شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ فهد السلمان ))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أريد في البداية أن أحيي سعادة الأستاذ الشيخ عبد المقصود خوجه، هذا الرجل الذي يصر على أن يضخ في مشهدنا الثقافي أجمل الوفاء وهو يشعل بوعيه عبر هذه الاثنينية كل قناديل التنوير التي أسهمت وتسهم الآن في بناء شخصية المثقف، وقيادة أدوات البناء الخلاق، سيما وأنني كنت أقرأ عن هذه الاثنينية ونشاطاتها الخلاقة بكثير من الإكبار لهذا الرجل الذي أعلن انحيازه البهي لدنيا الثقافة والفكر والأدب فله مني ومن كل المشتغلين بمهنة الحرف كل الحب والتقدير والامتنان..
أيها السادة قرأت ذات يوم هذه العبارة للأديبة والشاعرة الجزائرية "أحلام" تقول هناك أسماء عندما تتذكرها فقط تكاد تُصْلِحُ من جلستك تكاد تتحدث عنها وكأنما تتحدث إليه بنفس تلك الهيبة وذلك الانبهار الأول، والأستاذ فهد العريفي لا تستحضره الذاكرة إلا بمثل هذا الانبهار، فهو لا يأتي إلا مدججاً بكل تلك الخصال التي تنعقد بها مواثيق الشرف والصدق والإخلاص والوطنية، هو الرجل الذي لم تخفره الأنا، ولم يمر لحظة في محطة البائعين والمتاجرين بمبادئهم بقضايا أمتهم، وإنما ظل هناك حيث مطلع الشمس وحيث تستحم الكواكب بعد سباتها على مقربة من منبع النبل وتخلق البرد، فهد العريفي رجل يجيء دائماً في الزمان والمكان المناسبين من ذلك الرحم النقي الذي لم يلتف أبدا بأوضار الأرض وأوزارها يجيء بطهارة الغايات ونقاء ماء السماء يشق حارة التصحر في أفئدتنا عن عشبة برية، لكنه قد يجيء عاصفاً كرعود آخر الشتاء متى ما استبان أن ثمة من يحاول أن يستلب من الحق عذريته أو يجرؤ على اختزال الصدق في جملة مفرغة، أو يستمرئ نكهة الخيانة مهما كانت صغيرة ومهما كان عنوانها، ذلك بأنه ضد حروف العطف وصيغ التمويه والتعليل والتأويل، فهو في صف الألف على الدوام لأنها ذلك المستقيم الذي ينطلق باتجاه الأعلى ولا يقبل الانحناء، ذلك هو أبو عبد العزيز، شيخي وصديقي ووالدي الروحي الذي علمني وكثيرين غيري أبجدية النبل وأجرومية الفضيلة حين تبدو سلوكاً ومنهج حياة لا مجرد عبارات شكسبيرية يتداولها الناس مثل ما يتداولون التحايا الكاذبة، علمني كيف يكون المثقف الحق ترجمة بل مرآة لأدبيات الضمير وأخلاقيات الفضيلة، علمني أن لغة الكريستال مهما كان حجم الغواية فيها فهي لغة مخاتلة لأنها تهب نفسها لكل الزوايا، علمني أن القلوب الناصعة والمخلصة لا تغتسل بماء الذات ولا تنكفئ على أحاسيس الفرد، وإنما هي فقط من يتطهر بالذوبان في الآخرين ومن أجل الآخرين، علمني وعلمني... علمني كيف يكون الحق نضالاً أزلياً وعناقاً بين غيوم الليل وطوفان الضوء، علمني أن أديم الأرض سجلاً ضخماً لا ينسى للتاريخ هفوات، علمني مهما كنت سأظل صغيراً وضئيلاً ما لم أتبرأ من قرب الذات..
أيها السادة، بيني وبين أبو عبد العزيز -اسمحوا لي أن أناكف سيبويه قليلاً وأسماءه الخمسة لأستعمل الدارج- بيني وبين هذا الرجل أقرب مما بين الكعبة وأستارها، وأقرب مما بين القلب والنبض، وأقرب مما بين الحب والفؤاد وهو مما أعتقد بيقين أنه يخولني الإدلاء بشهادة في هذا المحتفل الذي يشهد تكريمه كرمز من رموز الأدب والثقافة في بلادنا..
وكرجل من رجالات الوطن فقد عرفته قامة من الفضائل منيعة في الحق والصدق، عصية على الردة، عرفته أديباً وشاعراً وكاتباً إنساناً فهو الأديب والمثقف الموسوعي رغم عزوفه الشديد عن التأليف لذرائع هي محل خلافي الوحيد معه، وهو الشاعر المرهف الحس الذي يمطر شعراً أعذب من الخيال ويخفيه تحت عباءة الإيثار.
أما فهد الكاتب المنغمس حتى النخاع في هموم الوطن والمواطن والأمة فهو هذا الذي يقف ملء السمع والبصر، ليس في حدود المحبة فحسب، إنما في حدود كل هذا الفضاء الكبير من سواحل عمان وحتى شواطئ الأطلسي منذ ما يزيد على الخمسين عاماً كجبل أشم تتكسر على سفوحه رياح التيئيس والتوهين والاسترقاق والترويض، فنأى عن حوله كل عوامل المكر والاغتصاب فظل أبو عبد العزيز يكتب بمداد من ضوء الشمس لا تعرف النضوب وبحروف لها جسارة المقاتلين وبفكر بوصلته الوطن والكرامة وبلغة لا تغترف التزييف أو التضليل أو المواربة، ظل هكذا مناضلاً كبيراً في سبيل قيم العدل والحرية، تلك التي دفع إزاءها أثماناً باهظة، لا بل ظل سيفاً عربياً وعروبياً مشرعاً في مواجهة كل باطل وغيمة ماطرة سخية أمام كل نبتة بوسعها أن تعلن خصوبة الفضيلة، وهو فوق هذا وذلك الإنسانُ الذي يتسع قلبه لكل مفردات الوطن وينبض قلبه بها، لم يكن أبو عبد العزيز رجلاً لحائل مثلما اتهمه البعض رغم أنها تسكنه ولا يسكنها وإنما كان رجلاً لكل الوطن وعندما سألوه أحالهم إلى تلك الأعرابية عندما سئلت عن أحب أبنائها إليها فقالت: الصغير حتى يكبر والمريض حتى يشفى والغائب حتى يعود، أما هو فما إن يعود إلى مدينته حائل طلباً للراحة حتى تتقاطر عليه وفود ذوي الحاجات فيمتصون وقته القصير حتى لا يجد متسعاً لإغفاءة صغيرة دون أن يفقد قدرته على الإنصات والتفاعل مع همومهم وقضاياهم وحينما نطالبه بأن يشفق على نفسه يغضب ويثور كأنما اقتربنا من حماه الذي لا يجوز أن يقترب، هكذا هو أبو عبد العزيز أو على وجه الدقة بعض أبي عبد العزيز، السفر إلي تتزاحم فيه القراءات فلا تحتويه والبحر المحيط الذي ينهك أمهر الغواصين الباحثين عن استنزاف درٍ كامن، أخيراً أرجو أن تأذنوا لي أن اختصر كل ما قلت بهذه العبارة الصغيرة: يسألونني.. يسألونني عن جبال مدينتي فأقول هي أجا وسلمى وفهد العريفي..
وشكراً لاستماعكم.
عريف الحفل: إذن الكلمة قبل الأخيرة للأستاذ محمد عبد الكريم السيف عضو مجلس منطقة حائل فليتفضل..
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :600  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 44 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.