شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأديب والصحفي الأستاذ أحمد عايل فقيهي ))
مساء الخير، في البدء، تحية خالصة للشيخ عبد المقصود خوجه، هذا الرجل الذي يؤكد كل يوم أنه مضيء حقاً بإيمانه بأهمية الكلمة وجلال هذه الكلمة ومسؤوليتها.
وأنت تقرأ شعر قاسم حداد تبهرك هذه اللغة، هذا الثراء في اللغة، هذا البهاء المتوَّج بالعمق في اللغة، هذه الإحالات التي لا تنحاز إلى الراهن فقط، ولكنها الأكثر انحيازاً إلى المستقبل والأكثر إيماناً بالإنسان، وهو بهذه الخاصية لا يمثل حالة لغوية فقط، ولكن يمثل حالة شعرية تتجلى في فضاءاتها مفردات الحرية والوطن والإنسان، بالمفهوم العميق لهذه المفردات، ثم البحث عن الخلاص من سلطة السائد والمألوف والمتعارف عليه والمتفق عليه سلفاً في الذاكرة والواقع، إنه الشاعر الذاهب إلى أبعد من اللغة، إلى اللا ممكن والمستحيل، اسمعوه يقول:
هل أنت وطني؟
لست في ريبة ولا في ثقة
ولكن النوارس المذبوحة في قلبي
لا تقدر أن تنام
تظل مرعوشة تنتفض فتسبغ بأرجوانها
لم تخجل النوارس من ذبحها
لم تكن في ريبة ولا ثقة
ولكنها كانت تسأل هل أنت وطني؟
تلك النوارس المذبوحة في قلبي والتي لا تنام
ماذا أقول لها لكي تهدأ في الذبح؟
 
قاسم حداد جاء من لحظة الميلاد إلى لحظة الكتابة مختزلاً العمر والمسافة وعابراً قارات الأبجدية وجغرافيا الروح، وبشجاعة الفارس ومغامرة الفنان والشاعر في قصيدة مكتوبة بإيمان بالغ القسوة وقسوة بالغة الشفافية، وبهذا الموقف الذي لم يحد عنه قط ولم يتزعزع عنه البتة، وهو بهذا يقدم النموذج الناصع والأمثل للمثقف الذي لم يسقط في فخ الإغراءات الرخيصة والعابرة، ولكنه يمثل ذاكرته وذاكرة البسطاء من البحارة والعمال وساكني الهم والواقفين على حافة أزقة وشوارع ومداخل المدن البائسة والحزينة والملتاعة.
أهم ما في قاسم.. قاسم نفسه، وأهم ما في قاسم مواقفه، وأجمل ما تضيء هذه المواقف هذا الشعر الذي لم يذهب إلى اللغة المدائحية والسقوط المجاني والباحث عن مجد زائف وغير ذي جدوى، لقد ذهب إلى أبعد من اللغة إلى ما وراء اللغة، منذ دواوينه "البشارة" و "خروج رأس الحسين من المدن الخائنة" و "الدم الثاني" وانتهاءً بـ "قبر قاسم"، يجد شعر قاسم حداد نفسه أمام لغة تصاعدية مرتكزة على رؤية تتصاعد باتجاه المطلق، وباتجاه هذا الوعي الحاد بالإنسان وبضرورة التغيير بحثاً عن عالم جديد ومختلف ولحظة زمنية وحضارية أكثر اختلافاً أيضاً، ألم يقل ذات يوم:
وطني بعيد مثل لؤلؤة البحار
وطني تزنره المياه وتستريح
يدي عليه كأنه سعة المدار
وطني تهجيت الكواكبَ واحتميت
كأن بيتي موقدٌ وكأن أحلام الوشيعة
خبز أيامي وقافلة انتظاري
وطني بعيد فالتجأت قلت أستثني
قلت أستثني لآخر مرة
وأطوف أكتب هذه الشطآن آخرَ مرة
وأصير ذاكرة الضواري
 
قصيدة قاسم حداد استثنائية ليس في المشهد الشعري البحريني والخليجي وحسب، لكن في المشهد العربي الشعري، لكن استثنائية بوصفها قصيدة قاسم حداد، وبوصفها قصيدته هو لا قصيدة الآخرين، إنها آتية من نفسه ومن حرقة الواقع الذي ينتمي إليه، وبالرغم أن قاسم حداد جاء من ثقافة الأطراف لا ثقافة المركز، إلا أنه كسر ما يسمى بثنائية المركز والأطراف، فجاء حضوره مضيئاً في المشهد الشعري العربي ولم يرتهن إلى المكان المخاتل، لقد تجاوز المكان فصنع من المكان مكاناً آخر، وأفقاً جديداً.
الآن يأخذ الشاعر تكريمه الذي ينبغي أن يكون، الآن يقف الشاعر على الجسر الذي يوصله إلى المعنى الذي حلم به، والغاية التي آمن بها، وهو بهذا يستحق هذا التكريم ويليق به هذا التكريم، ويحتفي به المعنى أيضاً، ذلك أن قاسم حداد في البدء والخاتمة كان وظل معنياً بالإنسان والأرض وبكتابة لغة جديدة ممهورة بالمواقف الشاهقة والصمت النبيل، وشكراً.
عريف الحفل: إذاً، نصل إلى نهاية كلمات المتحدثين فنستمع بما جادت به قريحة الشاعر المعروف الدكتور بهاء عزي فليتفضل.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :702  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 71 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.