وهو الحلم الذي ينقل المجتمع العربي إلى المستقبل، والمستقبل هو القَدَر الذي يجب أن نؤمن به لنيل حقوقنا الإنسانية المطلقة، أظن بأن الحداثة ممكن أن تتجلى في مفاهيم يومية وبسلوك يومي يمتد ليشمل السياسة والمجتمع والأخلاق والثقافة والعلوم والاقتصاد، أظن بأن الحداثة هي هذه الآفاق وليست القصيدة وليست النص وليست القصة، شكراً.
الشيخ عبد المقصود خوجه: أحب أن أرحب بسعادة الدكتور منغوم مختار سيسي سفير جمهورية جامبيا بالمملكة ودول مجلس التعاون الخليجي، والأستاذ فاضل غي رئيس تحرير صحيفة الصحوة السنغالية، الذين شرفونا بهذه الأمسية فأهلاً وسهلاً بهما وبكم جميعاً ولشاعرنا الكبير وزميله الدكتور إبراهيم غلوم التقدير والاحترام على ما قدماه هذه الأمسية وبالذات عريس هذه الليلة أتعبناه بحوارنا وأسئلتنا الكثيرة، ولكن صدره دائماً يتسع لمحبيه فأكرر الشكر له باسمكم واسمي، وأترك الزميل الأستاذ كتوعة ليكمل الأمسية.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :618  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 74 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج