شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ قاسم حداد فارس اثنينية هذا الأسبوع ))
ستسمحون لي أن أرتبك بحرية، وأن أتلعثم بحرية أيضاً، فقد غمرتني هذه الكلمات وهذا الاحتفال، وهذا الاحتفال كريم بمشاعره، يستعصي عليّ أن أصفها.
أصحاب السعادة، الأساتذة والأصدقاء، صديقي الأستاذ الشيخ عبد المقصود خوجه، أظن أنني سأقصر كثيراً عن الشكر، لكن قبل ذلك اسمحوا لي في هذا المقام وفي هذه اللحظة بالذات أن أقدم التحية الخاصة لأهلنا الصامدين في فلسطين، وأظن أنها أضعف الإيمان، لأننا نقدمها من هامشنا الصغير بوصفنا الضحايا المؤجلة، وإذا كان في الشعر ما يسعف الروح فإنني في هذه الأمسية أحاول معكم تفادي أكثر لحظات الضعف الإنساني التي أعيشها متشبثاً بالدرس العظيم الذي ظل الشعر يلقنني إياه بلا فائدة.
أيها الأصدقاء الأعزاء، إن غبطة هذا اللقاء تمنحني الآن شعوراً جديراً بالشعر، أشكركم شخصاً شخصاً على حضوركم الطيب، لكن اسمحوا لي أيضاً أن أشكر صاحب الفضل في هذه المناسبة الأخ الأستاذ عبد المقصود خوجه، راعي هذه الاثنينية الذي قد وجّه لي هذه الدعوة منذ أكثر من عام وبقيَ يتابعها باللياقة واللباقة الآسرة، أشكره لأنه هيأ لي شخصياً فرصة لقاء هذه النخبة المتميزة من الجمهور الأدبي والثقافي في جدة، وهي المناسبة الثقافية الأولى لي في هذه المدينة صديقة البحر، واسمحوا لي أيضاً أن أعبر عن تقديري العميق للأصدقاء والأساتذة الذين شرفوني هذه الليلة، بمداخلاتهم وصقلهم للأسئلة التي يثيرها الشعر، أشكر الأستاذ عبد المقصود خوجه، والأستاذ عبد الله منّاع، والأستاذ إبراهيم غلوم، والأستاذ سعيد السريحي، والأستاذ عبده خال، والأستاذ أحمد عايل فقيهي، والأستاذ بهاء عزي عفواً.
أيها الأصدقاء.. ليس لدى الشاعر أجوبة، لكن يمكننا معاً ونستطيع التأمل في الأفق الذي تشير إليه أسئلة الشعر، أكرر لكم شكري على حضوركم الطيب، وأرجو أن تقبلوا مني قراءة بعض القصائد التي سألتزم بالوقت الذي يقترحه السيد مدير الأمسية، ولا أخفيكم بأنني مرتبكٌ ومرتعش الفؤاد وأشعر بأنكم غمرتموني حقاً بما يفيض لسنوات طويلة، وما بقي من عمري لن أنسى هذه اللحظات، أكرر شكري للأستاذ خوجه وأشكركم جميعاً.
الشيخ عبد المقصود خوجه: يا سيدي أنت عريس هذه الليلة، فيبدو أن ارتباكك ارتباك العرسان، فالتقط نفسك، فالكل سعيد بسماعك والكل يتوق إلى أن يقرأك شخصياً، أنا على يقين أن أكثر الحضور يعرفون من هو قاسم حداد، وما هو عمق قاسم حداد، وما هو قاسم حداد الرجل والموقف، فأنت بين أهلك، وبين جمعٍ من محبيك، فَقِرَّ نفساً واطمئن فؤاداً، كلنا إعجاب بك، ولهذا اخلع عنك تردد العرسان، وكن المقدام كما عرفناك بقلمك، والذي يصل أحياناً برهافة الحرير وخدش السيف، فلنستمع إليك وأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، فتفضل يا سيدي.
الأستاذ قاسم حداد: شكراً.
(( انتحارات ))
سنقرأ شعراً
يؤلفه الأصدقاء وينتحرون...
ونغتاظ مما سيخسره الأصدقاء
لتبكيرهم في الذهاب
فلهم عندنا جنة في العيون،
لدينا لهم ما تبقى لنا
من بلاد ومن حانة،
يستعيد بها الساهرون مرارتهم
في زجاج كئيب ويحتدمون،
لدينا لهم جوقة من بقايا الحروب،
جنودٌ يؤدون كل النهايات
يفتون في جنة الله
ويستفسرون عن الشمس
حتى يكاد الجنون،
أيها الأصدقاء لدينا لكم
من تراث الضغائن مخطوطة حرة
فكيف سنقرأ شعراً لكم
وأنتم بعيدون عما ادخرناه لليل من قهوة مُرّة
ومن فلذات وأعداء لا يرحمون،
لماذا تَشكّون أنّا وحيدون من بعدكم،
ونحن هنا في البراثن مستوحشون
ونرفل في الوهم،
كيف تسمون أخطاءنا نزوة
ولدينا لكم،
لو تركتم حماقاتكم برهة خصومٌ ألداءُ
يسترقون من النص ما يجعل السيف تفاحة،
يغالون في الاجتهاد ويستنفرون إذا مسهم صمتنا،
أيها الأصدقاء الوحيدون في صمتهم،
لماذا ذهبتم بمنعطف فادح
ولكم عندنا العاشقات اللواتي يطرنَ لكم شهوةً
ويغسلن بالرغبات الحميمة أجسادكم،
لدينا لكم لو تريثتم نزهةٌ في الهزيع النزيه من النص...
كي تأخذوا آخر الأوسمهْ،
فكل انتحاراتكم عبثٌ عارمٌ وكل احتمالاتنا مظلمهْ،
لماذا تظنون أنا قرأنا لكم سأماً؟ وتنتحرون.
لماذا لنا وحدنا أن نرمم إرث الضغائن بالشعر
كي نستحق اللحاق بكم،
ولكم وحدكم رغبة في الغياب كما تشتهون؟
أيها الأصدقاء الحميمون،
ماذا سيبقى من الشعر يقرأه الآخرون علينا
لننقذ أرواحنا بغتة
ريثما يسترد الخصوم طبيعتهم في الكتاب
وينتحرون.
 
(( الوردة الرصاصية ))
في البدء كانت جنة الرؤيا
أرى فيما أرى
تبكي صنوبرة على صحن المدينة، والخيام تجل له الرؤيا
أرى طرقاً ستأخذني إلى طرق ستأخذني إلى طرق وبحرا
كالمدى
فيما أرى
كانت ستعشقني العذارى، سوف أصبح نجمة
في شرفة، لو نشرة المذياع قالت آخر الأخبار قبل الهجرة
الأولى
رأيت وما رأيت
مدينة تمشي وعذراواتها يفقدن عشاقاً ويفتقن القميص
ويحترفن الغزل كي يفتقن ثانية
رأيت كما رأيت
لهن شاهقة الرؤى
لي منتهى شجر سيحنو فوق
جنتي المحاصرة المباحة
هل رأت تفاحة الفصحى قلنسوة
البلاغة غيمة الشعراء
كانت جنة الرؤيا بدايتيَ الأخيرة
هل رأت فيما رأيت
نهاية الهجرات
كل مدينة وجر ومنعطف السلالة
جيفة ترث الجزيرة
هل أرى وطناً يعيد الشكل، يمزج جنة الرؤيا بغوضاي
الجميلة، يخطئ المعنى معي، يهتاج في لهب السبابا
قالت الأخبار هجرتي الكسيرة في طريق كلها طرق مطوقة
بعراوات
يحرسن المخيم بالدم العاري
ويسطعن انتشاء في دم لي
أو دم لغموض أخباري
لهن خفائف يخفقن فوق مخيم وكنيسة تنأى
رأيت صلاتهن جنازة
يعشقن فرساناً ويفتقن القميص
لكي يطيب الغزل، يفتحن الصدور. لهن جرح وردة في
القلب. يفضحكن العواصم بالمخيم
هل أرى فيما أرى
مرآتي انهارت على حجر الطريق ورفقتي ينصبن أشراكا
يسمين الحراب حديقة والماء مأوى
يبتكرن نهودهن، يضعن في شرفات أحلامي حناجرهن
لي عشيق مغامرة بلاد هيأت أسرارها
لذبيحة الرؤيا
أرى فيما أرى
مدناً تجرجر عارها ومدينة تستنفر الأسرى
ترصع جمرها مختالة
وتصيح بي في هودج الهجرات
لي ماء يقاومني لكي أنسى
لها ماء يسمى ملجأ وخديعة تئد
النساء
يطأن قلبي
كل ما ينسى يسمى جنة الرؤيا
لهن تميمة في طينة الجسد الطري
وكلما أنسى
اسمي وردة الفوضى عشيقتي الصغيرة. كلما أنسل
من ليل المدائن، من سلالة جيفة ترث الجزيرة
كلما
في جنة الرؤيا أرى مستقبلاً
وأرى حفيرة
* * *
أسعفته اللغات ليحتمل الموت
كي يشهد الشرق مستسلماً للغروب
حوله جوقة
ليس للشرق، لم يبق إلا صد للقيود
التي تنحت العظم
إني بريء من الشرق
من قلعة من كهوف
بريء من الصمت مختبئاً في الكلام
اللغات التي أسعفتني إلى الموت غادرتها
ألجأ الآن للخيمة الحرة المشتهاة
ألجأ الآن للتيه للمنتهى
ليس لي
للبيوت التي طاردتني
لجبانة ضاق بي قبرها
للمدى يحضن الطائرات المغيرة ليلاً
ويغتالني
* * *
مشى في شهوة الفوضى
يواري كل شيء في فضاء الشرق في شكل له
لا يقبل الترميم
مشى في وحشة التهويم
لن يصل الكلام إليه
يمضي شاهقاً يغضي لجنته التي شْهى
يؤالف أم يخالف
أم يؤدي طاعة للطقس في ردهات
هذا الكهف
لا تسأ
فقد أضحى بعيداً نحو جنته
وحيداً صار في حل من التنظيم
لن يصغي لمنعطف اللغات، تراثه تيه
ويخرج من جمال رماده شعب الشظايا
شهقة القنديل
جلجلة الكتابة والصدى
وفضيحة التنجيم
يمشي خارج التقويم
* * *
أسعفته
ولكنها حاصرتني
رمته على كوكب الليل
هاجرت كي أفضح الليل في
الشرق
لكنها
في غبار التراتيل كانت له
للذي نكهة الخبر في ساعديه
الذي يبدأ الشرق من لثغة في يديه
الذي
أسعفته اللغات وصلت عليه
التي أسعفتني شكتني لشرق النهايات
نحنو عليه
بشمس
رصاصية
ودعته
دعته لكي يقبل القتل، كي يحسن
اللغو واللهو
كي يستفيق الحطام الإلهي
لكنها حاصرتني
* * *
سألوه
واشتبكت جيوشٌ فوق جثته
تلائم
أو تقاوم
طينة الجسد الرمادي احتمت بسلالة الشورى
تقاوم أو تلائم:
طينة الجسد الطري تحاسرت
عبرت بلاداً كالشواهد، راودتها شهوة المنفى
تلائم
عندما سألوه كانت نحلة الرؤيا تغيم بمقلتيه
وكان تاريخ يضلله الوضوح
سألوه
كان موزعاً بين السقيفة واحتمالات الخلافة
واضطراب النص والفتوى
ومختلف الشروح
سألوه في شفق الوقيعة والمشانق كلها
كانت له
قاومت:
لكن ما الذي يبقى
تقاوم لأجلك الرايات
موتك سيد
ستكون عبداً عندما لا تنحني في ظل قوس النصر
يبقى، ما الذي يبقى
تقاوم أو تلائم
جنة الرؤيا يداك
وكاحلاك على رماد بارد، قاومت أو لاءمت
كانوا يسألونك الفقه والقانون والمتن الذي
كتبوا هوامشه وسدوه بجلدة كاسر
وجميع ما يبقى لك الآن
الكتابة والغياب
هذيت أو كاشفت، إن سألوك
قل لهم الجواب
هذيت أو حاصرت أسرار الذبيحة
سيد في الموت
لا دمك الذي يغري بأنخاب دم عبد
ولا العربية الفصحى ستبتكر البلاغة عندما ترثيك
قاوم
واحفظ الطين الطري
ولا تلائم
كلما سألوك
قاوم
سوف تهذي سيداً ويموت موتك
عندما نصبوا السرادق خارج الأسوار وانتظروا
لكي ينهار وقتك
أين صوتك دع لهم سعة لكي تصل القوافل مكة
بالقدس
تمتد القبائل
دع لهم، يطأون جثتك الغطيسة
كلما واصلت صمتك
فاتئد
سيكون في الطين الذي ليديك شاهدة
لتسمع عندما تهذي
يقاوم:
أو يلائم
عندما تغوي يديك سفينة التيه
انفصل
دع فسحة كي لا تغادر جنة الرؤيا
وقاوم
* * *
رأيت يدين تشتبكان في جسد
رأيتهما ملطختين بالتلوين
صلصال وصورة عاشق وتفجع الحبلى
خفائفها الجميلة سوف تستقط
من لها
ويدان تشتبكان في الجسد الطري، وجنة في الطين
رأيتهما
عشيق شارد
ومخاضها يغري اللغات
خطيئة العربية الفصحى
لها
ولها خفائفها الجميلة، كدت من خوف عليها
من لها
مغدورة ويدان تشتبكان في جسد تفصته
الحروب، رأيتها
ورأيت فيها لحظة التكوين
* * *
أسرار فاكهة المساء، سريرة المأوى
ومحتملان
موت للذي ينسى
وموت للتذكر
سيد في القيد أرخى للمدائن من مدينته
سيهذي مثل شعب
من له
من لي بهاوية ليهذي
جنتي نعش على رئتيه
من لي
من له
طرق ستأخذني إلى طرق ستأخذني إلى طرق
وأحجار الطريق ستلبس اللحم الذي
قدمان عاريتان
في برد، وكل الأسلحة
تكتظ في أثر طريد
ربما هلعاً
شريد
ربما ولعاً
لها، قدمان
جنات، جحيم، ربما تنسى جميع الأضرحة
قدمان
هل قدم مقدسة الخطايا والخطى ابتهلت
لشيء ليس يسمع
ليس يغفر
خيمة أم خرقة في شهقة الصوفي
أسرار لفاكهة
ستنسى عندما تهتاج في شغف وترتطم الحجارة
بالمدائن المدى
من للصدى
من لي بصارية تسملها المرافئ
للمرافئ
للمرافئ
إنه يهذي
يجانس أو يطابق أو يناقض
إنه يهوى إلى لغة الشرائك
من له قلب ستكسره المناديل الصديقة
أو له شعب ستخلعه الخواريق الشقيق
جنتي عرش على قدميه
محتملان
موت للذي ينسى
سيد في القوس
يصغي للقرى ويقابض المدن الحبيسة بالأغاني
عندما ضاقت به، اتسعت له
وسعت لأكثر من دم
يمشي ويهذي
لم يكن قلباً له
جرحاً
وكل رصاصة تأتي بظهر رصاصة
والقلب، هذا الجرح لا ينسى
ولا يتذكر القتلى
لعلي صرخة في أمة ثكلى
لعلي أمة ثكلى
لها من لي بذاكرة تحاصرني.. ولا تبلى
أتوا من فجوة في البحر
جاءوا من جنوب الوقت
إن الله لا يسهو
ولكن الجهات أتت مدججة
بما لا يذكر الجندي أو ينسى
* * *
وردة للبحر
أشكال لموت الأرض
عريش للذي يغزو
قالت واحتمت بالخنجر الدامي
لها قتل وللشعراء فاجعة الكلام
وللذي يرتد قبر
لم يعد قبر
هي الأرض التي للموت
للبحر المراكب والمدى، وممالك مالت على رئة لشعب
شب عن قبص اللغات
لها لأطفال لها، لمغامر ينجو، لهودجة المدائن
وهي تكبو غير عابثة، لشعب شط في تيه ويستثني
ويغفو
غير عابثة وتكبو
من لها، من لي
أرى جثثاً تسير وتحمل الرايات
لم تزل في سجدة الخوف الكئيبة. لم تزل في وهدة
ورأيت نعشاً سيداً
لغة وبحر
والذي يرتد مرصود
له قيد وقبر
سيدي ملك على بحر
وذاكرة ستنسى عرشها، وعريشة أشهى
ومختبلون مأخوذون بالبحر المدج
بالمدى العربي مثل القيد، بالقتلى
بمحتمل العواصم وهي في كيس الخراج
بأمة مصلوبة تهفو لموت سيد
ومفاصل أقسى.. وأعلى
لم تزل
مغدورة تهتاج في قوسين
شامخة بوجه الذبح، تصرخ
كالذبيحة في المدى العربي.. كلا
قال لي
ما أجمل القتلى
هناك موزعين على المداخل يحرسون قبورهم
وأنا على قيدي هنا
هل كنت مختلجاً يواري عاره
أم كنت مثل الوقت محتلاً
من لي بذاكرة تحاصرني.. ولا تبلي
* * *
هودجها يميل
عدل الفرسان هودجها
يميل
مليكة في غربة الشطآن
موغلة تعذبها القبائل
واحتمال الليل، والسفر الطويل
تختال في وجع
له في كل أرض خنجر
ومآتم منصوبة وفم قتيل
مرصودة للهتك، أطفال لها
ولها الصحاري المدى العربي في قيد
وهودجها يميل
وحشة تبكي على وحش
وهودجها مليك الأفق
أعراس لها في مأتم القتلى
ولن تغفو
ولن يهتز بعد الآن هودجها الثقيل
* * *
رأيت رماده يرد يهزج يستعيد نثاره شجراً وتاريخاً
ومحتملان
دار للذي دمه بروج الوقت
دائرة لمن ينسى
رأيت رماد إرثاً لمعراج الصدى، درجاً لشعب شارد
في غربة الأمواج مثل التاج، كان رماده تاجاً على شرق
النهاية وهي تبدأ، لم يكن ينسى عناصره. حريق عامر
وعرائس القتلى وبلدان لها مدن تقاتل أهلها وتحاصر
الشهداء، مرتداً من الأنقاض يخرج، لم يكن هذيانه تعباً
ولا فوضاه تذكرة الخديعة، كان في وله رماداً سيداً
ملك على كلماته، غني، رأيت كلامه شجراً وتاريخاً
ومحتملان
زوج للصبية حينما يتضاحك النهدان
في خجل ويكتظان بالشوق الشهي
زجاجة الرؤيا لمن ينسى ويغفر
عندما يهذي يصوغ رماده وطناً، وطينته الطرية أول
التكوين
* * *
شكل البرتقال وزينة الفوضى وخندقة القتال وعاشق
يحظى بعاشقة وقافلة من الأعداء
شامخة
كأن نقيضة الأسماء: تذكارات هالغة
وللكلمات في أشكالها جنس الذبيحة وابتهالات
الغبار
وصورة للماء
خل وهادماً فينا
يداها دورة الأفلاك
أبراج لها تاج
وهودجها يغطينا
دعوها تحضن الجرحى وتنتخب الضحايا
تفتدي، وتحاسب الموتى إذا ماتوا
دعوها حرة فينا
ستعطينا دماثتها لنشعل زيتها فينا
يداها برتقالة دارنا وحديقة لتهالك الأسماء
كانت عندما كانت هوت في حوضها مدن وأفراس
ونجم شاحب وشرارة الأنواء
* * *
فضحتنا مثلما سكينة تندس
هذا حلم وحش
ونختال به
نسأل من أين إلى أين ولا نسأل عن تاريخها الآتي
ولا تهتز في أحجارنا سنبلة للشك لا نشكو من الوحش
فجاءت
مثل جنية تهذي لكي تلهو بنا
فضحتنا
فتركنا للذي ينثال من أحلامنا
حرية الموتى
تركنا كوكباً في جسد الشرق لكي يختار من أيامنا وتركنا ماءنا الغالي لكي
نشرب من بئر المقابر
فضحتنا
والذي ينهار لن نرأف به
للفضح هذا الجسد
الهالك
هذا الجدث
المالك
لم يبق لهذا الشرق من وقت
سنبكي عندما يخطئه الهدم
افضحينا
أحجارها تاج على ذهب المدائن
صورة للماء
أخبار الحدائق في خبيئتها وليست جنة للنار
مدت لليتامى للمصابين ابتلاءً بالردى
مدت يداً
كانت تحاصر آخر الرايات في شرف القبيلة
من رأى مدناً مكدسة
رأيت هوادج القتلى على خشب عتيق
ربما العرب الذين
مدينة صارت وتختصر المدن
تمحو وتكتب
من رأى امرأة تلملم ظلها لتصد جيشاً
من رآها. في قميص واحد
حلماً ووحشاً
من رأى عرباً على عرب
سلالات، لغات
من رآها أمة منذورة
عرشاً ونعشاً
لهن تميمة الذكرى ومدخراتها
يمشين مصطبرات
ثاكلة وعذراوات
في قمصانهن غزالة مذعورة وجسارة الأسرى
سينسين الكلام، خيامهن الهتك، من أعطى
لفاكهة المساء سفينة مكسورة ومحا الهواء
وصادر الميناء
من أعطى النساء نوافذ الرؤيا وأطفأ نجمة
الأفلاك
من دمنا على يده
ومن يده على دمنا
ومن منا سيرسم آخر الإشراك
من للنسوة اللاتي بنين النهر والمجرى
لهن خديعة الذكرى
لهن الفقد والنسيان
من لي بعدهن ومن لهن عريشة بعدي
وحيدات على خشب المخيم
والمدائن تشحذ المنفى
ويرجع لي الصدى
وحدي
لهن القبر
لي قيد وللفوات أختام الطرائد
للموائد نخبة الأقداح
للرسل الكثيرة فجوة في التيه
مصطبرات
لا يمشين لا يمشي بهن الماء
عذراوات
من لي
ما الذي أسرى لمنعطف الخريطة
مشرقاً كحمامة البشرى
غريباً غائباً
ومضرجاً بتمائم الذكرى
أحايد بين موتين
انتهاء الأرض حتى قهوة المأوى
وخاتمة النشيد
بكت لي أو بكت في جنة تهوي على القدمين. قالت
ربما
وتشبثت بتهدج الفرسان
من لي بعدكم زحلوا خيولكم
تخب وخيموا عندي. دعوها
تحرس اللغة الجريحة
كي أموت وحيدة في حضن
فارسي الوحيد
بدأت خاتمة النشيد بدأت في الذكرى
دعوني خائفاً لو أنهم تركوا لقلبي حسرة الفقد الذي
ينسى
نسوني في نساء، خبأوني في سرير الغدر. لو أن السفائن
كلها ضاقت لكان القتل أجمل من يد مغلولة في وحشة
الصحراء
بكت عند الرحيل وكنت في الذكرى
* * *
بغتة تبرق أسرارنا
في دماء الكوامن في آخر الليل
من ليلة هيأتها التأويل، من قاتل، من مليك ملاك
من هناك
حيث أسماؤنا في بلاد
وأحبابنا القاتلون احتموا في بلاد
ونحن بلا مدخل للسماء
سيبقى على الموت أن يفتدينا
سيبقى لنا في القبور وأسرارنا فسحة للفضيحة
يبقى هلاك لنا
هل رأيت الجنائز تخرج محتجة
ورأيت الدماء المهانة في موتها
ورأيت السماء
تضيق، بعصفورة الأنبياء،
سيبقى هلاك
لنا بغتة هذه المزدهاة بتاريخها
طفلة في السبايا
لها في اللغات انتحار
وفي الشجر المستهام انكسار الغصون
لها في الجنون احتمال البقايا
ترى من لهاف السفائن في غربة البحر في جيئة
وزعتها القبائل في شهقة حرة.. أن تموت
طفلة صدرها في السيوف وأخبارها شغف للحياة وقمصانها مثل شمس تطوف
ملطخة مترعة
ببقايا الصباح وقهوتها للضيوف الغزاة
وميزانها غاية الأشرع
طفلة راهقت
والسلاح تميمها
ظهرها في المخيم والأمة الراجعة
* * *
نهض الرماد كأنه ينأى
كأن شهيقة في زينة البحر
انتهى وقت
سيأتي آخر
فدخلت في نار العناق
سيذهبون الآن
من لي
من لهذي الخيمة المكسورة الوتدين
من يبقى يصد رصاصة الموت الأخير
بكيت في التذكار
كان البحر وحشياً وكنت ملطخاً بالفقد
مازال الدم المهدور في كأس الشوارع في رؤى خشب
ينعطف المواكب
كانت الرايات تجهش
سوف تذهب
من سيبقى
كنت في شفق من الذكرى
كأن السبي فينا مرة أخرى
كأن البحر لن يسع المراكب، والنوارس
سوف تغرينا بمقتبل الضباع
كأنما ينأى
ويحتكمون للفوضى
لهم أسرار ولهم بلاد
جنة الجرح التي رسم الملائكة حولها سوراً
سيحتكمون للفوضى
بلاد لم تزل
وحجارة تمشي
وقلب أثقلته كثافة الرؤيا
بكت لي
دع جوادك يرتوي
من زرقة النهدين
دعني
ربما بعدي ستحتدم الرماح
وبعدك الصحراء
قالت
كلما تنأى
سيحتكمون
تبدأ هذه الفوضى
يد في صخرة الوديان، سوسنة تسن براءة الأمواج
كنا فتية في وردة الفوضى
يعيدون الملامح للذبيحة
يستعيدون الطريدة
فتية للفقد منتصرون في أشلائهم
ويد على جرح
يد في جنة
ساروا على أسرارهم
كان الطريق يعيرهم ليد فترسمهم على حجر الطريق
ملك على الفوضى
وسيدة بلا عرش
وقافلة توزع جمرة الرايات، يخلعها الصديق
خطيئة الرؤيا
ستذهب
من لها
من لي
ستهرع عادة القتلى إلى حجر
دعوه
ذلك الحجر الجميل
دعوه
يبنون البلاد عليه
فوضاهم وجنتهم
لهم أسرار فاكهة ونهر سوف يكسر عادة المجرى
ويركض أو يشط
وربما ينأى
لنافذة تخبئ نجمة الليل
هل تسع المراكب كل هذا
الموج
دعني
دع دمي في وردة الفوضى
يفيض ويحتمي كطريدة النيران خلف الغابة
البركان
يحتكمون
قائمة القضاة
منصة الحكم
المحامون
الذبيحة والطريدة
شاهد الرؤيا
وحراس المدينة
لم يزل ينأى
تلاحقه المذابح
من له
من لي.
 
(( القلعـة ))
أبني القلعة من حولي
أشيدها حجراً حجراً
وأستنفر الجيوش لتبدأ الهجوم
وحدي أستعدي شهية القتال في شجاعة الأعداء..
أهيئ لهم كي يبدءوا شحذ الأسلحة
ويحسنوا التصويب
أبعث بكتب التحديات وأنتظر في القلعة
وحدي..
كل موجة من الهجومِ أسميها تفاحة الغواية..
أمقت الأسلحة ولا أحسن الحرب،
وليس لدي جنودٌ ولا سعاة وحدي
كلما ارتدت هجمة أسعفت الجرحى،
وبعثت بالأسرى مدججين بالهدايا
أرمم أسوارَ القلعة،
أدهنها وأزينها بالقناديل
كي ترشد الهجوم التالي..
فربما يحلو لهم أن يبغتوا في الليل
فها أنا وحدي والقلعة صامدة
 
الأستاذ قاسم حداد: سأقرأ من كتاب مجنون ليلى ثلاثة مقاطع، مقطع على لسان ليلى، ومقطع على لسان قيس، والمقطع الأخير على لسان الشاعر، يمكن..
سأقول عن قيس
عن الهوى يسكن النار
عن شاعر صاغني في هواهُ
عن اللونِ والاسمِ والرائحة..
عن الختمِ والفاتحة..
كنتُ مثل السديم، استوى في يديه،
هداني إليه..
برئت من الناس لما بكاني إليهم..
زها بي وغنوا الأغاني بأشعاره..
فما كان لي أن أقدّر هل أشعلني أم طفاني..
سأقول عن قيس
عن جنة بين عيني ضاعت
عن هواءٍ أسعفَ الطير واستخف بنا واصطفانا
عن كلما همَّ بي تُهتُ فيه،
وباهيتُ كي نحتفي بالمزيج..
عن العشق تلتاعُ فيه الحجازُ
ويشغفُ في ضفتيه الخليج..
سأقول عن قيس
عن حزنه القُرمزي..
عن الليل يتبع خطاه الوئيدة..
عن الماءِ لما يقولُ القصيدة..
بكى لي البكاءَ،
وهيأ لي هودجاً،
وانتحى يسأل الوحش عني..
كأني به لا يرى في القوافل غير الخيول الشريدة..
سأقول عن قيس
عن العامري الذي أنكرته القبيلة..
عن دمه المستباح..
عن السيف لما انتضاه من القلب..
واجتاز بي أرضَ نجدٍ ليهزم كل السلاح..
عن اللذة النادرة،
عن الوجدِ والشوق والشهقة الساهرة..
عن الخيل تصهل بي في الليالي..
والصهدِ يغسلني في الصباح..
ويا قيس يا قيس،
جننتني أو جُننتَ،
كِلانا دمٌ ساهرٌ في بقايا القصيدة..
 
(( عن ليلى ))
سأقول عن ليلى
عن العسل الذي يرتاحُ في غنجٍ على الزندِ
عن الرمانة الكَسلى
عن الفتوى التي سرّت لي التشبيه بالقندِ
عن البدوية العينينِ والنارينِ والخدِ
لها عندي..
مغامرةٌ تؤججُ شهوةَ الشعراءِ لو غنُّوا
صَبا نجدٍ متى قد هِضتَ من نجدِ..
عنِ النَوْمِ الشَفِيفِ يَشِي بنَا.
عَنْ وَجْدِنَا، عَنْها.
لِئَلا تَعْرِفَ الصَحْراءُ غَيْرَ العُودِ والرَنْدِ.
سَأقُولُ عَنْ ليلى
عن القتلى.
وعن دَمِنَا الذي هَدَرُوا
عنِ الوحشِ الصديقِ.
وفِتنةِ العُشَّاقِ
واللَّيلِ الذي يَسعى لَهُ السَهَرُ
عنِ الطِّفْلينِ يَلتقيانِ في خَفَرٍ.
ولما يُزهرُ التفاحُ يَخْتَلِجَانِ بالميزانِ
حتى يخجلُ الخفر.
لِلَيلَى شَهْقةٌ أحْلى
إذا ما لَذةٌ تَاهَتْ بِنا
وتَنَاهَبَتْ أعْضَاءَنا النِيرانُ.
مُتْنا أو حَيينا.
أو يقولُ النَّاسُ أخْطَأنا
سَتَبْكِي حَسْرَةٌ فِينا إذا غَفَرُوا.
سَأَقُولُ عن ليلى
عَنِ المسَافِرِ عِنْدَمَا يَبْكِي طَوِيْلا
عَنِ السِحْرِ اللَّذِيذِ إذا تجَلّى في كَلامِ عُيُونِها
عَنْ نِعْمَةٍ تُفْضِي لأنْ أقْضِي رَحِيلا
عَنْ مَراياها مُوَزّعَةً تُخَالِجُ شَهْوَةَ الفِتْيانِ
عَنْ ميزَانِها مَشْبُوقَةً
عَنْ عَدْلِهَا في الظُلْمِ.
عَنْ سَفَرِي مَعَ الهَذَيَانِ.
عَنْ جِنِّيَّةٍ في الأِنْسِ تَنْتَخِبُ القَتِيلا
لَيْلايَ لَوْ يَدُهَا عَليَّ
ولَوْ يَدِي مَنْدورةٌ تَهِبُ الرَسُولا
سَأَقُولُ عَنْها مَا يُقالُ عَنِ الجُنُونِ إذا جُنِنْتُ
ولِي عُذْرٌ إذا بالَغْتُ فِي مَوْتِي قَلِيلا.
المقطع الأخير..
 
(( هو الحب ))
قُلْ هُوَ الحُبُ
ولا تُصْغِي لِغَيرِ القَلْبِ،
لا تَأخُذُكَ الغَفْلَةُ،
لا يَنْتابُكَ الخَوْفُ عَلى مَاءِ الكَلامْ.
قُلْ لَهُمْ في بُرْهَةٍ
بَينَ كِتابِ اللهِ والشَّهْوَةِ
تَنْسَابُ وَصَايَاك
ويَنْهالُ سَدِيمُ الخَلْقِ في نَارِ الخِيامْ.
قُلْ لَهُمْ،
فِيمَا يَنَامُونَ عَلى أحْلامِهمْ،
سَتَرى في نَرْجِسِ الصَحْراء
في تَرْنِيْمَةِ العُوْدِ وغَيمِ الشِعرِ سَرْداً وانْهِدَامْ.
قُلْ هُوَ الحُبُّ
ومَا يَنْهارُ يَنْهارُ، فَمَا بَعْدَ العَرَارْ
غيرُ مَجْهُولِ الصَحَارَى وتَفاصِيلِ الفَرَارْ.
غيرُ تَاجِ الرَمْلِ مَخْلُوعَاً عَلى أَقْدَامِنَا،
والذي يَبْقَى لنَا تَقرؤهُ عَينُ الغُبَارْ.
والذي لا يَنْتَهِي، لا يَنْتَهِي.
مثلَ سرّ الموتِ
والبَاقِي لَنَا مَحْضُ انْتِحَارْ
قُلْ هُوَ الحُبُّ
طَريقٌ مَلكٌ نَبْكِي لَهُ، نَبْكِي علَيهْ.
لَوْ لَنَا في جَنَّةِ الأرْضِ رُواقٌ واحِدٌ.
لَوْ لَنا تُفّاحَةُ اللهِ جَثَوْنَا فِي يَدَيهْ
 
شكراً جزيلاً.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :749  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 73 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.